تحليل نص فلسفي لصاحبه: محمد عابد الجابري


" لقد استعملنا لفظ الإشكالية ولم نستعمل المشكلة قصدا، والفرق بينهما عندنا يتلخص في كون المشكلة تتميز بكونها يمكن الوصول بشأنها إلى حل يلغيها، فـالمشاكل في الحساب تنتهي إلى حل، باستثناء بعض المعادلات الرياضية التي يكون حلها بالإعلان عن كونها لا تقبل الحل، أمّا المشاكل المالية والاقتصادية والاجتماعية عموما، والمشاكل التي يصادفها العلماء بمختلف أنواعها فهي جميعا تنتهي إلى نوع من الحل.
أمّا الإشكالية، فهي شيء آخر، فعلا يستعمل كثير من الكتاب والقراء عندنا في العالم العربي أو يفهمون هذا اللفظ ونسيبه المشكلة من غير تدقيق، وكأنهما من الألفاظ التي يجوز أن ينوب بعضها مناب بعض... فنحن نستعمل لفظ إشكالية في معنى محدد غير معنى المشكلة.


اقرا ايضا :تـحليل نص الفلسفي لصاحبه عبد الرحمان مرحبا. كتاب: من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية

فالإشكالية في الاصطلاح المعاصر منظومة من العلاقات التي تنسجها داخل فكر معين مشاكل عديدة مترابطة، لا تتوفر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل من الناحية النظرية إلا في إطار حل عام يشملها جميعا.
ملاحظة: في معالجة النص الفلسفي هناك مرحلتين نسمي الأولى بمرحلة فهم النص وهو عمل نقوم به في المسودة نحدد من خلاله ثلاث أمور أساسية: المصطلحات المفتاحية للنص، ومن خلالها تتضح الفكرة العامة، ومن الفكرة العامة نصل إلى السؤال الذي يريد صاحب النص الإجابة عنه. ثم المرحلة الثانية، وتتمثل في تحرير المقالة الفلسفية حول مضمون النص باعتماد الخطوات الآتية:
I - المقدمة (طرح المشكلة)
ينتمي النص إلى مجال الدراسات الإبستيمولوجية، كونه يعالج علاقة المشكلة بالإشكالية، خاصة وأن كلاهما سؤال أو طلب يقتضي جوابا، ويعد من أهم الوسائل الديداكتيكية في العملية التعليمية التعلمية. خاصة ثانية وأن اختلاف الدارسين قد سجل حول تحديد طبيعة العلاقة بين السؤال المشكلة والسؤال الإشكالية، حيث أكد البعض منهم وجود التكامل المطلق بينهما، في حين أكد البعض الآخر على مبدأ الاختلاف التام بينهما. لذا فهل من صواب بين الطرحين؟ وهل كل مشكلة هي إشكالية، أم أنه من المستحيل أن يكون السؤال الذي يثير في الدارس دهشة هو نفسه الذي يثير فيه إحراجا؟ بل هل التباين الظاهر بين الحدين ينفي وجود علاقة بينهما؟ بل ما هو الموقف الذي يؤسسه  محمد عابد الجابري انطلاقا من أنه صاحب النص الذي نحن بصدد التعامل معه؟ وما هي أهم الحجج والبراهين التي اعتمدها لدعم موقفه؟ 
II - التوسيع (محاولة حل المشكلة)
1 - موقف صاحب النص:
أكد  المفكر المغربي محمد عابد الجابري أنه لا يمكن أن تكون  الإشكالية هي نفسها المشكلة، رغم ما هو شائع عند عامة الناس انطلاقا من أن الشائع ليس هو الصواب، بل الحقيقة تكمن في أن الإشكالية تتميز باتساع مجالها، بينما المشكلة فتتميز بمجالها المحدود الذي جعلها تقبل جوابا نهائيا. والنص يحتوي على جمل تعبر عن الموقف، إذ يقول الجابري معبرا عن الاختلاف بين الحدين:        "لقد استعملنا لفظ الإشكالية ولم نستعمل المشكلة قصدا". أكد صاحب النص أن الاختلاف بين الحدين لا يمنع من تسجيل وجود علاقة بينهما ما دامت الإشكالية هي الكل الذي يحتوي على مشكلات جزئية. وفي ذلك يقول:" فالإشكالية في الاصطلاح المعاصر منظومة من العلاقات التي تنسجها داخل فكر معين مشاكل عديدة مترابطة".
2- الحجج والبراهين:
و من أجل التأكيد على طرحه استدل صاحب النص بجملة من الحجج والبراهين، والحجة الأولى تتمثل في قوله:" أمّا المشاكل المالية والاقتصادية والاجتماعية عموما، والمشاكل التي يصادفها العلماء بمختلف أنواعها فهي جميعا تنتهي إلى نوع من الحل....أمّا الإشكالية، فهي شيء آخر." هي حجة نقدية من أجل التأكيد على وجود الاختلاف بين الحدين ، لأن الإشكالية هي قضية فلسفية تعالج مواضيع خاصة، وتثير نتائجها الشكوك ، أي لا تقبل حلا نهائيا بينما المشكلة فتقبل جوابا تاما، لأنها تتعامل مع مواضيع واقعية.
والحجة الثانية تتمثل في قوله:" فعلا يستعمل كثير من الكتاب والقراء عندنا في العالم العربي أو يفهمون هذا اللفظ ونسيبه المشكلة من غير تدقيق، وكأنهما من الألفاظ التي يجوز أن ينوب بعضها مناب بعض ". هي حجة نقدية تعد ردا على التيارات التي تعتقد بالتشابه بين المشكلة والإشكالية، فمنطق العقل يمنع أن يكون حدين مختلفين شيء واحد، يمنع أن ينوب الثاني المقام الذي يشغله الأول.
الحجة الثالثة تتمثل في قوله:" لا تتوفر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل من الناحية النظرية إلا في إطار حل عام يشملها جميعا". هي حجة من أجل التأكيد أن التباين بين المشكلة والإشكالية لا يمنع من تسجيل وجود علاقة بينهما، لأن الإشكالية هي الكل الذي يحتوي على مشكلات جزئية، ولا مجال لفهم الجزء إلا في إطار الكل.
3- تقييم ونقد:
إن الدراسة النقدية للموقف والحجج تجعلنا نقف على أن صاحب النص قد وفق في احترام مبادئ انطباق الفكر مع ذاته ( الهوية، عدم التناقض، الثالث المرفوع والسبب الكافي)، هذا ما يجعل طرحه سليما من الناحية المنطقية.
أما من الناحية المعرفية فيمكن التأكيد أنه حقا يوجد اختلاف بين المشكلة والإشكالية، لأن الإشكالية معضلة فلسفية تسبب ضيقا، وتثير في الدارس إحراجا وقلقا نفسيا، لأنه لم يتمكن من تحقيق الجواب النهائي، أما المشكلة فإثارتها هي فقط الدهشة، كونها تمتاز بالغموض والالتباس، لكن يزول إبهامها بحلها النهائي. صعوبة الإشكالية ناتجة عن اتساع نطاقها وتعاملها مع القضايا الميتافيزيقية، أما المشكلة فهي أضيق مجالا، لأنها تتعامل مع المحدود الملموس.                                                                                 
    تمتاز الإشكالية بالحل المفتوح، فلا يمكن للباحث فيها أن يصل إلى جواب مقنع، لأنه سيجد نفسه عالقا بين النقيضين، فالإشكالية تقبل الإثبات أو النفي، كما أنها تقبل الإثبات والنفي معا، ومثالها هو: هل الإنسان حر أم مقيد؟ هذه الإشكالية تقبل الطرح القائل بأن الإنسان مخير، والطرح القائل بأنه مجبر مسير، كما تقبل الإقرار بأنه حر ومقيد في آن واحد. أما المشكلة فهي تمتاز بوجود حل رغم صعوبتها، ومثالها هو: هل الإنسان متناه، أم أنه يتميز بالخلود؟ هذه المشكلة تقبل حلا، لأن الباحث سيلجأ إلى توظيف الفكر من أجل الخروج بالحل الأقرب إلى الصواب، والذي سترجح له الكفة، وسيجد أن العالم بمعظمه متفق على أن الإنسان متناه، وبالتالي سيميل إلى هذه الإجابة بكامل قناعته، أما الاحتمال الثاني وهو أن الإنسان لا متناه، فإنه يفتقد الصواب أمام الطرح الأول والذي تزكيه أيضا الرؤية الدينية.
لكن ما يؤخذ على طرح صاحب النص هو أنه قد أهمل نقاط التشابه المسجلة بين الحدين، لأن كل من السؤال المشكلة والسؤال الإشكالية من إبداع الفكر الإنساني، و قد وظفهما من أجل فك أسرار الوجود، ودعم تصديه لتحدي الطبيعة. كلاهما سؤال وكل سؤال يعد منطلقا للبحث، لأنه يقتضي ويستدرك جوابا، إذ قال جون ديوي:"إن التفكير لا ينشأ إلا إذا وجدت مشكلة والحاجة إلى حلها". كلاهما ارتبط بدافع الدهشة وجهل الصواب، والدهشة عبر عن مكانتها أريسطو بقوله:"التعجب هو الذي دفع الناس إلى التفلسف".




III - الخاتمة:(حل المشكلة)
ختام القول يمكن التأكيد على وجود الاختلاف بين السؤال المشكلة والسؤال الإشكالية، لأن السؤال الذي يعالج القضايا الميتافيزيقية، لا يقبل حلا نهائيا ويثير في الدارس إحراجا، لا يمكن أن يكون هو نفسه السؤال الذي يقبل حلا ويثير في الباحث فقط دهشة. لكن هذا الاختلاف لا يمنع من تسجيل التشابه بينهما، لأن كلاهما يشترك في نفس المصدر الاشتقاقي اللغوي. اختلاف لا يمنع من وجود علاقة بينهما، لأن الإشكالية هي الكل الذي يحتوي على مشكلات جزئية، كما أن الحلول المتعلقة بالمشكلات تقربنا من حل الإشكالية الكلية.

       لمزيد من نصوص اضغط هنا  اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا

هناك تعليقان (2):

  1. شكر على مجهود ونتمنى تقدموا مزيد من مقالات مشروحة وومحللة

    ردحذف