هل الممارسة السياسية من قبل السلطة في إدارة الشؤون وفي علاقاتها مع المجتمع الدولي تحكمها القوة أو الأخلاق؟

المقدمة: لعل من أهم نتائج تطلع الإنسان إلى فكرة التميز هو رغبته في الانتقال من التجمع البدائي إلى التجمع المنظم وهو ما تمثل في الدولة التي نعبر عنها ذلك التنظيم السياسي الذي يخضع له مجموع الأفراد ضمن حدود جغرافية معينة. هذا الخضوع فهمه البعض من الجانب السلبي أي الطاعة العمياء من الرعية لصالح الحاكم الذي كلما كان قويا ضمن بقاء المكانة السياسية في المجال الداخلي وأيضا على المستوى الدولي. لكن رفض البعض الآخر هذا الفهم وربطوه بالاستبداد وتجاهل مكانة الإنسان الإنسانية، لذا هل من صواب بين النقيضين وهل السياسة كمفهوم يعبر عن السلطة أنها تلك المطرقة التي يخضع لها الرعية أم أنها ذلك التعامل الأخلاقي بين الحاكم والمحكوم؟ بمعنى آخر هل المعاملة الحسنة والتعاون بين الرئيس والشعب دور في تحقيق الرقي والاستقرار؟ 




التوسيع: القضية : (لا علاقة للأخلاق بالسياسة)
إن ممارسة السلطة تقتضي القوة وإقصاء الأخلاق فالقوانين السياسية تفرض على الرعية على خلاف الأخلاق التي تنظر إلى الفرد نظرة مثالية وفساد العمل السياسي يرجع إلى تدخل الأخلاق والدين في شؤونه. 

البرهنة: يؤكد نيكولا ميكيافيلي: في كتابه " الأمير " أن الغاية تبرر الوسيلة ومعنى ذلك أن الرجل السياسي رجل حرب وليس مشروعا أخلاقيا فغايته الأولى حفظ الأمن وبسط النفوذ لذلك لزاما عليه أن يتجلى بخصلتين ضروريتين وهما القوة والحذر وأن يستعمل الخبر والشر حسب الهدف يريده. ويؤكد كذلك أنه من الفضائل ما يؤدي إلى تدهور وانهيار الحكم كما أنه من الفضائل ما يؤدي إلى تدهور وانهيار الحكم كما أن الدين بقيمه يعلم الخضوع والذل ويؤجل أمل الإنسان في الفرج والسعادة إلى ما بعد الموت " من هنا الأخلاق لا علاقة لها بالسياسة لأن الفضيلة كما يرى ميكيافيلي " تكمل في لبس دروع الحروب والاعتزاز بالشجاعة والبطولة وعظمة الإنسان ومجده. ومن هنا يجب أن تبنى الدولة على القوة والعظمة كي تضمن لنفسها البقاء وتدعم نفوذها.
- طبق موسوليني هذه الفلسفة في بناء الديكتاتورية بإيطاليا ويتجلى ذلك من خلال قوله " إن السلام الدائم لا هو بالممكن ولا هو بالمفيد. إن الحرب وحدها بما تحدثه من توتر هي التي تبعث أقصى نشاطات الإنسان والتي هي وسام النيل على صدور أولئك الذين لديهم الشجاعة لمواجهتها.
يؤكد توماس هوبز أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان فإذا كان الحاكم فاضلا فإنه بالضرورة سيكون متواضعا وبالتالي ينزل إلى مستوى العامة وذلك يؤدي إلى ضعف هيئة السلطة وبالتالي الطمع فيها لذلك يجب أن يكون مطلقا في سلطته يفعل ما يشاء من أجل إثبات مكانته وإخضاع الرعية.
يؤكد فريدريك نيتشه فكرة زرادشت الحكيم والإنسان الأعلى المتفوق الذي لا يعرف معنى اللعب والضحك وبذلك إن منطق الحياة لا يرحم الضعفاء والقوي هو الذي يكون بجانبه الحق بينما الأخلاق هي من صنع الضعفاء، أسسوها من أجل البقاء ودفع خطر الأقوياء " إن الذي يمتلك القوة هو الذي يمتلك الحق، فالنمر الذي يهاجمني له الحق وأنا الذي أقتله لي الحق كذلك". فالحيلة والمكر والغدر كلها أمور مباحة لتحقيق السلطة السياسية. فالله قد مات وبالتالي ماتت معه العناية وبالتالي ينبغي أن يوحد الإنسان مصيره بيده من أجل تحقيق ما يريد وكل هذا مرهون بالقوة لأن البقاء للأقوى. هذه الفلسفة طبقها هتلر في نموذج النازية.
وقد أكد بن خلدون أن الدولة نشأت كنتيجة للحروب الناجحة بين القبائل الغالية عن المغلوبة. فالحكم لا يكون إلا بالقهر والغلبة. وهو ما أكده ماكس فيبر " إن الدولة قوامها علاقة سيطرة من الإنسان على الإنسان فهي قائمة على وسيلة العنف المشروع ".
 إذن السياسة تبنى على القوة.
النقد: إن طرح ميكيافيلي هو تعبير عن الوضعية السياسية التي كانت تعيشها إيطاليا في تلك المرحلة (الصراع والتوتر) وبالتالي لا يمكن تعميم هذا الحكم. وما يؤخذ على طرح توماس هوبز هو انه عبر عن الجانب السلبي للإنسان " أنه شرير بطبعه ". والحقيقة أن الأمر بخلاف كل ذلك ونظرته هي مجرد تعبير عن شخصية متأثرة بالفساد الخلقي في إنجلترا في تلك المرحلة لكن تلك الظروف تحولت نحو الأحسن فيما بعد. أما فلسفة نيتشه ساهمت في بناء النازية وبالتالي حربا عالمية، بل اثبت الواقع أن مجمل  الأنظمة الديكتاتورية تنتهي بالانقلاب العسكري أو اغتيال الرئيس " شاوسيسكو " في رومانيا.  

نقيض القضية: منطق الأخلاق وعلاقته بالسياسة
إن منطق القوة في السياسة لا نجده إلا في المجتمعات التي تخاف على نفسها الزوال، أما الأنظمة الجمهورية فترتكز على الشعب في شرعيتها وتعتمد الفضيلة التي يؤمن بها مواطنوها، فالنظام والقوانين يجب أن يكون أساسهما أخلاقيا خير يحقق المصلحة العامة وعلاقة الاحترام بين الحاكم والمحكوم فيطمئن المجتمع ويتحقق الرقي.
البرهنة:
لقد رأى كونفوشيوس قديما أن الاحترام والثقة هما الأساس الذي تبنى عليه السياسة ومن هنا 
يحصل التوافق بين الحاكم والرعية ومعنى هذا أنه لا يمكن إقصاء الأخلاق من مجال الممارسة السياسية وكونفوشيوس هو الحاكم القوي النبيل الذي يعمل على حماية ممتلكات الرعية. هذا الطرح طرحه سقراط في قوله كيف يمكن للإنسان أن يكون فاضلا " المجتمع الفاضل ". هذه الأفكار عالجها تلميذه أفلاطون في " الجمهورية " حيث أكد أنه ينبغي أن تبنى السياسة على كل ما هو نبيل ويتم ذلك عن طريق التربية الأخلاقية (الحاكم).
يقول شيشرون: لا شيء نافع إنه على العكس من ذلك نافع لأنه خير أخلاقي ".
. قد أكد مونتسكيو أن الديمقراطية أصعب النظم تحققا لأنها تتطلب وجود الفضيلة. وكذلك إيمانويل كانط  يؤكد على علاقة الأخلاق بالسياسة في قوله: " يجب أن يحاط كل إنسان بالاحترام بوصفه غاية مطلقة بذاته " " مشروع السلام العالمي " ورأى أن الاستعمار الأوربي كان نتيجة الحكم الفردي والاستبدادي الذي يقوم على أساس إلغاء وإقصاء الأخلاق ولن يستقر العالم إن لم يستقر على الديمقراطية في ظل نظام عام يحترم السلم. وكذلك برترند راسل عايش الحربين العالميتين فرفض الصراع بين المعسكرين والحرب الباردة التي كانت ستؤدي إلى حرب عالمية ثالثة تبشر بزوال العالم، ومن ذلك دعا إلى ضرورة ربط السياسة بالأخلاق " الشيء الوحيد الذي يحرر البشر هو التعاون وأول خطوة في التعاون تتم في قلوب الأفراد. "    
 نقد نقيض القضية: لا وجود لأصدقاء دائمين، بل كل ما هو موجود هو مصلحة دائمة، وهذا الطرح وظفه هنري تريمان للتأكيد أن للتأكيد أن الواقع المعاصر يفرض المصلحة والقوة لحفظ البقاء أمام التحديات الحالية. كما أن الأخلاق من دون قوة تعبير عن الضعف والمثالية من جهة أخرى، كما أن النظام الديني في العصور الوسطى أفرز نوعا من الاستبداد (الكنيسة) وفي ذلك يقول كارل ماركس " الدين أفيون الشعوب ".
 التركيب : يمكن تحقيق الأخلاق على المستوى الداخلي ويمكن توظيف القوة من أجل فرض الوجود الدولي لأن العالم يحكمه قانون الغاب. ويمكن اعتماد القراءة الإسلامية من خلال الآيتين الكريمتين من سورة النحل الآية 90 وسورة الأنفال الآية 60
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة وجادلهم بالتي أحسن ".
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقون من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ". 
فالأخلاق من دون قوة والقوة من دون أخلاق كلاهما ذريعة نحو التعسف.
 خاتمة: ختام القول يمكن التأكيد على التكامل بين القوة والأخلاق في بناء السياسة أي حسن الاحترام المتبادل بين الحاكم والرعية وتطبيق مبادئ الديمقراطية (احترام حق الفرد في التعبير والمعارضة) لكن في نفس الوقت تطبيق مبدأ القوة والردع في حالة ظهور بعض التوترات السلبية، هذا على المستوى الداخلي بينما على المستوى الدولي ينبغي أن يكون  للدولة وجود في كل المنظمات العالمية من أجل إثبات مكانتها إيمانا بنظام العالم الذي يسوده مبدأ القوي يأكل الضعيف.





  اي استفسار ضعه في تعليق الله ينجحكم ولا تنسونا من دعائكم لنا                                 

ليست هناك تعليقات