نموذجٌ تحليليّ لقولة من كتاب "ظاهرة الشّعر الحديث"

نصّ الانطلاقِ والأسئلةُ:
يقول المجاطي في كتاب" ظاهرة الشعر الحديث" : " تنحصر مهمة شعراء البعث في أنهم نفضوا عن الشعر العربي ما علق به من رواسب عصور الانحطاط،بأن ولوا وجوههم نحو القصيدة في تك الفترة العربية التي ازدهر فيها الشعر،ووصل ذروة صفائه ونضجه ،ولقد بلغوا من ذلك مرادهم،حتى أصبح من اليسير على الناظر في دواوينهم،أن يتذوق نكهة الشعراء العباسيين والأندلسيين ..." ص13
انطلق(ي) من هذا النص وأجب عما يلي في نص إنشائي متكامل:
-تحديد مكان المقطع من المؤلف النقدي،1ن
-بيان خصائص المدرسة الإحيائية،1,5ن
-الفروق الشكلية والمضمونية بين المدرسة الإحيائية والمدرسة الرومانسية،2ن
-مدى قدرة الرومانسيين على التخلص من قيود القصيدة القديمة.1,5ن
نصّ الجواب:
يعدّ كتاب "ظاهرة الشّعر الحديث" لصاحبه أحمد العداوي المجاطي من أبرز الكتب النّقدية التي تناولت بالدراسة تطوّر الشعر العربيّ الحديث شكلا ومضمونا، وكشفت عن حجم التغيير الذي أحدثه الشعر الجديد بثورته على النظام الشعري العتيد. فما موقع المقطع من المؤلّف؟ وما خصائص المدرسة الإحيائيّة؟ وما الفروق التي يمكن رصدُها بين تيار إحياء النموذج وتيار سؤال الذّات؟ وهل استطاع الرّومانسيون التخلص النهائي من قيود القصيدة القديمة؟
يقع المقطع قيد الدراسة ضمن الفصل الأول، وتحديدا في قسمه الأوّل المعنون ب" نحو مضمون ذاتيّ"، ويتحدّث عن خصائص المدرسة الإحيائية التي أعادت للشعر العربيّ ألَقهُ ووهجه، وضخّت في عروقه دماء الجمالِ التي تجمّدت في عصور الانحطاط، ويمكن الحديث عن خصائص شكلية تمثّلت في اللغة ذات الطّابع الفخم الجزل، والإيقاع المبني على نظام الشطرين والقافية المطّردة والرويّ الموحّد، إضافة إلى الصّور التي هي في غالبها مستمدّة من الذّاكرة الشعرية، وتقوم في أساسها على الاستعارة والتشبيه والكناية والمجاز المرسل، أما الجانب المضموني فالملاحظ أنّ قصيدة إحياء النموذج تسير على نهج القدماء في الأغراض الشعرية المعروفة من غزل، وفخر، وهجاء، ومدح. ومن نماذج هذا الشعر الذي جمع الخصائص الشكلية والمضمونيةـ قول البارودي-رائد هذه المدرسة- واصفا فرسه في ساحة الوغى:
أمضي به الهوْل مِقداما ويصحبني
ماضي الغرار إذا ما استفحل الوَهَلُ
لكننا لا نعدم وجود شعر يرتبط بتجربة الشّاعر مثل شعر "المنفى".

ويختلف شعر إحياء النموذج عن شعر التيار الذّاتي شكلا ومضمونا؛ ونبرز ذلك فيما يلي:
من ناحية الشكل، نجد أن لغة الرومانسيين ليّنة شفّافة هامسة، وصورهم مستمدّة من تجربتهم الذّاتية والنّفسية، أما الإيقاع فهو في غالبه عموديّ تقليديّ إلا في النادر. يقول جبران خليل جبران:
هل تَخِذْتَ الغابَ مثلي منزلا دون القصور
وتتبّعت السواقي وتسلّقت الصخور
وشربت الفحر خمرا في كؤوس من أثير
على خلاف مدرسة الإحياء التي تتسم لغتها بالجزالة وإيقاعها الذي يشبه إيقاع القدماء كلّيا، وصورها التي تُستمدّ غالبا من الذّاكرة الشعرية.
ومن ناحية المضمون إذا كان شعراء الإحياء يسيرون على خطى القدماء في تبنّي الأغراض القديمة المعروفة، فإنّ شعرء الرومانسية ينطلقون من ذواتهم ويعبّرون عنها، كما ينظمون اشعارهم في مواضيع جديدة من قبيل : التفلسف في الوجود، الهروب إلى الغاب، نقد الواقع، الاغتراب الكوني والوجودي... وهكذا يتضح أنّ الفرق بين المدرستين يشمل جوانب شكلية ومضمونية.
وبالنسبة للثورة التي أحدثتها المدرسة الرومانسية فهي ثورة نسبية بالنظر إلى أنّها لم تستطع خلخلةَ البنية الإيقاعية للقصيدة القديمة، مكتفية بالتغيير النسبي الذي شمل التنويع في القوافي وبناء القصيدة الواحدة على أوزان متعددة، أما تغييرهم في المضمون فلم يرقَ إلى المستوى المطلوب لأنهم عالجوا المواضيع البعيدة عن هموم المجتمع ونبض الواقع، مكتفين بالبكاء والصراح وذمّ الزمان والهروب إلى الطبيعة، وهكذا كان تجديدهم نسبيا، لكنه مهّد للتجديد الأقوى الذي قامت به مدرسة تكسير البنية. فهل استطاع شعراء تكسير البنية هدم الصّرح الإيقاعي للقصيدة القديمة؟

ليست هناك تعليقات