مقالة جدلية هل وجد الإنسان حرا قبل أن يكون مسؤولا، أم أنه وجد مسؤولا قبل أن يكون حرا؟


I - المقدمة (طرح المشكلة):
 الحرية هي القدرة على تجاوز كل إكراه داخلي متمثل في الضغط النفسي أو خارجي متمثل في ظروف أو قوانين المجتمع، أو هي قدرة الإنسان على فعل ما يشاء. لكن إذا كان اتفاق الدارسين واردا حول ضبط المفهوم، فإن اختلافهم قد سجل حول تحديد الأسبقية بين ثنائية الحرية والمسؤولية، خاصة وأن البعض منهم قد أكدوا أن الشرط المتمثل في الحرية ينبغي أن يكون سابقا عن المشروط، في حين أكد البعض الآخر وجود الأسبقية الدائمة للمسؤولية.لذا فهل الحرية سابقة عن المسؤولية، أم أن الإنسان وجد مكلفا قبل أن يمتلك حق الاختيار؟


II التوسيع (محاولة حل المشكلة):                                                                                            
 القضية: وجد الإنسان حرا قبل أن يكون مسؤولا                                                                           
  شرح وتحليل: أكد أنصار الحرية أنه ينبغي أن يكون الإنسان حرا قبل أن يكون مسؤولا، ما دامت الحرية شرط في التكليف  والضرورة تقتضي وجود الشرط قبل المشروط. لا يمكن أن تكون المسؤولية سابقة عن الحرية كون ذلك سوف يشعر الإنسان بالظلم.                 
  البرهنة:الحرية سابقة عن المسؤولية، لأنها حق طبيعي سابق عن أي تكليف، هذه الرؤية وجدت عند أفلاطون، لأنه صرح من خلال أسطورة الجندي أر أن حرية الإنسان ثابتة فقال : نحن أحرار ومسؤولون.  نفس الرؤية تجسدت في البيان الأول لمنظمة حقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 ديسمبر 1948 :" يولد الناس جميعهم أحرارا متساوون في الحقوق والواجبات". كذلك عززت عدالة الفاروق عمر بن الخطاب أسبقية الحرية، لأنه قال مخاطبا ولي مصر: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار". أسبقية الحرية مطلب منطقي، لأنها شرط للمسؤولية ومن غير المعقول أن يكون المشروط سابقا عن الشرط. هذا ما توصل إليه جون بول سارتر حيث أشار أن الإنسان وجد حرا ليختار من يكون وليتحمل نتائج اختياره، إثباته للحرية تجلى من خلال قوله :"ليس على الإنسان إلا أن يختار حتى وإن اختار عدم الاختيار".                                           
  
النقد: لكن الحرية مجرد وهم يعيشه الإنسان في عالم ملؤه القيود، ومن ذلك فلا يمكن أن تكون الأولوية للحرية مادامت غير موجودة، كما أن الواقع أثبت أن المجتمع المدني يحاسب الفرد على أفعاله ولا يراعي امتلاكه الحرية. وهذا ما يعني أنه للقضية تفسيرا آخر.                        
     
نقيض القضية: وجد الإنسان مسؤولا قبل أن يكون حرا.                                                                      
شرح وتحليل: أكد أنصار التكليف الاخلاقي والتكليف الرباني أن الإنسان يجب أن يكون مسؤولا أولا، ولهذا السبب يكون حرا. أكدوا أن الحرية ليست سابقة عن المسؤولية  مادام القانون يعاقب الإنسان حتى وان لم يكن حرا.                                                     
  البرهنة: المسؤولية سابقة عن المسؤولية، لأن المفكر الألماني إيمانويل كانط صرح أن الواجب الأخلاقي يقتضي ذلك، يقتضي أن يكون الإنسان مسؤولا دوما، و لهذا السبب منحت له الحرية إذ قال : إذا كان يجب عليك ، إذن تقدر". كذلك توصل  المعتزلة أن الإنسان مكلف دوما، وما دامت المسؤولية ثابتة، فإنها كانت سببا في وجود الإنسان حرا، ويستنتجون أسبقية التكليف من تأويلهم لقوله تعالى ((  لا تكلف نفسا إلا وسعها)).   الحرية ليست سابقة عن المسؤولية، لأنه ينبغي معاقبة كل مذنب حتى وإن لم يكن  حرا. هذه الرؤية وجدت عند مالبرانش لأنه قال :" إن الذي يريد من الله ألا يعاقب إدمان الخمر، فإنه لا يحب الله". كما قال سبينوزا:" إن المجرمين أفاعي سامة والعقاب هو الوسيلة الوحيدة لاقتلاع شرورهم."                                                                                                       
   النقد: المعتزلة قدموا تأويلا خاطئا لقوله تعالى، لأن الخالق وفر الشرط أولا ثم كلف الإنسان في حدود قدرته، لأنه ليس بظالم للعباد. رؤية كانط مثالية، لأنه تحدث عما ينبغي أن يكون فتجاهل الواقع.                                                                           
    التركيب: وكتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد أنه لا أسبقية مطلقة للحرية، ولا أولوية دائمة للمسؤولية، بل تبقى الأسبقية مرتبطة بالظروف، لأن النظر إلى المسؤولية من زاوية علاقة الفرد بالمجتمع يوحي بأنها سابقة عن الحرية، كون المجتمع يهتم بالنتائج( المسؤولية المدنية ). أما النظر إليها من ناحية علاقة العبد بضميره  وبربه فإن ذلك يثبت أنها لاحقة للحرية، لأن الخالق يحاسب المخلوق على نواياه ( المسؤولية الأخلاقية).

III - الخاتمة : (حل المشكلة): ختام القول يمكن التأكيد أن منطق العقل لا يقبل أن يكون  الطفل مسؤولا، لكن يقبل أن يكون حرا. يمكن التأكيد أن العدالة الإلهية أنصفت الإنسان فمنحته الحرية والتعقل أولا ثم حددت له زمن المسؤولية، أي أن الفرد يكون مسؤولا بعد أن كان حرا.


      تحميل مقالة برابط مباشر :

ليست هناك تعليقات