مجازر 8 ماي 1945 و إعادة بناء الحركة الوطنية ( 1946-1954)

خطة الدرس : 
أ‌- مجازر 8 ماي 1945 : 1- الأوضاع العامة للجزائر قبل مجارز 8 ماي 1945 ، 2- طبيعة مظاهرات 8 ماي 1945 و أسبابها ، 3- تحول المظاهرات السلمية إلى مجازر في حق الجزائريين الأبرياء ، 4- موقعها من القانون الدولي ، 5- نتائجها 6- موقف الجزائريين و الأوروبيين و العالم منها .
ب‌- إعادة بناء الحركة الوطنية ( 1946-1954 ) : 1- الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري ،2- جمعية العلماء المسلمين ، 3- الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحريات و احترامها ،4- الحزب الشيوعي الجزائري ، 5- حركة انتصار الحريات الديمقراطية ، 6- المنظمة الخاصة .
أ‌- مجازر 8 ماي 1945 : 
1- الأوضاع العامة للجزائر قبل مجارز 8 ماي 1945 :
تذكر العديد من التقارير الرسمية و روايات بعض المعاصرين و التي نقلها المؤرخ أبو القاسم سعد الله أنه ظهرت في العديد من المدن الجزائرية مثل بسكرة و جيجل عبارات على الجدران تقول " استعدوا فإن ساعة الصفر قد قربت . فلنعد أنفسنا للثورة . أيها الجزائريون حاربوا من أجل الحرية ، و موتوا إذا اقتضى الأمر ، و لكن لا هوادة مع المضطهدين ، أيها الجزائريون إن الجبال تناديكم . فساعة التحرير قد اقتربت . " بالإضافة إلى ذلك كان الأطفال يرمون بالحجارة على سيارات النقل الفرنسية ، كما قاطع الجزائريون المقاهي الفرنسية و العمل في المنازل الفرنسية ، و عليه فإن الجو كان مشحونا بالتوتر بين الجزائريين و الفرنسيين .
و كل هذه المظاهر – يضيف أبو القاسم سعد الله - تدل على أن الحركة الوطنية قد أخذت منعطفا جديدا منذ ميلاد أصدقاء البيان و الحرية ، و أن الوعي قد ازداد انتشارا رغم قيود الحرب و حل حزب الشعب الجزائري و اضطهاد العلماء. و هكذا كان الوضع في الجزائر عندما حدثت مجزرة 8 ماي 1945 " وعي وطني و انتظار لساعة الخلاص من جانب الجزائريين ، و تربص و استعلاء من جانب الفرنسيين .
2- طبيعة مظاهرات 8 ماي 1945 و أسبابها :
بدعوة من حركة أحباب البيان و الحرية التي تحصلت على ترخيص من السلطات الاستعمارية الفرنسية خرج الشعب الجزائري في مظاهرات سلمية . و قد كانت هذه الأخيرة رد فعل شعبي واع للاحتجاج على تنكر فرنسا لوعودها قبل أن تكون احتفالا بزوال الأنظمة الشمولية الديكتاتورية ، و هي سلوك سياسي مدني لإبداء الرأي محليا و دوليا ، و لفت أنظار العالم لقضية الجزائريين وسعيهم للحرية و الاستقلال .
و بناء على ما تقدم نلخص أسباب مظاهرات 8 ماي 1945 في النقاط التالية :
1- إعلان ميثاق الأطلسي عام 1941 و الذي ينص على حق الشعوب في تقرير مصيرها.
2- تأسيس جامعة الدول العربية في مارس 1945 و تصاعد أمل الجزائريين بقرب تحرر الجزائر و انضمامها إلى الأمة العربية .
3- تصريح الجنرال ديغول في برازافيل في جانفي 1944 و المتضمن أن هدف سياسة فرنسا هو جعل الشعوب المستعمرة تحكم نفسها.
4- تبلور الوعي الوطني و السياسي لدى الشعب الجزائري و إدراكه حقيقة السياسة الفرنسية.
5- عدم التزام فرنسا بوعدها أثناء الحرب العالمية الثانية من خلال التصريحات الكلامية.
6- سياسة العنف و القمع التي مارستها فرنسا ضد الشعب و الحركة الوطنية.
7- خروج الجزائريين للاحتفال بالانتصار في الحرب العالمية الثانية على دول المحور و مطالبة فرنسا بإطلاق صراح المعتقلين .
و حسب شهادة فرحات عباس التي أدلى بها في كتابه الشاب الجزائري فإن " محافظ الشرطة ( Olivierri ) حاول أن ينتزع الراية من حاملها بوزيد سعال فرفض بشدة و إصرار ، فأطلق عليه النار ، فأراده قتيلا ، و جرح عددا آخر من المتظاهرين و كان ذلك بداية اشتعال نيران المجازر المأساوية . " و على إثر هذا الحادث بدأت المصادمات بين الأوروبيين و الجزائريين في الشوارع و التي كانت ايذانا لحوادث دامية و مؤلمة. علما أن الصدام مع الاستعمار الفرنسي لم يبدأ في 8 ماي 1945 ، بل بدأ في 1 ماي من نفس الشهر .
3- تحول المظاهرات السلمية إلى مجازر في حق الجزائريين الأبرياء :
لقد تساءل المؤرخ الجزائري أبو القاسم سعد الله إن كانت حادثة 8 ماي 1945 " ثورة فاشلة حاولها الوطنيون الجزائريون ضد الوجود الفرنسي في بلادهم ، فاستحقوا بذلك القمع الشديد الذي عانوه و الدرس القاسي الذي أخذوه ، أو كانت مجزرة دبرها الفرنسيون ضد الجزائريين الأبرياء انتقاما من الحركة الوطنية النامية و التي ظهرت قوية في بيان فيفري 1943 ، و انشاء أصدقاء البيان و الحرية في 1944 التي حاول من خلالها زعماء الحركة الوطنية تكوين جبهة متحدة للوصول إلى تحقيق أهداف البيان المعلنة في ملحقه و المؤجلة إلى ما بعد الحرب .
لكن الحقيقة التي أكدتها الكتابات التاريخية أن المظاهرات التي عمت جميع أنحاء الجزائر و اتخذت شكلا سلميا هادئا تحولت إلى أحداث دموية بل " مجزرة رهيبة دامت إلى أوائل شهر جوان ، حيث ردت فرنسا على هذه المظاهرات باستنفار جيوشها الثلاثة البرية و البحرية و الجوية ، و ميليشيا المستوطنين و الشرطة و الدرك يدعمهم جيش اللفيف الأجنبي راح ضحيتها ما بين 45 ألف و 100 ألف جزائري ، معظمهم في جهات سطيف ، و قالمة و خراطة ." 
كما تخللت هذه المجزرة الشنيعة و تلتها أعمال نهب و قصف و تدمير ، و انتهاك حرمات المسلمين على أوسع نطاق ، و اعتقالات و تعذيب و إعدامات بالجملة ...
4- أهداف فرنسا من ارتكابها لهذه المجازر :
- اصرار فرنسا على احتفاظها بالجزائر مهما كان الثمن .
- تحطيم الحركة الوطنية ، و كبت تطلعات الشعب الجزائري الاستقلالية .
- استعادة هيبتها المفقودة زمن الحرب ، و محاولة إثبات وجودها في الساحة الدولية ، بعدما أهينت من طرف ألمانيا ، و عاملها الحلفاء كدولة تابعة.
- ارهاب شعوب المستعمرات الفرنسية لصرفها عن التفكير في إحراز استقلالها و نيل حريتها .
- الحقد الدفين و الاحتقار الشديد الذي يكنه الفرنسيون للجزائريين ، و حرصهم على تأبيد استعبادهم و اذلالهم.
5- نتائج مجازر 8 ماي 1945 :
• أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 45 ألف شهيدا .
• آلاف المفقودين و المعطوبين و المعتقلين .
• أصدرت عشرات من أحكام الإعدام و نفذت .
• فتحت هوة لا يمكن ردمها بين الشعب الجزائري و الإدارة الفرنسية .
• نمت الكراهية بين الشعب الجزائري و الجالية الفرنسية و الأوروبية .
• أعدمت كل أفكار الإدماج و التعايش . ( اختفاء التيار الادماجي و تلاحم الحركة الوطنية و مطالبتها بالاستقلال ) 
• حل الأحزاب منها ( رابطة أحباب البيان و الحرية في 15 ماي 1945 ) و اعتقال زعمائها و القادة النقابيين و ملأت بهم السجون و المعتقلات ( مصالي الحاج في برازافيل ) فرحات عباس ، الدكتور سعدان و البشير الإبراهيمي.
• قناعة زعماء الحركة الوطنية بعدم جدوى النضال السياسي و ضرورة الكفاح المسلح.
• شكلت هذه المجازر أرضية صلبة للعمل الثوري.
• اصدار فرنسا لعفو عام في مارس 1946 عن بعض المعاقبين ، و سمحت بالعمل السياسي ، فأعيد تشكيل الأحزاب الوطنية بتسميات مختلفة .
• باشرت فرنسا بإصلاحات شكلية أهمها قانون الجزائر " دستور الجزائر " سنة 1947 لتحسين صورتها. 
ب‌- إعادة بناء الحركة الوطنية ( 1946- 1954 ) : 
أعيد تشكيل الاحزاب الوطنية في سنة 1946 ، و يعد القاسم المشترك بينها أنها تشكلت في الجزائر و ليس في الخارج ، مطالبها كانت محددة و أكثر نضجا ، تقاربت فيما بينها ، هدفها الاستقلال رغم اختلاف الطرح .و من ذلك :
1- الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري ( Union démocratique du manifeste Algérien : )
أسسه فرحات عباس في أفريل 1946 ، و كانت نيته في إنشاء حزب جديد " لا هو متطرف ، و لا هو انفصالي ، و لا هو ضد فرنسا ." برنامجه هو برنامج أحباب البيان و الحرية " لكن ليس في إطار تجمع لمختلف الأفكار بدون تمييز ، و إنما في إطار حزب سياسي بسلوكه الانضباطي و بعقيدته الخاصة ." 
و يقوم هذا الحزب أساسا على الشعارات التالية :
- لا للاندماج
- لا للأسياد الجدد 
- لا للانفصال 
و أهم ما يحتوي عليه المشروع الذي تقدم به فرحات عباس الى البرلمان الفرنسي شهر اوت 1946 نذكر النقاط التالية:
- إنشاء جمهورية جزائرية مستقلة استقلالا ذاتيا لها حكومتها الخاصة و علمها الخاص تعترف الجمهورية الفرنسية بها .
- تدخل هذه الجمهورية عضوا في الاتحاد الفرنسي ، كدولة مشاركة و تكون العلاقات الخارجية و الدفاع الوطني للدولتين تحت إشراف سلطات الاتحاد ، و تشارك الجزائر في ممارسة تلك السلطات.
- تتمتع الجمهورية الجزائرية بالسيادة المطلقة على جميع القطر ، و تشرف على جميع المرافق الداخلية و منها الشرطة.
- يتمتع كل فرنسي بالجنسية الجزائرية ، و بجميع الحقوق التي للجزائريين ، و بالمثل يتمتع الجزائريون في فرنسا بالجنسية الفرنسية و بجميع الحقوق التي للفرنسيين.
- ينتخب برلمان جزائري بالاقتراع العام تكون له السلطات التشريعية فقط ، أما السلطات التنفيذية فتوضع في يد رئيس الجمهورية الذي يساعده مجلس الوزراء.
- يمثل فرنسا في الجزائر ممثل عام تقبل به حكومة الجزائر و يتمتع بصلاحيات استشارية فقط.
- تكون اللغتان العربية و الفرنسية رسميتين معا في الجمهورية الجزائرية و يكون التعليم إجباريا بهما معا في كل مراحل التعليم التي تجعلها حكومة الجزائر في تناول الجميع.
2- جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ( Association des oulémas ) :
لم تغير جمعة العلماء المسلمين الجزائريين موقفها الأساسي ، بل ظلت متمسكة بدورها في مجالات التعليم و الارشاد الاسلامي لاستعادة الهوية العربية الاسلامية المضطهدة ، و عليه استمرت جهود الجمعية و مساعيها و بشتى الوسائل لحمل الإدارة الاستعمارية على إلغاء القرارات التعسفية التي ظلت تعرقل التعليم العربي و استبدالها بقانون " يكون للأمة رأي فيه " ، و يساعد على إيجاد الظروف الملائمة لنشر اللغة العربية بكل حرية قصد ترقية المجتمع الجزائري .
و كذا المطالبة بإلغاء المرسوم الذي يجعل اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر . كما طالبت فرنسا بإرجاع المساجد المحولة إلى كنائس أو متاحف و بتحرير الأوقاف من السيطرة الأجنبية ، و تمكينها من تأدية الدور الاجتماعي و الثقافي الذي وجدت من أجله . و غيرها من الأهداف التي لا تخرج في مجموعها عن إطار القانون الأساسي الذي تشكلت بموجبه يوم 5 ماي 1931 .
و على صعيد آخر استطاعت الجمعية بعد الحرب العالمية الثانية أن توسع نشاطها إلى التراب الفرنسي نفسه ،حيث استطاعت أن تنشر نفس الفكرة في أواسط المغتربين الجزائريين في فرنسا من خلال بناء المدارس الحرة و فتح العديد من النوادي .
3- حركة انتصار الحريات الديمقراطية ( Mouvement pour le Triomphe des Libertés Démocratiques ) :
هي امتداد لحزب الشعب الجزائري ، أسسها مصالي الحاج بعد عودته من منفاه في برازافيل بالكونغو في 2 نوفمبر 1946 ، و قد اعتمدت كحزب علني قانوني شرعي مع الحفاظ على حزب الشعب كجناح سري . و قد اعتمدت الحركة على أسلوب المهادنة و الشرعية ، و المشاركة في الانتخابات تأسيسا للتحول السلمي ، و كان برنامجها يتضمن :
- إلغاء النظام الاستعماري .
- إقامة نظام و سيادة وطنية .
- إجراء انتخابات عامة دون تمييز عرقي و لا ديني .
- إقامة جمهورية جزائرية مستقلة ديمقراطية اجتماعية .
منذ سنة 1947 ظهر الانقسام في صفوف الحركة الوطنية ، الذي انقسم الى ثلات تيارات :
- التيار الأول : المؤمن بالعمل السري .
- التيار الثاني : دعاة الشرعية أو حركة انتصار الحريات "
- التيار الثالث : المؤمن بالجهاد و قتال العدو ، حيث اطلق عليه اسم " المنظمة الخاصة "
4- انشاء المنظمة الخاصة (L’ OS ) 1947 :
لقد انشأت المنظمة الخاصة ( السرية ) على إثر المؤتمر الوطني السري الذي عقده حزب الشعب الذي كان يعمل سرا و كغطاء تحت حركة انتصار الحريات الديمقراطية بتاريخ 15 و 16 فيفري 1947 ببوزريعة ، و الذي ضم أعضاء منه و من الحركة . و بعد المؤتمر شرع في تكوين المنظمة الخاصة منذ مارس 1947 ، و هي منظمة شبه عسكرية سرية . حددت أهدافها بتجنيد الشباب المؤمن المستعد للتضحية و تدريبه على القتال ، و تدبير الأسلحة و المتفجرات و تخزينها في المناطق الجبلية و المدن الكبرى ، و جمع الأموال ، و البحث عن الملاجئ للمناضلين المطاردين .
و من أهم الأعمال التي قامت بها المنظمة مهاجمة مركز البريد بوهران ، و لما بلغت المنظمة قمة التنظيم اكتشف أمرها من طرف السلطات الاستعمارية إثر إلقاء القبض على بعض أعضائها بمنطقة تبسة عام 1950 . فقامت السلطات الفرنسية بتفكيكها و إلقاء القبض على العديد من أعضائها ، بما فيهم قادتها : أحمد بن بلة و آيت أحمد ، و الباقي دخل في السرية و منهم من التحق بالجبال . و فر بعضهم الى الخارج و التقوا بالقاهرة ، في مقدمتهم محمد خيضر الذي حل بالعاصمة المصرية في جوان 1951 ، فآيت أحمد نهاية العام ، ليلتحق بهما بن بلة بعد هروبه من سجن البليدة في 16 مارس في 1952 ، و تلاهم بوضياف قبل فاتح نوفمبر 1954 ، ليصبح الأربعة ممثلين لحركة انتصار الديمقراطية في الخارج .
5- أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية :
عرف حزب انتصار الحريات الديمقراطية في صائفة عام 1951 أزمة داخلية بين مصالي الحاج و اللجنة المركزية حول الزعامة ، تعمق هذا الخلاف و تطور الى حين اندلاع الثورة التحريرية . و كانت بوادر ذلك الخلاف حول ادارة الحزب و عمله ظهرت في العامين السابقين ، حيث دعى مصالي إلى تدويل القضية الجزائرية ، و الى تكثيف شعوب المغرب العربي ، بينما رأى مخالفوه أولوية وحدة الداخل الجزائري ، و تأسيس " تجمع وطني جزائري " بمشاركة كل المنظمات و التيارات .
و تكرس الشقاق الكامل أثناء و بعد المؤتمر الثاني للحزب أيام 4 و 5 و 6 أفريل 1953 ، حيث كان مصالي يطالب بالسيادة المطلقة في قيادة الحزب ، بينما كانت الجنة المركزية تدافع عن القيادة الجماعية ، و أدى هذا النقاش إلى مشادات عنيفة بين الطرفين . و عليه قام كل طرف بعقد مؤتمر خاص ، أحدهما دعا إليه مصالي و الذي انعقد في " هورنو " ( Hornu ) ببلجيكا ما بين 13 و 15 جويلية 1954 ، و أسفر عن منح الثقة المطلقة و الرئاسة مدى الحياة لمصالي ، أما المؤتمر الثاني فقد دعا اليه المركزيون و انعقد بحي بلكور بالعاصمة ما بين 13 و 16 أوت 1954 ، و تقرر فيه اقصاء المصاليين و التنديد بحركتهم الانشقاقية ، علما أن كلا الطرفين أو الاتجاهين المتصارعين لم يكن من أولوياتهما التعجيل بتفجير الثورة.

ليست هناك تعليقات