مقالة الحتمية واللاحتمية علامة كاملة بأذن الله
مقالة منقولة من استاذ خليل سعيداني
مقالة الحتمية واللاحتمية 💯 للشعب العلمية والتقنية والتسيير
هل الطبيعة تخضع لمبدأً الحتمية أم اللاحتمية؟ / هل نتائج العلوم التجريبية مطلقة أم نسبية؟
هل تعتبر قوانين العلم صارمة ؟
تحرير المقالة
طرح”المشكلة - مقدمة _يعد العلم في مفهوم الكثيرين هو الوصول إلى تفسير الظواهر الفيز؛
معرفة الأسّبّاب التي تتحكم في الظواهر والتعرف على كيفية حدوثهاء والملاحظ أن العلماء بعد دراستهم لهذه الظواهر
الطبيعية يصلون الى التسليم, بوجود عدة مبادئ يقوم عليها العلم ومن بين هذه المبادئ نجد مبدأ الحتمية حيث تقول قاعدته
العلمية أنه إذا تكرر نفش السببفإنه سيؤدي حتما إلى نفس النتائج وقد اصطلح العلماء على تسمية هذه القاعدة بمبدأ
الحتمية؛ إلا أن هذا المبّدأ.أثار خلافا وجدلا بين فلاسفة القرن التاسع عشر وفلاسفة القرن العشرين؛ حيث يرى أصحاب
الفيزياء الكلاسيكية أن الحتميّة مبدأ ثابت يحكم كل الظواهر الطبيعية ومن ثمة فنتائج العلم مطلقة وثابتة وليس فيها أدنى
شك؛ بينما يرى أصحاب الفيزياء المعاصرة أن الحتمية لا تسود جميع الظواهر وذلك بعد ظهور مجال جديد سمي باللاحتمية
مما يؤدي بنا إلى القول بان نتائج العلوم التجريبية أمتبّحت نسبية فأي الفريقين على صواب أو بمعنى أخر - هل يمكن
الاعتقاد بأن الظواهر الطبيعية تخضع لنظام حتمي ثاب ؟ أم أن هذا النظام نسبي وليس ثابت؟ وهل ما يصل إليه العلماء
تفسيرا صحيحاء أي
من قوانين يعتبر مطلقا أم نسبي؟
محاولة - حل المشكلة - عرض: الموقف الأول الأطروخة الأولئ؟ يرى علماء الفيزياء الكلاسيكية وفلاسفة القرن
التاسع عشر ومنهم نيوتن؛ كلود برنار؛ لابلاس؛ غوبلو؛ بوإنكازايه أن الحتمية مبدأ مطلق .فجميع ظواهر الكون سواء
الجامدة منها أو الحية تخضع لمبداً الحتمية ومن ثمة إمكائية التنبؤ بها والوصول بها إلى نتائج أكيدة لا تحتمل الشك.
حيث اعتبر نيوتن أن الكون حتمي وهذا ما قصده نيوتن في القاعدة الثانية من.كتابه أسس تقدم البحث العلمي والفلسفي
بقوله "يجب أن نعين قدر المستطاع لنفس الآثار الطبيعية نفس العلل" حيث كيه نيوتن الكون بالساعة في الدقة والآلية
وهو يعتقد أن تفسير الكون يخضع لمبادئ ذكر منها لكل فعل ردة فعل يساويه في الشدة ويعاكسه في الاتجاه؛ والتنبؤ
يستند الى القاعدة التالية "إذا علمنا موقع جسم وسرعته وطبيعة حركته أمكننا التنبؤ بمساره" وكمثال على ذلك نذكر ان
ارتفاع درجة حرارة الماء فوق 100 درجة يحدث تبخر الماء في الطبيعة
كما اعتبر بوانكاريه أن الحتمية مبدأً لا يمكن الاستغناء عنه في أي تفكير علمي أو غيره فهو يشبه إلى حد كبير البديهيات
الموجودة في الرياضيات؛ إذ يقول "إن العلم حتمي وذلك بالبداهة " أي أنه باستطاعة العقل الإحاطة بجميع ظواهر الكون
كالتعرف على مواقع الأجسام وطبيعة حركتها وبالتالي يصبح علمه أكيدًا ويقينيا مثال ذلك حساب حركة الكواكب وحتمية
مسارها في علم الفلك وحساب الأشهر والأيام والتنبؤ بالأرصاد الجوية وبالتالي فالحتمية مبدأ مطلق وهو يمكننا من التنبؤ
بما سيحدث في المستقبل
ثابت لا يقبل الشك أو الاحتمال وكمثال على ذلك نذكر أن التيار الكهربائي يؤدي الى انحراف الابرة المغناطيسية وبالتالي
فمبداً الحتمية هو أساس بناء أي قانون علمي ورفضه هو إلغاء للعقل وللعلم معا
وأيضثاً يذهب غوبلو إلى القول: "أن العالم متسق؛ تجري ظواهره على نظام ثابت وأن نظام العالم كلي وعام فلا يشذ
عنه ظاهرة " أي أنَ الظاهرة الكونية محكومة بعلاقة السببية والحتمية بحيث أنه إذا تكررت نفس الشروط فإنها تحدث
دوما نفتن آلْنْتجَ فلا مجال في الطبيعة لمبدأ الصدفة والعشوائية والاحتمال؛ مما يستلزم ان القوانين العلمية صادقة صدقا
مطلقا لان اليقين يسود جميع الظواهر الطبيعية بحيث تتكرر حوادث المستقبل بنفس الطريقة التي ستظهر بها في الحاضر
وهو ما يسمح لنا بالتنبؤ بها قبل وقوعها
ويضيف كلود برنار أن,الحتمية ليست خاصة بالعلوم الفيزيائية وحدها فقط بل هي سارية المفعول حتى على علوم الأحياء
مثال ذلك نذكر ما درسناه في المناعة أن دخول كائن غريب على الجسم يستدعي استجابة فورية من جهاز المناعة. لذلك
يقول "ان الحتمية مطلقة كَل فهي تنطبق على الاجسام الحية كما تنطبق على الاجسام الجامدة"
النقد والمناقشة نحن لا ننكر أن العلم يقوم على مبدأ الحتمية وهو أساس بناء أي قانون علمي ولكن مع اقتراب القرن
9 من نهايته اصطدم التفسير الخْتمّي ببعض الصعوبات لم يتمكن من إيجاد حل لها وذلك من خلال أبحاث قام بها علماء
الفيزياء المعاصرة على فيزياء الذرة مثلا قياس حركة الإلكترون: فتعامل الفيزيائيين في القرن العشرين مع الظواهر
المتناهية في الصغر أدى إلى اقتناعهم بفكرة الاحتمال. فما يضّدق على العالم الأكبر لا يصدق على العالم الأصغرء وأصبح
التنبؤ بوقت ومكان حدوث الظاهرة مازال في حكم المستحيل
الموقف الثاني: يرى علماء الفيزياء المعاصرة وفلاسفة القرن/العشبزّين ومنهم بلانك. ادينجتون؛ ديراك. هيزنبرغ أن مبدأ
الحتمية غير مطلق فهو لا يسود جميع الظواهر الطبيعية؛ أي أنه لا وجود لنظرية علمية ثابتة ومطلقة؛ وبالتالي فان
العلاقات بين الظواهر الطبيعية ليست دقيقة وصارمة؛ مما يستلزم أن ألقوانين العلمية نسبية واحتمالية
وقد توصل هيزنبرغ عام 1926 إلى أن قياس حركة وسرعة الإلكترون أمر صعب للغاية؛ واكتفى فقط بحسابه على شكل
احتمالات من بين هذه الاحتمالات ويبين ذلك هيزنبرغ بقوله أنني لو أردت النظر الى الكترونلأراه وأحدد موقعه سأنظر
اليه من خلال ميكروسكوب الكتروني؛ فيقوم المكروسكوب بتسليط شعاع جاما "الفوتونات" على الالكترون والفوتون
يشكل موجة والموجة تنتشر في الفضاء بشكل لا نهاءي فاذا اصطدمت الموجة بالإلكترون غيرت حركته وموقعه فنسلط
عليه موجة أخرى فيحدث له التغير مرى أخرى وهكذا اذ يقول "إن الضبط الحتمي لا يصخ في آلفيزياء الذرية «فهذه
الحقائق غيرت المفهوم الكلاسيكي حيث أصبح العلماء الفيزيائيون يتكلمون بلغة الاحتمال وعندئذ أصبحت الحتمية مجزد
فرضية ولم تعد مبدأ علمياء وأصبحت النتائج في العلوم التجريبية مجرد تقريبية لأنه لا وجود لحتمية مطلقة. وما ينطبق
على الالكترونات ينطبق على كل ظواهر العالم الأصغر.
وهذا ما ذهب إليه "جون كميني" في كتابه "الفيلسوف والعلم" بقوله "إن ما نطلق عليه اسم القوانين العلميق هو كنتقيح
بشكل تقريبي فقط أو خطأ في كثير من الأحيان" وهذا يعني ان الظواهر يعتريها التغير والتبدل وهو ما ينعكس على
كما عبر عن ذلك لابلاس بقوله " يجب علينا أن نعتبر الحالة الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة؛ وهي سبب في حالته
التي تأتي من بعد ذلك مباشرة" فالقانون العلمي هو إذن العلاقة الضرورية بين الظواهر الطبيعية؛ فالطبيعة تخضع لنظام
النتائج إضافة الى أن نتائج المنهج الاستقرائي المستخدم احتمالية وليست يقينية مما يعيق وجود حتمية مطلقة وثابتة
فالاستقراء يواجه مشكلة كبيرة تتعلق بدرجة اليقين والصدق الذي يقدمه لان صدق الجزء لا يعني بالضرورة صدق الكل
لقدا أدت الأبحاث التي قام بها علماء الفيزياء والكيمياء على الأجسام الدقيقة إلى ما يسمى بأزمة الفيزياء المعاصرة
والمقصود بهذه الأزمة؛ أن العلماء الذين درسوا العالم الأصغر أي الظواهر المتناهية في الصغر؛ توصلوا إلى أن هذه
الظواهر تخضع لللاحتمية وليس للحتمية ورأى ديراك "أن الدفاع عن مبدأ الحتمية بات مستحيلا"؛ ويقول ادينجتون "إن
الإيهان بوأجود قوانين صارمة في الطبيعة هو نتيجة للطابع الساذج الذي تتصف به معرفتنا للكون" وكل هؤلاء يرون
أن العالم المتناههي في الصغزّ خاضع لمبداً الإمكانية والحرية والاختيار. ومعنى هذا أنه لا يمكن التنبؤ بهذه الظواهر ونفس
الشيء حتى بالنسية لبغض ظواهر العالم الأكبر الماكر وفيزياء مثلا الزلازل.
النقد والمناقشة لا يمكتثا إتكار الحقائق التي وصلت إليها الفيزياء المعاصرة؛ لكن رغم أن النتائج والبحوث العلمية أثبتت
أن عالم الميكرو فيزياء يخضع لللاحتمية وحساب الاحتمال؛ فإن ذلك مرتبط بمستوى التقنية أي "الوسائل" المستعملة لحد
الآن. فقد تتطور الوسائل التقنية مستقبلا وعندئذ يصبح في الإمكان تحديد موقع وسرعة الجسيم في آن واحد. بالإضافة
الى أن نفي الحتمية تماما يؤدي الى الغاء دور العقل تماما ويوقع العلم من خلاله في ارتباك كبير
التركيب -+ ذهب بعض العلماء أصحاب الرأي المعتدل إلى القول بأن مبدأ الحتمية نسبي ولكنه يبقى قاعدة أساسية في
العلم؛ فالعلوم المعاصرة اليوم لجأت إلى الاعتماد على بدا الاحتمالات» خاصة بعد التطور الذي خضعت له الفيزياء
المعاصرة؛ لذلك نعتمد على هذا المبدأ في عالم الظواهر المتتاهية في الصغرء لأنها لا تقبل مبدأ الحتمية؛ لكن هذا لا يمنع
تطبيق هذا المبدأ في عالم الماكروفيزياء أو عالم الظواهر المتثايّة في الكبرء والواقع العلمي يثبت ذلك
لهذا اعتقد حسب رأيي الشخصي أن مبداً الحتمية مبدأ نسبي لكن لا يمكن الاستغناء عنه وفي هذا المعنى يقول
لانجفان "أن الفيزياء المعاصرة لا تهدم مبداً الحتمية و إنما كَهَدَمِ فكرة القواانين الصارمة الأكيدة أي تهدم المذهب
التقليدي"؛ أي أن مبدأ الحتمية له فائدة لأنه يقودنا إلى الصرامة وغلق باب الشك فهذه العناصر مضرة للعلم؛ وفي الجهة
المقابلة نجد مبدأ اللاحتمية يحثنا على الحذر والابتعاد عن الثقة المفرطة
حل المشكلة الخاتمة: يمكن القول في النهاية أن المعرفة العلمية وحدودها طرحت مشكلات كثيرة أهمها مشكلة الحتمية
واللاحتمية وهذه المشكلة ترتبط بموقفين متناقضين أحدهما يدافع عن القوانين المطلقة وفكرة التنبؤء والآخر يدافع عن
المفهوم النسبي والاحتمال في العلم, ومن خلال هذا الجدل الفلسفي الذي قمنا به نستنتج أن الظواهر الطبيعية تخضع لمبداً
الحتمية في الماكرو فيزياء واللاحتمية في الميكروفيزياء وذلك بحسب تقدم وسائل البحث العلمي ومناهجه وعليّه نقولأن
مبدأ الحتمية يبقى المبدأ الأساسي للعلم وان الايمان به واجب للوصول الى القوانين العلمية التي تحكم الظوا هر الطبيعية»
لكنه يبقى مبدأ نسبيا لأن هناك ظواهرا مازالت منفلتة منه وتخضع للاحتمية وعليه يمكن القول بان كلا من الحتمية
واللاحتمية يهدفان لتحقيق نتائج علمية وهما يمثلان روح الثورة العلمية المعاصرة.
التعليقات على الموضوع