مقتطفات من كتاب"أسطورة سيزيف"(الجزء الأول)





ألبير كامو..
-ليست هناك إلا مشكلة فلسفية هامة واحدة ألا وهي مشكلة الانتحار. فالحكم عما إذا كانت الحياة جديرة بأن تعاش أم لا، إنما يرتفع إلى الجواب على المسألة الأساسية في الفلسفة وتأتي كل مسألة أخرى بعد ذلك.
فإذا سألت نفسي كيف يمكنني أن أحكم بأن هذا السؤال أكثر أهمية من غيرها، فإنني أجيب بأن المرء يحكم عن طريق الأفعال التي تستتبع منه. عمري ما شاهدت إنسانًا ينتحرُ من أجل البحث الأنطولوجي. وإن جالليو الذي ذكر حقيقة علمية ذات أهمية كبيرة، نبذها بمنتهى السهولة حالما تعرضت حياته للخطر. وبمعنى ما من المعاني، حسنًا فعل.
وما كانت هذه الحقيقة تستحق عناء المخاطرة. فسواء كانت الأرض هي التي تدور حول الشمس أو الشمس هي التي تدور حول الأرض فهي مسألة من قبيل عدم الاكتراث العميق. بل يمكننا أن نقول إنها مسألة عقيمة. ومن جهة أخرى أرى، أناسًا كثيرين يموتون بسبب أن الحياة عندهم تستحق أن تعاش. وأرى آخرين يذهبون ضحية القتل بسبب الأفكار أو الأوهام التي تزودهم بسبب كاف للحياة (وما يقال عنه سبب كاف للحياة هو سبب رائع للموت) ولهذا فإنني أخلص إلى أن معنى الحياة هو أهم مسألة تثير الإلحاح.
-لم يحدث من قبل أن درس الانتحار إلا على أساس أنه ظاهرة اجتماعية. ونحن معنيون هنا، بالعكس، منذ البداية، بالعلاقة القائمة بين التفكير الذاتي والانتحار، فسلوك مثل هذا يتم تحضيره داخل صمت القلب شأنه في هذا شأن العمل الفني الرائع. والإنسان نفسه يجهل هذا.
فذات مساء يضغط على الزناد أو يقفز. ولقد قيل لي عن وكيل إحدى البنايات كان قد انتحر، أنه قد فقد ابنته منذ خمس سنوات مضت وأنه قد تغير من ذياك الوقت تغيرًا كبيرًا وأن هذه التجربة، قد "هدمته" ولا يمكننا أن نتصور كلمة أخرى أدق من هذه الكلمة انطباقًا على حالته. فبداية التفكير هي بداية التهدم. وليست للمجتمع إلا صلة واهية بمثل هذه البدايات.
فالدودة في قلب الإنسان. وهناك ينبغي البحث عنها، وعلى الإنسان أن يقتفي ويتفهم هذه اللعبة المميتة التي تفضي به من النورانية القائمة في وجه الوجود إلى الفرار من الضوء.

ليست هناك تعليقات