ميز بين السؤال المشكلة والسؤال الإشكالية(مقال مقارنة)


ملاحظة: اعتماد طريقة المقارنة من أجل التعامل مع الموضوع، لأن صيغته الاستفهامية توحي بالمقابلة بين حدين هما: السؤال الذي يثير في الدارس دهشة والذي يثير فيه إحراجا.
I-المقدمة (طرح المشكلة)
السؤال هو الطلب أو المطلب الذي يقتضي جوابا، ويعد من أهم الوسائل الديداكتيكية في العملية التعليمية التعلمية، كونه اتخذ أشكالا متعددة، والأهم ضمن التعدد نجد السؤال المشكلة، أو تلك القضية المبهمة التي تحل بالطرق العلمية والاستدلالية، هو مسألة صعبة تقتضي جابا نهائيا. لكن حتى وإن بدا نوع من التقارب بين الدارسين حول تحديد مفهوم المشكلة ، إلا أن التباين بينهم قد سجل حول تحديد طبيعة العلاقة بينها وبين الإشكالية، خاصة وأنه قد شاع الزعم عند بعضهم بالتقارب بينهما، انطلاقا من أن وحدة اشتقاقهما اللغوي تفرض ذلك. لكن إذا كان الواقع يفرض بأن الشائع ليس هو الصواب التام، فما نقاط الاختلاف المسجلة بين هذين الحدين ؟ ما نقاط التشابه القائمة بينهما ؟ بل ما نقاط التداخل وطبيعة العلاقة الموجودة بين السؤال الذي يثير في الدارس دهشة والذي يثير فيه إحراجا؟
II - التوسيع:(محاولة حل المشكلة)
                                             1 –  نقاط الاختلاف:
إن الدراسة النقدية لكل من المشكلة والإشكالية تقودنا إلى تسجيل نقاط اختلاف جوهرية، لأن المشكلة هي تلك القضية التي تحل بالطرق العلمية والاستدلالية، بينما الإشكالية فهي تلك المسألة الفلسفية التي تثير نتاجها الشكوك، أي لا تقبل حلا نهائيا، بل تقبل الإثبات أو النفي، كما تقبل أيضا الإثبات والنفي في آن واحد.
الإشكالية معضلة فلسفية تسبب ضيقا، وتثير في الدارس إحراجا وقلقا نفسيا، لأنه لم يتمكن من تحقيق الجواب النهائي، أما المشكلة فإثارتها هي فقط الدهشة، كونها تمتاز بالغموض والالتباس، لكن يزول إبهامها بحلها النهائي. صعوبة الإشكالية ناتجة عن اتساع نطاقها وتعاملها مع القضايا الميتافيزيقية، أما المشكلة فهي أضيق  مجالا،لأنهاتتعامل مع المحدود الملموس.                                                                                               
تمتاز الإشكالية بالحل المفتوح، فلا يمكن للباحث فيها أن يصل إلى جواب مقنع، لأنه سيجد نفسه عالقا بين النقيضين، فالإشكالية تقبل الإثبات أو النفي، كما أنها تقبل الإثبات والنفي معا، ومثالها هو: هل الإنسان حر أم مقيد؟ هذه الإشكالية تقبل الطرح القائل بأن الإنسان مخير، والطرح القائل بأنه مجبر مسير، كما تقبل الإقرار بأنه حر ومقيد في آن واحد. أما المشكلة فهي تمتاز بوجود حل رغم صعوبتها، ومثالها هو: هل الإنسان متناه، أم أنه يتميز بالخلود؟ هذه المشكلة تقبل حلا، لأن الباحث سيلجأ إلى توظيف الفكر من أجل الخروج بالحل الأقرب إلى الصواب، والذي سترجح له الكفة، وسيجد أن العالم بمعظمه متفق على أن الإنسان متناه، وبالتالي سيميل إلى هذه الإجابة بكامل قناعته، أما الاحتمال الثاني وهو أن الإنسان لا متناه، فإنه يفتقد الصواب أمام الطرح الأول والذي تزكيه أيضا الرؤية الدينية.
2- نقاط التشابه:
لكن وجود الاختلاف بين المشكلة والإشكالية لا يمنع من تسجيل نقاط التشابه بينهما، لأن كلاهما سؤال وكل سؤال يعد منطلقا للبحث، لأنه يقتضي ويستدرك جوابا، إذ قال جون ديوي:"إن التفكير لا ينشأ إلا إذا وجدت مشكلة والحاجة إلى حلها". كلاهما ارتبط بدافع الدهشة وجهل الصواب، والدهشة عبر عن مكانتها أريسطو بقوله:"التعجب هو الذي دفع الناس إلى التفلسف". نفس الرؤية وجدت عند أفلاطون، لأنه قال:" أصل الفلسفة هو الدهشة". وهو ما أكده أيضا كارل ياسبيرس في كتابه مدخل إلى الفلسفة، لأنه قال:" إن الاندهاش يدفع الإنسان إلى المعرفة".كل من السؤال المشكلة والسؤال الإشكالية من إبداع الفكر الإنساني، و قد وظفهما من أجل فك أسرار الوجود، ودعم تصديه لتحدي الطبيعة.
                             
3- نقاط التداخل:
من خلال ما سبق يتبين لنا أن العلاقة بين الإشكالية والمشكلة ، هي علاقة المجموعة بعناصرها، علاقة الكل بأجزائه، لأن الإشكالية هي الكل الذي يحتوي على مشكلات جزئية، كما أن الحلول المتعلقة بالمشكلات تقربنا من فهم الإشكالية الكلية ، فالتعامل مع مشكلة الشعور بالأنا والشعور بالغير، الحرية والمسؤولية ، العنف والتسامح ثم التعامل مع مشكلة العولمة والتنوع الثقافي، سوف يقربنا من فهم إشكالية الحياة بين التنافر والتجاذب. هذا التكامل أكده الدكتور محمد عابد الجابري في قوله: فالإشكالية في الاصطلاح المعاصر منظومة من العلاقات التي تنسجها داخل فكر معين مشاكل عديدة مترابطة، لا تتوفر إمكانية حلها منفردة، ولا تقبل الحل من الناحية النظرية، إلا في إطار حل عام يشملها جميعا.
                                
III - الخاتمة:(حل المشكلة)
ختام القول يمكن التأكيد أن الدراسة الأولية لكل من الحدين تقودنا إلى الاعتقاد بوجود اختلاف بينهما، خاصة وأن التباين من حيث المفهوم يفرض ذلك، أما الدراسة التأملية للعلاقة بينهما فتمنحنا اقتناعا بوجود تشابه بينهما، لأن كلاهما سؤال وكل سؤال يعد وسيلة لبلوغ المعرفة . واقتناعا أيضا بالتكامل الوظيفي بينهما، لأن الإشكالية هي الكل الذي يحتوي على مشكلات جزئية، والحلول المتعلقة بالمشكلات تقربنا من فهم الإشكالية. الإشكاليات هي جوهر الفكر الفلسفي الذي ينحصر فيه مجموعة المشكلات الثانوية، وكل مشكلة تضم أسئلة من صنف الأسئلة الانفعالية التي تمثل الجزء من المشكلة، ومن خلال ذلك يمكن القول أن الإشكالية والمشكلة والسؤال بمثابة الشجرة، جذعها يمثل الإشكالية،تتفرع منها أغصان بمثابة مشكلات، وفي كل غصن جملة من الأوراق التي تمثل الأسئلة الانفعالية.

 اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا                                 

ليست هناك تعليقات