بحث حول نظرية الدعوى القضائية



مقدمــة
كانت النزاعات بين البشر في القديم تحسم عن طريق القصاص أو الثأر الأمر الذي أدى إلى عدم الإستقرار مما أدى إلى ضرورة إيجاد قواعد تضبط المعاملات بين أفراد المجتمع. إلا أن المفهوم الحديث تطلب إيجاد هيأة عامة تكفل هته النزاعات تدعى بالسلطة القضائية ولذلك فقد ارتأينا لدراسة موضوع بحثنا المتعلق بإجراءات رفع دعوى تقسيمه إلى ثلاث مباحث, لنتناول كمبحث أول نظرية الدعوى, وكمبحث ثاني نتناول إجراءات افتتاح الخصومة والسير فيها, وفي المبحث الثالث نتطرق إلى عوارض الخصومة, معتمدين في ذلك على المنهج الوصفي لأنه أكثر ملائمة للموضوع قيد البحث. وعليه يمكننا طرح الإشكاليات التالية: ما سر اختلاف الفقهاء في تعريف الدعوى وأي منحى سلكه المشرع الجزائري في هذا الشأن؟ ما هي الإجراءات المتبعة لرفع دعوى أمام الجهات القضائية المختلفة؟
المبحث الأول : نظرية الدعوى
إن الحديث عن الطبيعة القانونية للدعوى القضائية يؤدي إلى تعريف الدعوى حتى يتضح مفهومها وخصائصها.
المطلب الأول : مفهوم الدعوى
تجدر الإشارة, عند دراسة الدعوى القضائية أن هذه الأخيرة, تعد من أهم المواضيع التي خاض فيها العديد من رجال القانون والفقه ولم يتمكن أحد من وضع تعريف دقيق وشامل لها وهذا ناتج أساسا من اقتراب مفهومها من عدة مفاهيم قانونية متشابهة, ولعدم وضع التشريعات لتعريف خاص بها, وكذا لارتباطها بالوسائل والإجراءات المتبعة أمام مرفق القضاء أو بتعبير آخر نظرا لتأرجحها بين المفهوم المجرد للحق في الدعوى وبين حق ممارستها أمام القضاء وبالتالي فإنه يتعين دراستها في عنصرين: الأول يتعلق بتعريفها الفقهي والثاني يتعلق بخصائصها.
الفرع الأول : تعريف الدعوى
تعد الدعوى الوسيلة التي بموجبها يلجأ المواطن إلى السلطة القضائية للحصول على الحماية القضائية لحقه المعتدى عليه. أما المشرع الجزائري فإنه لم يورد تعريفا للدعوى متأثرا في ذلك برأي المشرع الفرنسي الذي يرى أن نظرية الدعوى لا تحتمل التنظيم التشريعي وإنما محلها في الفقه وليس في التشريع.
الفرع الثاني : خصائص الدعوى
تختلف الدعوى عن الحق من حيث سبب كل منهما, فالحق سببه واقعة قانونية عقدا كان أو عملا غير مشروع وغير ذلك من مصادر الالتزام, في حين الدعوى سببها النزاع بين المدعي والمدعى عليه مما يقتضي تدخل السلطة القضائية لحسمه, فالدعوى لها كيان مستقل عن الحق الذي تحميه فهي وسيلة قانونية لحماية الحق وليست الحق نفسه, كما أن الدعوى تختلف عن الحق في اللجوء إلى القضاء لكون هذا الأخير من الحقوق العامة التي كفلها الدستور لكل شخص طبقا للمادة 140/02 من الدستور الجزائري لسنة 1996. كما تتميز الدعوى عن المطالبة القضائية والخصومة والقضية في كون هذه الأخيرة عبارة عن الإجراءات والحالة القانونية لتي تنشأ عن استعمال حق الدعوى, ويترتب عليها حقوق وواجبات للخصوم.
المطلب الثاني : شروط قبول الدعوى
إذا كان حق رفع الدعوى مكفولا للناس كافة إلا أن المشرع قيده بشروط معينة يجب على القاضي البحث في مدى توافرها قبل الخوض في موضوعها, ويترتب عن تخلفها التصريح بعدم قبول الدعوى شكلا, ولا يعد ذلك فصلا في موضوع النزاع, وقد أوردها المشرع الجزائري في المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية والتي تنص على "لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا لصفة وأهلية التقاضي وله مصلحة في ذلك". فكل مدع ملزم بإثبات صفته ومصلحته في رفع دعوى ويتأتى ذلك بإرفاقه للوثائق والمستندات وكذا الأدلة الكافية التي تثبت وجود الحق المطالب به وعلاقته بالمدعى عليه وهذا تفاديا لرفع دعاوى تعسفية وكيدية الغرض منها الإضرار بالأشخاص وسمعتهم.
الفرع الأول : الصفة
ويقصد بالصفة المركز القانوني للشخص الذي يمنح له الحق في المطالبة بحق معين, إذ أن المدعي يكون في مركز المعتدى عليه, وأما خصمه المدعى عليه فيعتبر في مركز المعتدي. وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن أغلب الفقهاء يشترطون توفر الصفة في المدعي والمدعى عليه على حد سواء ومؤكدين على أن الدعوى يجب أن ترفع من ذي صفة على ذي صفة, رغم أن المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية اقتصرت على رافع الدعوى أي المدعي.
الفرع الثاني : المصلحة
وأما المصلحة فيقصد بها الفائدة العملية التي تعود على رافع الدعوى وإلا اعتبرت مجرد دعوى كيدية , ويشترط في المصلحة أن تكون قانونية بمعنى أن يتم فعلا هذا الاعتداء.
الفرع الثالث : أهلية التقاضي
أما بالنسبة لأهلية التقاضي فإنها تعني مدى صلاحية الشخص من الناحية القانونية لمباشرة إجراءات التقاضي وهي ذاتها الأهلية المشترطة في إبرام التصرفات القانونية, فكل شخص بلغ سن الرشد القانوني المحدد ب 19 سنة بموجب المادة 40 من القانون المدني يملك الأهلية في مباشرة إجراءات التقاضي بنفسه, وأما القاصر فإن وليه أو ممثله القانوني هو الذي يملك أهلية التقاضي, وأما الشخص المعنوي فإن ممثله القانوني هو الذي يملك هذه الأهلية.
المبحث الثاني : إجراءات افتتاح الخصومة والسير فيها
المطلب الأول : افتتاح الخصومة وتهيئة الدعوى للفصل فيها
الفرع الأول : كيفية المطالبة القضائية
أولا : أمام المحكمة
إن رفع الدعوى يتم حسب طريقتين: قد ترفع الدعوى بإيداع عريضة مكتوبة تتضمن الطلب القضائي أو بحضور المدعي أمام الجهة القضائية. (م 12 – م28 من ق.إ.م). تعريف العريضة الافتتاحية : يقصد بالعريضة الافتتاحية الورقة التي يحررها المدعي بنفسه أوعن طريق وكيله قصد عرض وقائع قضيته وتحديد طلباته للمحكمة. 1- إن المادة 12 من ق.إ.م بينت الشكل الذي حسبه ترفع الدعوى، وهكذا يكون رفعها إلى المحكمة بإيداع عريضة مكتوبة (Requête écrite) من المدعي أو وكيله. وترفع كذلك الدعوى بمجرد تصريح بصفة شفهية من المدعي عند حضوره أمام المحكمة وفي هذه الحالة يقوم كاتب الضبط، أو من يساعده من أعوان كتابة الضبط بتحرير محضر عن تصريح المدعي ويوقع عليه المدعي وإن كان المدعي لا يحسن الكتابة و القراءة، فيشير إلى ذالك كاتب الضبط في المحضر ويوقع عليه. ثم يقيد كاتب الضبط الدعوى في سجل خاص حسب الترتيب لورودها مع ذكر أسماء الأطراف ورقم القضية وتأريخ الجلسة. 2- وبعد إيداع العريضة المكتوبة أو تحرير المحضر المتضمن تصريح المدعي، يبلغ التكليف بالحضور للمدعى عليه أمام المحكمة. فالمادة 13 من قانون الإجراءات المدنية نصت على أن يكون التكليف بالحضور (La citation) محتويا على اسم ولقب ومهنة وموطن المدعي و اسم ولقب المدعى عليه ومهنته و موطنه مع ذكر المحكمة المختصة بالطلب و تأريخ الحضور بالضبط، و يعني تحديد اليوم و الساعة للمثول أمام المحكمة.كما أنه يجب أن يحتوي التكليف بالحضور على عرض ملخص لموضوع الطلب و الأسباب التي يرتكز عليها, و إذا رفعت الدعوى من طرف شركة، فيجب أن يذكر في التكليف بالحضور العنوان للشركة ونوعها ومركزها الرئيسي. كيف يحصل التكليف بالحضور إن التكليف بالحضور يتم بتسليمه مع نسخة من العريضة المتضمنة للطلب إلى شخص المدعى عليه. بواسطة المنفذ الشرعي وهو عون كتابة الضبط أو عن طريق البريد بمقتضى رسالة مضمنة مع إيصال أو بواسطة الإدارة (م 24) وكذالك بواسطة المحضر القضائي, ويجب أن يسلم التكليف بالحضور ضمن ظرف مغلق، وعليه اسم ولقب وموطن الخصم مع تأريخ التبليغ وتوقيع الموظف الذي قام به ويوضع عليه خاتم الجهة القضائية, وإذا كان المدعى عليه شخصا اعتباريا فإن التبليغ في هذه الحالة يتم إلى كل من يمثله قانونا (م 23 فقرة 4). لابد من أن يقع التبليغ في مهلة عشرة أيام على الأقل من تأريخ تسليم التكليف بالحضور. أو من يوم رجوع وصل البريد أو السلطة الإدارية.
ثانيا : أمام المجلس القضائي
إن المجالس القضائية هي الجهات القضائية التي تقع في الدرجة الثانية من تدرج القضاء, وهي التي تنظر في استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم في الدرجة الأولى. تنص المادة 110 من ق.إ.م أن الاستئناف يرفع بعريضة معللة من المستأنف أو محاميه المقيد في جدول النقابة الوطنية للمحاميين. وتودع العريضة في كتابة الضبط للمجلس القضائي. و تقيد حالا في السجل الخاص وفقا لترتيب الاستلام مع بيان أسماء الطرفين و رقم القضية و تأريخ الجلسة. كما أنه يتعين على المستأنف أن يوقع على عريضة الاستئناف، أو محاميه. و يجب أن تكون العريضة مصحوبة بعدد من النسخ موافق لعدد المستأنف عليهم (م 111)، وورد ذلك في النص على صيغة الوجوب. و يتم تبليغ الاستئناف للمستأنف عليه مع التكليف بالحضور حسب القواعد التي نصت عليها (م 111)، وورد ذلك في النص على صيغة الوجوب. هذا، و إن العريضة تقيد من طرف كاتب الضبط في سجل خاص تحت الترتيب الذي وردت فيه مع بيان أسماء الخصوم ورقم القضية و تأريخ الجلسة (م 110 و الفقرة الأخيرة منها). كما يجوز للنيابة العامة الإطلاع على كل القضايا الأخرى إن رأت أن تدخلها ضروري. وكذالك قد يأمر المجلس تلقائيا إطلاع النيابة العامة على القضية. و عند الانتهاء من هذه الإجراءات يعلن المجلس إقفال باب المرافعة ويجعل القضية في المداولة مع تحديد تأريخ الجلسة التي يصدر فيها الحكم، وأن المجلس يداول على إنفراد وبدون حضور النيابة العامة و الأطراف و محاميهم وكاتب الضبط (م 142).
ثالثا: أمام المحكمة العليا
1) في شكل الطعن يرفع الطعن بالنقض بعريضة مكتوبة و موقعة من محام مقبول ومعتمد لدى المحكمة العليا. تقديم العريضة من محام هو شرط أساسي لقبول الطعن بالنقض في الشكل (م 240). ويجب أن تكون العريضة مستوفية الشروط التالية: 1- أن تحتوي على اسم ولقب ومهنة وموطن كل من الخصوم. 2- أن يرفق بها صورة رسمية من الحكم المطعون فيه. 3- أن تحتوي على موجز للوقائع وعلى الأوجه التي يستند إليها الطعن. كما يجب أن يرفق بالعريضة عدد من النسخ بمثل عدد الخصوص و الإيصال الذي يثبت دفع الرسوم القضائية المقررة (م 241). وتودع العريضة المتضمنة الطعن بالنقض بكتابة الضبط لدى المحكمة العليا. (م 424) 2) في تعيين المقرر بعد إيداع عريضة الطعن يقدمها كاتب الضبط للرئيس الأول للمحكمة العليا الذي يحيلها على رئيس الغرفة المختصة الذي يعين هو بدوره القاضي المقرر.(م244). هذا و إن كاتب الضبط يتعين عليه تقديم العريضة في خلال ثمانية أيام من يوم إيداعها. و على المقرر أن يبلغ العريضة برسالة مضمنة مع إيصال التسليم إلى جميع المدعى عليهم و المطعون ضدهم مع إخطارهم بإيداع مذكرة للرد موقع عليها من محام مقبول لدى المحكمة العليا، وذلك في مهلة شهرين ابتداء من يوم التبليغ .
وفي الدعاوي المتعلقة بالنفقات و الأحوال الشخصية و الجنسية وحوادث الشغل ومنازعات العمل الفردية و في القضايا المستعجلة تكون المواعيد نصف المواعيد المنصوص عليها سابقا للمدة الزمنية. (م251). وإذا رأى المقرر بان القضية جاهزة للحكم فيها يقدم تقريرا مكتوبا ويأمر بإطلاع النيابة العامة عليه و التي هي مطالبة بإيداع مذكرتها محررة في خلال شهر (م248). وبعده يحدد المقرر باتفاق مع رئيس الغرفة تأريخ الجلسة و يأمر كاتب الضبط بإخطار النيابة العامة و الخصوم بذلك مع المحامين، وهذا في خلال ثمانية أيام على الأقل قبل انعقاد الجلسة (م249).
الفرع الثاني : تهيئة الدعوى للفصل فيها
أولا : الإجراءات أمام المحكمة
1) في إجراءات الجلسة(م29-42 من ق.إ.م) وتقع الجلسات بصفة علنية((publiquement والقاضي هو الذي يشرف على إدارتها وضبطها. و على الخصوم أن يشرحوا طلبتاهم ودفوعهم . و إذا حصلت إهانة القاضي من طرف المحامي، فيتم تحرير محضر من طرف القاضي فورا ويرسل إلى وزارة العدل التي تقدمه إلى اللجنة المختلطة للطعن. و على المحامي أن ينسحب من الجلسة ويقوم مقامه محام آخر، يعينه نقيب المحامين. 2) في الحكم و بعد الأخذ و الرد في الدعوة أثناء الجلسة يمكن للقاضي أن يحكم فورا في الدعوى، و إذا أجل القضية للمداولة يتعين عليه أن يحدد تأريخ الجلسة التي يتم فيها النطق بالحكم (م 34 من ق.إ.م). وقد يحكم القاضي بشطب الدعوى، إذا لم يحضر المدعي أوكيله في يوم الجلسة، و إذا تغيب المدعى عليه أو وكيله، رغم صحة التبليغ يقع الحكم في غيبته (م 35 من ق.إ.م). و إذا تعدد المدعى عليهم ولم يحضر احدهم يؤجل القاضي الدعوى إلى جلسة أخرى، ويتم تكليف الخصم المتغيب بالحضور من جديد. و في يوم الجلسة يقضي القاضي بحكم واحد بالنسبة لجميع الأطراف الخصومة وهذا الحكم غير قابل للمعارضة (م 37).
ثانيا : الإجراءات أمام المجلس
1) في إجراءات الاستئناف (م122,م113,م140,م143) وبعد تسجيل العريضة عند رفع الاستئناف يحال الملف إلى رئيس الغرفة المختصة في خلال 24 ساعة، و يعين نفس الرئيس مقررا للدعوة (م 112). و يجري التحقيق في الاستئناف حسب القواعد المطبقة أمام المحكمة في الدرجة الأولى(م 113) و يحضر الأطراف بأنفسهم أو بواسطة محاميهم. و على العضو المقرر أن يحرر تقريرا يسرد فيه الوقائع للدعوى ويحللها و يبين أوجه دفاع الأطراف مع ملخص لطلباتهم دون أن يبدي رأيه فيها. وتتم تلاوة التقرير في جلسة المرافعات (م رقم 140). وبعد تلاوة التقرير يجوز للأطراف إبداء ملاحظاتهم بصفة . ويتعين تقديم الملفات في هذه القضايا إلى النيابة العامة في مدة زمنية لا تقل عن عشرة أيام قبل تأريخ انعقاد الجلسة وذلك بواسطة كتابة الضبط. 2) في الحكم الصادر عن المجلس القضائي (L’arrêt) إن أحكام المجلس القضائي تصدر من ثلاثة قضاة، هم أعضاء الهيئة القضائية . و لا بد من تعليل الأحكام و إلا كانت باطلة (44). هذا وان أصل الحكم يوقع عليه الرئيس و المقرر وكاتب الضبط. وهذا إجراء جوهري ويحفظ أصل الحكم بكتابة الضبط .
ثالثا : الإجراءات أمام المحكمة العليا
1) في الجلسة: إن الجلسة تكون بصفة علنية ما لم تقرر المحكمة انعقادها بصفة سرية.(م258). وأثناء الجلسة يتلو المقرر تقريره ويجوز للمحامين أن يقدموا ملاحظاتهم ثم تبدي النيابة العامة رأيها وبعده توضع القضية في المداولة (م259). هذا و إن الحكم يصدر في الجلسة علنية (م 260). 2) في الحكم : إن حكم المحكمة العليا يكون ما بين ثلاث حالات: 1- إذا قبلت المحكمة العليا الطعن، فإنها تحيل القضية و الأطراف على الحالة التي كانوا عليها قبل الطعن إلى الجهة القضائية التي أصدرت الحكم المطعون فيه، مشكلة تشكيلا آخر أو تحيلها إلى جهة قضائية أخرى من نفس الدرجة للجهة التي أصدرت الحكم المطعون فيه(م266). 2- وإذا فصل حكم المحكمة العليا في مسألة قانونية ولم يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه، فإنه ينقض الحكم المطعون فيه بدون إحالة. (م269). 3- و إذا تبين للمحكمة العليا بأن الطعن غير مؤسس، فترفضه. وإذا رأت المحكمة العليا بأن الطعن تعسفي جاز لها أن تحكم على الطاعن بغرامة مالية من 100 إلى 1000 دينار, أو بما قد يطلبه المطعون ضده من تعويض (م 271). وتكون أحكام المحكمة العليا معللة، ويجب أن تحتوي على النصوص القانونية التي طبقت، وعلى أسماء وألقاب وصفة ومهنة وموطن كل من الخصوم ومحاميهم و على المذكرات وأوجه الطعن، وعلى أسماء أعضاء المحكمة وممثل النيابة وتلاوة التقرير وأقوال النيابة العامة.(م264).
المطلب الثاني : إجراءات التحقيق
إن طرق الإثبات التي نص عليها القانون الجزائري هي على عدة أنواع : الخبرة والانتقال للمعاينة وسماع الشهود و مضاهاة الخطوط , اليمين والإدعاء بالتزوير.
الفرع الأول : الخبرة (م47 - م55)
وعلى الخبير أن يبلغ الخصوم قبل اليوم المحدد لبدء عمله 05 أيام على الأقل. فإن تعدد الخبراء, فإنهم يقدمون بيانا عن خبرتهم في تقرير واحد ما لم يختلفا في الرأي وإذا لم يتفقوا وجب على كل واحد منهم أن يدلي برأيه معللا (م49 والفقرة 2)
الفرع الثاني : الانتقال للمعاينة (م56 – 60)
قد تقرر المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم انتقالها لمعاينة المتنازع فيه, وعندما يقرر القاضي انتقاله للمعاينة يحدد اليوم والساعة لانتقاله, ويتم إخطار الخصوم بدعوتهم لحضور المعاينة (م56). ويجب على المحكمة (أو القاضي) أن يحرر محضرا عند المعاينة, يبين فيه الأعمال المتعلقة بها و يوقع على المحضر القاضي وكاتبه .
الفرع الثالث : سماع الشهود
الشهادة هي الإدلاء بصدور واقعة أمام القضاء تثبت حقا لشخص آخر. ولقد نصت المادة 43 من ق إ م على أنه يجوز للقاضي أن يأمر قبل الفصل في الموضوع من تلقاء نفسه, أو بناء على طلب أحد الخصوم بإجراء تحقيق وذلك بمقتضى قرار شفوي. المهلة المحددة لحضور الشهود لا تقل عن 05 أيام من تاريخ استلام الشاهد التبليغ إلى يوم الحضور لإجراء التحقيق, ولا تجوز شهادة من هو قريب لأحد الخصوم أو من أصهاره في درجة القرابة المباشرة أو زوج أحد الخصوم ولو مطلق, وكذلك لا تقبل شهادة الإخوة والأخوات وأبناء العم الأشقاء لأحد الخصم (م64). لكنه في الدعاوي المتعلقة بحالة الأشخاص وبالطلاق تجوز شهادتهم. وأما القصر الذين لم يتجاوز عمرهم 18 سنة لا يسمع إلى شهادتهم إلا على سبيل الاستدلال, وكذلك الأمر بالنسبة للأشخاص (م64). هذا وأن القصر الذين لم يتجاوزعمرهم 15 سنة لا يؤدون اليمين (م69 والفقرة04). وعند الانتهاء من إجراء التحقيق, قد يصدر القاضي حكمه فورا أو يؤجل الدعوى إلى جلسة قادمة.
الفرع الرابع : اليمين
تعريفه : هو طريقة من الطرق غير العادية يحتكم فيها موجه اليمن إلى ذمة الطرف الآخر اعتمادا على صفاء نفسه ونقاء دينه, وقد تكون اليمين حاسمة أو متممة . أولا : اليمين الحاسمة : وهي التي يوجهها الخصم إلى خصمه حسما للنزاع إذا ما افتقر إلى الدليل بمقتضى المادة 343 من القانون المدني . ولمن وجهت إليه اليمين أن يردها على خصمه غير أنه لا يجوز ردها إذا قامت اليمين على واقعة لا يشترك فيها الخصمان بل يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين.
الآثار : يترتب عن اليمين الحاسمة آثارا وهي : - لا يجوز لمن وجه اليمين أو ردها أن يرجع في ذلك متى قبل خصمه حلف تلك اليمين. - لا يجوز للخصم إثبات كذب اليمين بعد تأديتها من الخصم الذي وجهت إليه أو ردت عليه, غير أنه إذا أثبت كذب اليمين بحكم جنائي فإن للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب بالتعويض دون إخلال بما قد يكون له من حق في الطعن على الحكم الذي صدر ضده. - كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها دون ردها على خصمه وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر دعواه. ثانيا : اليمين المتممة : وهي التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أحد الخصمين ليكمل بها أدلة أخرى في الدعوى المنظورة أمامه. الآثار : يترتب على اليمين المتممة مايلي : - أنها غير حاسمة للنزاع ولا يترتب عن النكول عنها أي جزاء. - لا يجوز للخصم الذي وجه إليه القاضي اليمين المتممة أن يردها على خصمه. الفرع الخامس : مضاهاة الخطوط يقصد بمضاهاة الخطوط إثبات صحة المحررات (م76 – م80) والورقة المحررة نوعان : الورقة الرسمية والورقة العرفية حالات إنكار الخط والإجراءات المتبعة : فإذا أنكر أحد الخصوم الخط أو الإمضاء المنسوب إليه أو ادعى عدم تعرفه على الخط أو التوقيع للغير, جاز للقاضي ألا يأخذ بعين الاعتبار هذا الإدعاء إذا تبين له بأن هذا الإدعاء لا يؤثر على الحكم في الدعوى (م 76 من ق إ م) وفي حالة ما إذا كان الدفع بإنكار الخط أو التوقيع ذا أهمية في فصل النزاع فإن القاضي يؤشر على الورقة المشكوك فيها ويأمر بإجراء تحقيق الخط بواسطة فحص المستندات أو بسماع الشهود, أو يعين خبيرا من أجل التحقيق في الخط (م76) الفرع السادس : الإدعاء بالتزوير تعريفه : هو كل طلب بالطعن بالتزوير يتعلق بوثيقة أو ورقة مقدمة في الدعوى من أجل إثبات.الإدعاء بالتزوير قد يتعلق بالأوراق الرسمية أو الأوراق العرفية. وقد وضع قانون الإجراءات المدنية إجراءات خاصة للإدعاء بالتزوير, تشمل هذه الأخيرة ثلاث مراحل : - إن صاحب الإدعاء بالتزوير يجب عليه أن يقدم طلبه وفقا للقواعد المقررة لطلبات افتتاح الدعوى, ثم يحدد رئيس الجهة القضائية الأجل الذي يصرح خلاله من تقديم الوثيقة محل الإدعاء بالتزوير (م155و م156), فإذا صرح بأنه لا يستعملها, أو سكت عما طلب منه, استبعدت الوثيقة, وفي حالة ما إذا قرر بأنه لا زال متمسكا بها, فعلى المحكمة أن تصرف النظر عن الإدعاء بالتزوير, إن رأت أن الفصل في النزاع الأصلي لا يتوقف على الوثيقة محل الإدعاء بالتزوير, و إلا فعلى المحكمة أن توقف الفصل في الطلب الأصلي حتى يجري التحقيق في الطلب الفرعي المترتب على التزوير. - ويكلف بعد هذا رئيس الجهة القضائية الطرف المصمم على استعمال الوثيقة محل الإدعاء بالتزوير بإيداعها في كتابة الضبط خلال ثلاث أيام, وإذا كان أصل الوثيقة موجودا ضمن المحفوظات العمومية يأمر الرئيس الموظف المودع لديه الأصل بتسليمه إلى كتابة الضبط, وبعدما يتم إيداع الوثيقة بكتابة الضبط يحرر الرئيس محضرا يتضمن وصف الوثيقة ويوقع عليه. - ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي التي تخص إجراء التحقيق في الوثيقة محل الإدعاء بالتزوير.
المبحث الثالث : عوارض الخصومة
يقصد بهذه العوارض الأحداث التي تحيد الخصومة عن سيرها الطبيعي نحو الفصل فيها, فيؤدي إما إلى وقفها إلى و إما انقضائها بغير حكم.
المطلب الأول : العارضان المانعان في السير في الخصومة
الفرع الأول : وقف الخصومة
تعريفه : وقف الخصومة هو عدم السير في إجراءاتها بأمر القاضي أو بحكم القانون. هذا وقد يكون الوقف لحين البحث في مسألة فرعية هي من اختصاص جهة قضائية غير الجهة القضائية التي رفع أمامها النزاع, ومثال ذلك وقف الدعوى المدنية إلى حين يتم الفصل في الدعوى العمومية, وذلك طبقا للقاعدة المعروفة "إن الجنائي يوقف المدني” هذا ويستعمل قانون الإجراءات المدنية لفظ وقف الفصل في الخصومة أو الطلب الأصلي (المادة 156 بالنسبة للمجالس القضائية والمادة 80 بالنسبة للمحاكم ), في حالة الإدعاء بالتزوير , ولكن الواقع في هذه الحال, أن انشغال المحكمة بالتحقيق في المستند المقدم في الدعوى, لا يعتبر وقفا للخصومة ولا وقفا للفصل في الطلب الأصلي بل هو متابعة الإجراءات للنظر في الأدلة المتعلقة بالدعوى. والوقف في حالة كف القاضي عن النزاع : هو الحالة التي نص عليها قانون الإجراءات المدنية في مسألة تنازع الاختصاص وقد يظهر ذلك في مرحلتين يتخذ الوقف في كل منهما صورة خاصة.
الفرع الثاني : انقطاع الخصومة
تعريفه : انقطاع الخصومة القضائية هو وقف السير فيها بحكم القانون سببه وفاة أحد الخصوم أو فقدان أهليته أو بزوال صفة من كان يباشر الخصومة نيابة عنه. وأسباب الانقطاع واردة في المواد 84 إلى 89 و 225 إلى 253 من قانون الإجراءات المدنية وتتمثل في : 1- وفاة أحد الخصوم 2- فقدان أهليته 3- زوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه من النائبين كزوال صفة الوصي والوالي لبلوغ القاصر وزوال صفة القيم وحضور الغائب, ويترتب عن الانقطاع أثران هما: أ‌) بطلان جميع الإجراءات التي تتخذ في الخصومة أثناء الانقطاع ب‌) وقف جميع مواعيد المرافعات التي كانت جارية في حق الخصوم الذين خص الانقطاع بسبب يختص بهم. ويزول الانقطاع باستئناف السير في الدعوى بالطريق الذي رسمه القانون ويتم بالتكليف بالحضور إلى من يقوم الخصم الذي توفي أو فقد أهلية الخصومة أو زالت صفته بناء على طلب الطرف الآخر, ومتى استأنفت الدعوى فإنها تعود إلى الحالة التي كانت عليها عند انقطاعها, وهذا لأن الانقطاع لا يؤثر فيما اتخذ من إجراءات قبل حصوله.
المطلب الثاني : العارضان المنهيان للخصومة
الفرع الأول : ترك الخصومة 261-263
تعريفه: يقصد بترك الخصومة القضائية تنازل المدعي على الخصومة القضائية مع احتفاظه بأصل الحق المدعى به إذ يجوز له تجديد المطالبة به بموجب دعوى جديدة. وقد اختلفت آراء رجال القانون حول ما إذا كان طلب ترك الخصومة القضائية يكفي أن يقدمه المدعي باعتباره صاحب المصلحة في رفع الدعوى و إبقائها أم أنها تتطلب موافقة المدعى عليه على هذا الترك, وقد استقر الرأي على طلب ترك الخصومة بشرط موافقة المدعى عليه متى بلغ بالدعوى وعلم بها فقد تكون له مصلحة في الفصل فيها لكي لا يبقى مهددا في رفع دعوى جديدة, وما يؤكد هذا التوجه ما نصت عليه المادة 262 من ق إ م . ويترتب على ترك الخصومة القضائية انقضاء الدعوى المطروحة أمام المحكمة, ولكن لا يؤثر على الحق المدعى به.
الفرع الثاني : سقوط الخصومة 220 إلى 224 ق إ م
أ) تعريفه :يقصد بسقوط الخصومة زوالها وإلغاء إجراءاتها بسبب عدم السير فيها بفعل المدعي أو لامتناعه لمدة عامين.وتحسب هذه المدة من تاريخ آخر إجراءات التقاضي, وقد شرع السقوط كجزاء للمدعي على إهماله للسير في دعواه وكذا للتخلص من القضايا لتي يهمل السير فيها تفاديا لتراكم الدعاوى أمام القضاء. ويمن التمسك بسقوط الخصومة إما عن طريق الدفع وذلك بعد إعادة السير في الدعوى من طرف المدعي بعد مرور أكثر من عامين على عدم السير فيها, فهنا يمكن للمدعى عليه تقديمه على شكل دفع شكلي, وإما أن يقوم المدعى عليه برفع دعوى يطالب الحكم فيها بسقوط الخصومة القضائية وترفع وفقا للقواعد العامة لرفع الدعاوى. ب) آثاره :يترتب على سقوط الخصومة القضائية زوالها وإلغاء إجراءاتها ولكن ذلك لا يؤثر في الحق المدعى به, فيجوز أن يطالب به عن طريق الإجراءات العادية لرفع دعوى.
الخاتمــة
ما يمكن استنتاجه من خلال بحثنا هذا هو أن المشرع الجزائري على غرار باقي التشريعات العالمية قد أولى أهمية كبيرة لممارسة المواطن حقه في الدعوى ى فنظم إجراءاته بدقة ورتب عن كل إجراء أثرا معينا بشكل جعل البعض من رجال الفقه يعتبرون ذلك تقييدا لحق المواطن في اللجوء إلى القضاء, إلا أن المشرع الجزائري أراد في الحقيقة من خلال ذلك ضبط هذا الحق بشكل يخدم مصلحة جميع الأفراد إذ كرس هذا المبدأ لضمان حماية حقوق الأفراد من كل أنواع التعسف والتعدي, وذلك بتفادي الدعاوى الكيدية, وهذا لكون مرفق القضاء هو مرفق عام مهمته تحقيق الصالح العام لأفراد المجتمع ككل.
الملاحــق
محمد بشير جامعة مصطفى اسطمبولي كلية الحقوق و العلوم السياسية
قائمـة المـراجع
الغوثي بن ملحة , القانون القضائي الجزائري , الديوان الوطني للأشغال التربوية, طبعة 2000.
بلغيث عمار, الوجيز في الإجراءات المدنية, دار العلوم للنشر و التوزيع, طبعة 2000
محمد الصغير بعلي , مدخل إلى العلوم القانونية , دار العلوم للنشر والتوزيع , 2006
يحوي أنيسة, إجراءات رفع دعوى, محاضرة لدى محكمة المنصورة, 2006
المواقع الإليكترونيـة

ليست هناك تعليقات