كيف كانت الجزائر سببا في تطور القوة العسكرية الامريكا

 #كيف_كانت_الجزائر_سبباً_في_تطور_القوة_العسكرية_لأمريكا؟


⛔ كانت السفن التجارية الأمريكية أيام كانت أمريكا الشمالية مستعمرة بريطانية تسير في البحر الأبيض المتوسط آمنة لأنها كانت ترفع علم بريطانيا وتحمل جوازات من الداي الذي تربطه معاهدات صداقة مع بريطانيا تضمن سلامة الملاحة لسفن التاج، ولكن انفصال الولايات المتحدة عن بريطانيا عقب حرب الإستقلال جردها من هذه الإمتيازات ، وأصبحت سفنها التجارية بدون حماية ، وبالتالي صارت عرضة لأن تقع في أية لحظة غنيمة في يد القراصنة المتمركزين في رودس ومالطا .


⛔ كان الساسة الأمريكيون قليلو تجربة في الشؤون الدولية ، لذلك بحثوا عن دول قوية تحمي تجارتهم ، فاتجهوا صوب هولندا وفرنسا التي قدمت لبلدهم المساعدة في حرب الإستقلال ، وطلبوا منها أن توفر لسفنهم الحماية ضد القرصنة، ولما أُفهِموا بالطرق الدبلوماسية أن الولايات المتحدة أصبحت الآن دولة لها مواردها وقنواتها الدبلوماسية الخاصة وأن عليها أن تفعل ما تفعله بقية الدول البحرية وتدفع الضريبة والجزية للجزائر، رأت أمريكا في هذه النصيحة موقفا غير ودي ووجدت في سلوك تلك الدول خنوعا مهينا للجزائر.


⛔ وإثر ذلك خطرت في ذهن الساسة الأمريكيين فكرة إقامة حلف عسكرية مع الدول البحرية الأوروبية ، تكون البرتغال محورا له لأنها كانت أشد الدول الأوروبية معارضة للجزائر، إلا أن معظم الدول الأوروبية رفضت هذه الفكرة لأنها جميعا ترتبط بمعاهدات صداقة مع الجزائر ، فلم تر هذه الدول الأوروبية ما يبرر التضحية بهذه المعاهدات والدخول في حرب مع الجزائر لا تقتصر آثارها على تخريب تجارتها ،بل ربما تعدى الأمر إلى تخريب مدنها الشاطئية ، في حين الشاطىء الأمريكية تقع على الضفة الغربية للمحيط الأطلسي وهي بمنأى عن غارات رياس البحر الجزائريين.

ولم يبق أمام الساسة الأمريكيين سوى عقد معاهدات صداقة مع الجزائر ، وخصصت الحكومة الأمريكية مبلغ 80 ألف دولار لدفع فدية الأسرى الأمريكيين في الجزائر ، وتدخل الداي لدى باي تونس و باشا طرابلس ليوقعوا معاهدات مماثلة مع أمريكا ، ولكن كان لزاما على الأمريكيين في نهاية مفاوضاتهم مع الجزائر دفع جزية قيمتها مليوني دولار ، وهو الأمر الذي جعل هذه الصداقة ليست محل رضى لدى الأمريكيين.


⛔ وبينما كان الأمريكيون يحاولون الحصول على حماية لتجارتهم بالطرق التي وصفناها ، وقعت تطورات في البحر الأبيض المتوسط استوجبت عملا مباشرا من طرف الولايات المتحدة الامريكية.


⛔ ففي شهر مارس سنة 1783 نجت بعض السفن الأمريكية في اللحظة الأخيرة من الوقوع في يد البحارة الجزائريين ، وقد علم الرئيس الأمريكي فرانكلين بالحدث بواسطة رسالة وجهها إليه شخص يدعى "سالفا" ذكر فيها أن المسؤولين الجزائريين حينما بلغهم إقلاع السفن الأمريكية من مرسيليا وجهوا لمطاردتها تسع سفن مسلحة ، وأضاف صاحب الرسالة أن "الأعداء السريين الذين يقيمون في الجزائر هم الذين أبلغوا الجزائريين تلك المعلومات".

إن هذا الإحتكاك الغير ودي بين السفن الأمريكية والجزائرية جعل الساسة الأمريكيين يستشعرون خطورة الوضع ، ما سرع عملية قبولهم مجبرين على التفاوض مع الجزائر ، فقاموا بارسال بعثة تفاوض ، وكانت توجد أربع دول مغاربية يتحتم على هذه البعثة أن تعقد معاهدات معها ، وكان ظاهرا أن المعاهدة مع الجزائر كانت ستكلف أكثر مما ستكلفه المعاهدات مع الدول الثلاث الأخرى مجتمعة ، والكونغرس لم يعتمد سوى مبلغ 80 ألف دولار للمعاهدات مع الدول المغاربية الأربع.


⛔ وكان المغرب الاقصى هو أول دولة يعقد معها الأمريكيون معاهدة، وكان عقد هذه المعاهدة مع المغرب محل ثناء و إشادة لدى الكونغرس ، وقد اعتبر الرئيس جيفرسون هذه المعاهدة مفيدة خصوصا بسبب تكلفتها المنخفضة ، وكذلك لأهميتها للملاحة في المحيط الأطلسي ،بحيث جعلت تجارتها في هذا المحيط تتعرض لخطر أقل ، ولكنها مع ذلك لم تحرر الملاحة الأمريكية بشكل كامل ، لأن البحر الأبيض المتوسط ظل مغلقا أمام السفن الأمريكية ، كما كان من قبل، وستبقى هذه الحالة حتى تقوم علاقات السلام مع الجزائر.


⛔  كان عقد معاهدة سلام مع الجزائر أمر  أكثر تعقيدا ، وفي صيف 1785 وقع حادث خارجي عقد الأمور اكثر ، ففي تلك السنة عقدت الجزائر معاهدة مع إسبانيا سمحت للجزائريين بالوصول إلى المحيط الأطلسي ، وفي غضون عدة أسابيع استولوا على سفينتين أمريكيتين ، وقد بعثت أخبار هذا الحادث شعور الفزع لدى السلطات الأمريكية ، وصار لزاما على الأمريكيين التفاوض من أجل إطلاق سراح اسراهم ، وفي نفس الوقت كانت أمريكا تتفاوض مع طرابلس و تونس من أجل عقد معاهدات صداقة معها وهو أمر سيكلفها أموالاً أخرى ، وفعلا تم إرسال بعثة أمريكية لعقد معاهدة مع باشا طرابلس الذي أكد للبعثة الأمريكية المفاوضة أن تونس والمغرب الاقصى سوف تتعامل مع الولايات المتحدة الامريكية على أساس نفس الشروط ،ولكن الجزائر يرجح أن تطالب بترضيات أكبر .


⛔ لكن فشلت المفاوضات الامريكية لعقد هدنة مع الجزائر وطرابلس ، فاتجت جهود الأمريكيون لعقد معاهدة مع اسطنبول لتكون خطوة في طريق الحصول على معاهدة مع الجزائر ، ولكن فيرغينز الوزير الأمريكي المكلف بالخارجية أكد للرئيس جيفرسون أن عقد معاهدة مع الباب العالي يتطلب هدايا غالية الثمن وان العملية كلها ستكون باهضة التكاليف ، ذلك فضلا عن أن نجاح المفاوضات مع الباب العالي لن يساعد على عقد معاهدة مع الجزائر ، قائلا له : "إن الوكيلين الوحيدين المفيدين في الجزائر هما المال والخوف!!".


⛔  بعد فشل كل هذه الجهود ، صار الإتجاه السائد في أمريكا يسير نحو التوجه إلى إعلان الحرب على الجزائر من أجل تخليص أسراها ، وتعالت بعض الآراء التي ترى أن إعلان الحرب على دولة مثل الجزائر ضرب من ضروب البطولة ، ولكن ذلك لن يكون من الحكمة في شيء ، لأن الولايات المتحدة الامريكية لن تتمكن من إحداث أخف الأضرار بالجزائر ، ومادامت الدول القوية مثل فرنسا و إنكلترا وهولندا تحتمل دفع الجزية للجزائر ، فإن إعلان الولايات المتحدة الامريكية الحرب عليها لن يكون من نتائجها إلا زيادة المبالغ التي تطالب بها الجزائر على سبيل الضريبة من الولايات المتحدة الامريكية ، وقد عبر عن ذلك بوضوح دبلوماسي أمريكي " لامب" حين قال بأن إرغام الجزائريين على إبرام معاهدة السلام أمر فوق طاقة الولايات المتحدة الامريكية.


⛔  أما "كارميكايل" وهو شخصية سياسية أمريكية فقد كان مقتنعا بأن "المفاوضات ستكلف أقل من التسليح في الظروف الحالية". أما الرئيس جيفرسون فقد كان يناضل منذ البداية من أجل فكرة الحرب.


#كارثة_جديدة_وبداية_بناء_أسطول_حربي:


⛔ في 30 ديسمبر 1790 قدم الرئيس الجديد جورج واشنطن تقريرا الى الكونغرس عن الأسرى الأمريكيين في الجزائر ، وحث الكونغرس على اعتماد الوسائل التي تسمح بإطلاق سراحهم .


⛔ وعقب ذلك شكلت لجنة وكلفت بهذا الموضوع، وهذه اللجنة لم تلبث أن أعربت عن رأيها بأن المصالح الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط لا يمكن حمايتها إلا بواسطة أسطول حربي " ينبغي إنشاؤه بمجرد ما تسمح بذلك الحالة المالية العامة".


⛔ كانت التقارير الواردة من الجزائر سنة 1791 تدل على أن الوقت ملائم لعقد معاهدة مع الداي، وقد كتب ريتشارد أوبراين يقول "أن شؤون أعدائنا الثلاثة ، الفرنسيين و الإسبان والبريطانيين في الجزائر مضطربة، وبذلك تضعضع نفوذهم في الجزائر بصورة ملحوظة".

ولكن هذه الرغبة الأمريكية في عقد معاهدة سلام لم تلق نفس الحماس لدى الجزائريين الذين كانوا مهتمين أكثر بعقد معاهدة مع البرتغال ، وكذلك كان لتدخل الدبلوماسيين الإنكليز لمنع إبرام معاهدة بين الجزائر والولايات المتحدة الامريكية ، وهذا ما أثار غضبا عارما في الكونغرس الأمريكي الذي إتهم بريطانيا صراحة بهذا الذنب.


⛔  وبينما كان الكونغرس في صراع مع المشكلة الجزائرية راحت صحف بوسطن وفيلادلفيا ونيويورك تخصص أعمدة طويلة لمناقشة الأزمة التي ظهرت نتيجة للهدنة الجزائرية البرتغالية، وقد وصف مقال كتبه النائب بيلي ممثل نيويورك الجزائريين بأنهم " كلاب بريطانيا المدللين !! " ، وجاء في رسالة لمراسل من لشبونة أن هدف بريطانيا الوحيد من عقد الهدنة هو "إطلاق هذه الكلاب الجهنمية علينا " !!.

وفي أوائل سنة 1794 قرر الكونغرس تعزيز المفاوضات الودية مع الجزائر بالقوة الحربية، ففي 2 جانفي من نفس العام أصدر الكونغرس قراراً يقضي بإنشاء قوة بحرية مسلحة لحماية السفن الأمريكية ضد السفن الجزائرية ، على أن هذا القرار لم يفز إلا بأغلبية صوتين إثنين ، وفي 10 مارس صدق مجلس النواب على مشروع القانون بأغلبية 11 صوت بعد مناقشات ماراطونية بين أنصار فكرة. تشكيل قوة حربية ومعارضيها .


⛔  يخول القسم الأول من القانون رئيس الولايات المتحدة الامريكية السلطة لتسليح أربع سفن تحمل كل واحدة منها 44 مدفعا ، وسفينتين تحمل كل واحدة منهما 36 مدفعا ، والقسم التاسع من القانون يحتوي على نص يقضي بأنه إذا توصلت الولايات المتحدة الامريكية إلى عقد معاهدة سلام مع الجزائر يجب وقف بناء هذا الأسطول الحربي.

وبعد التصديق على القانون مباشرة إتخذ الرئيس واشنطن الخطوات الضرورية وأمر ببناء ست سفن حربية في مختلف أحواض بناء السفن الأمريكية بعدما قدم جوشوا هامفري أحد كبار بنائي السفن الأمريكيين في فيلادلفيا تصميماته وقبلت.


المراجع: 

_  العلاقات الدبلوماسية بين دول المغرب والولايات المتحدة ،اسماعيل العربي

_ شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية، مولود قاسم نايث بلقاسم.

ليست هناك تعليقات