كيف تحلّل نصا نظريا ؟

يمر تحليل النص النظري عبر المراحل التالية:
-وضع النص في سياقه، من خلال التعريف بالتيار الشعري ( إحياء النموذج، سؤال الذات..) أو الجنس الأدبي ( القصة المسرحية ) أو المنهج النقدي ( البنيوي-الاجتماعي)، ثم وضع فرضية مناسبة تضمنها موضوع النص.
-استخراج القضية الرئيسية ( الفكرة العامة للنص) والقضايا الفرعية ( أفكار النص الجزئية).
-سؤال مرتبط بالنص ، إما أن يكون فيه طلب بإبراز الخصائص وغما طلب عقد مقارنة بين تيارين شعريين على سبيل المثال.
- تحديد طريقة بناء النص ( استقرائية أو استنباطية)، والأساليب الموظفة ( أسلوب التفسير "يندرج تحته العريف والمقارنة والوصف والسرد والتشابه والجمل الطويلة" وأسلوب الإقناع ويشمل أسلوب الاستشهاد وأسلوب التوكيد)، إضافة إلى التطرق للاتساق.
-تركيب معطيات النص عبر تلخيص فكرته ، وتبيان مقصديته، والأساليب التي وظفها الكاتب، ومناقشة الفكرة المطروحة مع إبداء الرأي الشخصي.
نموذج تحليلي مبسّط:
الخصائص الفنية لشعر إحياء النموذج - سعيد بكور
عاش الشعر العربي فترات الازدهار في عصوره الذهبية بالغا مرقاة التمام شكلا ومضمونا، لكنه ضلّ الطريق في عصر الانحطاط، فأصبح شعرا فاقدا للروح، نتيجة اهتمام الشعراء بما شكلي، وهو ما جعلهم يهمشون الجانب المعنوي في الشعر، فصارت القصائد يغلب عليها التصنع والزخرفة واللعب البياني.
من هذا المنطلق، عاد شعراء إحياء النموذج إلى الشعر القديم يحاكونه في الصورة والإيقاع واللغة، فأبدعوا قصائد وازنة تضارع قصائد الفحول مبنى ومعنى، ومن أبرز هؤلاء نذكر البارودي، وشوقي ، وحافظ، ورغم طابع التقلدي الذي برز في قصائدهم إلا أن شخصيتهم الإبداعية كانت ظاهرة، وفي ذلك ما يفند ادعاء كثير من المحدثين القائل بكون شعراء الإحياء مجرد صدى للشعراء القديم.
ننطلق من هذا النص المبسط، وننجز تحليلا متكاملا نراعي فيه ما يلي :

-وضع النص في سياقه الثقافي. 
-القضية الرئيسة والعناصرر المرتبطة بها. 
- إبراز الفرق بين شعر الانحطاط وشعر إحياء النموذج
-تحديد الطريقة المعتمدة والاساليب الموظفة.
-تركيب النتائج ومناقشة الرأي القائل بكون شعراء الإحياء كانوا مجرد مقلدين للشعراء القدماء.

التحليل: 
شكل عصر النهضة انبعاثة فكرية شملت سائر المجالات بما فيها الشعر الذي عرف أكبر تحوّل انتقل به من طور الصنعة والتكلف إلى طور الانبعاث والحياة، فقد ظهر حركة إحياء النموذج لتعيد للشعر العربي ألقه ووهجه الذي توارى في عصر الانحطاط نتيجة الاهتمام بالشكل على حساب المضمون. وإلى جانب ما أبدعه شعراء هذا التيار، كان النقاد حريصين على التعريف به وبخصائصه، ومن أبرز هؤلاء نذكر: شوقي ضيف، ومحمد الكتاني، وصاحب النص. فما القضية المطروحة؟ وما طرائق عرضها؟ 
من خلال دلالة العنوان، وبعض المشيرات النصية من قبيل ( الزخرفة، يحاكونهم في الإيقاع، عصر الانحطاط..)، نفترض أننا أما نص نظري يبرز من خلاله صاحبه الخصائص الشكلية لشعر إحياء النموذج. فإلى أي حد تصح هذه الفرضية؟ وما مقصدية الكاتب؟
عالج الكاتب في نصه قضية محورية تتعلق بتسليط الضوء على حركة إحياء النموذج من ناحية الشكل الفني، وإبراز الفرق بينها وبين شعر الانحطاط، وقد تفرعت عن هذه القضية عدد من الأفكار الجزئية نبرزها فيما يلي:
-مميزات شعر االانحطاط: يتسم شعر الانحطاط بالزخرفة واللعب البياني.
-محاكاة الأقديمن: انطلق شعراء الإحياء من تقليد القدماء.
-منافسة القدماء: انتقل شعراء الإحياء من طور التقليد إلى طور المنافسة وإظهار براعتهم الإبداعية شكلا ومضمونا.
ويمكن أن نبرز الفرق بين شعر الإحياء وشعر الانحطاط في كون الأول يجمع بين الشكل والمضمون، فيما يهتم الثاني بالشكل دون المضمون، مركزا على الزخرفة واللعب البيانيوالتصنع.
اتبع الناقد في نصه طريقة استنباطية، انتقل فيها من إبراز الظروف التاريخية لظهور حركة إحياء النموذج إلى تحديد مميزاتها الفنية وروادها، وساعدته هذه الطريقة في التدرج البنائي المؤدي إلى الإقناع وعرض الفكرة. وإلى جانب ذلك، استعان الناقد بأسلوب التفسير ممثلا في أسلوب الوصف الذي يظهر في إبراز خصائص شعر الانحطاط، وأسلوب المقاررنة، حيث قارن بين شعر الإحياء وشعر الانحطاط قاصدا إلى أبراز التحول الذي عرفته القصيدة العربية في عصر النهضة، هذا إلى جانب الاعتماد على السرد والجمل الطويلة واللغة المباشرة، ولا ننسى الإشارة إلى اسلوب الإقناع ممثلا في الاستشهاد، إذ أشار الكاتب إلى أسماء بعض شعراء تيار الإحياء، إلى جانب الاعتماد على بعض الحجج الأدبية المتمثلة في ذكر الخصائص الفنية المميزة لشعر الانحطاط والإحياء على السواء. وتجدر الإشارة إلى اعتماد الكاتب على روابط متنوعة سواء بين الجمل (الوار، الفاء، نتيجة، هو) أو بين الفقرات( من هذا المنطلق..) مما ضمن للنص اتساقا وترابطا وتعالقا بين أفكاره، الشيء الذي ساعد على فهمه وتأويله.
أبرز الناقد في نصه مميزات شعر إحياء النموذج، قاصدا إلى تبيان حجم التحول الذي طرأ على الشعر بفضل مدرسة الإحياء، وقد وظف لهذا الغاية أساليب تفسير وإقناع وطريقة استنباطية. ويمكن القول ختاما أن الشعر الإحيائي لم يكن محض تقليد حرفي للشعر القديم، بل إن كثيرا من شعرائه أثبتاو قدرتهم على منافسة الفحول وإبرزا شخصيتهم الإبداعية بما يؤكد على طول باعهم في ميدان القول الشعري، ويكفي أن حركة الإحياء قامت بتهييء الأساس الصلب الذي ستبني عليه الحركات اللاحقة مجدها التثويري والتجديدي.

إنجاز: سعيد بكور

ليست هناك تعليقات