هل من الحكمة مواجهة العنف بالتسامح؟




طرح المشكل: يعيش الإنسان باعتباره كائن مدني مع غيره داخل الوسط الاجتماعي المليء بالأحداث التي يتصف بعضها بالعنف و معناه استعمال القوة المادية أو المعنوية لقهر الخصم, وضده التسامح ونعني به ترك المطالبة بالتعويض المادي أو المعنوي,وقد اختلف المفكرون والفلاسفة حول إشكالية معالجة العنف فمنهم من أيد استخدام القوة مع الخارجين عن القانون ومنهم من دعا إلى التسامح والعفو والمصالحة : فأيهما أفضل؟هل نواجه العنف بالمصالحة والتسامح ؟ أم نواجهه بالعنف واللاتسامح؟
محاولة الحل:
الموقف الأول: دعاة التسامح :يؤكد أصحاب هذا الموقف ومن أهمهم رسل وغاندي على ضرورة مواجهة العنف بالتسامح يقول برتراند رسل (انجليزي, ت 1969م):" الشيء الوحيد الذي يحرر البشر هو التعاون وأول خطوة فيه تتم في قلوب الأفراد" فبالتعاون بين الأفراد يتم القضاء على العنف وذلك بعد تصفية قلوبهم من الأحقاد, نتيجة وعيهم بهذه الحقائق وأولها: أن من طبيعة الإنسان الخطأ ولكنه سرعان ما يندم فيعود ويصلح ما فعله, والعنف يولد عنف أشد فهو يؤدي للتحدي وإبراز القوة في حين أن القوة الحقيقية كامنة في التسامح والتحكم في الذات وعدم الانتصار لها "العفو عند المقدرة" مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فعفا عن الناس ومن ظلمه, فدخلوا طواعية في الدين , ومن مبررات التسامح أيضا وقوع الإنسان تحت تأثير الحتميات الاجتماعية أو الظروف السياسية والنفسية فإذا عرفنا أسبابه أمكننا إبطالها كالعنف الناتج عن سوء التفاهم أو بسبب الفقر, وذلك لأن الإنسان خير بطبعه حسب جون جاك روسو وإذا انحرف فذلك راجع لانحراف المجتمع والحضارة .
ويعتقد غاندي أن ما يحكم عالم الإنسان هو قانون اللاعنف بخلاف عالم الحيوان المحكوم بقانون البقاء للأقوى. 
الحجة : تاريخية وتتمثل في نجاح سياسة العفو والمصالحة الوطنية سواء في أوروبا أو في الجزائر
نقد: لكن لا يمكننا تعميم هذه النظرية على الكل إذ أن هناك فروق فردية بين الناس فمنهم من لا يفهم إلا لغة القوة ومنهم من يعتبر التسامح ضعف لا قوة
الموقف الثاني: يعتقد دعاة القوة و ومن أهمهم توماس هوبز ( انجليزي, ت 1679م)ونيكولا ميكيافلي ( ايطالي ,1469م/1527م) ضرورة مواجهة العنف بالعنف مادام أن الإنسان حر وعاقل ومسؤول فلا بد من أخذ جزاءه يقول هوبز( انجليزي 1588م/ 1679م):" الإنسان ذئب لإنسان أخر".فهو شرير بطبعه ولا يفهم لغة التسامح أو الأخوة ولا العفو بل لغة الحديد والنار وحتى يتحقق الاستقرار في الدولة ينبغي أن تقوم على حكم ديكتاتوري عنيف يقول ميكيافلي:" من الضروري للأمير أن يعرف بالقسوة لأنه من دونها لا يستطيع أن يحافظ على اتحاد جيشه وطاعته ".فلأمير المتساهل مع الشعب يشجعهم على اختراق القوانين ,و يقول ماكس فيبر :" إن الدولة قائمة على وسيلة العنف المشروع ".فما دام أن للعنف غاية سامية وهي الحفاظ على آمن واستمرار المجتمع أصبح ضرورة لا بد منها , ويرى نتشه أن القوة هي الفضيلة ومتعة الحياة كلها كامنة في الدعوة للقتال ولذلك ما من حق إلا وهو في جوهره اغتصاب وامتلاك , والحرب بذلك ضرورة للدولة كضرورة الرق للمجتمع .كما دعا فريدرك هيجل (ألماني ,مثالي، ت 1831م) للحرب فبفضلها نرفض القديم ويحصل التطور فنصل لتحقيق المطلق , فنواجه العنف بالعنف ليتطور التاريخ.الحجة: منطقيا لا يمكننا الجمع بين المتناقضين العنف واللاعنف .
نقد: لكن العنف لا يحل المشاكل وكثرة الضغوط تؤدي للانفجار .
التركيب: من خلال ما سبق تظهر لنا أهمية الموضوع فهو من القضايا المعاصرة, وإن كانت الحكمة تقتضي معاملة العنف بالتسامح أحيانا, وبالعنف أحيانا أخرى فإن ذلك متوقف على ظروف الدولة وعلى حسب الشخص العنيف إن كان يقدر تسامح الغير معه ويشعر بسوء فعله أو لا , و من الواجب امتلاك القدرة وإلا لن يكون للتسامح معنى.
حل المشكل: نستنتج أن مواجهة العنف بالتسامح أمر ضروري أحيانا و ليس دائما.
مقالة العنف والتسامح بطريقة الجدلية ;
. هل يمكن مقابلة العنف بالتسامح ؟
I/-المقدمة(طرح المشكلة): إذا كان العنف هو استعمال القوة أو كل عمل يضغط به شخص على إرادة الغير , و كان التسامح هو معاملة الإنسانية من منظور الإحترام و التعاون الأخلاقي . فإن هذا يعني انه لا يمكن الجمع بينهما انطلاقا من أنه لا يمكن الجمع بين النقيضين و هذا ما تجلى من خلال طرحات الكثير من الدارسين . لكن في المقابل نجد من أكد أنه ينبغي التخلي عن فكرة الصراع إنطلاقا من أن الإنسان المعاصر أصبح يهدف إلى تحقيق الحوار الحضاري . لذا هل من صواب بين الاعتقادين و هل يمكن التصديق بالطرح القائل أن العنف لا يولد إلا العنف ؟ أم أن العنف هو أصل البقاء و البناء ؟ بل هل يمكن مقابلة العنف بالتسامح ؟
II/-التوسيع(محاولة حل المشكلة)
القضية: (العنف أساس البناء و البقاء – لا يمكن مقابلة العنف بالتسامح ).
تحليلها:يذهب أنصار هذا الطرح للتأكيد على فكرة أساسية مضمونها أنه توجد جملة من الأسباب النفسية , الاجتماعية , الاقتصادية و السياسية جعلت العنف مشروعا من أجل البقاء . إن العنف هو أصل حركة العالم و إثبات الذات بل هو أداة شرعية أخلاقية من أجل استرجاع الحقوق المغتصبة . إن التخلي عن فكرة الصراع في حياة الإنسان هو تعبير عن الضعف و الرضوخ للآخر .
البرهنة
1- أكد " هيراقليطس " أن العنف هو أصل كل الأشياء و هو ما يتجلى من خلال قوله "أن القتال هو أبو سائر الأشياء " . نفس الطرح نجده عند "كالكاس" حيث أشار أنه إذا كان العنف هو المسيطر في الطبيعة فإنه ينبغي أن يسيطر على حياة الأفراد . وإذا كان قانون الطبيعة هو "البقاء للأقوى " و كان الإنسان جزءا من هذا الوجود فلما لا يطبق هذا القانون ؟. فاللبؤة مثلا تقتل أحد صغارها إذا ولد بعاهة لأن ذلك الشبل سوف يجد نفسه يوما غير قادر على اصطياد الفريسة فيكون له أثرا سلبيا على مملكة الغاب .
2- طبيعة الإنسان الأنانية تقتضي إستعمال العنف من أجل إثبات الذات . حيث أكد سيغموند فرويد أن الفر د تحكمه نزعة الحياة ( إيروس ) و نزعة الموت ( تيناطوس ) . هذا ما يفسر سلوكه العدواني لأنه يسعى إلى التملك , فرض السلطة , البقاء و تلبية كل الرغبات , لكن يجد نفسه خاضعا لقيد إسمه الغير و آخر إسمه الموت . هذا ما يحدث له الكبت و الحقد على كل من وقف ضد رغباته. و لعله في ذلك يتفق مع طرح توماس هوبز القائل " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان " أي الإنسان هو شرير بطبعه فيطبق الحيلة و المكر من أجل فرض الوجود .
3 – أكد فريدريك إنحلز أن العنف هو أساس البناء و التحرر . فالظروف التي عاشتها الطبقة العاملة في ظل الاقتصاد الرأسمالي تميزت بالقمع لأن العامل كان يشعر بالغربة في عمله و هو ما أدى إلى قيام الثورة من أجل تغيير النظام و تحقيق العدالة الإجتماعية . و هذا يعني أنه لا يمكن فهم العنف فقط من الجانب السلبي بل هو وسيلة من أجل غاية سامية . طرح وجد عند جون جاك روسو حيث قال " ليس لنا فقط الحق , بل من الواجب أن نثور إذا اقتضت الضرورة لذلك . فهناك نوع من الأخلاقية يدعونا إلى حمل السلاح في أوقات ما ."كذلك عبر المفكر الفرنسي ألبير كامو أن الرجل الثائر هو الرجل الذي يقول" لا " و هذا يعني أن الأمور تفاقمت و زادت في التدهور و أن هناك حدودا يجب الوقوف عندها . موسوليني " إن السلام الدائم لا هو بالممكن و لا هو بالمفيد , إن الحرب وحدها بما تحدثه من توثر هي التي تبعث أقصى نشاطات الإنسان و التي هي وسام النبل على صدور أولئك الذين يمتلكون الشجاعة لمواجهتها .
4- أكد المفكر الألماني فريدريك نيتشه أن القوة و العنف هما الأساس في بقاء البشرية إذ لا مجال للتسامح و الأخلاق في حياة الإنسان لأن الأخلاق من صنع الضعفاء طبقوها كوسيلة لحماية أنفسهم من طمع الأقوياء . أي أن الذي يمتلك القوة يمتلك الحق. فالنمر الذي يهاجمني يمتلك الحق في أن يقتلني و أنا الذي أدافع عن نفسي أمتلك الحق أن أقتله.
إذن لا يمكن مقابلة العنف إلا بالعنف.
النقد : على الرغم من أهمية طرح هؤلاء لكن لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه . فالحقيقة أن فكرة العنف و جدت في المجتمعات البدائية و لا تتناسب مع صفة الإنسان المتحضر. لا يمكن إخضاع التجمع الإنساني لقانون يحكم الحيوان مادام منفردا بملكة العقل. بل إن الدراسات التي قام بها العالم النفساني فروم أكدت أنه حتى الحيوان ليس عدوانيا إلا في لحظة البحث عن الغداء أو مواجهة خطر خارجي فكيف يتنازل الإنسان عن قيمه الإنسانية إلى مرتبة الحيوانية . كما أن العنف لا يولد إلا العنف و هذا ما يعني الصراع الدائم .
نقيض القضية : ( يمكن مقابلة العنف بالتسامح )
شرح و تحليل : يذهب أنصار هذا الطرح للتأكيد على فكرة أساسية مضمونها أنه لعنف كما لا تطفئ النار نارا . لا يمكن فهم التسامح أنه ضعفا مادام وجد في مجمل الديانات السماوية و رحبت به المجتمعات .
البرهنة :
1 - إن الله عز و جل خلق الإنسان في أحسن صورة و فضله على الخلق لكن لا ينتظر الشكر من أحد بل نجد من يطغى و يصل إلى حد الجحود بنعم ربه . لكن رحمة الله بعباده أوسع من رحمة إلام بإبنها . فالرحمة هي التسامح وعدم الإكراه . و يتجلى ذلك من خلال قوله تعالى ( لا إكراه في الدين , قد تبين الرشد من الغي ) سورة البقرة – 256 - و يقول تعالى (أدع إلى سبي ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن )صدق الله العظيم . هذا يعني أن القوي ( الله ) يدعو إلى التسامح و ذلك الإنسان الذي يساوي لا شيء مقارنة بحجم الكون يدعو إلى العنف فهذا غير معقول. إن هذه الآيات من التنزيل الحكيم تجسدت في حياة الأولين حيث يتجلى ذلك من خلال التعامل الأخلاقي مع السجناء و كذلك السماح لأهل البلد بممارسة عقائدهم مقابل الجزية في مرحلة الفتوحات الإسلامية .
2 – أكد إيمانويل كانط على ضرورة إعتماد التسامح و فعل الخير لأن الواجب يقتضي ذلك " إفعل الخير لأنه خير و ابتعد عن الشر لأنه شر " و هذا يعني أن الاحترام دين لا بد من تأديته لمن يستحقه . التسامح هو قانون أخلاقي مقدس فكل إنسان يجب أن يحاط بالاحترام بوصفه غاية مطلقة بذاته " هذه الأفكار طرحها في كتابه مشروع السلام الدائم وتتماشى مع اعتقاد برترند راسل حيث عايش الحرب العالمية الأولى و الثانية فاستنتج انه ينبغي التخلي عن فكرة الصراع والحرب لأن مواجهة العنف بالعنف تؤدي إلى عنف أشد و فتنة أعمق . و إذا كان الإنسان هو كائن عاقل فإن العقل يصنع الحكمة و الحكمة تعني العمل بالتسامح. في ذلك يقول برترند راسل " الشيء الذي يحرر البشر هو التعاون , و أول خطوة فيه إنما تتم في قلوب الإفراد , و المألوف أن يتمني المرء الخير لنفسه , وينبغي كذلك أن يتمنى الخير للآخرين "
3 – أكد فولتير في كتابه " مقالة في التسامح أنه ينبغي التخلي عن العنف في كل المجالات وبوجه أخص في مجال الدين و العقيدة و في ذلك يقول " إننا أبناء من نفس الأب و مخلوقات من نفس الإله . و إننا عجين من النقائص و الأخطاء, إذن فلنتسامح فيما بيننا "
4 – أكد رجي غارودي على فكرة الحوار الحضاري واعتماد التسامح و المحبة من أجل التعايش دون صراع . رحب المجتمع الدولي بفكرة التسامح فخصص يوم 16 نوفمبر من كل سنة يوما للتسامح بمبادرة من منظمة اليونسكو سنة 1995 .
إذن يمكن مقابلة العنف بالتسامح .
النقد : على الرغم من أهمية هذا الطرح إلا أنه من الناحية المنطقية لا يمكن الجمع بين النقيضين( مبدأ عدم التناقض ) أي لا يمكن الجمع بين العنف و التسامح . كذلك عبرت بعض الدراسات المعاصرة أنه لا يمكن التخلي عن منطق القوة لأن الأخلاق من صنع الضعفاء وظفوها كوسيلة لحماية أنفسهم من طمع الأقوياء.
التركيب :من خلا م تقدم يتبن لنا أن الإنسان العقل ينبغي أن يطبق الحكمة في تعامله مع الغير أي لابد أن يطبق العنف بالمعنى الإيجابي عند الحاجة و التسامح من باب الفصح في الحالات التي تقتضي ذلك و هذا يعني انه يمكن مقابلة العنف بالتسامح لكن ليس التسامح الذي يكون نوعا من الخوف بل التسامح الذي يعد إحتراما للغير .
الخاتمة . ختام القول يمكن التأكيد أن الإنسان طبق العنف من أجل البقاء في مرحلة أرغمته الظروف على ذلك . لكن التحولات التي عرفها التجمع البشري أصبحت تميل أكثر إلى التنظيم و الحضارة مما يعني ضرورة التخلي عن فكرة الصراع, و من ذلك الإيمان بفكرة التسامح و الحوار الحضاري. هذا كله لا يخدم الفرد فقط بل يخدم المجتمع الدولي الذي يهدف إلي مشروع القرية الكونية التي يتم من خلالها إلغاء كل الحدود و كل أسباب التعصب .

ليست هناك تعليقات