المشكلة العلمية وكيف تحدد مشكلة البحث ؟




عندما يكلف الطالب بإنجاز بحث ما فهذا معناه أنه طلب منه أن يدرس مشكلة معينة مطروحة أو الإجابة عن سؤال لا جواب علمي متوفر له.
في ميدان البحث، تسمى مشكلة، حسب موريس أنجرس، كل ما يثير مساءلة لا غنى عن دراستها([1]) بمعنى أنها موضوع يحيط به الغموض، أو ظاهرة تحتاج إلى تفسير أو قضية هي موضع خلاف([2])أو الشك في صحة بعض النظريات والقوانين أو المسلمات.
·مثال (1): موضوع يحيط به الغموض: طرق تمويل بعض القنوات التلفزيونية الخاصة بالجزائر.
مثال (2): ظاهرة تحتاج إلى تفسير: إقبال الشباب على المواقع الاجتماعية على شبكة الانترنيت.
مثال (3): قضية هي موضوع خلاف: دور القنوات التلفزيونية الدولية في الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية.
مثال (4): الأبحاث النظرية: نظرية الإبر المخدرةفي زمن تكنولوجيات الاتصال.
خصائص المشكلة العلمية: للمشكلة العلمية خصوصيات عدة منها:
أنها ليست معزولة عن مشاكل أخرى. المشكلة العلمية لا توجد بمفردها، فكل مشكلة مرتبطة بمجموعة من المشاكل الأخرى التي تشاركها المجال. لذلك يفترض في الباحث الاطلاع على الأعمال السابقة في نفس المجال وأن يتوفر على زاد معرفي يمكنه من الإحاطة بأبعاد المشكلة.
لها تشعبات تمتد أحيانا نحو اختصاصات أخرى، فدراسة طرق تمويل بعض القنوات التلفزيونية الخاصة بالجزائر يتطلب توفر حد أدنى من المعارف في مجال الاقتصاد وتمويل المؤسسات والقوانين المنظمة لذلك لدى الطالب أو الباحث.
القابلية للتجزئة، إذ نظرا لارتباط المشكلة العلمية بمشاكل أخرى وكذلك تشعبها فهي تقبل التجزئة إلى مشاكل عدة أو أجزاء (أو جزئيات عديدة) يقوم الطالب باختيار إحداها للدراسة والبحث وذلك تماشيا مع اختصاص الطالب وما يريده من خلال البحث.
الشروط الواجب توفرها في موضوع البحث: ليست كل مشكلة هي قابلة للبحث، خاصة بالنسبة للطلبة الذين يتدربون على البحث. لا بد أن يكون للبحث فائدة اجتماعية أو فكرية أو علمية ما، لذلك فمن الشروط الواجب توفرها في موضوع البحث نذكر:
شرط القابلية للبحث؛ بمعنى أن البحث مقبولا من حيث الشكل على الأقل كأن يكون على علاقة باختصاص الطالب.
شرط القابلية للإنجاز؛ وهو يتعلق بالوسائل المادية الضرورية لإنجاز البحث من ذلك توفر المراجع والمادة الأساس وإمكانية الوصول إلى مصادر المعلومات (مؤسسات، شخصيات سياسية أو علمية ..) مع التأكد من أن المدة الزمنية التي يستغرقها البحث ليست بالطويلة بحيث تتجاوز الآجال المحددة للطالب.
شرط توافق اهتمامات الطالب وميولاته مع المشكلة محل البحث. عدم توفر هذا الشرط يجعل الطالب يشعر بالملل وبثقل المهمة.
شرط الأصالة، الذي يعني أن يحمل البحث الجديد وأن لا يكون قد تم تناوله ن قبل، أو أن ذلك (التناول) تم لكن الطالب يرى بأن الذين سبقوه أخطئوا في بعض الأمور أو أنهم اعتمدوا على مناهج أو أدوات بحث أو عينات أعطت بعض النتائج التي بينت أحداثا لاحقة بأنها خاطئة أو جانبت الحقيقة.
[1] - موريس أنجر
[2] - أنظر في ذلك: سلاطنية بلقاسم،
كيف نحدد مشكلة البحث؟
مقدمة
البداية في مجال البحث العلمي تكون باختيار موضوع البحث.
فلابد أن يحدد الباحث ما يبحث عنه: ظاهرة يصفها أو يفسر مكوناتها، أو وقائع يدرسها ويحلل أسبابها، أو ينطلق من نتائج بحوث سابقة للوصول إلى حقائق جديدة، أو يتنبأ بما ستكون عليه قطاعات أو ظواهر معينة في المستقبل، أو يطبق نظريات وتجارب على عينات من المجتمع، أو يجد حلولا لمشاكل مطروحة.
الباحث التركي (حاجي خليفة) له عبارة مشهورة في مجال البحث وهي (التأليف في سبعة أنواع):
1- إما إلى شيء لم يسبقه إليه فيخترعه.
2- أو شيء ناقص يتمه.
3- أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه.
4- أو شيء متفرق فيجمعه.
5- أو شيء مختلط يربطه.
6- أو شيء مغلق يشرحه.
7- أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه.
1- تعريف مشكلة البحث: في ميدان البحث، تسمى مشكلة، حسب موريس أنجرس، كل ما يثير مساءلة لا غنى عن دراستها، بمعنى أنها موضوع يحيط به الغموض، أو ظاهرة تحتاج إلى تفسير أو قضية هي موضع خلاف أو الشك في صحة بعض النظريات والقوانين أو المسلمات. 
· مثال (1): موضوع يحيط به الغموض: العلاقة بين قناة الجزيرة التلفزيونية وتنظيم القاعدة.
· مثال (2): ظاهرة تحتاج إلى تفسير: الإقبال المتزايد للجزائريين على القنوات التلفزيونية الأجنبية.
· مثال (3): قضية هي موضوع خلاف: هل قناة الجزيرة تروج فعلا للإرهاب؟
· مثال (4): الأبحاث النظرية: نظرية الأجندة في ظل عولمة الاتصال.
2- كيف نختار موضوع البحث
المشكلة العلمية لا توجد بمفردها، فكل مشكلة مرتبطة بمجموعة من المشاكل الأخرى التي تشاركها المجال. مما يفرض على الباحث التحلي بالصبر وسعة الإطلاع لمعرفة أين وصل الذين سبقوه والنتائج التي حققوها. 
أي باحث لا يمكنه الإلمام بكل أبعاد المشكلة لذلك يجزئها إلى أجزاء عدة (مشكلات عدة) على أن يقوم بدراسة جزء أو أكثر من هذه الأجزاء.
المشكلة البحثية هي إذن جزء من مشكلة أكبر (تكون أحيانا عبارة عن جزيء من جزء من المشكلة)، وليس المشكلة كلها، والذي يعالجها الباحث.
· مثال (1): موضوع بحث: العلاقة بين قناة الجزيرة التلفزيونية وتنظيم القاعدة
هذا الموضوع يطرح مشكلة كبيرة وهي تتعلق بكون باحث ما "أحس" أو "لاحظ" بأن هناك علاقة ما بين قناة الجزيرة وتنظيم القاعدة تتعدى العلاقة العادية التي قد تنشأ بين أية وسيلة إعلامية تسعى لتحقيق السبق الإعلامي وتنظيم معين يهمه تبليغ أخباره وآرائه لأكبر عدد من سكان الأرض.
المشكلة المطروحة غير محددة وغير معزولة عن مشاكل أخرى عديدة منها: طبيعة قناة الجزيرة وخطها الافتتاحي، من يملك القناة التلفزيونية، موقعها من المشهد الإعلامي العربي والدولي، طبيعة تنظيم القاعدة وأهدافه، من يقف وراء التنظيم، محتوى خطاب القاعدة، الجمهور المستهدف من طرف كل من القناة والقاعدة، الخ..
نلاحظ أنه لا يمكن لأي باحث أن يلم بكل أبعاد هذا الموضوع، لذلك فالباحث ينطلق من هذه المشكلة الكبيرة، أو الفكرة العامة، التي يمكن تجزئتها إلى مشكلات بحث عديدة يختار أحداها لتكون موضوع بحثه.
الفرق بين المشكلة والإشكالية: لا بد من التفريق بين المشكلة والإشكالية، فالمشكلة غير الإشكالية.
· مثال (1): إذا عدنا إلى المثل المذكور سابقا والمتعلق بقناة الجزيرة : العلاقة بين قناة الجزيرة التلفزيونية وتنظيم القاعدة؛ نلاحظ أن كل الشروط الذكورة أعلاه تتوفر فيه، فهو قابل للبحث وعلى علاقة باختصاص علوم الإعلام والاتصال؛ كما أن القابلية للإنجاز متوفرة هي الأخرى، إذ يمكن للباحث أن يقوم بتسجيل مجموعة من حصص وأخبار القناة لمدة زمنية معينة، يقوم بتحليلها فيما بعد للبحث عن آثار العلاقة بين القناة وتنظيم القاعدة. كما أن بحثا كهذا من المحتمل جدا أن ينسجم مع اهتمامات ومصالح العديد من الطلبة. أخيرا، الموضوع جديد ولم يتم تناوله من قبل في الجزائر، على الأقل. نلاحظ من خلال هذا المثل أن كل الشروط تتوفر في الموضوع محل البحث.
· مثال (5): واقع الجريمة الالكترونية في الجزائر. هذا المثال، يتوفر على القابلية للبحث، وهو على علاقة باختصاص علوم الإعلام والاتصال، وينسجم مع اهتمامات معظم الطلبة، ولم يتم تناوله من قبل، لكن المشكلة في موضوع كهذا تتعلق بالقابلية للإنجاز: هل يتحصل الطالب على المعلومات الكافية حول وقائع وأحداث متعلقة بهذا النوع من الإجرام في الجزائر من الجهات المختصة (القضاء، أجهزة الأمن المختلفة..). نلاحظ من خلال هذا المثل أن شرطا أساسيا قد لا يتوفر مما يعيق إنجاز البحث.
3- تحديد موضوع البحث
عندما يختار الطالب موضوع البحث يكون قد حدد المشكلة التي يقوم ببحثها لكنه لم يحدد بعد الموضوع بكل دقة، فإذا أختار الموضوع المذكور أعلاه (العلاقة بين قناة الجزيرة التلفزيونية وتنظيم القاعدة)، فهو اختار مشكلة بحث وهي المتمثلة في العلاقة بين قناة الجزيرة وتنظيم القاعدة، لكن هذه العلاقة تحتاج إلى تحديد أكثر للمجال الذي يريد الباحث دراسته: هل يكتفي بتحليل أشرطة تنظيم القاعدة التي تبث عبر الجزيرة، أو يبحث في الكيفية التي تقدم بها القناة أخبار القاعدة وتكرار هذه الأخبار وترتيبها عبر فترة زمنية معينة، أو تحليل صور زعماء القاعدة كما تقدمهم الجزيرة؟
وإذا اختار المثال (5) (واقع الجريمة الالكترونية في الجزائر)، فهو أختار مشكلة بحث تتناول العديد من الجوانب: ما نوع الجرائم التي يدرسها (التفجيرات الإرهابية عن بعد، السرقة الالكترونية، غسيل الأموال، الرشوة ..)، وما نوع الوسائل الالكترونية التي يحددها كأداة تستعمل في الإجرام (الهاتف المحمول، البريد الألكتروني، أجهزة المراقبة عن بعد ..)، الخ.
وإن اختار تأثير الإشهار التلفزيوني على الأطفال (مثال 6)، فهو أختار بحث العلاقة القائمة بين الإشهار التلفزيوني والطفل، لكن هذه العلاقة تحتاج إلى تحديد: أي إشهار؟ لأية قناة؟ أي طفل؟ هل يدرس أطفال المدن أم أطفال القرى؟ في حالة دراسة أطفال المدن هل يختار أطفال الأحياء الراقية أم أطفال الأحياء الفقيرة؟
الطالب لا يستطيع، في هذا المستوى، تحديد الموضوع، إذ عليه القيام بخطوات أخرى للتمكن من تحديد موضوع البحث بدقة. هذه الخطوات نجملها في: القراءات الأولية، الاطلاع على الدراسات السابقة، تحضير مادة التحليل، استشارة الباحثين والمختصين من نفس الاختصاص
أ‌- القراءات الأولية: نظرا لكون كل بحث هو امتداد أو تتمة لبحوث سابقة حول نفس المشكلة، فأن الطالب مطالب بالإطلاع على ما سبق نشره حول الموضوع. هذه الخطوة تسمى في مجال البحث باستعراض الأدبيات السابقة. القراءات الأولية تفيد إذن في اكتشاف الموضوع وتكوين صورة عامة حوله وحول المنهج وأدوات البحث المفضلة لتناوله ثم يضع قائمة أولية للمراجع المتعلقة بالموضوع انطلاقا من بطاقية المكتبات الجامعية والوطنية والمعاهد المتخصصة وقوائم المراجع المذكورة في الكتب التي تتناول بعض جوانب الموضوع، قوائم آخر الإصدارات التي يمكن الإطلاع عليها في المواقع الخاصة بدور النشر الوطنية والأجنبية بشبكة أنترنيت.
بالنسبة لمواضيع البحث الجديدة والتي تقل أو تنعدم فيها المراجع فان الباحث مطالب بتصفح الكتب التي تتناول مواضيع قريبة من موضوع بحثه.
· بالنسبة للبحث المذكور في المثال (1): العلاقة بين قناة الجزيرة التلفزيونية وتنظيم القاعدة، يكون على الطالب الاطلاع على بحوث أو كتب أكاديمية حول: القنوات التلفزيونية الدولية، الاتصال لدى الطوائف la communication des sectes ، استراتيجيات الإقناع، تحليل الصورة، تنظيم القاعدة.
· بالنسبة للبحث المذكور في المثال (5): واقع الجريمة الالكترونية في الجزائر، يكون على الطالب الاطلاع على بحوث ومقالات وكتب أكاديمية جول: مفهوم الجريمة الالكترونية، مجالات هذا النوع من الإجرام، حالات من الإجرام الالكتروني، حالة الإجرام الالكتروني في الجزائر. 
ب‌-التأكد من توفر المادة الأساس أو مادة التحليل le corpus : ونقصد بها المادة التي يستعملها أو يدرسها أو يحللها الباحث في بحثه، فأي بحث لابد أن يتناول بالدراسة، أو التحليل، أو التقييم أو التأكد من مادة ما (مادة إعلامية، وثائق قديمة، معطيات كمية، عينة معينة، شهادات حول أحداث، ملاحظة وقائع، نظريات..). إذن على الباحث أن يحدد مادة بحثه (عينة، وثائق، إحصائيات، مادة إعلامية الخ.) وأين سيجدها (في مراكز للوثائق، في مؤسسات إعلامية، في دوائر حكومية، في الشارع، في الجامعة..) وهل من الممكن الحصول عليها بسهولة. على الباحث أن يولي عناية كبيرة لهذا الأمر، وأن يتأكد من توفر مادة بحثه قبل الانطلاق في المراحل الأخرى من البحث، لأن بعض المؤسسات ترفض أحيانا تسهيل مهمة الباحث وتأبى تسليمه المعلومات أو الوثائق التي تفيده في البحث.
· بالنسبة للمثال (1)، فان مشكل المادة الأساس لا يطرح إذ يكفي أن يتوفر جهاز تلفزيون وجهاز فيديو لدى الباحث ليتمكن من تسجيل الحصص التي يختارها كمادة أساس. مع احترام الشروط الواجب توفرها في المادة الأساس، خاصة ما تعلق منها بالعينة والفترة الزمنية المختارة لتشكيل المادة الأساس مع تبرير أسباب الاختيار.
· بالنسبة للمثال (5)، فان مشكل المادة الأساس يطرح بحدة لأن الأمر متعلق بعدة أجهزة ومصالح حكومية، هي وحدها التي تتوفر على المعلومات المتعلقة بموضوع البحث، ولا يدري الطالب إن كانت هذه الأجهزة ستتعامل معه وتطلعه على حالات التلبس باستعمال وسائل الكترونية التي ضبطت أصحابها أم لا. في هذه الحالة على الطالب أن يسعى أولا لدى هذه الأجهزة والمصالح للحصول فعلا على المعلومات وليس على مجرد وعود.

ليست هناك تعليقات