بحث عن تاريخ العلوم

المقدمة : بلـغ علـم التاريـخ فـي عصرنـا الحاضـر مبلغـا عظيمـا بتربعـه علـى قمـة العلـوم الإنسـانية
والإجتماعيـة، حيـث أصبحـت طروحاتـه المعرفيـة حاجـة حضاريـة أساسـية لفهـم حركـة تطـور
العالـم بـكل تفاصيلـه. هـذا مـا أعلنتـه مدرسـة الحوليـات ومـا أبدعتـه ثـورة مـا عـرف (بالتاريـخ
الجديـد) مـن مجـالات واسـعة فـي إهتمامـات علـم التاريـخ لتغـوص تقريبـا فـي كل شـيء، لأن
لـكل شـيء تاريـخ، وهـو بحاجـة إلـى التاريـخ، كمـا أن هـذا التاريـخ أصبـح بتوسـعه بحاجـة إلـى
كل شـيء لهذا نطرح الاشكالية تالية : ماهي  إسهامات العرب في إرساء أصول علم التاريخ وقد اتبعت في بحتي منهج التاريخي الوصفي
قد سمحت لمواد العلمية التي جمعتها الى تقسيم بحث الى ثلاثة فصول اضافة الى المقدمة وخاتمة جاءت عبارة عن حوصلة الاهم ما جاء في البحث .
خطة بحث :
مقدمة
 الفصل الاول : تاريخ العلوم
المبحث  الاول : التاريخ قبل ظهور الاسلام
المبحث الثاني : العرب والتاريخ
الفصل الثاني : الإبداعات  العرب المسلمين
المبحث الاول : بداية الإبداع العلمي عند العرب المسلمين
المبحث الثاني : تألق العرب المسلمون في مجال التاريخ
الفصل الثالث : الاسهامات العرب مسلمون في تاريخ العلوم
المبحث الاول : انجازات  العربي في علم التاريخ
المبحث الثاني : الإعتراف العالمي بفضل العرب المسلمين على علم التاريخ
الخاتمة                           
  الانجاز موضوع البحث فقد استعنت بمجموعة من المراجع ، التي تفاوتت قيمتها العلمية واهميتها في خدمة الموضوع ، وستقصر على ذكر أهمها :
وجيه كوثراني، تاريخ التـأريخ - إتجاهات - مدراس – مناهج .
طه باقر وعبد العزيز حميد، طرق البحث العلمي في التاريخ والآثار .

رحمة شاوي ،مذكرة تخرج ماستر تاريخ فلسفة في لاسلام
   وقد واجهتني في تناول هذا الموضوع جملة من الصعوبات ، تعود أساسا الى طبيعة الموضوع فهو من المواضيع  الصعبة  والشائكة في ان واحد وعدم قدرت على فهم عقمق موضوع الذي لم استطيع توسع في موضوع .
الفصل الاول : تاريخ العلوم

المبحث  الاول : التاريخ قبل ظهور الاسلام
    إن تاريـخ المعرفـة الانسـانية هـو تاريـخ الجهـد الـذي يبذلـه البشـر مـن أجـل إدراك وعـي ً خبراتهـم الناتجـة عـن عالقتهـم بالطبيعـة وببعضهـم البعـض، مـن أجـل تطويـر حياتهـم تطويـرا يســمح بتنظيــم إجتماعهــم وإقتصادهــم وصحتهــم، وحــل المســائل والألغاز التــي تحيــط بهــم و تواجههــم فــي كل حيــن. ومجموعــة هــذه المعــارف و الخبــرات هــي التــي تؤلــف مضمــون الحضــارات الإنسانية فــي مســاراتها الخاصــة والعامــة... بهــذا المعنــى تصبــح المعرفــة نتاجــا. ولقـد عرفـت شـعوب الشـرق الأدنى القديـم لمعطيـات الحضـارات الإنسانية جميعهـا تطوريـا مــن ســومريين ومصرييــن وعبرانييــن وســواهم أســاليب مختلفــة فــي التأريــخ بســبب الحاجــة إلـى حفـظ تراثهـم الدينـي والعلمـي، فظهـر تاريـخ بابـل فـي الألف الثالـث قبـل الميـاد، واهتـم الســومريون بتســجيل الأحداث التاريخيــة علــى ألــواح مــن الطيــن حوالــي الألف الثانــي ق.م ، لـذا دونـوا تراثهـم الدينـي والعلمـي علـى جـدران وفراعنـة مصـر إعتبـروا التاريـخ عمـ ًا مقدسـا علــى أن مفهــوم الزمــن لــدى الشــعوب القديمــة لــم يكــن ثابتــا، وإن الألواح وأعمــدة المعابد والنقــوش والوثائـق كانـت ترتكـز علـى الخـوارق وقصـص الأبطال.1
     وخــلال القــرن الحــادي عشــر ق.م إهتــم اليونانيــون بتاريخهــم وظهــرت ملحمــة الأليــاذة والأوديسـة ليهوميـروس وقـد كتبتـا فـي القـرن السـادس ق.م، صـور اليونانيـون تاريخهـم تصويراً فنيـاً خياليـاً بأسـلوب أدبـي نجـح فـي تقريـب التاريـخ إلـى إدراك المعاصريـن وهكـذا يظهـر أن قصـة الإنسـان مـع الحضـارة والفكـر بـدأت منـذ سـتة آلاف سـنة ق.م. لكـن الإغريـق بـرزوا فـي صناعـة التاريـخ وبـرز منهـم العديـد مـن المؤرخيـن أمثـال إتاليـس وهكيتـوس وهيرودوتـس ثـم هيلانيكـوس وتوسـيديد، إلـى أن ظهـر كزينوفـون وإفـوروس وثيومبيـوس ثـم بوليبوس.وبذلـك يكــون المفهــوم التاريخــي قــد توضــح مــع آراء الفيثاغورييــن والأورفييــن وفلســفة أفلاطــون والمدرسـة السفسـطائية2.
       إن إهتمــام الإنســان بتدويــن شــؤون حياتــه بــدأ منــذ ظهــرت أولــى الحضــارات الإنســاني لا ســيما فــي وادي الرافديــن ومصر،حيــن إختــرع الحــرف المســماري والكتابــة الهيروغليفيــة وبـدأت المدونـات التاريخيـة تظهـر لتؤكـد الحـس التاريخـي الـذي يظهـر جليـاً فـي إهتمـام سـكان وادي الرافديــن بأحــداث الماضــي وتدوينهــا .وهكــذا فــإن الإنســان تعــرف علــى تاريخــه فــي بداياتـه الحضاريـة الأولـى عنـد مراكـز تجمعاتـه وسـكناه ومـن ثـم مدنـه وحواضـره. وعملـت كل أمــة علــى تشــكيل تراثهــا التاريخــي وتدويــن أحداثهــا ومحطاتهــا التاريخيــة وأخبــار آلهتهــا وزعمائهـا، وبالتالـي حروبهـا وتنقلاتهـا وغيـر ذلـك مـن شـؤونها. وبالإشـارة إلـى بدايـات تطـور علــم التاريــخ فــي العالــم فــإن العــرب إهتمــوا بالتاريــخ قبــل ظهــور الإســلام وكان شــفاهياً فــي الأســاس لنــدرة الكتابــة، وكان الــرواة والإخبارييــن هــم حفظــة التاريــخ والأنســاب ولــم تتــرك الفتـرة الجاهليـة أدبـا مكتوبـاً، فهـي فتـرة ثقافيـة شـفوية. ومـع أن تراثهـا علـى العمـوم أدى إلـى إسـتمرار الإهتمـام بالأيـام 
والأنسـاب، وعلـى بقـاء أسـلوب فـي الروايـة هـو الأسـلوب القصصـي شـبه التاريخـي، إلا أنـه يخلـو  مـن أيـة نظـرة تاريخية وعلـى وجـه الإجمـال كان للعـرب جنوبـا  و شـمالا روايـات شـفوية عـن آلهتهـم وعـن أنسـابهم وشـؤونهم الإجتماعيـة وحروبهـم ومعاركهم، وسـميت قصـص الحـروب و المعـارك والثـارات ( الأيـام،) وسـميت روايـات الأنسـاب ( نسـب القبيلـة) أدب الأنسـاب وبعض الآثـار والنقـوش فـي جنـوب الجزيـرة العربيـة وشـمالها أرخـت لحقبـات تاريخيـة قديمـة كانـت لحضـارات عربيـة متعـددة فـي هـذه المناطـق
 المبحث الثاني : العرب والتاريخ
     للعـرب حضـارات قبـل الإسـلام إزدهـرت خصوصـاً فـي جنـوب الجزيـرة العربيـة، هـذه لحضــارات أرخــت لنفســها بأشــكال متعــددة ونتــج عنهــا آثــار مــا زالــت طــي النســيان. ومــن لمعـروف أن بـلاد العـرب شـهدت ظهـور أولـى الحضـارات فـي العالـم. فمنـذ نهاية الألـف الرابع ق.م. ظهـرت حضـارات سـومر وبابـل وأشـور فـي بـلاد الرافديـن. والحضـارة الفرعونيـة فـي وادي النيـل وحضـارة ايبـلا وأوغاريـت والحضـارة الكنعانيـة والآراميـة فـي بـلاد الشـام  وحضــارة دلمــون فــي شــرق الجزيــرة العربيــة . وحضــارة مجــان فــي عمــان، وحضــارات عـرب الجنـوب مـن سـبئية و قتبانيـة ومعينيـة وحميريـة فـي جنـوب غـرب الجزيـرة العربيـة _&ضاوحضـارات وسـط الجزيـرة مثـل كنـدة وتيمـاء ولحيـان، وكذلـك شـمال الجزيـرة وأطرافهـا مثـل:
    لأنباط والحضــر وتدمــر، يضــاف إلــى ذلــك كلــه حضــارة الليبــو والجرمانييــن فــي ليبيــا، وحضــارات الأمازيــغ فــي الجزائــر والمغــرب وقرطاجــة فــي بــلاد المغــرب العربــي وقــد ورثـت أمـة العـرب هـذه الحضـارات و دمجتهـا فـي تاريخهـا هـي وغيرهـا ممـن غـزا بلادهـا مـن اليونـان والرومـان ولـم يكـن لـدى شـعوب الشـرق الأدنـى القديـم وعـي تاريخـي أو وعـي دراســة الماضــي، علــى أن العــرب قاربــوا معرفــة تاريخهــم مــن منطلــق إرثهــم الحضــاري لمتراكـم، المنتقـل فـي سـياق الإهتمـام بالروايـة والإرث الإجتماعـي المتـداول عبـر الأجيـال .1
         وكان للقصـص فـي الجاهليـة أغـراض شـتى، فهـو للعبـرة والعظـة و للتفاخـر وذكـر السـفر وأحوالـه وللتسـلية والمجـون، وقليـل منـه كان لـه غـرض تاريخـي، إلا أن هـذا القليـل تعـرض للتشـويه بمـرور الزمـن وغلـب عليـه الخيـال الـذي حولـه إلـى أسـاطير ثـم إننـا نجـد أن هنـاك أبوابـاً متعـددة للقصـص كان أكثـر شـيوعاً قصـص (الأيـام) التـي تنقـل قصـص الملـوك والأبطـال وسـادات القبائـل وكان قصـص الأيـام يعكـس طبيعـة مجتمـع عـرب الشـمال (المضرييـن) الـذي غلــب عليــه طابــع البــداوة، فشــاعت فيــه ثقافــة المشــافهة لقلــة القــارىء والكاتــب فيــه، وتــدل (أيـام العـرب) أيضـاً علـى ضعـف الوعـي التاريخـي، بـل فقدانـه، لعـدم وجـود التدويـن. علـى أن فكـرة عـرب الجنـوب ( فـي اليمـن) وعـرب الشـمال كالغساسـنة والمنـاذره، كانـت مضطربـة عـن التاريـخ أيضـاً، ولكنهـا كانـت علـى وجـه الإجمـال أفصـح ممـا كانـت عليـه لـدى العـرب الذيــن نــزل وحــي الإســلام بينهــم، اذ امتلــك عــرب الجنــوب بعــض النقــوش والكتابــات التــي تظهـر مقـداراً مـن الوعـي بالتاريـخ وأهميتـه للجوانـب السياسـية والعسـكرية والإداريـة وهكـذا فــإن العــرب فــي الجاهليــة لــم يمتلكــوا فكــراً تاريخيــاً ناضجــاً يعكــس وعيهــم لحركــة الإنســان عبـر الزمـان، وإدراكهـم لمغزاهـا وإتجاهاتهـم، ويشـير إلـى وعيهـم بأنفسـهم كأمـة لهـا وجودهـا وموقعهــا بيــن بقيــة الأمــم لكــن وعلــى وجــه الإجمــال كان للعــرب جنوبــاً وشــمالا روايــات شــفهية عــن آلهتهــم وعــن أنســابهم وشــؤونهم الإجتماعيــة وحروبهــم ومعاركهــم... ولمــا كان الشـعر كثيـر الـورود فـي نصوصهـا، إهتـم
بهـا اللغويـون والنسـابون والمؤرخـون، حتـى عدهـا البعـض” فرعـاً مـن التاريـخ”، وقـد اثـرت فـي أسـلوبها فـي بدايـات نشـأة” علـم التاريـخ” عنـد العـرب، فنسـجت علـى منوالهـا أخبـار المغـازي والفتوح وبذلـك تتمحـور معانـي التاريـخ عنـد العــرب حــول الوقــت والقمــر والشــهر والخبــر الــذي أعطــي ألفاظــاً عديــدة ســريانية وعبريــة ( يــرخ،) وآكاديــة ( أرخــو،) وفــي مناطــق الجنــوب اســتخدمت كلمــة ورخ وتوريــخ وتأريــخ. والتاريـخ عنـد العـرب بعنـي الخبـر ولقـد حلـت كلمـة تاريـخ مـكان خبـر، وصـارت تطلـق علـى عمليــة التدويــن لحفــظ الأخبار ويلاحــظ فــي كل الأحــوال أن كلمــة (تاريــخ) لــم يعرفهــا أدب الجاهليـة ( قبـل الإسـلام) ولـم تـرد فـي القـرآن الكريـم. 1
إذن فالتاريـخ عنـد العـرب فـي الجاهليـة لـم يكـن معروفـاً بـأي مـن مفاهيمـه المختلفة،سـوى أنـه روايـات لأحـداث الماضـي وأحداثـه تتناقلهـا الأجيـال بالصيغـة الشـفهية إجمـالا، مـع وجـود بعـض الآثـار الكتابيـة والنقـوش المحـدودة فـي بعـض المراكـز الحضريـة العربيـة فـي جنـوب وشـمال الجزيـرة العربيـة. وبذلـك يكـون الإغريـق أكثـر تفاعـ ً لا مـع مفاهيـم التاريـخ وأهـم مقاربة لكينونتـه العلميـة بفضـل مسـاهمات بعـض المؤرخيـن المبدعيـن الإغريـق الذيـن تميـزوا بإطـلاق العديد مـن الأفـكار والنظريـات حـول أهميـة التاريـخ وضـرورة معايشـته والتبصـر فيـه والتحـدث بصـدق عـن أحداثـه والنظـر بمصداقيتـه وعقلانيتـه2.
أمــا عنــد العــرب فلــم نشــهد أي تطــور حــول فكــرة التاريــخ بدليــل عــدم بــروز أي اســم لمؤرخيـن أو عامليـن فـي هـذا المجـال وللإنصـاف يجـب القـول أن التاريـخ نفسـه لـم يكـن محـدد المعالـم والشـخصية بشـكل واضـح عنـد الحضـارات القديمـة ومنهـم العـرب طبعـاً، فهـو كان مـا زال جـزءاً مـن معـارف أخـرى كالفلسـفة أو الأدب أو جـزءاً مـن الديـن أو نوعـاً مـن الفنـون...الـخ. وهكـذا يمكننـا أن نلخـص وضـع التاريـخ عنـد العـرب فـي الجاهليـة ( قبـل الإسـلام) علـى النحـو التالـي:
.1لــم يكــن التاريــخ معروفــاً بخصوصيتــه ومفاهيمــه المتعــارف عليهــا نتيجــة إنتشــار الأميــة والجهــل.
.2كان الغالــب علــى التاريــخ الطابــع الشــفهي ويعتمــد علــى الإخبارييــن والقصاصيــن والنســابه. .3كان الشعر والشعراء من أسس نقل الروايات والأحداث التاريخية.
.4تركــت بعــض المراكــز الحضريــة العربيــة بعــض الكتابــات والنقــوش علــى شــكل
حوليــات، لكنهــا كانــت محــدودة المعلومــات وغيــر متوافــرة وتقتصــر علــى أخبــار الحــكام والقــادة والمعــارك والحــوداث الكبــرى.
.5لـم تبـرز أي مـن الأسـماء فـي مجـال التأريـخ عنـد العـرب كمـا كان معروفـاً لـدى بقيـة الحضـارات وخاصـة الأغريـق والرومـان
وبذلـك تمكـن المسـلمون والعـرب فـي مقدمتهـم، مـن سـيادة العالـم بفعـل إرادتهـم الصلبـة وجهادهـم وصبرهـم وانفتاحهـم، مسـتندين بذلـك علـى قيـم دينهـم الحنيـف الـذي أتـاح لهـم السـعي لامتــلاك القــدرات والإمكانيــات ودفعهــم لاكتســاب العلــوم والمعــارف والنهــل مــن مصادرهــا واسـتيعابها وتمثلهـا وإخراجهـا فـي إطـار حضـاري جديـد، بـل وأنتجـت حضـارة الإسـلام مـن العلـوم والمعـارف والمكتشـفات والإنجـازات مـا جعلهـا تسـتحق بحـق لقـب” حضـارة العلـم” ومـا زال العالــم يديــن للمســلمين العــرب بالكثيــر مــن الفتوحــات والاكتشــافات العلميــة فــي مختلــف فـروع وأنـواع المعرفـة العلميـة والأدبيـة والإجتماعيـة والفنية...الـخ. إن العـرب هـم الوارثـون الشـرعيون لحضـارات الشـرق القديـم، وابتـداء مـن القـرن السـابع الميـلادي مـع ظهـور الإسـلام قامــوا بتغيــر صــورة الشــرق القديــم حيــث أن اللغــات والثقافــات والشــعوب كلهــا ذابــت فــي الحضـارة العربيـة الإسـلامية

الفصل الثاني : الإبداعات  العرب المسلمين
المبحث الاول : بداية الإبداع العلمي عند العرب المسلمين
تجـدر الإشـارة بدايـة أن تعريـف” العـرب المسـلمون” فـي بداياتـه كان يشـمل كل مـن إعتنـق الإسـلام مـن الأعـراق والإتنيـات كافـة، إذ أن الإسـلام تجـاوز الإنتمـاء القومـي ودعـا للإنتمـاء إليـه ليصبـح الجميـع فيـه متسـاوون فـي الحقـوق والواجبـات    وبذلـك إسـتوعب الإسـلام كل الشـعوب التـي رضيـت بـه وانتسـبت إليـه فدخـل فـي الديـن والدولـة العديـد مـن العلمـاء والأدبـاء والمفكريـن مـن الحضـارات الأخـرى. ومـع حـث الإسـلام علـى العلـم والمعرفـة إنطلقـت حركـة متناميـة بإتجـاه إكتسـاب مختلـف أنـواع المعـارف والعلـوم مــن كل مــكان. لذلــك شــهدت الأمــة الإســلامية منــذ بداياتهــا تنوعــاً ثقافيــاً وإجتماعيــاً منقطــع لنظيــر، وســارع المســلمون إلــى إســتدراك كيفيــة ملاءمــة هــذا التــراث الحضــاري الزاخــر لأمـم الأخـرى العريقـة مـع قواعـد الإسـلام ونظمـه، ممـا يسـاهم فـي إثـراء النهضـة العربيـة لإســلامية المتحفــزة. ففــي كل المجــالات والإهتمامــات تمكــن العــرب المســلمون مــن إنشــاء منتجــات حضاريــة متناســبة معهــم. فــي السياســة والإقتصــاد والمعــارف العامــة والمجتمــع... لـخ. ففـي العهـد الراشـدي وإثـر إسـتيعاب حـركات الـرده والتمـرد والتمكيـن للدولـة الإسـلامية لناشـئة فـي عهـد الخليفـة أبـو بكـر الصديـق، ومـع توسـع رقعـة الخلافـة الإسـلامية فـي الشـرق علـى حسـاب إنهيـار الإمبراطوريـة الفارسـية وفـي الغـرب علـى حسـاب تراجـع الإمبراطوريـة لرومانيــة وإنكماشــها، كان علــى الخليفــة الثانــي عمــر بــن الخطــاب أن يســعى لتنظيــم شــؤون لإمبراطوريـة الناشـئة ومـا تسـلتزمه عمليـة تنظيـم الإدارة و إنشـاء الدواويـن وتوزيـع العطـاء وفـرض الجزيـة وجبايـة الخـراج... وإسـتحداث تقويـم ثابـت لتوقيـت الحـوادث يبـدأ بهجـرة النبـي مـن مكـة إلـى يثـرب  لا عـن القضايـا السياسـية والإداريـة والإجتماعيـة... وإدارة لمناطــق المحــررة وطــرق تنظيمهــا وحكمهــا وبالرغــم مــن قصــر عهــد الخلفــاء الراشــدين وخطـورة الأزمـات التـي واجهتهـم وسياسـة الحـذر والتأنـي التـي إتبعهـا الخلفـاء الراشـدون تجـاه لإنفتــاح علــى الحضــارات الأخــرى حرصــاً علــى الإســلام والمســلمين وتورعــاً وخوفــاً ممــا قـد يسـيء للرسـالة الإسـلامية النقيـة الصافيـة. فـإن مـا تحقـق مـن إنجـازات وإنتصـارات يعتبـرفاتحــة العبــور نحــو المزيــد مــن التطــور والتقــدم والتحديــث فــي كل مجــالات الحيــاة. ووجــد العلمـاء والمفكـرون والمبدعـون مـن الأمـم التـي دخلـت الإسـلام رعايـة وحمايـة بـل وتشـجيعاً ودافعــاً للمزيــد مــن الإبتــكار والإكتشــاف، خاصــة مــع تولــي الأموييــن الحكــم، حيــث فتــح مؤسـس الخلافـة الأمويـة معاويـة بـن أبـي سـفيان البـاب واسـعاً للإسـتفادة مـن خبـرات وإمكانـات وإبداعـات الامـم والحضـارات السـابقة، وهـو المعـروف بإنفتاحـه وإعتدالـه والمشـهور بسياسـته البراغماتيـة، ففـي عهـده إنطلـق المسـلمون يخوضـون البحـار ويستكشـفون مـا غمـض وراءه مـن عوالـم، كمـا كانـت الحاجـة لتأميـن الإسـتقرار فـي العواصـم والثغـور إلـى الأخـذ بـكل مكتسـبات وإنجــازات الحضــارات الأخــرى مــن كافــة النواحــي الإقتصاديــة والإجتماعيــة والثقافية...الــخ.


  ولمـا وصلـت فـي عهـد الخلافـة الأمويـة حـدود إمبراطوريـة الإسـلام إلـى أقاصـي الشـرق عنـدبــلاد مــا وراء النهــر وأقاصــي الغــرب عنــد ســواحل الأطلســي زخــرت الحضــارة الإســلامية بفيـض غامـر مـن أهـل الفكـر والعلـم والمعرفـة والإكتشـافات فظهـر كبـار العلمـاء فـي مختلـف الإختصاصـات العلميـة والإجتماعيـة. لقـد ذهـب بعضهـم أحيانـاً إلـى القـول بـأن دولـة الأموييـن كانــت مــن عــدة وجــوه” وريثــة” خلفــت الأمبراطوريــة الرومانيــة الشــرقية ثم إن هشــام بــن عبـد الملـك تعمـد الإبتعـاد عـن مطامـع أسـلافه فـي تنظيـم الدولـة العربيـة علـى أسـس بيزنطيـة وتبــدو سياســته موجهــة توجيهــاً مســتمراً نحــو جعــل الدولــة العربيــة وريثــة للمأثــور الشــرقي وخليفـة للأمبراطوريـة الفارسـية الشـرقية فارتقـت فـي ذلـك الحيـاة العربيـة وارتفـع مسـتوى الحضـارة والتمـدن... كمـا تطـورت الإدارة الحكوميـة وتعـددت حاجاتهـا... أما إشـتغال المسـلمين بالعلـوم العقليـة فإنهـم إسـتمدوا آرائهـم وعلومهـم مـن الثقافـة اليونانيـة وجـرى نقـل علـوم الطـب والكيميـاء إلـى العربيـة  ولمـا اتسـعت فتـوح العـرب وإختلطـوا بغيرهـم مـن الأمـم الأخـرى جمعـوا شـتى الأسـاليب الفنيـة القديمـة وطبعوهـا بطابـع دينهـم الجديـد وما يسـتدعي الإنتبـاه ونظــر الباحــث فــي تاريــخ الثقافــة الإســلامية، أن الســواد الأعظــم مــن الذيــن إشــتغلوا بالعلــم كانـوا مـن الموالـي ( غيـر العـرب) وخاصـة الفـرس ويقـول الأسـتاذ نيكلسـون: وكان لإنبسـاط رقعـة الدولـة العباسـية ووفـرة ثرواتهـم ورواج تجارتهـا، أثـر كبيـر فـي خلـق نهضـة ثقافيـة لـم يشـهدها الشـرق مـن قبـل.. وفـي عهـد الدولـة العباسـية كان النـاس يجوبـون ثـلاث قـارات سـعيا إلـى مـوارد العلم... وقـد ميـز كتـاب المسـلمين بيـن العلـوم التـي تتصـل بالقـرآن الكريـم وبيـن  العلــوم التــي أخذهــا العــرب عــن غيرهــم مــن الأمــم، ويطلــق علــى الأولــى العلــوم الفقهيــة أو الشــرعية وهــي: علــم التفســير وعلــم القــراءات وعلــم الحديــث و الفقــه وعلــم الــكلام والنحــو واللغــة والبيــان والأدب. وعلــى الثانيــة العلــوم العقليــة أو الحكميــة و يطلــق عليهــا اســم أحيانــا إسـم علـوم العجـم أو العلـوم القديمـة، وهـي: الفلسـفة والهندسـة وعلـم النجـوم والموسـيقى والطـب والســحر والكيميــاء والتاريــخ والجغرافيــا . وفــي كل هــذه العلــوم والمعــارف بــرز علمــاء ومفكـرون ومبدعـون تنافسـوا فـي مجـالات إختصاصاتهـم. وقويـت حركـة الترجمـة فـي عهـد المأمـون العباسـي، وكان مـن أثـر نشـاط حركـة النقـل والترجمـة أن اشـتغل الكثيـر مـن المسـلمين بدراسـة الكتـب التـي ترجمـت إلـى العربيـة وعملـوا علـى تفسـيرها والتعليـق عليهــا وإصـلاح أغلاطهـا. وظهـرت المعاهـد العلميـة مثـل الزاويـة والربـاط والكتـاب والمدرسـة وديـوان الإنشـاء والمارسـتان وبـرز مـن الأسـماء المشـهورة فـي علـم القـراءات يحـي بـن حـارث الزمـاري، وفـي علـم التفسـير ابـن جريـج ومقاتـل الأزدي، وفـي علـم الحديـث محمـد بـن إسـحق، وفـي الفقـه الأئمـة الأربعـة وتلاميذهـم، فـي علـم الـكلام واصـل بـن عطـاء والأشـعري وأبـو الهذيـل العلاف، وفـي النحـو أبـو الأسـود الدؤلـي وأبـو عمـر والعـلاء وسـيبويه، وفـي الشـعر ابـو نـواس وأبـو تمــام، وفــي النثــر ابــن المقفــع وعبدالحميــد الكاتــب، وفــي الترجمــة حســين بــن إســحاق،وفي الرياضيـات الخوارزمـي، وفـي التاريـخ ابـن اسـحق والبـلاذري، وفـي الجغرافيـا ابـن خرداذبـه، وفـي علـم النجـوم ابـن نوبخـت والبلخـي، وفـي علـم الحسـاب ابـن الوضـاح، وفـي الهندسـة ابـن أرطـأة، وفـي الصيدلـة كوهيـن العطـار، وفـي الطـب ابـن بختيشـوع وابـن ماسـويها اضافة  إلـى أسـماء كثيـرة مـن العلمـاء والمفكريـن والمبدعيـن فـي كل مجـالات العلـوم والمعـارف. وهـي حركــة تطــور مســتمرة فــي مختلــف مجــالات الثقافــة والعلــوم والمعــارف المشــهورة فــي ذلــك الوقـت مـع ازديـاد اهتمـام العـرب المسـلمين بهـا وحاجتهـم لهـا وتشـجيعهم لأصحابهـا .
المبحث الثاني : تألق العرب المسلمون في مجال التاريخ
 أدرك المســلمون العــرب أهميــة وخطــورة التاريــخ فــي بنــاء حضارتهــم وهــم مدفوعــون بحاجاتهـم الدينيـة والدنيويـة لـه، لذلـك عملـوا علـى إحاطتـه بـكل عنايـة واهتمـام. فالإسـلام نفسـه يســتند علــى تاريخيــة مكملــة للأديــان الســماوية الســابقة. هــذا المبــدأ الــذي يــرى أن الديانــات الثـلاث اليهوديـة والمسـيحية والإسـلام ذات جـذر تاريخـي واحـد، هـو الجـذر الإبراهيمـي وأن العـرب حملـة رسـالة الإسـلام، لهـم مهمـة عالميـة تتجـاوز الحـدود الإقليميـة والإنتمـاء القومـي وغيرهـا مـن العوائـق. لذلـك كان لا بـد لهـم مـن معرفـة تواريـخ الحضـارات الأخـرى فضـ ً لا عـن تاريخهــم الخــاص. وقــد تأثــرت الكتابــة التاريخيــة المنظمــة عنــد المســلمين بدراســات الحديــث  النبـوي الشـريف... وهـي كانـت علـى علاقـة وثيقـة بالتاريـخ لأن دراسـة المتـن والإسـناد هـي مـن صميـم الدراسـات التاريخيـة ولأنهـا تبحـث فـي الماضـي، لذلـك كان أكثـر المحدثيـن مؤرخين فـي الوقـت نفسـه، فاسـتفادوا مـن هـذه الطريقـة فـي دراسـة التاريـخ  وهكـذا فـإن بدايـات علـم التاريـخ عنـد العـرب المسـلمين سـارت فـي إتجاهيـن أساسـيين همـا الإتجـاه الإسـلامي أو الإتجـاه الـذي ظهـر عنـد أهـل الحديـث، والإتجـاه القبلـي،أو اتجـاه (الأيـام) الـذي يعكـس التيـار القبلـي الــذي إســتمر فــي مجتمــع صــدر الإســلام ويلاحــظ اضطــراد الإهتمــام بالتاريــخ وتطويــره وتحســين مادتــه وتحصينــه منــذ القــرن الهجــري الأول، وذلــك وفــق مســيره زمنيــة متصاعــدة ومتزايــدة نســبياً. فمــن روايــة الســيرة النبويــة والحــرص علــى مصداقيتهــا وتأصيلهــا إلــى المغـازي إلـى تنظيـم التسلسـل الزمنـي الوقتـي والتأكيـد علـى تحديـد الزمـن إنطلاقـاً مـن تأسـيس التقويـم الهجـري. حتـى توسـعت شـيئاً فشـيئاً الكتابـات التاريخيـة مـع ظهـور الإخبارييـن الذيـن تجـاوزا المنظـور الدينـي للسـياق التاريخـي وسـعوا لتدويـن روايـات وأحاديـث القبائـل العربيـة، إلـى النسـابه والشـعراء...الخ ولـم يقتصـروا علـى ذلـك بـل دونـوا التاريـخ السـابق للإسـلام مـن بـدء الخليقـة وإهتمـوا بذكـر تواريـخ الحـوادث أي تحديـد وقـت وقوعهـا، وأصبحـت مصادرهـم لا تقتصــر علــى الروايــة الشــفهية، بــل تعتمــد أيضــاً علــى الوثائــق والمــواد المكتوبــة  وفــي القـرن الرابـع الهجـري وهـو العصـر الذهبـي للحضـارة الإسـلامية العربيـة، إزدهـرت العلـوم والمعــارف كافــة وفــي مقدمهــا التاريــخ، ويمكننــا أن نلاحــظ أن التاريــخ فــي القرنيــن الثالــث والرابـع الهجـري قـد تنوعـت أغراضـه ومواضيعـه، ولـم يعـد قاصـراً علـى المغـازي والسـيرة والأخبـار والطبقـات، والأنسـاب وتحـرر مـن الأسـناد أو (العنعنـة،) وتحسـن أسـلوب عرضـه، فأصبـح مرسـلا  سـهلا خاليـاً مـن الشـعر، بعـد أن كان يعتمـد الجمـل الجافـة القصيرة وهكـذا إزداد علـم التاريـخ رسـوخاً وتألقـا فـي الحضـارة العربيـة الأسـلامية وإزداد تحسـناً مـن حيـث المواضيــع ومــن حيــث الوفــرة والغــزارة. واتســم التأريــخ العربــي بمميــزات وســمات خاصــة بالإعتمـاد علـى مناهـج متعـددة للتدويـن التاريخـي وأهمهـا:                                                                                                                                                                                                                                     
.1المنهــج الحولــي، وهــي طريقــة فــي تســجيل الحــوادث التاريخيــة تقــوم علــى أســاس زمنــي... وتــؤرخ لأحــداث ســنة كاملــة ابتــداءاً مــن العــام الهجــري الأول غالبــاً  ثــم تنتقــل إلــى الســنة التــي تليهــا. 
.2تاريــخ الــدول، وتقــوم هــذه الطريقــة علــى تدويــن تاريــخ دولــة مــن الــدول، أو أســره
حاكمــه.
.3التاريــخ بعهــود الخلفــاء والحــكام: ويقــوم هــذا المنهــج علــى تدويــن تاريــخ خليفــة أو
حاكـم أو سـلطان،وإبراز خصائصـه وصفاتـه وأخلاقـه وطريقـة حكمـه وإدارتـه. وهـو إســلوب فارســي.
.4الجمـع بيـن تاريـخ الـدول والعهـود: وتجمـع هـذه الطريقـة فـي التدويـن التاريخـي بيـن تأريـخ الـدول وعهـود الحـكام.
.5الطبقـات: إرتبـط هـذا المنهـج فـي تدويـن التاريـخ بعلـم الحديـث، ذلـك أن إثبـات صحـة الأحاديـث تقتضـي التثبـت مـن عدالـة الـرواة مـن خـلال الإطـلاع علـى سـير حياتهـم.
.6الأنسـاب: إختـص بعـض المؤرخيـن بالكتابـة فـي الأنسـاب ولذلـك ظـروف وعوامـل مختلفــة منهــا توزيــع العطــاء بحســب النســب والســابقة للإســلام وظهــور طبقــات إجتماعيــة أرســتقراطية.1
وتميـز المؤرخـون العـرب بالضبـط فـي تسـجيل الحـوادث وصحـة الأخبـار التـي أوردوها... قــد جاءتهــم هــذه الصحــة مــن الطريقــة التــي عالجــوا فيهــا الأخبــار وإعتمادهــم علــى مبــدأ نقــد ولكــن مــع تطــور علــم التاريــخ وإســتقراره كعلــم بيــن العلــوم، تكاثــر العاملــون عليــه تضخمــت مؤلفاتــه وتنوعــت مواضيعــه، فــأدى ذلــك إلــى تنــوع المنهــج والأســلوب والهــدف المصــادر، وظهــر التطــور فــي منهــج التاريــخ الإســلامي فــي أمريــن: التدويــن والتنظيــم.
·        التدوين التاريخي: نلاحظ سقوط الإسناد واعتماد الوثائق والتأثر بالعلوم الأخرى.
·        التنظيـم التاريخـي: الإنتقـال مـن التاريـخ العـام إلـى التاريـخ العـام العالمـي، والإعتمـاد علـى السـرد السياسـي دون الإهتمـام بالجـو الحضـاري، مـع إضافـة التراجـم والوفيـات وظهـر التنظيـم الأبجـدي المعجمـي وأيضـاً المختصـرات للموسـوعات  .1
وبذلـك خطـا العـرب المسـلمون بعلـم التاريـخ خطـوات جبـارة رفعـت مـن شـأنه وحضنتـه وأرســت قواعــده ونظمــت شــؤونه ليصبــح علمــاً قائمــاُ بذاتــه بعــد أن كان تابعــاً وغيــر واضــح المعالــم والأهــداف حتــى ذلــك الحيــن. علمــاً أن مســيرته العربيــة الإســلامية عرفــت تطــورات هامـة فـي سـياق زمنـي مسـتمر وممتـد مرتكـزاً علـى أصـول ومبـادىء صاغهـا العرب المسـلمين ووضعــوا أسســها وكانــوا روادهــا، منطلقيــن بذلــك مــن حوافــز دينيــة وحضاريــة مكنتهــم مــن جعـل علـم التاريـخ راسـخاً متألقـاَ حققـوا فيـه السـبق والريـاده علـى المسـتوى العالمـي وليـس المحلــي فقــط. وقــد إعتــرف لهــم العالــم بهــذا الســبق وهــذه المكانــة فــي مجــال علــم التاريــخ، خصوصـاً مـع بـروز نخبـة مـن علمـاء التاريـخ العـرب المسـلمون تمكنـوا مـن تـرك بصماتهـم الواضحــة فــي تطويــر علــم التاريــخ وجعلــه فــي مقدمــة العلــوم والمعــارف البشــرية، وأتاحــوا بذلـك السـبل لمـن جـاء بعدهـم مـن مفكـري وعلمـاء الحضـارات الأخـرى إلـى فتـح آفـاق جديـدة وإنجـازات رائعـة ارتقـت بهـذا العلـم وتوسـعت بـه إلـى مـدارج رائـدة ومكانـة عليـا تربـع علـى أثرهـا علـى قمـة العلـوم الإنسـانية والمعـارف البشـرية علـى الإطـلاق ليصبـح ( الإنسـان خـارج التاريـخ هـو صفـر.) وماهيـة الإنسـان هـي وجـوده فـي التاريـخ 
الفصل الثالث : الاسهامات العرب مسلمون في تاريخ العلوم

المبحث الاول : انجازات  العربي في علم التاريخ
إذن بيـن الحافـز الدينـي ودوافـع الحاجـة والضـرورة وفـي ظـل بيئـة إبداعيـة مناسـبة، تمكـن
العـرب المسـلمون مـن جعـل التاريـخ علمـا رصينـاً ذو قواعـد وأسـس ولـه خصائصـه ومميزاتـه،لكــن ذلــك لــم يكــن بالســهولة التــي قــد تتــراءى للباحــث، فــإن ســيرورة مســيرة علــم التاريــخ   شـهدت مخاضـات عسـيرة وصعوبـات أنتجـت هـذه الإنجـازات فـي مجـال علـم التاريـخ، فمـا هـي هـذه المجـالات التـي أمكـن للعـرب المسـلمون أن يبـرزوا فيهـا والتـي كان لهـم فيهـا قصب السـبق والريــادة، وبالتالــي جعلتهــم فــي مقدمــة الحضــارات المبدعــة فــي التاريــخ. وهــذا مــا ســيجعلنا نتتبـع مسـيرة علـم التاريـخ العربـي وتحديـد تطوراتـه فـي كل مرحلـة مـن مراحلـه وذلـك وفـق تسلسـل زمنـي شـهد فيـه حـالات تقـدم وتراجـع إلـى أن وصـل إلـى ذروة إنجازاتـه العلميـة فـي نهايــة العصــر الوســط الإســلامي. وعلــى ذلــك فــإن أهــم مجــالات الإبــداع تكمــن فــي الأمــور التاليـة وفـق مسـيرة حيـاة الأمـة الإسـلامية:
أولا:التقويــم، الــذي يعبــر عــن وعــي بحركــة التأريــخ فــي ظــل الأمــة الجديــدة، وهــو سـتحداث تقويـم ثابـت لتوقيـت الحـوادث يبـدأ بهجـرة النبـي (ص)مـن مكـة إلـى يثـرب، ويصبـح هـذا التقويـم العمـود الفقـري للدراسـات التاريخيـة( .)1ومنـذ ذلـك الوقـت أصبـح توقيـت الأحـداث ( أو تأريخهــا) هــو الأســاس للدراســات التاريخيــة. وقــد إنفــردوا بهــذا الضبــط عــن مؤرخــي ليونـان والرومـان وأوروبـا فـي العصـور الوسـطى التـي لـم يظهـر فيهـا هـذا النظـام للتوقيـت قبــل العــام  1597 .
ثانيـا: تحـري الروايـات والبحـث فـي صدقيتهـا بمـا عـرف بالجـرح والتعديـل” بالإسـتناد إلى علـم الحديـث النبـوي الشـريف، وذلـك مـن خـلال نقـد الـرواة الـذي يقـوم علـى معرفـة صفـة مـن تقبـل الروايـة ومـن تُـرد روايتـه ومـا يتعلـق بذلـك مـن قـدح وجـرح وتوثيـق وتعديـل .
ثالثـاً: النظـرة الفلسـفية العميقـة للتاريـخ ومحاولـة التعـرف علـى علـل الأحـداث وأسـباب قيــام الــدول وعوامــل ســقوطها ومظاهــر العمــران وأصــول الإجتمــاع. وتفســير الحــوادث التاريخيـة والنفـاذ إلـى باطنهـا ليستشـف حقيقتهـا ويكشـف عـن أسـبابها والقوانيـن التـي تحكمهـا.
رابعـا: الاهتمـام بعلـم التاريـخ كعلـم قائـم بذاتـه لـه قوانينـه وخصائصـه وقواعـده ودراسـته بذاتــه لذاتــه، فــكان محــلا هــو نفســه للبحــث والدراســة والإســتقصاء، حيــث وضــع العلمــاء المسـلمون مصنفـات فـي علـم التاريـخ كانـت سـابقة علميـة أعطـت هـذا العلـم الكثيـر مـن الأمـور التــي انفــرد بهــا وتشــكل أسســاً وقواعــد فــي تنظيــم شــؤونه وضبطــه وتحديــد آفــاق مســاراته ونظمــه.
خامسـا: الشـمولية بحيـث توسـع المؤرخـون العـرب المسـلمون بدراسـة الحقبـات التاريخيـة كمـا شـملت دراسـاتهم جميـع الحضـارات وبلـدان العالـم بمـا عـرف بالتاريـخ الشـامل الـذي يبـدأ
إن قيمـة مـا قدمـه المؤرخـون العـرب مـن معلومـات تاريخيـة هائلـة إسـتفاد منهـا مـن جـاء بعدهـم مـن المهتميـن بالتاريـخ. وإن العلـم الحديـث كمـا يقـول عبدالحميـد العبـادي” يسـجل لهـم أنهـم أول مـن ضبـط الحـوادث بالإسـناد والتوقيـت الكامـل، وأنهـم مـدوا حـدود البحـث التاريخـي ونوعـوا التأليـف فيـه و أكثـروا إلـى درجـة لـم يلحـق بهـم فيهـا مـن تقدمهـم أو عاصرهـم مـن مؤرخـي الأمـم الأخـرى، وأنهـم أول مـن كتـب فـي فلسـفة التاريـخ والإجتمـاع وتاريـخ التاريـخ، وأنهــم حرصــوا علــى العمــل جهــد طاقاتهــم بــأول واجــب المــؤرخ وآخــره. وهــو الصــدق فــي القــول والنزاهــة فــي الحكــم” ولقــد انتقــل منهجهــم فــي كتابــة التاريــخ، القائــم علــى الملاحظــة المباشــرة، وشــهود العيــان، وطريقتهــم فــي كتابــة الحوليــات، والتراجــم وغيرهــا مــن أشــكال الكتابـة والتأليـف التاريخـي، إلـى غيرهـم مـن الأمـم ولا سـيما أوروبـا فـي القـرون الوسـطى   إلـى ذلـك وعلـى الرغـم مـن إتسـاع رقعـة التاريـخ كمـادة للكتابـة وإهتماماتـه وحقولـه ( بمـا يعنـي الأدب) خـلال العصـر الوسـيط، وعلـى الرغـم مـن غنـى إنجازاتـه وتراكماتـه الضخمـة، فـإن التنظيـر لهـذا العلـم ( أي وضـع نظريـة وقواعـد لـه) ظـل دون المسـتوى الـذي وصـل إليـه ابــن خلــدون قبــل الســخاوي بعشــرات الســنوات... كمــا ظــل دون التعريــف الــذي أعطــاه ابــن خلــدون لعلــم التاريــخ كعلــم مســتقل وهكــذا ســبق العــرب المســلمون العالــم فــي مجــال علــم التاريـخ، بـل إن أفضالهـم علـى هـذا العلـم تكـرس بمـا أنجـزوه مـن فتوحـات علميـة فـي سـبيلترسـيخ قواعـد وأصـول علـم التاريـخ وترسـيخ مكانتـه ودوره وأهميتـه فـي الحضـارة الإنسـانية ككل   .


المبحث الثاني : الإعتراف العالمي بفضل العرب المسلمين على علم التاريخ
إعتـرف العالـم بفضـل العـرب المسـلمين علـى الحضـارة الإنسـانية بمـا قدمـوه مـن إنجـازات فـي مجـالات مختلفـة مـن العلـوم والمعـارف والإكتشـافات، وفـي أوج بـروز الأمـة العربيـة فـي أوائـل العصـر الوسـيط، تربـع العـرب علـى قمـة الإبـداع الحضـاري فـي العالـم، وهـذا مـا يجمـع عليـه دون خـلاف القاصـي والدانـي، ويقـول ديـلاس أولبـري ( لـو ازيـل العـرب مـن التاريـخ لتأخــرت النهضــة الأوربيــة بضعــة قــرون، فقــد علمــت الأمــة العربيــة الغــرب بعــد أن أيقظتــه خمسـة قـرون وحتـى أواخـر القـرن التاسـع عشـر كانـت مؤلفـات ابـن سـينا فـي الطـب لا تـزال تناقـش فـي جامعـة كولومبيـا بنيويـورك وجامعـة مونبليـه فـي فرنسـا وكان المــؤرخ العربــي ابــن خلــدون محــط تقديــر وإعجــاب علمــاء الغــرب، فيقــول عنــه نيكلســون: لــم يســبقه أحــد إلــى إكتشــاف الأســباب الخلقيــة والروحيــة التــي تكمــن خلــف ســطح الوقائــع، أو إلــى إكتشــاف قوانيــن التقــدم والتهــورويقــول فيــه المــؤرخ والفيلســوف أرنولــد توينبـي: إنـه لـم يسـتلهم أحـدا مـن السـابقين ولا يدانيـه أحـد مـن معاصريـه، بـل لـم يثـر قبـس الإلهـام، لـدى تابعيـه مـع أنـه فـي مقدمتـه للتاريـخ العالمـي قـد تصـور وصـاغ فلسـفة التاريـخ  أنـه لاالعالـم الكلاسـيكي ولا العالـم المسـيحي الوسـيط قـد أنجـب مثيـلا لـه فـي فلسـفة التاريـخ، هنـاك مـن يتفوقـون عليـه كمـؤرخ حتـى بيـن المؤلفيـن العـرب، أمـا كباحـث نظـري فـي التاريـخ فليـس لـه مثيـل فـي أي عصـر أو قطـر( .)3وقـد نـوه بقيمـة بحـوث ابـن خلـدون العلامـة (دوزي) الـذي يصـف روايـة ابـن خلـدون عـن تاريـخ النصـارى فـي إسـبانيا بأنهـا منقطعـة النظيـر ولا يوجــد فــي بحــوث علمــاء الغــرب المســيحيين فــي العصــور الوســطى مــا يســتحق أن يقــارن بها” وشـهادة المـؤرخ البريطانـي توينبـي فـي ابـن خلـدون بـارزة المعالـم. إذ يقـول عـن فلسـفته” إنهــا بــلا ريــب أعظــم فلســفة تاريــخ مــن نوعهــا أبدعهــا عقــل بشــري فــي أي زمــان ومــكان ويقــول روبــرت فلينــت عنــه:” مــن وجهــة نظــر علــم التاريــخ أو فلســفة التاريــخ، يتجلــى الأدب العربـي بإسـم مـن ألمـع الأسـماء، فـلا العالـم الكلاسـيكي فـي القـرون القديمـة، ولا العالـم المسـيحي فـي القـرون الوسـطى يسـتطيع أن يقـدم إسـما يضاهـي لمعـان ذلـك الإسـم، إذا نظرنـا إلـى ابـن خلـدون كمـؤرخ فقـط وجدنـا مـن يتفـوق عليـه حتـى بيـن كتـاب العـرب أنفسـهم، وأمـا كواضـع نظريـات التاريـخ، فإنـه منقطـع النظيـر فـي كل زمـان ومـكان حتـى ظهـور (فيكـو) بعـده بأكثـر مـن ثلاثمايـة سـنة. ليـس أفلاطـون ولا أرسـطوولا القديـس أوغسـطين بأنـداد لـه، أمـا البقية فـلا يسـتحقون حتـى الذكـر بجانبـه... ولا يسـتطيع أحـد إلا أن يعتـرف بـأن حـق ابـن خلـدون فـي إدعـاء شـرف – شـرف التسـمية بإسـم مؤسـس علـم التاريـخ وفلسـفة التاريـخ - أقـوى وأثبـت مـن حـق كل كاتـب آخـر، سـبق فيكـو ويقـدم كراتشوفسـكي - أحـد كبـار المؤرخيـن المستشـرقين الــروس - المؤرخيــن العــرب الذيــن كانــوا فــي كثيــر مــن الأحيــان جغرافييــن أيضــا، و يشــهد لهـم بالتفـوق ويقتبـس نصـاً مـن مـؤرخ الحـروب الصليبيـة (بروتـز) الـذي قـال: ليـس فـي وسـع الأدب الأوروبـي لذلـك العهـد أن يقـدم مثـالا بفضـل مؤلفاتهـم، ويكفـي فـي هـذا الشـأن تصفـح مــا خلفــه المؤرخــون العــرب ومقارنــة ذلــك بأحســن مــا أنتجــه فــن التاريــخ فــي أوروبــا ليبــدو لأول وهلـه ودون تـردد، أيـن يكمـن الفهـم والإحسـاس التاريخـي والوعـي السياسـي والـذوق فـي الشـكل والفـن فـي العـرض  .1
خاتمة : ولا بـد مـن الإشـارة إلـى أهميـة مـا كتبـه المستشـرقون مـن الغـرب والشـرق حـول فضـل

حضـارة الإسـلامية ودورهـا فـي التطـور الحضـاري العالمـي، وأنهـا هـي التـي حملـت مشـعل
علـم والمعرفـة والتقـدم فـي كافـة النواحـي، خـلال قـرون عديـدة مـن الزمـن وكان لهـا الفضـل
ي إثـراء النهضـة الأوروبيـة الحديثـة لمـا إختزنتـه مـن تـراث ضخـم فـي شـتى مجـالات العلـوم
عقليــة، وكانــت جامعــات ومعاهــد ومراكــز العلــم فــي الأندلــس وشــمالي أفريقيــا إلــى جوانــب
واضـر الشـرق هـي التـي أسسـت للمنهجيـة العلميـة التجريبيـة التـي إسـتندت عليهـا أوروبـا فـي
هضتهـا بعيـد قـرون مـن عصـور الظـلام والإنحطـاط. وتألـق المؤرخيـن العـرب المسـلمون فـي
جــال علــم التاريــخ وتدويــن الأحــداث والإحاطــة بالتاريــخ العالمــي، وبالتالــي إســتنباط فلســفة
تاريـخ التـي أسسـت لعصـر جديـد فـي الدراسـات التاريخيـة تلقفهـا علمـاء الغـرب وطوروهـا
إسـتكملوا بناءهـا العلمـي والفك .


بيوغرافيا

1-                خالد مصطفى مرعب، تطور علم التاريخ والمدارس التاريخية المعاصرة، شركة أدامز، طرابلس - لبنان،،2013 .
2-                طه باقر وعبد العزيز حميد، طرق البحث العلمي في التاريخ والآثار،ط ،1مطابع مؤسسة دار الكتب في جامعة الموصل، الموصل ،1980
3-                كرتشوفسكي، تاريخ الأدب الجغرافي العربي، ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم، القسم الأول إختارته الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، لينينجراد،،1957
4-                فاطمة قدورة الشامي، علم التاريخ - مناهج الفكر وكتابة البحث العلمي من أقدم العصور إلى القرن العشرين، دار النهضة العربية، بيروت - لبنان، ،2008
5-                     وجيه كوثراني، تاريخ التـأريخ - إتجاهات - مدراس - مناهج، المركز العربي للأبحاث و دراسةالسياسات،ط 1بيروت .
6-                     رحمة شاوي ،مذكرة تخرج ماستر تاريخ فلسفة في لاسلام ، جامعة  محمد الصديق بن يحيى – جيجل،2014-2015 .

ليست هناك تعليقات