مقالة جدلية رائع هل يعد الإنسان مسؤولا دائما عن أفعاله؟



I المقدمة ( طرح المشكلة ) تعد المسؤولية من أهم المواضيع السوسيولوجية كونها ارتبطت بتحمل الإنسان لعواقب أفعاله، أو هي إلزام الفرد بتحمل نتائج فعله، ونجد منها المسؤولية الأخلاقية، والتي يكون فيها الضمير هو الحاكم الذي يجازي إما بالتأنيب أو الارتياح. كما نجد المسؤولية الاجتماعية التي يكون فيها القرار للمجتمع، حيث يتعامل مع نتائج الأفعال كونه يجهل النوايا. لكن حتى و إن بدا نوع من التقارب بين الدارسين حول ضبط مفهوم المسؤولية، فإن اختلافهم قد سجل حول تحديد إمكانية ربطها بالإنسان في كل الأحوال. خاصة وأن البعض منهم قد أكدوا ضرورة تحمل الفرد لعواقب تصرفاته مادام يمتلك القدرة على الاختيار والتمييز بين الصواب والخطأ، في حين أكد البعض الآخر أن الأفعال مرتبطة  بحتميات وإكراهات متعددة، ومن ذلك فإنه ينبغي رفع المشرط ما دام الشرط غائبا. لذا فهل من صواب بين الطرحين؟ و هل تعد المسؤولية ملازمة للوجود الإنساني، أم أنه يمكن أن ترفع رغم وجوده؟


  - التوسيع (محاولة حل المشكلة)

- القضية : يعد الإنسان مسؤولا عن أفعاله.


شرح و تحليل : أكد أنصار النزعة المثالية أن الإنسان مسؤول في كل الأحوال عن أفعاله ويتحمل عواقبها ما دام يمتلك عقلا يميز بين الخير والشر، وفي الوقت ذاته يمتلك القدرة على الاختيار والمفاضلة بين الأشياء. أكدوا أنه لا يمكن رفع المسؤولية والجزاء على الأفراد مادام الشرط متوفر. و مادام الجزاء هو السبيل الوحيد لتقويم سلوك الجاني.

 البرهنة : الإنسان مسؤول عن أفعاله، لأنه يمتلك القدرة على التمييز والاختيار، فما دامت الحرية شرطا للمسؤولية، فمن الضروري أن يتحقق المشروط مادام الشرط متوفرا. هذه الرؤية وجدت قديما عند أفلاطون لأنه قال: :"نحن أحرار ومسؤولون" وقال أيضا :"إن البشر مخطئون حين يتهمون القضاء والقدر ويتغافلون عن نتائج أفعالهم ، في حين أن الله بريء وهم المسؤولون عن اختيارهم الحر". نفس الرؤية وجدت عند ايمانويل كانط، لأنه قال:"إن الشرير يختار فعله بإرادته بعيدا عن الأسباب والبواعث"
لا يمكن رفع المسؤولية على الإنسان، لأنه مكلف من طرف خالق الكون، مكلف لأن الشروط متوفرة حتى لا يشعر بظلم. هذه الرؤية وجدت في الفكر الإسلامي عند المعتزلة حيث توصلوا أن الخالق هو العدل الذي حرم الظلم على نفسه، خلق الإنسان ، منحه القدرة على التمييز، ثم منحه القدرة على الاختيار ليحاسبه في حدود اختياره.   
الجزاء كاف لتقويم سلوك الإنسان، لأن الدراسات أثبتت أن يقبل على ويكرر الأفعال التي يجازى عليها بالثواب، وينفر من  الأفعال التي يجازي عليها بالعقاب، بل حتى التقارير الإعلامية تؤكد بأن الدول التي يطبق فيها الجزاء بشكل صارم تقل فيها نسبة الجريمة. و هذا ما يثبت صدق طرح سبينوزا القائل:"إن المجرمين أفاعي سامة ، والعقاب هو الوسيلة الوحيدة لاقتلاع شرورهم"

نقد:لكن هذه الرؤية تبقى مثالية مادامت اهتمت بما ينبغي أن يكون، وأهملت ما هو كائن. تعاملت مع النتائج فأهملت نوايا الفاعل والتي لا يعلمها إلا خالق الكون. إن رؤية أفلاطون  وكانط لا تراعي الظروف التي أدت إلى الجريمة، والعقاب في هذه الحالة لا يقوم السلوك ، بل ينمي روح الانتقام لدى الجاني. إن سبينوزا وقع في التناقض، لأنه أقر يوما بأن الإنسان يجهل أسباب أفعاله والآن يصرح بضرورة عقابه، وهذا ما يعني أن يخفي حقدا لشخص معين .

2 -  نقيض القضية : لا يعد الإنسان مسؤولا عن أفعاله.

شرح و تحليل: يذهب أنصار النزعة الوضعية للتأكيد أن  الإنسان لا يعد مسؤولا عن أفعاله مادام مقيدا بجملة من الحتميات. أكدوا أن الجزاء هو ظلم للمجرم كونه لم يختر أن يكون كذلك

البرهنة:  لا  يعد الإنسان مسؤولا عن أفعاله، لأنه لا يمتلك الحرية المطلقة في اختيار أفعاله، و مادامت الحرية شرط في المسؤولية، فإن غيابها يفرض رفع المشروط. فالمجرم مثلا حسب عالم الإجرام الايطالي  لومبروزو لم يختر أن يكون كذلك ، بل كان ضحية للمحددات الوراثية ، فالاستعداد الطبيعي هو الذي يدفع إلى ارتكاب الجريمة، لأن السلوك الإجرامي يسير وفق حتمية فطرية، فهو مرتبط بكروموزمات الإجرام، أي أن الإنسان يولد باستعداد للجريمة، وإن سمحت له الظروف والبيئة، فهو يحقق هذا السلوك باعتباره غير قادر بيولوجيا على التحكم في ردود أفعاله إذا ما تم إثارته.كما  أشار لومبروزو إلى وجود معالم بيولوجية في المجرم مثل قصر القامة ، تقوس الظهر،  وجود ثغرة في مؤخرة الجمجمة ، خفة الوزن ، تشويه في وضع الأدنين وبروز عظام الوجه والعينين، ثم استنتج خمسة أصناف من الجرمين: مجرم مجنون، وآخر بالفطرة ( لا يمكن إصلاحهما بل إعدامهما أو سجنهما بصورة أبدية مع الفصل بينهما ). ومجرم بالعادة، وآخر بالمصادفة، وأخيرا مجرم بالعاطفة(يمكن إصلاحهم).بعد كل هذه المعالم و التصنيفات يمكن الإقرار أنه من العبث والجنون أن يصنف مسؤولا من أرغم على أن يكون مجرما.
لا يمكن أن ربط المسؤولية بكل إنسان ، لأنه يوجد من كان مجبرا على الانحراف مادام المجتمع هو الذي استغنى عن خدماته ، و هو ما توصل إليه عالم الإجرام الايطالي  فيري حيث أشار أن الظروف العامة أرغمت الفرد على أن يكون بطالا، أرغمت الثاني أن يعيش من دون أبسط شروط الحياة، أرغمت الثالث على البحث عن وجباته في القمامة... الظروف ساهمت في أن يكون الأول ، الثاني و الثالث منحرفا ، لذا فلا يمكن معاقبة من سرق تحت ضغط الموت جوعا، بل المجتمع هو المسؤول وليس المجرم.الجزاء هو ظلم للمجرم، لأنه لا يمكن معاقبة من اندفع إلى الجريمة تحت تأثير جملة من الاضطرابات النفسية ، و هو ما توصل إليه أنصار مدرسة التحليل النفسي حيث أكد سيغموند فرويد أن العقد النفسية والمكبوتات هي التي تدفع إلى ارتكاب الجريمة، فالإحباط المستمر هو الذي يجعل صاحبه يلجأ إلى الظروف الملتوية للتخلص من هذا الشعور المؤلم مع ابتداع طرق دفاعية، ظروف الطفولة القاسية تعزز لدى الفرد روح الانتقام من المجتمع كتعويض عن النقص الطفولي.  أي أن السلوك الإجرامي مجرد تعبير عما هو مكبوت في ساحة اللاشعور ، وبالتالي فإن صاحب هذه الاضطرابات لا يحاسب ، بل يجب أن يخضع لعلاج نفسي تحليلي.


النقد: إن هؤلاء اهتموا بالمجرم وأهملوا الذي ارتكب في حقه جرما. الدراسات الوراثية أكدت أنه لا وجود لكروموزومات وراثية تقيد الإنسان وتدفعه إلى الجريمة. لا يمكن أن نتسامح مع المجرم ونعتبر المجتمع هو المذنب، لأنه ليس كل من عايش الفقر كان مجرما، بل يوجد من كان عظيما. لا يمكن الأخذ بطرح سيغموند فرويد، لأن الإنسان ليس عبدا لرغباته، بل هو يمتلك الوعي للتمييز بين الصواب و الخطأ. هذا ما يبطل اعتقاد أنصار النظرية الوضعية ويفرض أنه للقضية تفسيرا آخر.

3- التركيب:كتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد أنه لا يمكننا إلغاء المسؤولية ونفي الجزاء كلية، كما لا يمكن تطبيقه على أشده، بل ما يجب هو أن ننظر بعدل إلى الفاعل ( المجرم )، والفعل ( الجريمة ) ، أي أن تراعى الظروف التي دفعته إلى سلوكه مع مراعاة الآثار السلبية، والضرر الذي لحق بالغير، ينبغي أن نوفر للمجرم كل الظروف التي تبعده عن الجريمة، لكن في حالة إصراره على تكرار الفعل فإن  ذلك يقتضي تطبيق حكم الخالق الذي نص عليه في قوله تعالى: ( و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )


III - الخاتمة : (حل المشكلة) ختام القول يمكن التأكيد أن مسؤولية الإنسان نسبية، لأنه حقا يمتلك العقل للتمييز بين الصواب والخطأ، يمتلك القدرة على الاختيار، لكن قد تحمل الظروف ما يكون قيدا له، فيندفع إلى أفعال مخالفة لقناعاته، أو تكون العواقب مخالفة لنواياه، ومن ذلك فإن الخالق هو الذي يحدد مسؤوليته في هذه الحالة، أما المجتمع فليس له الحكم الصادق، لأنه يتعامل مع نتائج الأفعال فلا يكون عادلادوما في تحديد مسؤولية الفاعل.



       لمزيد من مقالات اضغط هنا  اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا                                                          


هناك تعليقان (2):