مقالة حول ميز بين السؤال الفلسفي والسؤال العلمي طريقة مقارنة


 ميز بين السؤال الفلسفي والسؤال العلمي.

ملاحظة: اعتماد طريقة المقارنة من أجل التعامل مع الموضوع، لأن صيغته الاستفهامية توحي بالمقابلة بين حدين هما:السؤال الفلسفي والسؤال العلمي.

 I -  المقدمة:(طرح المشكلة)

إن المتأمل لتاريخ الفكر الإنساني يجد أن السؤال الفلسفي  هو الأول من بين إبداعاته، خاصة وأنه ارتبط في الوجود بالمجتمع الإغريقي، وحاول التعامل مع قضايا ميتافيزيقية جعلته نمطا متميزا من التفكير، جعلته منطلقا لاحترام الحكماء، وهو ما تجلى من خلال رسالة سقراط والتي احتوت فقط على علامة الاستفهام، كما أن فن التوليد والتهكم هو تصريح بأن المعرفة تبدأ من الشعور بالجهل، تبدأ من التساؤل الفلسفي المستمر. لكن وبعيدا عن كل تقديس للخطاب الفلسفي قد أسس التطور في البحث لوجود السؤال العلمي كنوع بديل من الخطاب ويحتوي على معالم جعلت الكثير من الدارسين يقتنعون بالاختلاف التام بينه وبين الخطاب الذي أسسه حكماء أثينا. لذا فما نقاط الاختلاف المسجلة بين هذين الحدين؟ ما نقاط التشابه القائمة بينهما؟ بل ما طبيعة العلاقة القائمة بين السؤال الفلسفي والسؤال العلمي؟


 II-التوسيع:(محاولة حل المشكلة)

                                             1- نقاط الاختلاف:
 إن الدراسة النقدية لكل من الحدين تقودنا إلى تسجيل نقاط اختلاف جوهرية، لأن السؤال الفلسفي هو خطاب عقلي غايته الوصول إلى الحقيقة، حقيقة الوجود، المعرفة والقيم. بينما العلم فهو تلك المعرفة المحققة بالتجريب، أي السؤال العلمي يسجل حضوره في الملاحظة، الفرضية والتجربة من أجل التأسيس للقانون العلمي كصياغة عددية للنتيجة المحصل عليها. السؤال الفلسفي شامل، يبحث في العلل الأولى للوجود، أي دراسة الوجود في نطاقه العام، وبالتالي يتعامل مع الطبيعة وما بعد الطبيعة، ومثاله هو " هل الروح خالدة، أم يصيبها الفناء؟ هل الكون وجد صدفة، أم بقدرة قادر؟ هل الإنسان حر، أم مقيد؟. أما السؤال العلمي فيتعامل مع العناصر الجزئية المرتبطة  بالواقع، ومثاله هو:" ما هي مكونات الماء؟ كيف تحدث عملية الإبصار؟ هل تؤثر الحرارة على حالة المعادن؟. السؤال الفلسفي يعتمد المنهج العقلي التأملي وفق النسق الإستنتاجي، أي التنازل الفكري من الكل إلى الجزء، بينما السؤال العلمي فيوظف المنهج التجريبي الاستقرائي الذي يقتضي أولا ملاحظة العينات، الافتراض والتجريب، ثم تعميم النتيجة من أجل تحقيق الحكم الكلي. السؤال الفلسفي ارتبط في الوجود بالمجتمع الإغريقي القديم، لأن فيتاغورت هو من صرح بلفظ الفلسفة كما ما يتجلى من خلال قوله:" لست حكيما، إنما أنا فقط محب للحكمة". بينما الخطاب العلمي الحقيقي ارتبط بالفكر الغربي الحديث، ارتبط بالمنهج الذي طرحه فرانسيس بيكون في مشروع الأورغنون الجديد، ارتبط بتساؤل إسحاق نيوتن حول علة سقوط الأجسام، ارتبط بتساؤل كلود برنارد حول كيفية التجريب على مستوى الظواهر الحية. هذا الاختلاف أكده   ثيودور أويزرمان في كتابه تطور الفكر الفلسفي، لأنه قال: " يكشف تحليل شكل السؤال الفلسفي المضمون النوعي الذي لا يمكن رده إلى موضوع العلوم المتخصصة".
                                    2- نقاط التشابه:

لكن وجود الاختلاف بين السؤال الفلسفي والسؤال العلمي لا يمنع من تسجيل نقاط التشابه بينهما، لأن كلاهما من إبداع الفكري الإنساني، وقد وظفهما معا من أجل تحقيق فهم أوسع للوجود ودعم تصديه لتحدي الطبيعة. كلاهما سؤال، وكل سؤال ينتهي بالاستفهام ويقتضي جوابا، ويبدأ بدافع الفضول الذي يحرك نشاط الذهن الإنساني، خاصة وأن الاقتناع بالجهل هو الفكرة الأولى الصحيحة التي ينبغي أن يمتلكها الإنسان لكي يحقق أفكارا جديدة. أي كل من السؤال الفلسفي والعلمي ارتبطا بالدهشة كمحرك ومنطلق للمعرفة، وهو ما أكده كارل ياسبيرس بقوله:" إن الاندهاش يدفع الإنسان إلى المعرفة".
                                  - نقاط التداخل:
إن العلاقة بين  السؤال الفلسفي والسؤال العلمي هي علاقة تداخل وتكامل وظيفي، لأن الخطاب  العلمي كان مندرجا ضمن الخطاب الفلسفي، ثم انفصل عنه ثم عاد إليه،أي الفلسفة ساهمت في ظهور العلم، وهو ساهم في تقديم مواضيع جديدة للبحث الفلسفي. كذلك توجد قضايا استعصت على الفلسفة فتدخل العلم لحلها من منطلق الطرح القائل:حينما تنتهي الفلسفة يبدأ العلم" كما أن العلم عجز أمام بعض القضايا فتدخلت الفلسفة قصد محاولة الإجابة من منطلق الطرح القائل:"حينما ينتهي العلم تبدأ الفلسفة" و الواقع يثبت ذلك، لأن الفلسفة اهتمت بالعلل الأولى للوجود، ثم اهتم العلم بعناصر الكون، لكن بقي عاجزا على تحديد مصير الإنسان، لأن ذلك من اختصاص البحث الفلسفي، و من ذلك فإن التكامل بينهما يعزز ويوسع دائرة الفهم الإنساني، إذ يقول الدكتور عبد الرحمان مرحبا:"إن تأخرنا العلمي من تأخرنا العقلي والفلسفي، ولابد من الإنكباب على الفلسفة والعلوم العقلية لإنجاب المفكرين والعلماء." إن العلاقة بينهما تتجلى أيضا من خلال  مصطلح فلسفة العلم "الإبستمولوجيا"، لأنه إذا كان العلم قد وجد يوما  من أجل تصحيح تناقضات الفلسفة، فإن  الإبستمولوجيا تعني الدراسة النقدية الفلسفية لنتائج العلوم. هذا النوع من التكامل عبر عنه فريدريك هيجل بقوله:" الفلسفة تظهر في المساء بعد أن يكون العلم قد ولد في الفجر،وقد قطع زمنا طويلا". نفس الرؤية أكدها لويس ألتوسير بقوله: "لكي تولد الفلسفة أو تجدد نشأتها لا بد من وجود علوم".

 III - خاتمة (حل المشكلة )

ختام القول يمكن التأكيد أن النظرة الأولية لكل من السؤال الفلسفي والسؤال العلمي توحي بوجود اختلاف بينهما، خاصة وأن التباين من حيث المفهوم يفرض ذلك. لكن النظرة التأملية تقود إلى الوقوف على أوجه تشابه جوهرية، لأن كلاهما سؤال من إبداع الفكر الإنساني وساهما في توسيع دائرة فهمه. تقود إلى الاقتناع بوجود علاقة تكامل بينهما، لأن كل العلوم هي في الأصل فلسفة، وكل سؤال هو في الأصل خطاب عقلي، ولولا التساؤل لما وجد الجواب،  فقط  يعبر عنه العالم على أنه قانون ثابت، ويعبر عنه الفيلسوف أنه حقيقة. بل لا يمكن تجاهل التكامل بين الخطابين، لأن الفلسفة ساهمت في ظهور العلم، والعلم ساهم في رقي البحث الفلسفي. 


 اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا                                 

ليست هناك تعليقات