مقالة جدلية حول هل تعتقد أن الحياة النفسية أساسها الشعور أم اللاشعور؟

يمكن تجد في بعض مواضيع اسئلة مشابهة لها :
هل مجمل الحياة النفسية شعورية أم هناك جانب لا شعوري؟
هل الحياة النفسية عند الإنسان يفسرها مبدأ الشعور فقط ؟
هل تعتقد أن الحياة النفسية قائمة على أساس الشعور؟
مقالة الشعور واللاشعور؟
هل تعتقد ان الحياة النفسية حياة شعورية فقط ؟
هل الحالة النفسية شعورية ام لا شعورية؟

هل الشعور كافٍ لمعرفة كل حياتنا النفسية؟

ملاحظة: يعالج هذا الموضوع بطريقة الجدل لأن الموضوع يحتوي على قضيتين أحداهما أرجعت الحياة النفسية إلى الشعور باعتبار أن الإنسان كائن واعي، في حين يرى آخرون أن الحياة النفسية تعود إلى اللاشعور باعتبار أن الإنسان لا يفهم الكثير من تصوراته.

I- المقدمة(طرح المشكلة):

إن الشعور هو الوعي بكل ما يحدث على مستوى الذات، أو هو القدرة على فهم وتفسير كل السلوكات الصادرة عن الإنسان. لكن إذا كان اتفاق الدارسين واردا حول ضبط المفهوم فإن اختلافهم قد سجل حول إمكانية أن يكون مبدءا أساسيا للحياة النفسية، حيث أكد البعض منهم أنه يمثل مجملها انطلاقا من إيمانهم بأن الوعي هو التفكير، والتفكير هو عنوان وجود الفرد ولا ينقطع إلا بموته، وأن الإنسان ليس جاهلا لدرجة عدم القدرة على تفسير أبسط السلوكات الصادرة عنه. في حين أكد البعض الآخر أنه لا يمثل ذلك انطلاقا من إيمانهم بأنه في كل لحظة تنفلت من قبضة الوعي جملة من السلوكات تخزن في ساحة اللاشعور و تتجلى في شكل سلوكات لا إرادية. لذا فهل من صواب بين الاعتقادين؟ وهل اللاشعور حقيقة علمية أم مجرد خرافة ميتافيزيقية؟ بل هل يعي الفرد كل السلوكات الصادرة عنه أم أنها ترد إلى ساحة اللاوعي ؟



II- التوسيع(محاولة حل المشكلة):

1- القضية:(الحياة النفسية قائمة على أساس الشعور):

شرح وتحليل: يذهب أنصار الوعي للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها أن الوعي يمثل مجمل الحياة النفسية، أي أن الإنسان له القدرة على معرفة وتفسير كل السلوكات الصادرة عنه، لأن اللاشعور هو مجرد خرافة ميتافيزيقية أو افتراض فلسفي.


                               
 البرهنة:
- أكد المفكر الفرنسي روني ديكارت أن الوعي هو التفكير، والتفكير هو عنوان وجود الإنسان "أنا أفكر إذن أنا موجود". إن الإنسان لا ينقطع عن التفكير إلا بحلول الموت، ولما كان التفكير ملازم للحياة النفسية، وكان التفكير هو الوعي، فإن الوعي هو الذي يمثل مجمل هذه الحياة. وكأنه يلتقي في بعض الجوانب مع الطرح الذي قدمه سقراط القائل: "أعرف نفسك بنفسك فالحقيقة موجودة بداخلك لا بخارجك." والمعرفة هنا تقتضي اعتماد العقل والوعي.
 - أكد بن سينا أن كل السلوكات خاضعة لمراقبة الضمير كمرآة داخلية، وأن الإنسان ممتلك لشعور هو امتداد للأحوال الماضية في الحاضر، ومن خلاله يتعرف على الأشياء، وسيظل ممتلكا للشعور ما دام حيا. وفي ذلك يقول: "إن الشعور بالذات لا يتوقف أبدا".
- كذلك فينومينولوجيا إدموند هوسرل أيضا تقر بأن الشعور هو أساس الحياة النفسية، حيث كل عمل مرتبط بقصد، به يتوجه الإنسان إلى الأشياء هذا القصد (النية) هو أصدق تعبير عما يحمله الإنسان داخله فكل " شعور هو شعور بشيء ما" أي أنه لا وجود لشعور فارغ، فهو ممتلئ متوجه نحو الأشياء بوعي حاضر.   
- نفس الرؤية وجدت عند هنري برغسون حيث أكد أنه لا وجود لما يسمى باللاشعور بل كل ما هناك أن النفس تخدع صاحبها حتى تحافظ على ذاته، وتسهل عليه التكيف مع المواقف. لأن الشعور هو اندفاع من أعماق النفس، والإنسان يتعرف على أحواله بطريقة حدسية، أي من دون وسائط. ومنه حطم ستيكال كل اعتقاد قائل بوجود اللاشعور من خلال قوله: "لا أومن باللاشعور، و قد آمنت به في بداية حياتي، لكن بعد تجاربي التي دامت ثلاثين سنة توصلت أنه حتى أحلام اليقظة والرغبات المكبوتة هي فقط حالات تحت شعورية تندرج ضمن الشعور "






استنتاج جزئي:إذن الحياة النفسية قائمة على أساس الشعور



نقد: على الرغم من أهمية طرح هؤلاء إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، لأن الإنسان تصدر عنه جملة من السلوكات التي يجهل معناها، تنفلت من قبضة الوعي. فالإنسان إذا لم ينقطع عن التفكير كما اعتقد ديكارت فإنه حتما سوف يتعرض لأزمات عصبية. بل ما تفسيرنا للسهو والنسيان؟ إن الإجابة عن هذا الأسئلة تمنحنا اقتناعا بأنه للقضية تفسيرا آخر.

2- نقيض القضية : الحياة النفسية ليست قائمة على أساس اللاشعور:

شرح وتحليل: يذهب أنصار نظرية التحليل النفسي، للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها أن الشعور لا يمثل مجمل الحياة النفسية، انطلاقا من أنه في كل لحظة تصدر عن الإنسان جملة من السلوكات يجهل تفسيرها ومعناها، حيث أكدوا أن اللاشعور هو حقيقة علمية انطلاقا من إيمانهم بأن الإنسان تحكمه جملة من الرغبات مخزنة في ساحة اللاشعور، وتنتظر فقط اللحظة لكي تتجلى في شكل أفعال لاإرادية.

البرهنة:
- الأفعال الصادرة عن الإنسان ترتبط بأمرين أساسيين: الأول هو الرغبة في القيام بشيء ما، والثانية ما يحققه هذا الفعل من ارتياح للنفس. فإذا توفر هذين الشرطين كان سلوك الإنسان سويا. ولكن النظر إلى واقع الإنسان الفعلي الذي يعيش ضمن أسرة في أفق اجتماعي (عادات وتقاليد) يجعل رغباته صعبة التحقق، بل في كثير من الأحيان مستحيلة، لما يلقيه الضمير الجمعي من سلطة على الأفراد. فلا يحدث الارتياح من النفس إذا قوبلت رغباتها بالمنع، فيتولد لديها شعور بالحرمان، أي الرغبة في القيام بالشيء ولا نجد إلى تحقيق ذلك سبيلا. فإذا اجتمع الحرمان، والتذكر الدائم للرغبة تحول إلى كبت الذي يتصاعد تدريجيا ليخزن في ساحة اللاشعور، وهي عبارة عن ساحة مظلمة تعكس كل الرغبات الغير محققة في الواقع، لتعود مرة أخرى هذه الرغبات تظهر في سلوك الإنسان ولكن ليس في شكل رغبة وإنما في شكل عقد نفسية، تتجلى في السلوكات الصادرة عن الأفراد لا يعرفون عنها شيئا هم في حاجة إلى المحلل النفسي لكي يفسر هذه السلوكات.
- إن بدايات التحليل النفسي كانت مع سيغموند فرويد، حيث اكتشف معادلة الحرمان والكبت وتكوينهما للاشعور المعبر عن جملة السلوكات الصادرة عن الإنسان، التي لا يعرف معناها ومصدرها. إلا أن هذه الفكرة وجدت قبل ذلك خاصة مع ظهور مرض الهستيريا، حيث اعتبره ليبنتز في القرن السابع عشر مرضا عضويا يحتاج إلى علاج بالأدوية. إلا أن بيرنهايم وشاركو اكتشفا أن أسبابه نفسية وحاولا معالجة مرضاهم عن طريق التنويم المغناطيسي. ليأتي جوزيف براور ويكشف قصور التنويم الميغناطيسي ويهتدي إلى طريقة الحوار، ليطورها بعد ذلك فرويد إلى التحليل النفسي الذي يقوم على التداعي الحر. والذي يتم بطريقة الحديث العفوي مع الطبيب، حيث يكون المريض في وضع استرخائي جالسا على أريكة يعبر عن كل همومه الباطنية التي يحس بها دون خوف أو خجل مهما كانت قيمة هذه الأفكار والعواطف، المهم أن يعبر بكل حرية، وعندما يتوقف المريض عن الحديث العفوي يلجأ الطبيب إلى طريقة الاستجواب، وتسجيل الأسماء التي يرددها، ثم تخزن داخل هذه القائمة كلمات علها تثير الشخص عند سماعها، وانطلاقا من هذه الكلمة التي تسمى مفتاح اللاشعور يشرع المحلل في استجواب المريض بعد أن يتعرف على رغبته المكبوتة فيبرزها لمريضه وتحل العقدة. فـسيغموند فرويد يؤكد أن مرض الهيستيريا ناشئ عن إخفاء بعض الأحداث والذكريات التي تترسب في ساحة اللاشعور.
- حياة الإنسان مرتبطة بالتذكر والنسيان للحرمان والرغبات التي عجزنا عن تحقيقها، ولها مظاهر عديدة في واقع الإنسان. تظهر في زلات القلم، فلتات اللسان، الهذيان، وأحلام اليقظة. وأعظم ما يتحكم في الإنسان هو تلك الدوافع والرغبات الجنسية (الليبدو) ولهذا يقول فرويد: " الحلم تحقيق رغبة" أي أن أحلامنا ليست سوى تعبير صادق عن ما نخفيه في أنفسنا. فلا قدرة للشعور على فهمه واستيعابه لأنه لا يقع في أفقه، فاللاشعور هو الممثل لمجمل الحياة النفسية، فله شواهد كثيرة في واقعنا تدلل على أنه المتحكم الفعلي فيما نفعل. وفي هذا يقول سبينوزا: "إن البشر يعتقدون أنهم أحرار لجلهم الأسباب التي تدفعهم إلى الفعل." فالجهل بالأسباب يجعل الإنسان يعتقد أنه يعي كل ما يقوم به من أفعال.
- أكد كارل يونغ وجود ما يسمى باللاشعور الجمعي، لأن أفراد المجتمع يتفقون على بعض الأفكار والسلوكات بطريقة عفوية، وسلوك الفرد يمكن أن يتأثر بمحددات وراثية دون وعي منه ( سلوك الآباء أو الأجداد ) كما أكد على وجود نوعين من الأشخاص ( المنطوي و المنبسط )
- أكد أدلر وجود اللاشعور، إلا أنه لم يرجع الرغبات المكبوتة إلى الدوافع الجنسية، بل أرجعها إلى النقص والتعويض. فالإنسان ينتقم لاشعوريا من كل من يعتقد أنه كان سببا في فشله.

استنتاج جزئي: إذن اللاشعور هو أساس الحياة النفسية.

نقد: على الرغم من أهمية طرح هؤلاء إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، لأن الإنسان ليس جاهلا لدرجة عدم القدرة على تفسير أبسط السلوكات الصادرة عنه. فرويد لم يحسن احترام الإنسان ككائن عاقل له مبادئ، وليس فقط كائن حي تحكمه جملة من الرغبات والدوافع الجنسية (اللبيدو). إن فرويد استوحى نظريته من الشخصية المنحرفة المريضة، ومنه لا يمكن تعميمه على كل إنسان.

3- التركيب:
 وكتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد أن الحياة النفسية لا تنحصر فقط في الوعي، كما لا تنحصر فقط في اللاوعي، بل هي قسمان: قسم شعوري واعي يدعى العقل، (الشعور) وقسم باطن خفي يدعى باللاشعور. الفكر يسير بنا من أجل التمييز بين الصواب والخطأ، لكن يحتاج إلى فترات الراحة وتلك الفترات يحل فيها اللاوعي مقام الوعي.
 



III-الخاتمة(حل المشكلة):
ختام  القول يمكن التأكيد أن الحياة النفسية لا تقوم فقط على أساس الشعور بل تقوم أيضا على أساس اللاشعور كمكمل .و ليس من التناقض الإقرار بالتكامل بينهما من أجل بناء سلامة الحياة الإنسانية ، لأن الدراسات المعاصرة في علم النفس قد أثبتت أنه من غير المعقول أن يفكر الإنسان لمدة دون أن يقع في السهو أو النسيان ...
                                   خلاصة مقالة الشعور واللاشعور يقدمها الأستاذ: علي مبارك


تحميل مقالة برابط مباشر :


او 


Microsoft Word



       لمزيد من مقالات اضغط هنا  اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا

ليست هناك تعليقات