هل يمكن اعتبار العقل عند اليونان الأساس في بناء الحقيقة طريقة جدلية


I/-المقدمة(طرح المشكلة): 
الحقيقة تدل على معنيين أساسيين: الصدق والواقع، فالحقيقي هو كل ما هو موجود وجودا واقعيا، بيما الصادق هو الحكم الذي يطابق الواقع، والحقيقة كذلك هي ما لا يقبل النقض ولا يحتاج إلى برهان جديد. لكن ليس مهما ضبط مفهوم الحقيقة وإنما الأهم من ذلك مصدر هذه الحقيقة والأساس التت تقوم عليه عند فلاسفة اليونان، فيرى بعض الفلاسفة أنها أسسها العقل ، في حين أكد آخرون أن الحقيقة أسسها الحواس. لذا أي الطرحين أصح وأيهما أقرب إلى الصواب وهل الحقيقة عند اليونان أساسها العقل؟


/-التوسيع:(محاولة حل المشكلة) II
أ- القضية: (يمكن اعتبار العقل عند اليونان أساس الحقيقة)
1 - شرح وتحليل:
يرى بعض فلاسفة اليونان وعلى رأسهم سقراط وأفلاطون أن الحقيقة مصدرها العقل ولا يمكن إرجاعها إلى مصدر آخر.
2- البرهنة:
-  يرى سقراط أن الحقيقة مصدرها العقل لاعتبارات عديدة يجملها في أن العقل قادر على إدراك الماهيات والكليات ولا سبيل إلى معرفة الحقيقة في تتبعها من خلال الجزئيات المادية المحسوسة، فكل ما تكونه عقولنا من أفكار من أفكار عامة عن الأشياء فتلك الحقيقة. فالعقل هو الأداة التي تعرف به ، وهو مصدرها، ومن كانت الحقيقة عند سقراط موضوعية وصادقة بالنسبة للجميع وملزمة لهم كذلك. قال سقراط:" اعرف نفسك بنفسك" ولما كانت الحقيقة كلية وكانت الكليات كلها موجودة في النفس دفعه ذلك إلى ادعاء الجهل "أعرف شيئا واحدا هو أنني لا أعرف شيئا" فكل الحقائق موجودة في الإنسان عقله، وما عليه إلا أن يكتشفها.                                                                                                                    

- كذلك يؤكد أفلاطون أن الحقيقة مصدرها العقل وسيحاول تأكيد ذلك من خلال تحطيم الرأي المخالف، إذ سيتدرج من الحس إلى الظن ثم الاستدلال،  والتعقل. والعقل هو الحقائق العقلية أسمى الحقائق. يقدم أفلاطون الحقيقة على أساس عقلي في نظريته المعروفة "المثل"، والمثال هو جوهر معقول خارج عن الزمان، هذا العالم المفارق للعالم الذي نعيش فيه هو مصدر كل الحقائق. فالإنسان روحه كانت تحيى في عالم المثال فكانت تعرف كل الحقائق المطلقة والكلية، ولكن حين هبطت هذه الروح إلى الجسم نسيت ما كانت تعرفه في عالم المثل، ومن ثم قال: "المعرفة تذكر". تذكر الحقائق الكلية التي كانت تعرفها. فالحقيقة تتأسس مع أفلاطون على العقل، فهو الذي يحاول أن يتذكر ويتصل بالحقائق الكلية.
3- النقد:
لا يمكن الاعتماد على العقل دوما أساسا للحقيقة، لأن الحواس هي المفتاح الذي ينفذ منه الإنسان إلى العالم الخارجي.
ب- نقيض القضية: (لا يمكن اعتبار العقل عند اليونان الأساس الذي تبنى عليه الحقيقة)
1- شرح وتحليل:
يرى بعض فلاسفة اليونان أن الحقيقة أساسها الحواس وهي مصدر الذي تعرف وتصل من خلاله إلى الحقيقة، ولا يمكن أن تكون الحقيقة عقلية.
2- البرهنة:
- أكد بروتاغوراس أن التجربة الحسية وليس العقل هو الطريق لمعرفة الحقيقة، والحقيقة ليست واحدة ولا مطلقة، بل هي نسبية تتوقف على قدرات الإنسان وإمكانياته، وأدوات الحس فيه، فالأشياء هي بالنسبة للفرد الواحد على ما تبدو له وهي بالنسبة للآخر على ما تبدو له فما يتأثر به حسي فهو موجود على النحو الذي أحس به وما لا أتأثر به فهو غير موجود، ومن هنا أ بطلل بروتاغوراس القول بالحقيقة والواحدة والمطلقة إذ يقول  الإنسان: " الإنسان هو مقياس الأشياء جميعا" فما يراه أنه حقيقة فهو حقيقة وما يراه أنه غيرها فهي ليست كذلك. فالإحساس صداق وهو معيار الحقيقة.                                              
- كذلك يرى جورجياس أن معرفتنا بالأشياء تقتضي أن يكون بين تصوراتنا وبين الأشياء علاقة ضرورية هي علاقة العلم بالمعلوم، بحيث يكون العلم مطابقا أو يكون الفكر مطابقا للموجود أو يكون الموجود على ما نتصوره وهذا باطل فإن كثيرا من الأشياء التي تكون موضوع الفكر ليست حقيقية فنحن قد نتصور أشياء لا وجود لها، كما نتصور عربة تجري فوق الماء، وعلى ذلك ليست الحقيقة موضوع الفكر ولا يمكن للفكر أن يدركها. فالتسليم بحقيقة المدركات معناه الاعتقاد في الأشياء كالعربة التي تمشي على الماء وعليه الحقيقة ليست موضوع ولا يمكن للعلم أن يحيط بها. ومن هنا نخلص أن أساس الحقيقة عند بروتاغوراس يبنيه على الحواس وحدها دون العقل مادامت إراكات الحواس تختلف باختلاف الأشخاص بل تختلف باختلاف إدراكات الشخص الواحد في ظروف مختلفة وليس من الممكن أبدا الجزم بحقيقة الشيء كما هو أو القطع فيه برأي حاسم.                 
3- النقد:
لا يمكن الارتكاز عل الحواس مطلقا في بناء المعرفة فالحواس أحيانا تخدعنا، فالعين ترى السراب تحسبه ماءا. فيتجه نحوه الإنسان فلا يجد إلا الوهم، وبهذا لا يمكن الاعتماد على الحواس في بناء الحقيقة.                                                            
ج- التركيب:
لا يمكن أن تتأسس الحقيقة على العقل وحده، كما لا يمكن أن تتأسس على الحواس منفردة، بل أساس الحقيقة لا بد أن يتأسس عليهما معا باعتبارهما متكاملين، فالعقل لا يستطيع أن يدرك الحقيقة بمفرده كما لا يتسنى للحواس ذلك أيضا. وهذا ما تجسد في الحضارة الإغريقية مع الفيلسوف أرسطو. إذ تتأسس الحقيقة معه على العقل وإدراكه للكليات،ولكنه في نفس الوقت يتشبث بالحس فيكون العقل الموجه للحواس.  

                                                                                               
III/-الخاتمة:(حل المشكلة):
ختاما يمكن التأكيد أن الحقيقة تتأسس باعتبارها كليات مجردة يدركها الإنسان عقليا. ولكن من غير نفي وإلغاء دور الحواس في إدراكها، لأن إدراكنا للأشياء يتدرج من المحسوس إلى المجرد، مثاله الطفل في إدراكه للأعداد فينتقل من إدراكه في الأشياء إلى إدراكه في ماهيته مجردا.                                                                                                              


 تحميل مقالة برابط مباشر :




       لمزيد من مقالات اضغط هنا  اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا

هناك تعليقان (2):