بحث عن مظاهر الحضارة النومدية مصادر المادية والادبية


المقدمة : شهدت بلاد المغرب القديم العديد من الأحداث والتغيرات في جميع المجالات عبر العصور التاريخية، حيث عرف المجال الاقتصادي لبلاد المغرب فترة انتقالية بدأت من الزراعة والرعي وصولا إلى الصناعة والتجارة، ونظرا لذلك أكد المغرب القديم في ظل المملكة النوميدية مدى الأزدهار الاقتصادي الذي وصلت إليه هذه المملكة خاصة فيما يتعلق بالأنشطة الحرفية والصناعة، التي تعتبر من الأنشطة الهامة التي تنفع المجتمع وتلبي حاجياته من جهة ، ومن جهة أخرى وجود الصناع والحرفيين المهرة في مختلف الأقطار، حيث عرفت الصناعة والحرف نهضة قوية وانتشارا مراكزها وتنوعها وتميزها بالإتقان والإبداع، فهما يعتبران من الأسس الهامة والضرورية في اقتصاد المجتمع، فكل شعب مهما كانت درجة تحضره لن يستطيع العيش دون صناعة، فالتطور الحضاري وازدياد الأحتياجاتأدى بدوره إلى نمو الصناعة باعتبارها ركيزة من ركائز الازدهار المادي للأم، لذلك عرف النشاط الصناعي والحرفي اهتماما كبيرا في المجتمعات القديمة.
أسباب اختيار الموضوع:
وكان سبب اختيارنا لهذا الموضوع مظار الحضارة النومدية مصدر المادية والادبية ، نظرا للأهمية التي يحتلها، وكذا الرغبة في معرفة الأنشطة الحرفية التي زاولها النوميديون ، والتعرف على مختلف الصناعات التي عرفها المجتمع النوميدي، وكذلك مولنا الخاص لمثل هذه المواضيع، باعتبار أن الصناعة والحرف تعد عنصرا هاما ومينا من عناصر تراثنا الحضاري.
صعوبات الموضوع
ولقد واجهنا عدة صعوبات في سبيل انجاز هذا الموضوع ، نذكر منها صعوبة استخراج المادة العلمية من المراجع الأجنبية وترجمتها ، إضافة شح المادة العلمية في الجانب الحرفي لنوميديا نظرا لقلة المراجع التي تتناول هذا الموضوع.
الاشكالية : ماهي ماهي نشاطات الحضارة النومدية
ولدراسة هذا الموضوع اعتمد على مجموعة من مراجع منها حارش محمد الهادي ،التطور السياسي والاقتصادي في نوميديا منذ اعتلاء ماسينيسا العرش الى وفاة يويا الاول ،دار هومة ،الجزائر ،1995
محمد الصغير غائم :المعالم الحضارية في الشرق الجزائري فترة فجر التاريخ , دار الهدى ,عين مليلة(الجزائر) ,2006 ومذكرة -آكلي  نورية: الحرف والحرفيون في نوميديا قبل العهـد الرومـاني، أ طرو حة لنيـل الـدكتوراه  في الاثار القديمة، إشراف الأستاذ،  دلوم سعيد ، جا معة الجزائر ،2بوزريعة2009ـ2010

خطة المبحث :
المقدمة :
الفصل الاول : نوميديا
المبحث الاول : ظهور نوميديا
المبحث الثاني : الإطار الجغرافي
الفصل الثاني : الصنائع والحرف في نوميديا
المبحث الاول : الصنائع
المبحث الثاني : الحرف
الفصل ثالث : العوامل المساعدة على ظهور الصنائع والحرف ونمادجها
المبحث الاول : العوامل المساعدة على ظهور الصنائع
المبحث الثاني : نمادج الصنائع والحرف
خاتمة
المبحث الاول : ظهور نوميديا
اهتم الباحثون والمؤرخون الغربيون بدراسة تاريخ نوميديا في العصر الليبي البونيقي ووضعوا فيه مؤلفات عديدة في لغاتهم المختلفة تخدم الأغراض الاستعمارية بصفة ذائية، حيث اقر أغلبيتهم أن النوميديين، اخذوا كل ما لديهم من الحضارات الوافدة وأنهم كانوا مجتمع منعزل نسبيا ، غير قادر بطبيعته عن الخلق الحضاري، إلى جانب ذلك لم تتكلم المؤلفات الكلاسيكية (الإغريقية واللاتينية) بصفة مباشرة عن تاريخ نوميديا' ،إذا كانت الأصول الأولى لمملكة نوميديا مازال يكتنفه الغموض فان سكوت النصوص عن ذالك لا يعني بالضرورة عدم وجودها، لذلك نجد أن البدايات الأولى المدونة للوقوف عند تفاصيل تاریخ نوميديا التي تبدأ مع بداية الحرب البونيقية الأولى، حيث ظهرت نوميديا كقوة سياسية واجتماعية واقتصادية ، وهذا يوحي بقدم نشأتها، وهذا القدم الذي مهد لهذا التطور والازدهار التي عرفته المملكة في عهد ماسينيسا، حيث يرى (غ. كامبس) أن باغا وسيفاكس ورثا ممالك تشكلت وتنامت عبر عصور غابرة، فهو أيضا ما ينطبق على غايا، وبالتالي يمكننا القول أن مملكة نوميديا تعود إلى عصور موغلة القدم، قد تعود حتى القرن التاسع ق.م، حيث ذكر لملك محلي من أسطورة تأسيس قرطاجة الذي استطاع أن يفرض ضريبة على هذه المدينة التي ظلت تدفعها حتى وهي قوة بحرية بولا نعرف بالضبط في أي فترة بدأ تشكل الممالك المحلية التي تحدثت عنها النصوص الإغريقية واللاتينية خلال القرن الثالث ق.م ، ورغم أن هذه النصوص قد أشارت إلى بعض الملوك الذين عاشوا قبل هذه الفترة ، ولكن دون إعطاء أية تفاصيل ولا فيما يخص امتداد ممالكهم ولا سلطتهم ، أن أقدم هذه الإشارات ، نجد الملك هيرباص (Hiarbas) الذي يعد من أقدم الملوك الذين ورد ذكرهم في الأدبية الكلاسيكية، باعتباره معاصر لتأسيس قرطاجة ، والذي كان يملك الإقليم الواقع في خليج تونس ، إلا أن الرواية لم تشر إلى اسم العشيرة التي كان ينتمي إليها هذا الملك كما نجد (بوستيوس) ، قد تحدث عن هذا الملك الذي يكون قد حاول إجبار القرطاجيين على تزويجه بالأميرة عليسة قبل انتحارها إخلاصا لزوجها الأول عشتر باص وفي القرن الرابع تذكر لنا النصوص ملوكا محليين مرتين المرة الأولى عند يوستيوس الذي حدثتها عن الملك ماوري استنجد به حنون عندما حاول الاستيلاء على السلطة في قرطاجة ،والثانية عند (ديودور الصقلي) الذي أشار إلى الملك (الماس)، الذي لا نعرف متى استلم الحكم ولا الأسرة المالكة التي كان ينتمي إليها، كذا الإقليم الذي كان يحكمه ، فضلا عن جهلنا التام بنظام الحكم، لكننا نعلم من خلال مشاركته في الصراع الإغريقي القرطاجي، انه لم يكن على وفاق مع القرطاجيين، ومن ثم انتهز فرصة الحصار الذي فرضه (اغاثوكليس) والحملة الإغريقية الكبرى التي شارك فيها الأثينيون ، وحاكم برقة (أوفلاس)،وغير (الماس) موقفه وانضمامه للقرطاجيين، الأمر الذي كلفه حياته ، حيث دبر له الإغريق مكيدة وقتلوه. ومن هنا يمكننا القول أن المناطق المغاربية المتاخمة لقرطاجة ، قد عرفت مع نهاية القرن الرابع ق.م نظام حكم قد يكون النواة الأولى للعرش النوميدي من الناحية الشرقية ،وأما "الماس" كان من أقدم ملوك الماسيل أو نوميديا الشرقية، كما أن تشييد ضريح المدراسن) في نهاية القرن الرابع ق.م وبداية القرن الثالث ق.م، حيث لا يستبعد الأستاذ غانم محمد الصغير، أن تكون القبائل الماسيلية قد استقرت حول المدراسن في بداية الأمر، وشكلت النواة الأولى للدولة النوميدية في شكلها القبلي، وبعد توفر شروط قيام الدولة انتقلت تلك القبائل إلى (سيرتا) وظهرت هناك في شكلها الملكي.


المبحث الثاني : الإطار الجغرافي
1 الخصائص الجغرافية: أورد المؤرخ والجغرافي الإغريقي استرابون وصفا للمنطقة النوميدية جاء فيه
يمتلك النوميديين أراضي جد خصبة ولكنها مليئة بالحيوانات المتوحشة التي أعاقتهم على ممارسة الزراعة والاستقرار، فتركوا حقولهم للزواحف والحيوانات المفترسة وأصبحوا يعيشون حياة البداوة والتنقل نضرا لقحولة أراضيهم وجفاف وقسوة مناخهم ... لذلك فهم كمثل الشعوب المقهورة بالفقر والبؤس ... ))، وهكذا نرى استرابون لم يتوان في وصف الأرض النوميدية بكونها خصبة وثرية على العموم، إلا أنها كانت أهلة بالحيوانات المتوحشة مثل بقية المناطق الليبية الداخلية، وهو ما جعل السكان بلازمون الترحال على الدوام، ومن ثمة اسماهم الإغريق " نوماداس ' أي المتنقلون، أو المرتحلون، حيث أن ترحلهم كان تفاديا للحيوانات المتوحشة التي إعاقتهم على الاستقرار. ومن جهته لا يختلف سالوستيوس في موقفه من النوميديين وأرضهم عن استرابون، حيث يصفهم بأنهم يستقرون في ارض قاحلة تكثر بها الحيوانات المتوحشة متنقلون ولا يخضعون لا لزعيم ولا القانون.1
2- التقسيم الجغرافي للأقاليم النوميدية: يمكن بأختصار تقسيم الأراضي النوميدية من حيث الخصائص الجغرافية إلى ثلاث أقاليم رئيسية وهي:
أ- الإقليم الشمالي الساحلي أو الشاطئ : يشرف الإقليم الشمالي الساحلي على البحر المتوسط الذي نسبه الرومان إلى أنفسهم عبر شواطئ تتميز بخلوها من الخلجان الطبيعية الكبيرة والرؤوس المكسرة للرياح، وقد أشار الرحالة الإغريق إلى أن هذه الشواطئ تبرز في البحر بشكل مرتفعات جبلية | مرتبطة ببعضها البعض، أما أشهر موانئها سيقا، ايكسيوم، بجاية، جيجل...الخ، وكانت معظمها منافذ للاحتلال الروماني خلال الفترة الرومانية، وقد كثرت في هذه المنطقة زراعة الحبوب أو الأشجار المثمرة التي مورست على نطاق واسع، نضرا لملائمة المناخ الذي على ما يبدو لم يحدث به تغير على ما هو عليه الآن، فمناخ هذه المنطقة اتسم بالتذبذب والتساقط لم يكن منتظم.
ب . إقليم الهضاب العليا أو الجبال : ينحصر إقليم الهضاب العليا لنوميديا بين سلسلتي الأطلس التلي والصحراوي، ويشكل الإقليم من أراضي يغلب عليها الارتفاع والانبساط، وتعرف بالنجود أو الهضاب العليا وتم مابين سيرتا والتخوم الأوراسية الشمالية جنوبا في حين تتجه من الغرب نحو الشرق كامتداد المرتفعات الأطلس من الحضنة إلى النمامشة، وتتدرج مرتفعات الأطلس في الانخفاض كلما اتجهنا نحو الشرق، والمنطقة ذات طبيعة الرعوية. ما جعل الإدارة الرومانية تتشي فيها الحصون والقلاع وتزويدها بشبكة دفاعية خوفا من البدو الرحل بمواشية التي كانت تجتاح المزارع الرومانية فتعود على الأخضر واليابس .
ج. إقليم السهوب : لقد شكلت المرتفعات الداخلية حلقة وصل بين الأقاليم الشمالية التقلية والأقاليم الجنوبية ، وكانت لتلك المنطقة أهمية إستراتيجية كبيرة وبعدا جغرافيا حيويا هاما، وقد تنبه الرومان لتلك الأهمية ، فانشئوا بها مستعمرات لجنود المسرحين من الخدمة العسكرية، وانتشرت بها زراعة الأشجار المتنوعة يأتي على رأسها الزيتون، حيث عثر على أثار بقايا معاصر الزيت في مناطق كثيرة نذكر منها: وادي قشطان، ووادي العرب، ووادي عبدي... الخ، وهناك أيضا أراضي الصحراء الواسعة يغلب عليها طابع الانبساط وتمتد جنوب سلسلة الأطلس الصحراوي إلى منطقة الشطوط وتتميز بمناخ حار حيث تتعدى درجة الحرارة في فصل الصيف 46 وفي فصل الشتاء مع ندرة التساقط  وقد شكلت بعدا استراتيجيا هاما للحركات المقاومة للاستعمار
3- تنوع الغطاء النباتي: الذي كان يحوي العديد من أنواع الأشجار مثل السنط والرجراج والبقس الذي دخل من أوربا، وضل الغطاء النباتي في تنوع مستمر، فتنوع هذا الأخير كان نتيجة للعوامل الطبيعية وعمل الإنسان، الذي أثر على النسيج النباتي فزرع الحبوب والبقول واستخدم الرعي واضافة إلى ما ذكر سابقا استخدم الإنسان الغابة لتغطية احتياجات مواد البناء والوقود. وفي الختام نقول أن التضاريس والمناخ والغطاء النباتي جعل بعض المؤرخين يؤمنون بالعجز الأيدي عن قيام وحدة في المنطقة المغاربية، وهذا ما يفقده الواقع اذ لم تصمد العوامل الجغرافية أمام التاريخ ، بدليل قيام مملكة نوميديا المودة .1


الفصل الثاني : الصنائع والحرف في نوميديا
المبحث الاول : الصنائع
1- صناعة الملابس والحلي :
1-1         الحلي: هي الأغراض والأدوات التي تستخدم للزينة من قبل النساء، كالأساور والخوائم والعقود، وغيرها، حيث اعتبر الحلي من بين الحاجيات الكمالية التي صنعها الإنسان من مواد مختلفة، ويعبر الحلى بصدق عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية والدينية عند المجتمعات القديمة تعود صناعة الحلي في المغرب القديم إلى حضارات وعصور ما ق. ت فحلي الحضارة الإيبرو مغربية مثلا مصنوعة من العظام، ومن بينها العقود والتمائم ، أما الحلي القفصي فصنع من قشر بيض النعام عقودا مزودة بثقوب لتعليقها، والمصادر التي تزودنا بمعلومات حول صناعة الحلي، والرسوم الصخرية التي يظهر عليها أناس يضعون أساور وعقودة، وكذلك البقايا الأثرية المتمثلة في اللقى التي عثر عليها في المقابر، مثل التي عثر عليها قرب قالمة وقرب تبسة وضواحي قسنطينة والمصدر الثالث يتمثل في النصوص الأدبية فيهيرودوت مثلا يذكر أن أحد القبائل الليبية المتاخمة لمصر كانت نسائهم يزين سيقانهن بحلقات عن البرونز، كما عرف الليبيين أنواع عديدة من الحلي الأثنين التي كانت تلبس في شحمة الأذن، والعقود التي تزين بها الليبيات وتظهر على نقوش معبد ساحورع من الأسرة الخامسة، وآثار مدينة "هيبو"، أما الأساور فيبدو أنها لم تكن شائعة كثيرا بين الليبيين ولكنها معروفة وتظهر على اذرع الليبيين في نقوش أبي صبر أو مدينة هيبو . 1
أ‌-       مواد صناعة الحلي: تختلف مواد صناعة الحلي باختلاف بيئة توفر المواد ، وباختلاف العصور التاريخية وتطور التقنية الصناعية لدى الإنسان، وأيضا باختلاف أنواع الحلي، حيث صنعت الحلى النوميدية من المواد العظمية المتنوعة لمختلف الحيوانات، فقد شكل هيكلها العظمي حلي مختلفة كالعقود، وكذا العاج التي وجدت حلقة منه وهي جزء من عقد أو سوار ضمن الأثاث الجنائزي لضريح المدراسنه ، أما فيما يخص المواد المعدنية لبس المغارية الحلي المعنية من أساور أقراط وهي موزعة في عموم الشمال الإفريقي ، أما المجوهرات من الأحجار نصف الكريمة أو من الزجاج فوجدت جميعها في القبور موتشير المكتشفات الأثرية إلى أن هذه الحلي المعدنية من البرونز والنحاس والحديد التي عرفت انتشارا بين الأهالي ، وقيل منها ما صنع من الذهب والفضة، وتنوعت مواد صناعة الحلي من العاج والمرجان التي تم التعرف عليها من خلال كثرة التماثيل التي عثر عليها في مختلف المناطق، وكانت في بد عائلات توارثت صناعتها أبا عن جد ، والجلد كذلك من مواد الزينة ، فيذكر هيرودوت قبيلة الجندان" التي تزين نسائها في كواحلين بعقد من الجلد، فتضع المرأة شريط من الجلد حول الكاحل، ونجد مواد أخرى للزينة صنعت من قشر بيض النعام وأفراط مكونة من قواقع وأحجار كريمة، وأسنان الخنازير، ومن قشرة السلحفاة، فالمدافن الأهلية ضمت موتی متزينين بزيئات مماثلة لزينات إحداهم من عهد الحجارة ،ويطلق لذلك زينات من قطع الزجاج البسيط
الأساور: وهي حلي مستديرة كالحلقة تلبس حول المعصم، وتتقسم الأساور إلى أربعة أنواع ، النوع الأول كبير وثقيل ومفتوح ومسطح من البطن ومحدب من الظهر، فهي حلقة توضع في الرجل والتي تعتبر أكثر عندا وانتشارا ، أما النوع الثاني فتجده ذو حجم ثخين تو حافتين رقيقين ، أما النوع الثالث فيتكون من حلقة واحدة ذات حافة متقاطعة ، اما النوع الرابع مصنوع من خيوط برونزية ملولبة ذات حافة متقاطعة".
القلادات: نجد أغلبها مصنوعة من أقراص وقطع من قشر بيض النعام ،وأقراط مكونة من القواقع وهي في الغالب توضع في الأعناق، كما تظهر على الأشخاص في الرسوم الصخرية
الخواتم: غالبا ما تكون مصنوعة من الحديد أو البروتز ، وتتميز بحجمها الصغير، فنجد في هذا النوع خواتم برونزية عريضة ومسطحة".
 الخلاخيل: إذ تتشابه مع الأساور والخواتم قصيتها اسطوانية أو مسطحة، وتكون دائرة كاملة مفتحة، وفي الغالب يعرف هذا الشكل بجالب الحظ، عثر على هذا الحلى في القبور مع الأثاث الجنائزية، والتي تتضمن خواتم وأقراط وخلاخيل وعقود وأساور من معادن مختلفة وحتى من الزجاج .1
يحتل الحلي مكانة أساسية داخل المجتمع التوميدي خاصة عند المرأة التي تعتبر جزا هاما من البنية الأجتماعية منذ أقدم العصور ،ولعل هذه المكانة التي أخذتها هذه الأخيرة في المجتمع النوميدي تتجلى في البقايا الأثرية في الحلي فهي زينة المرأة.2
والحلي لم تكن حكرا على النساء دون الرجال، فقد أحب النوميديون التزيين بالحلي، فاستعملوا الأقراط في آذانهم فهي عادة قديم جدا، فيوغرطة مثلا حينما القي عليه القبض وحمل إلى السجن الذي مات فيه ، فنزعوا شحمة أذنه الذي كان معلق بها قرط ذهبي. وصناعة الحلي صناعة يزاولها الرجال لأنها تستلزم تقنيات ونظام يفوق نطاق قابلية عمل المرأة ، فصناع الحلي في نوميديا نجدهم متنقلون يطوفون في البوادي وعلى الخصوص في أسواق البوادي ، فقد كانت حرفة امتهنوها .



صناعة الملابس: عبرت الملابس عن حيات الشعوب عبر مر العصور التاريخية ، وذلك باختلاف عاداتها وتقاليدها وحضاراتها ، إذ تنوعت الألبسة من منطقة إلى أخرى ،وتحكمت فيها عوامل منه المناخ السائد ووفرة المواد، وبهذا اختلفت ألبسة سكان بلاد المغرب القديم والتي عبرت عن مدى تطور اقتصادها فأمكننا التعرف على الألبسة التي ارتداها وصنعها النوميديون من خلال عدة مصادر، إذ نجد الأنصاب والرسوم الصخرية والمسكوكات وكتابات المؤرخين القدامى للبقايا المادية المكتشفة في المقابر التي تعود إلى الفترة النوميدية وتظهر الملابس التي ارتداها سكان بلاد المغرب القديم، في الفترة التي سادت فيها الرسوم الصخرية حيث ظهر الرسوم الصخرية الصحراوية ملابس جلدية التي يظهر عليها أشخاص بألبسة جلدية مربوطة على الكتف الأيسر تغطى أعلى الصدر كما نجد كذالك نصوص المؤرخين القدماء، فارتداء الإنسان المغاربي القديم لهذه الملابس لتغطية عورته، كما ليسوا أقنعة من رؤوس الحيوانات كالغزلان والحمير الوحشية .1
أ‌-       مواد صناعة الملابس: الجلود: ارتدى المغاربة القدماء الملابس الجلدية قبل معرفة النسيج وهذا من خلال ما تبين لنا في الوثائق والرسوم الصخرية، والكتاب الكلاسيكيون (الإغريق والرومان الذين ذكروا لنا الملابس الجلدية التي ارتداها سكان المغرب القديم، ومن الحيوانات التي استخدموها في صناعة ملابسهم (الأسود و التمور وتيوس الجبل) والحيوانات المستأنسة ( كالبش والماعز)، وقد أشارت بعض الاستخدام جلد الماعز من قبل المغاربة القدامى ،حيث يذكر هيرودوت أن الليبيات استخدمن هذا النوع من الجلد بعد نزع شعره وصيغه باللون الأحمر أما ديودور الصقلي يذكر أن أجسام الليبيات لا تغطيها سوى جلود الماعز استمر صنع الملابس من الجلود حتى بعد اكتشاف النسيج ، وذكر هيرودوت أن لدى الغرامنت (مربو الخيل) ماشية جلودها اشد متانة وقساوة ، استعملت لصناعة الملابس،شكل جلد الحيوانات الملبس البسيط الذي ليسه الليبيون حيث الجلد يربط بالكتف الأيسر ويغطي أعلى الصدر ثم يرتمي إلى الكتف الأخر لينزل على الظهر وتتمثل الملابس الجلدية بصفة عامة في التنانير القصيرة والمعطف الطويلة المشكلة من قطعة واحدة مستطيل متغطي الشخص من كتفه إلى أسفل رقبته وهذا ما أشارت إليه النصوص المصرية ،وأشارت الرسوم الصخري إلى نوع آخر من اللباس تمثل في السترات وتكون عادتا واسعة من الأسفل وذات شرابيب، وهي ملابس ارتداها مربوا الخيل، واختلفت طريقة صناعة هذه الملابس حسب نوعية الجلد فهناك الجلد الغير مدبوغ ،ويتم فيه إحداث فتحة للرأس، ثم يسندل الجلد متدليا حو الجسم، أما الجلد المدبوغ فيحاك على شكل معاطف واقصة"، واستمر وجود هذا التنوع إلى غاية الفترة الرومانية ، حيث كانت الجلود  ونسيج  مادة أساسية في التجارة .
ب - أنواع الألبسة النوميدية: تنوعت ألبسة النوميديين كغيرهم من الشعوب حسب الفصول والحالة الاجتماعية ونمط المعيشة والنشاط الاقتصادي الممارس ،حيث نجد هناك ملابس شائعة متمثلة عموما إلى ما اشرنا إليه سابقا في جلود الحيوانات والملابس النسيجية من الصوف، باعتباره شائع الاستعمال، وهذه الألبسة عبارة عن قطعة قماش مستطيلة وملفوفة حول الجسم أو مربوطة نحو إحدى الكتفين ومشدودة في الوسط وهي تشكل اللباس الاعتيادي للنوميديين ، كذلك الألبسة الملكية المتمثلة في قطعة قماش مزخرفة وملونة بلف بها الجسم وتشد بحزام كما يبدوا في هيئة زعماء ليبيين في الجداريات المصرية يرتدون حبة لا تغطي احد الكتفين تلبس تحتها تنوره ،إضافة إلى الحزام ، هذه الملابس مزخرفة وملونة كما، تزيين هؤلاء الزعماء بريشة أو أكثر من ريش النعام مفروسة في شعورهم ، إضافة إلى ذلك نجد البرنوس الذي أخذ شهرته ضمن الملابس المحلية والذي كان ينسج من الصوف الأبيض عادة، ونادرا ما استخدمت فيه الألوان، واظهرت الرسوم الصخرية في منطقة سيقوس (Sikos) عن قدم صناعة البرتوس والأشخاص الذين يظهرون على هذه الرسوم يرتدون معطفا لبرنس بأطراف عريضة مفتوح والى الأمام، وهو معطف الذي يقدم نموذج كاملا للبرنس الحالية أما فيما يخص صناعة الأحذية فهي تعتبر بسيطة بحيث تتكون من نعل مستطيل تقريبا ، وزواياه مرفوعة ومربوطة بشرائط جلدية تتشابك وتلتف حول الكاحل وتضم تحتها قطعا من جلد البقر أو الماعز تغطي ظاهر القدم ويكون شعرها بالخارج.

1-  3  صناعة الفخار : تعتبر صناعة الفخار من الصناعات البارزة في حياة الإنسان القديم ،وهذا من خلال الأغراض التي استعملت من اجلها هذه الصناعة، واختلفت أنواعها واتدرجت تحتها
العديد من أصناف القطع الفخارية، حيث يعتبر الفخار إحدى البصمات البارزة التي شاهدها العالم القديم في مختلف المناطق التي كانت مراكز حضارية ، فقد كان العصر الحجري الحديث ثورة في مجال الصناعة الفخارية ،ولقد خلقت لنا مواقع فجر التاريخ في شمال إفريقيا صناعات فخارية ومختلف أشكالها وأنماطها وهذا لأهمية هذه الصناعة في تلك المرحلة، وصناعة الفخار لا يمكن أن تزدهر إلا عند سكان مستقرين، فهي صناعة تزاولها النساء في البادية، فيشتغلن بها 


نساء عاملات تعلمن صناعتها عندما تدعو الحاجة لأهل القرية، وفيما يخص صناعة الفخار وجدت في نوميديا منذ ما قبل التاريخ الذي عثر عليه في داخل القبو، لاعتقاد أهلها بالحياة ما بعد الموت، وقد ساهم الفخار في تنمية الحياة الاجتماعية عن طريق التخزين من خلال الأواني ذات الحجم الكبير، والتي تتمثل في القدور، إلى جانب هذا، كان ذو أبعاد جنائزية كذلك، أما عن طريقة صنع الفخار فيوجد هنالك طريقتين ، الأولى طريقة بسيطة عند الريفيات اللواتي يصنعن الفخار لسكان قراهم عويقمن بهذا العمل دون التفرغ الكلي له، وهنا تتشكل الأواني في اليد وتحمي بالنار، أما الطريقة الثانية والتي يشتغل بها الرجال في الورشات، باستخدام الدولاب التشكيل الأواني، والقرن التجفيفها.1
·        أنواع الفخار
 أ الفخار الجنائزي: تعتبر عادة وضع القرابين الجنائزية في المدافن عادة مالوفة في الفترة القديمة، ونجد من ضمن الأثاث الجنائزي في مختلف القبور تتمثل في الفخاريات التي لها مكانة هامة تختلف هذه القرابين حسب غذا المدافن والمراحل التاريخية ، من أنية إلى عشر أواني، ونظم الفخاريات المستخرجة من المعالم الجنائزي أنماط وأشكال مختلفة موجة لأغراض عديدة ، وهيكلها آنية تم صنعها لتوضع في المدافن، فكاميس وضع الأشياء النارية التي جمعها تحت اسم الأنية الخزفية الصغيرة والانية الطقوسية التي ليس لها غير الأهمية الدينية"، فالفخار الذي عثر عليه في القبور المختلفة، كان موجها أصلا ليوضع فيها ، فنجد الفخار الناري الذي لا يحتوي على أكثر من قيمته التعبدية الدينية، وفخار عائلي موجه لمختلف الاستعمالات، ووجدت أواني فخارية صغيرة الحجم صنعت خصيصا لأغراض جنائزية بحتة، وذلك لصغر حجمها، فهي تصلح للحياة اليومية وهي من أقدم الأواني ، فقد كانت توضع في القبر كهدايا جنائزية، ومن هذه الأصناف تذكر الجقان الصغيرة ،وهي جد مسطحة جوانبها مائلة قليلا، وتستعمل لوضع العطور ،ونجد كذلك القوارير، وهي نوعين ذات شكل مخروطي، وذات شكل القارورة الأنبوبية، ويعد هذا النوع من أقدم أنواع القوارير أما الأواني الطقوسية الجنائزي، نجد منها الأواني النصف بيضاوية الشكل وهي عبارة كؤوس كبير ذات فتحة مسطحة، والأواني ذات الأطراف المنحنية ، وهي تعتبر من الأواني الجنائزية الأكثر عددا ،وتحدها تشب الصحون، وكذلك الأواني ذات الاستعمال العادي، تنحصر وضيفتها في الشرب، ووضع المواد الغذائية، التي وضعت قرابين للميت. ويتميز الفخار المخصص للطقوس الجنائزية من خلال بساطته وخلوه من الأذرع والمقابض، على عكس الفخار أو الاستعمال اليومي الذي تحتوي أوانيه على إضافات تمكن من حمل وتعليق هذه الأواني الفخارية، ولعل تواجد الفخار ضمن مختلف الأصناف والمدافن تعتبر دليل هام على أهمية وضيفته الجنائزية، فضلا عن استعماله في الحياة العادية، فتزويد الأموات بمخلف أنواع الأواني الفخارية، هو إيمان قاطع بحاجة للأكل والشرب ، ولا يمكن تحقيق هذه الحاجة إلا بتقديم أواني فخارية كهدايا جنائزية، سوى أكان الغرض منها الطعام أو الشرب.


 ب - الفخار المنزلي يوجه الفخار العائلي لمختلف الاستعمالات، ومنه تحددت الأحجام والأشكال والأنواع ، فنجد بعض الأواني مثل (الأقداح والصحون والكؤوس) بدون مقابض بينما نجد البعض الآخر بمقابض مثل الفناجين أو الأباريق ، فغالبية هذه الأواني فهي عبارة عن أواني لحفظ المشروبات مثل الأباريق وأواني تستخدم لحفظ الطعام ، فهي عبارة عن كزوس واسعةوتنوعت وظائف الأواني الفخارية ، واستغلت في ميادين مختلفة منها الاستهلاك الطعام، ومنها لطهيه ومنها لتحضير الأطعمة ومنها للادخار لأجل طويل أو قصير ،والنقل لمسافات طويلة وقصيرة، ومن هنا تظهر صعوية تصنيف الوظائف المختلفة للفخار، ويمكن تصنيف الأواني الفخارية ذات الاستعمال المنزلي إلى أربع مجموعات - أواني الطهي - أواني الشرب . أواني الأكل . أواني التخزين - ، وقم غزال الفخار حسب اللون والزخارف فهناك فخار غير مزخرف ، گالفتور والصحن وفخار مصبوغ مزخرف باللون الاسود الداكن مع اللون الأحمر والزخرفة نركز على أشكال هندسية مستقيمة وقد أستخدم الفخار المصبوغ لأول مرة في الشرق الأدني ثم عبر عن طريق جزر الحوض الشرقي للبحر المتوسط، وصولا الصقلية، ومنها دخل إلى شمال إفريقيا .
1-4 صناعة الأسلحة
لقد تم التعرف على الأسلحة النوميدية من خلال البقايا في القبور و النصوص ،ولعل من أقدم هذه الأسلحة التي استعملها النوميديون الرمح ، وهو السلاح الذي ينسب إلى النوميديين والمور، وقد عثر على بقايا رماح في قبر الخروب، كما يبدو محاربون على النصب الجنائزية في العديد من المواقف يحملون بأيديهم رماح، كما عثر على العديد من رؤؤس الرماح ، والى جانب الرماح ذكر القدماء السكين كسلاح ينسب إلى النوميدين والمور، ونجد في نصب معبد الحفرة في قسنطينة السيف المرفق بالدرع والرمح، أما الخناجر والسيوف القصيرة نجد ذكرها عند العديد من المؤرخين القدماء منذ القرن الخامس ق.م، بالإضافة إلى الخوذة وواقية الصدر.2
1-5 صناعة النقود :
لقد كان الإنسان المغاربي القديم يعتمد في مبادلاته التجارية على أسلوب المقايضة قبل معرفته للنقود، ولكن بعد سك العملة وانتشر استعمالها كبديل عن المقايضة ،حيث عرفت | العملة تطورا ملحوظا في مواد صناعتها، إذ لا تخلوا كل عملة من صورة لأحد الملوك فهي تبرز فترة حكمه ونظامه النقدي الذي يعبر عن الرقي الاقتصادي ، حسب نوعية المعدن المستخدم في صناعة العملة إن أقدم النقود النوميدية التي يمكن تأريخها تعود للملك "سيفاكس" فهو أول من قام بسك العملة في تمازيسيليا" منذ أواخر القرن الثالث قيم ، أي بعد فترة قصيرة من لجوء قرطاجة إلى سك عملتها في أفريقيا كبديل عن صقلية، ولقد صكت عملة سيقاكس من البرونز وعليها اسم الملك بالبونيقية، وهي من أقدم العملات المالك الأهلية ، ونظرا للتطور الحضاري والتجارة الداخلية التي تميزت بها فترة حكم الملك ماسينيسا ،تضاعفت كمية النقود ،إذ يعتبر هذا الملك هو المؤسس الأول للنظام النقدي النوميدي، وأطلق على إسم نظام ماسينيسا والذي شكل القاعدة الأساسية والأنظمة التي جاءت بعد ذلك إلى الإصلاح النقدي ليوبا الأول.

المبحث الثاني : الحرف 
أنواع الأنشطة الحرفية:
أولا- حرفة النسيج والجلد:
كانت حرفة النسيج إحدى الأنشطة الرئيسية في المجتمع النوميدي القديم، حيث كان اللباس العادي يتم صنعه من قبل نساء البيت، فيتم غزل الصوف أو الكتان ونسجه، وكان المغزل أهم وسائل هذه الحرفة، ناهيك عن ما تتطلبه هذه الحرفة من غسل الصرف وصباغته، ودعك القماش، كما توجد نوعين من الأقمشة، فهناك الأقمشة العادية والأقمشة الراقية، فالأولى تنسج في البيت، والثانية في ورشات خاصة، وأحيانا في البيت، عندما يكون أحد أفراد الأسرة يمتلك خبرة في هذا النوع من العمل، كما نسجت المعاطف والجية والبرنوس والسترة
أما حرفة الجلد فهي تعتمد على الجلد كمادة أولية يتطلب تقطيعها وخياطتها قوة معينة، كانت مهنة رائجة خاصة بين الذكور، كما أنها تنوعت، فهناك الدباغ والبرادعي والسراج ومطري الجلد والاسكافي، ولقد انفصلت هذه المهن، حيث يمكن لكل واحد من هذه المهن أن يكون له وجود منفصل عن الآخر، فلم يكن نفس الاسكافي الذي يقطع هو الذي يخيط، كما انه ليس نفسه الذي يحضر الجلد والذي يستخدمه، وتعددت الأدوات الرئيسية للإسكافي وهي، المخرز والإبرة والمقد النصف دائري، كما اهتموا أيضا بصناعة الدروع والتروس الجلدية 
ثانيا- حرفة الفخار:
الفخار من الحرف التي تعود إلى العصر الحجري الحديث، وتطورت في العصر الحديدي، ولقد شاعت وتنوعت هذه الحرفة في المجتمع التوميدي، من خلال وجود فخار صنع لأغراض منزلية وأخرى لأغراض دينية، إذ تنوعت أشكاله وأنواعه وزخرفته، كما اشتهر البعض منها بعدم زخرفته، كالقشور والصحون والقتاجين والمصابيح التي كانت ذو لون رمادي أو لون داكن أو اسود، أما النوع الثاني فهو الأكثر انتقاما من حيث الصباغة والزخرفة والألوان، كوجود اللون الأسود والأحمر والقرميدي وزخرفته بأشكال هندسية متنوعة، وانتشرت هذه الصناعة في عدة مواقع، كقوراية وسيرتا وتبسها، ومن بين أواني هذا الفخار، أواني الطهي وأواني الأكل، بالإضافة إلى أواني التخزين، ونقل الغلاة إلى اجل طويل أو قصير، بل وحتی مراعاة النقل فيها على مسافات طويلة وقصيرة، وتمر هذه الحرفة بعدة مراحل،

كاستخراج الصلصال، والتجفيف والتفتيت والهرس والغربلة والنقع والتذويب، ثم التخلص من الماء المتبقي في التربة، إضافة إلى عملية الترطيب والركض والتطويق باليد، لتليها مرحلة التشكيل والطلي.
ثالثا- حرفة الحدادة:
اشتغل النوميديون بهذه الحرفة من خلال ما تحدثت عنه النصوص الأدبية وبعض البقايا الأثرية التي عثر عليها في ضريح الخروب وكذا التقوش الليبية الدالة على هذه الحرفة، ومن بين الأسلحة التي انتشرت الرمح الذي يعود إلى فترة ما بين القرنين الرابع والثالث ق.م"، كذا السيف الذي عرف انتشارا واسعا في فرق الفرسان والمشاة وطيقة القادة       والملوك، حيث كان هذا السيف مرفق بالدرع الذي صنع من الجلد، كانت الأسلحة التي صنعت تحمل طابع بوني في كثير من الأحيان، كالرمح والدرع البيضاوي الشكل والقبعة المحبة والقوس والسيف القصير كما عرفت حرفة الحدادة الاهتمام بالأنوات الفلاحية كالمحاريث والمناحل.إذ تطلبت هذه الحرفة فنانون وأصحاب خبرة، فأصبح لها رواج كبير في نوميديا، غير أن المؤرخين لم يعيروا اهتماما كبيرا لهذه الحرفة لكونها شاقة أو أنها حرفة محتكرة تتوارثها نفس الأسرة.
رابعا- حرفة السلالة والحبالة:
عرفت السلالة انتشارا واسع من طرف الإنسان منذ نهاية زمن ما قبل التاريخ، والتي استخدمت في جمع وتخزين المحاصيل، حيث كانت تصنع السلالة من الألياف الطبيعية ذات المصدر النباتي مثل القصب والحلفاءة   تعتبر أثار السلالة في نوميديا نادرة جدا، فأوحت الوثائق والنقوش إلى تواجد هذه الحرفة وذالك من خلال الفسيفساء التي وجدت في شرشال(ابول)، والتي تبين صناديق العربات قد تكون صنعت من السلالة، كما استعملت السلالة لحماية الجرار خلال نقلها كما توضحه( فسيفساء تبسة)، وكان الصيادون يستخدمون القاف في صيد السمك".  لم تكن حرفة السلالة تزاول في ورشات، بل أنها نشاط منزلي إضافي مخصص الأوقات الفراغ، حيث يتم جمع المواد ومعالجتها، ونزع بعض اللحاء ثم يشرع في صنع السلة، كما يمتلك السلال مجموعة من الأدوات التي تساعده في مزاولة هذه الحرفة، منها السكين والساطور الخشبي وأداة خشبية أو عظمية تستخدم لضم الصفوف، أما عن نمط صنع السلال، فأبسط أشكال السلالة هي سلالة ذات اللفة وتنجز بالعشب الجاف أو القش ولفة متصلة ذات شكل لولبي متراص يشتها رباط من اللحاء، وتنجز الحصائر بقشوش العشب على شكل لفات منبسطة أو قصب مقطع على شكل أشرطة متساوية العرض، وتشكل مجدولة بعضها إلى بعض قفقا لصيد السمك لقد وجدت بصمة سلالة على قاع إناء فخار، كما وجدت بصمات أخرى لسلال في بعض المدافن، وهكذا لعب الفخار دور فعال كشاهد غير مباشر على السلالة".
حرفة السلال :
كانت السلالة في العصر القديم نشاطا يندرج في الأشغال الزراعية، وجميع علماء الزراعة كتبوا بان السلالة ينبغي أن تمارس ضمن المجال الزراعي، فان الاعتراف بمقام السلال مثبت بوجود نصب مأتميه، ولقد صورت على هذه الآثار الأدوات المستخدمة من قبل السلالين، كالمشذب والسكين والمطرقة والضامة وهي الحديدة التي تسوى بها الصخور بالتتابع عند التضفيره أما حرفة الحبالة فهي تعود إلى ما قبل التاريخ، واستخدمت فيها عدة مواد من بينها لحاء الأشجار والصفصاف والقنب، وكانت الأغراض المصنوعة تتمثل في الحبال الرفيعة والخيوط، استخدمت لتعليق الأواني الفخارية، كما استخدمت في العمارة والبناء أما عن طريقة ومواد صنع الحبال، فيتم استخراج اللحاء على شكل سير من الأغصان بواسطة أداة عظمية ذات طرف مشذوب، ويتم العمل بها مباشرة أو تترك للتجفيف، وتغمر المصنوعة تتمثل في الحبال الرفيعة والخيوط، استخدمت لتعليق الأواني الفخارية، كما استخدمت في العمارة والبناء أما عن طريقة ومواد صنع الحبال، فيتم استخراج اللحاء على شكل سير من الأغصان بواسطة أداة عظمية ذات طرف مشذوب، ويتم العمل بها مباشرة أو تترك للتجفيف، وتغمر لعدة أيام في الماء من اجل تسهيل الاستعمال، وتحزن القشوش الرطبة لتشكل جيلة، ويقوم صانع الحبال بقتل الخيط بحركة تشبه الغزل، ويثبت الخيط بواسطة عصي، فتعطي القشوش المضفورة خيطا، وتعطي عدة خيوط حبل، ومن اجل الحصول على حبل ذو ثلاثة قشوش، يثبت صانع الحبال طرف الخيوط، ويمرر الخيوط الرفيعة الثلاث من خلال قطعة مثلثة من العظم، وبحركة دورانية تجمع الخيوط المذكورة في جديلة (ضفيرة) واحدة، ويتم التحكم في قوة الحبل عبر الشد، فالشد المرن يعطي الحبل قابلية التمدد، أما الشد القوي يعطي الحبل قوة، ويستخدم عادة هذا النوع لربط الحمولة على العريات.
خامسا حرفة البناء والنحت:
تتطلب كتابة تاريخ حرفة الحجارة (النحاتين ) الرجوع إلى عدة مصادر، أما النصوص الأدبية فهي منعدمة في هذا الموضوع رغم أهميتها، وتبقى المباني الأثرية هي الوثائق الأكثر أهمية لدراسة هذه الحرفة، وهي تشير إلى هذه المواقع التي تصور ورشات عمل كانت محل تجمع استثنائي لليد العاملة وتشييد المباني أسهمت الحضارات في تطوير النحت على الحجارة بهدف تحقيق انجازات معمارية، في كثير من الأحيان تبقى آثار أدوات العمل على السطوح وحجارة المباني تمثل مصادر وثائقية مادية تزودنا بكثير من المعلومات، حيث تجد مؤلفات عن منشات الحجرية التي تعالج الجانب المعماري، على الرغم مما تحمله هذه الآثار في طياتها من معلومات مهمة والتي تتجلى بعض الأشكال والهياكل المعمارية التوميدية، كالعصارة الجنائزية المتمثلة في الأضرحة كضريح المدراسن وضريح صومعة الخروبة، تم تشييد هذا العمران نظرا لثراء القطر الجزائري بمواد ذات الجودة من المواد المساعدة في البناء، وهذا ما سمح للمعماريين في إبراز مهارتهم في هذا المجال الحيوي.  تبدأ عملية تشكيل الحجارة في استخراجها واختيار نوع الحجارة في المبنى وتنسيق الكيفية المناسبة الإنجاز النحت، ويتم اختيار الأدوات والشكل المراد الحصول عليه حسب صلابة تركيبة الصخرة، وفي أخر سلسلة من إنتاج الحجر المشذب تدخل تغيرات على المادة المتعلقة بعملية الوضع کالقب والوضع والترسيخ وإعادة تحت بطن حجر الأساس الموضوع مسبقا وكذا تعديل أوجه الوصلات الصاعدة لغرض الربط بينها، وفي النهاية يشرع في النحت بعد وضع الحجارة لصقل الواجهة والنتوءات والزخرفة، ويشكل النحات الصخور البسيطة المخصصة للبناء، بينما الصخور ذات الشكل الخاص كانت تتحت وفق نماذج .

 الفصل ثالث : العوامل المساعدة على ظهور الصنائع والحرف ونمادجها
المبحث الاول : العوامل المساعدة على ظهور الصنائع
لقد تعددت العوامل التي ساعدت في تطور الصناعات النوميدية، منها العوامل الطبيعية والسياسية والاجتماعية، ويمكن تلخيص ذلك في ما يلي:
1.يعتبر العامل الطبيعي عامل هام مكن من تطوير الصناعة وهذا لتوفر المنطقة بالعديد من الخصائص الطبيعية .
 2 .كان إسهام الثروة الزراعية في تطوير الصناعة وظهور أنوات زراعية استخدمها النوميديين في الزراعة .
3. كان النشاط الرعوي وتربية الماشية من أهم الأنشطة التي زاولها النوميد، فقد استخدموا جلودها وشعرها وصوفها في صناعة الملابس الجلدية والنسيجية
4. تتوفر بلاد المغرب على معادن مختلفة منها النحاس والفضة والذهب والرصاص والحديد واستغلها النوميديين في صناعتهم كالعملة والحلى والأسلحة، كما انتشرت العديد من الحرف.
5 .استغل النوميديين المعادن المستخرجة ، وقاموا بإنشاء ورشات نظم صناعات مختلفة.
6 .نجد في العوامل السياسية اهتمام الملوك بمملكتهم والحفاظ عليها والسعي إلى الاستقرار، الأمر الذي ساعد على ظهور صناعة محلية.
 7. إن اهتمام الملوك بالجانب العسكري، أدى إلى تطور صناعة الأسلحة ، حيث أصبح للنوميديين السلحة خاصة بهم استخدموها في الحروب،
8.كان إسهام العوامل الاجتماعية في المجال الحرفي والصناعي، فمن خلال توحد القبائل والتمدن الذي عرفوه ظهرت أنشطة حرفية وصناعات مختلفة .
9. استطاع الأهالي المحافظة على عاداتهم وتقاليدهم، خاصة اللباس الذي يعتبر نتاج حضاري، فهو يعبر عن الهوية المغربية استطاع النوميديين تطوره، وتنوع مواد صناعته ، کالجلدية والنسيجية والصوفية.
10.زاول الأهالي الشطة صناعية وحرفية، والتي كانت تتم من قبل الرجال والنساء، حيث صنعوا الحلي وتزينوا بها
 11. من خلال التمدن والاستقرار الذي عرفه النوميديين، دعاهم الأمر الى صناعة أدوات منزلية لسد حاجياتهم ومعظمها صنع من الخشب والفخار، والأواني الفخارية المتمثلة في أواني الشرب والأكل والطهي وأواني التخزين.
المبحث الثاني : نمادج الصنائع والحرف






الخاتمة : وفي الختام يمكن القول أن الصنائع والحرف النوميدية قد استمدت اصولها من الإرث الحضاري للصناعات التي برع فيها سكان بلاد المغرب القديم خلال العصور الحجرية، بدا من الملابس والحلي وحتى الأسلحة، ولم تبقى هذه الصناعات منغلقة على نفسها، بل تأثرت بمؤثرات خارجية من ناحية التقنيات والأساليب الإنتاجية، ومن أهم هذه التأثيرات التأثير القرطاجي والروماني، ورغم هذه التأثيرات حافظت بعض الصناعات على طابعها الأصيل مثل الفخار المحلي والملابس المتمثلة في البرنوس کلباس محلي وأيضا الحلي، وبقي الحرفيون يزاولون هذه الصناعات ويتوارثونها عبر الأجيال

قائمة بيوغرافية :
1- محمد اليادي حارش: الجذور التاريخية لمممكة نوميديا, مجمة لاتحاد العاـ للاثاريين العرب ,ع,41
2- محمد اليادي حارش :التاريخ المغاربي القديم السياسي والحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح الإسلامي ,المؤسسة الجزائرية لمطباعة،1995
3-محمد الصغير غائم :المعالم الحضارية في الشرق الجزائري فترة فجر التاريخ , دار الهدى ,عين مليلة(الجزائر) ,2006
4-حارش محمد الهادي ،التطور السياسي والاقتصادي في نوميديا منذ اعتلاء ماسينيسا العرش الى وفاة يويا الاول ،دار هومة ،الجزائر ،1995
مذكرة :
1-آكلي  نورية: الحرف والحرفيون في نوميديا قبل العهـد الرومـاني، أ طرو حة لنيـل الـدكتوراه  في الاثار القديمة، إشراف الأستاذ،  دلوم سعيد ، جا معة الجزائر ،2بوزريعة2009ـ2010

ليست هناك تعليقات