الشيخ عبد الحميد بن باديس في كتابات

 في الذكرى 82 لوفاة الإمام عبد الحميد بن باديس تنشر كاملة في جريدة - عين الجزائر -الصادرة يوم الأحد 17 أفريل 2022 ،و قد تناولت الكتابات المنشورة على صفحات جريدة (الجزائر الجديدة 1946-1955) لسان حال الحزب الشيوعي الجزائري و موقف قيادييه من الشيخ ابن باديس كما تكشف عن مدى التقدير و الإحترام الذي كانت شخصية الإمام  تحظى بها  من طرفهم عند حلول مناسبة  ذكرى وفاته حسب ما نشرته الجريدة  من مقالات ..    

 في الذكرى 82 لوفاته :

الشيخ عبد الحميد بن باديس في كتابات

 جريدة ( الجزائر الجديدة )

بقلم : الأخضر رحموني 

يعد الشيخ عبد الحميد بن باديس ( 1889-1940) من الشخصيات الجزائرية التي أجمعت كل أطياف الشعب الجزائري على احترامها و تقديرها لمكانته العلمية المشهود بها ، و لجهوده المبذولة من أجل المحافظة على مقومات الشخصية الوطنية و إحياء النهضة الثقافية و الفكرية  بكل الوسائل المتاحة  أمامه ، كتأسيس المدارس و النوادي و المساجد ،و إنشاء الجرائد بالعربية ،و إلقاء الدروس و المحاضرات عبر تراب الوطن لمحاربة الإنحراف الديني و تصحيح العقيدة ،مع إرسال البعثات العلمية الى المشرق العربي ، بالإضافة الى مواقفه المعتدلة الثابتة و المعلنة إزاء القضايا المصيرية والدفاع عن  ثوابت الأمة الجزائرية و العربية و الإسلامية بل الانسانية قاطبة . لم يقتصر هذا التقدير والإحترام و الاحتفاء به في حياته فقط ، بل تجلى بقوة  بمختلف صور الوفاء و العرفان  بعد وفاته المفاجىء يوم 16 أفريل 1940 في مدينة قسنطينة ،حيث أصبحت جميع فئات المجتمع تحتفي به ،و تخلد اسمه في كل سنة  بمناسبة ذكرى وفاته من أجل إبراز فضائله و شمائله  ،وتعريف الأجيال بأعماله الجليلة .

و لم يقتصر هذا الاحتفاء على أبناء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين  داخل القطر الجزائري فقط ،بل تعداه الى خارجه ، و منها تونس الشقيقة حيث كان يحتفى به من طرف جمعية الطلبة الجزائريين التونسيين و علماء تونس.

 و إن المتصفح لدوريات و صحف  الفترة التي أعقبت وفاته مباشرة ،يكتشف دون عناء ما كتب حول مسيرته الرائدة من مقالات وخطب و شهادات ألقيت في المهرجانات الشعبية مع الأخبار التي وثقتها، و هذه المادة الأدبية المتنوعة و المتميزة بحاجة الى  الجمع و الطبع  في كتاب خاص، حتى نعرف أن الهدف المنشود  لدى الهيآت و الأحزاب السياسية الجزائرية في المرحلة الاستعمارية كان مشتركا . 

ابن باديس الرجل العظيم المتبصر :

و لم يبتعد الحزب الشيوعي الجزائري عن بقية الأحزاب  الجزائرية الأخرى في الاحتفال بذكرى وفاة الشيخ ابن باديس - رغم التبابن في الأفكار -، حيث كانت جريدة : (( الجزائر الجزائرية )) لسان حاله - و قد صدرعددها الأول في جويلية 1946 و توقفت بعد صدور عددها رقم 97 في سبتمبر 1955  - تدبج المقالات مع حلول  ذكرى وفاته  يوم : 16 أفريل  .و تعتز بالافتخار و التقارب الفكري مع هذه الشخصية الإصلاحية  ،لأن الحزب الشيوعي الجزائري كان من بين الأوائل الذين لبوا  دعوة الشيخ ابن باديس لتحضير المؤتمر الإسلامي الجزائري  المنعقد في سنة 1936، و  الذي جمع لأول مرة في تاريخ الكفاح الوطني جل المسلمين من مختلف الميولات السياسية ،و وضع الأسس الأولى للكفاح الموحد ضد العدو المشترك الإستعماري . و قد ساهم الحزب  بنشاط في نجاح المؤتمر و الترويج إلى أفكاره و أهدافه .

و بهذه المناسبة ،و لتوضيح الصورة أكثر ،فضلت التوقف عند مواقف هذا الحزب لإبراز العلاقة التي كانت تجمع بينهما ،ومدى  الإحترام و التقدير الذي يحتله في قلوب أعضاء الحزب و أسبابه معتمدا على ما نشر بأقلام  قيادييه  .  

 في الذكرى السابعة لوفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس  نشرت جريدة (( الجزائر الجديدة )) في صفحتها الأولى بالعدد رقم : 10 الصادر في شهر أفريل 1947 صورة كبيرة للعلامة ،و  تحتها كتبت الجملة التالية  ( تنشر جريدتنا صورته اعترافا بعظمة هذا الرجل المتبصر، و اقتداء بسياسته الجزائرية الحكيمة .)،و بقي هذا الموقف المحترم ملازما قيادات الحزب حتى بعد استقلال الجزائر ،و يعتزون بمقولة الشيخ عبد الحميد بن باديس التي قالها في حق حزبهم و هي ( إن الحزب الشيوعي الجزائري هو خميرة الشعب الجزائري ).  

* الرجل السياسي عند القيادي عمار أوزقان : 

و في نفس العدد  نشرت للأمين الوطني للحزب الشيوعي الجزائري السيد عمار أوزقان ( 1910-1981)  شهادته، قبل طرده من صفوف الحزب في ديسمبر 1947 بسبب تقربه من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و تهمته  بنشر فكرة القومية ،و هو المؤمن بالهوية الوطنية ،الشهادة حملت عنوان : ( الشيخ عبد الحميد بن باديس رمز إتحاد الجزائريين )  نقتطف منها  هذه العبارات : (  في 16 أفريل 1940 اختطفت يد المنون الرجل السياسي العظيم، و الديمقراطي الحر ،عبد الحميد بن باديس الذي حكمت عليه حكومة فيشي بالسجن في منزله .

لقد برهنت المعارك الأخيرة التي حصلت في المجلس الوطني الفرنسي على صحة  تاريخ بلادنا .و ستبقى ذكراه منقوشة على قلوبنا .

أظهر ابن باديس عداءه التام في كل مناسبة للكره العنصري ،و التفريق الجنسي ،و مما قاله : ( إن الشعب المسلم متشرب بالديمقراطية الإسلامية، و لا يمكنه أن يبيع الطريقة التي لا تعترف بالتقدم ،إلا بتسلط جنس على آخر ،و إن المبادىء الإسلامية مؤسسة على المساواة بين جميع الكائنات البشرية ) . 

*من زعماء الوطن عند المناضل طالب بوعلي :       

كما كتب السيد بوعلي طالب ( 1916- 1957 ) عضو الديوان السياسي للحزب ،و قد سقط شهيدا في ميدان الشرف بالولاية الرابعة التاريخية، بالعدد : 23 الصادر في ماي 1948 مقالا تحت عنوان : (  ذكرى وفاة البطل البصير الشيخ عبد الحميد بن باديس ) والذي اعتبر فيه أن اسم ابن باديس  سيبقى مسجلا بين أشهر أسماء زعماء الوطن ،الى جانب أسماء الأمير عبد القادر و الشيخ المقراني و الأمير خالد و المناضل بلقاسم بلقايم و غيرهم  من الأبطال ،الذين فضلوا الموت و النفي و العذاب على خيانة قضية الشعب الجزائري . ثم يضيف قائلا : ( كان مكافحا عنيدا في سبيل جزائر حرة و ديمقراطية. و كانت تسيطر على عمله فكرتان : الكفاح ضد العنصرية ،و الإتحاد بين جميع الجزائريين بصرف النظر عن الجنسية و الدين .كما يبين الحديث الذي سمح به لجريدتنا - الكفاح الاجتماعي - الصادرة  يوم 04 أفريل 1937 حيث قال ( لا يمكن أن يكون للإتحاد أساسا متينا إلا بشرطين ،أولا الإحترام المتبادل لأماني و لثقافة كل جنس قاطن بالجزائر، و المساواة في الحقوق و الواجبات ) .

ويعترف بأن الشيخ ابن باديس كان عدوا للعنصرية و الفاشية .و  يتأسف لأنه ( توفي دون أن يشاهد النهوض العظيم للشعور الوطني الذي يدفع بشعبنا الى رفض الخضوع للاستعمار) .مؤكدا على أنه ( لو بقي ابن باديس حيا الى يومنا هذا ، لشاهد حقيقة تعظيم الحزب له لأنه بطل بصير).

* موقف اللجنة المركزية للحزب :

و في الرسالة التي حملها أعضاء من اللجنة المركزية للحزب برئاسة كوش يونس ( 1918-1970 ) - المناضل الذي عرف العذاب في زنزانة جنين بورزق بعين الصفراء  و كان ممثلا لحزبه عند تأسيس الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية و احترامها في أوت 1951-  الى المؤتمر السنوي التاسع لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين المنعقد  في 22 شعبان 1365 الموافق ل22  جويلية 1946  بالجزائر العاصمة جاء فيها و قد نشرت بالعدد رقم 05 الصادر في أوت 1946 : ( إننا لا ننسى عملنا المشترك في المؤتمر الإسلامي الجزائري ،تلك الحركة الشعبية العظيمة التي كانت أول مظاهرة لنهضة الأمة الجزائرية في طريق التكوين ،و التي كان أبوها رئيس جمعيتكم ، ذلك الرجل الديمقراطي ، مقاوم الظلم و العنصريين ، إلا و هو المرحوم الأستاذ عبد الحميد بن باديس صديق الضعفاء و المضطهدين ) .

العالم الزعيم في منظور الأستاذ أحمد خطاب :

كما نشر الأستاذ أحمد خطاب بالعدد رقم : 55 الصادر في أفريل 1951 مقالا جاء فيه ( للرجل العظيم في هذا العالم حياتان : أولاهما تلك التي يطوي مراحلها فيما بين المهد و اللحد، و الثانية هي ما يخلفه من مآثر تتناقلها الأجيال ،و تنقش على صفائح القلوب ،و تحفظ بين دفتي التاريخ..ففي الماضي القريب و البعيد ،كان للجزائر رجال من هذا الطراز ..قائمتهم ليست بالقصيرة ..و مآثرهم ليست مجهولة ،حتى فيما وراء الجزائر ..و لكل أمة من الأمم أفراد من عظمائها يسيطرون بعظمتهم على سائر الميادين ،و يفرضون ذكرهم عند المناسبات .فأحد أصحاب  هذه العظمة المسيطرة في الجزائر هو المرحوم الشيخ عبد الحميد بن باديس - طيب الله ثراه -، ذلك الذي خلف من أعماله الجليلة صحائف لا تقوى الأيام، و لا  الإستعمار على محوها ،و ربط اسمه باسم الجزائر .

كان ابن باديس ذا يد في كل شأن من شؤون الحياة ،و كان له رأي سديد في كل قضية من قضايا الوطن ، و كان مشاركا مشاركة ذات أثر في قيادة الشعب الجزائري، و السير به نحو النور و الاستقلال .

و الخاصية التي تميزه عن بقية العلماء و الزعماء شغفه بالشعب، و التفاني في خدمته، مع الإعتماد عليه . كان يقول مخاطبا شعب الجزائر ( أيها الشعب إني أحبك بحذافيرك ).

فإن حق للجزائر - شعبا وأحزابا - أن تفتخر بابن باديس الولد الأبر ،وتباهي بإحياء ذكرى هذا الرجل الأعز، فإن الحياة الثانية لهذا  البطل العظيم و  العالم الزعيم سوف تمتد على تعاقب الأجيال، و تزهر على مر الأيام و الأحوال .) .

* المعلمون الأحرار يعترفون بفضل الشيخ ابن باديس :

و في الذكرى 12 لوفاته نشرت جريدة (( الجزائر الجديدة )) بالعدد رقم : 66 الصادر في ماي 1952  مقالا  بتوقيع - معلم حر - جاء فيه : ( في 16 أفريل 1940 فقدت الجزائر قائدا من قاداتها العظام، و بطلا من أبطال كفاحها الشجعان، و ابنا من أبنائها البررة المخلصين .

كان عبد الحميد - رحمه الله - على رأس كل طليعة من طلائع الكفاح المحاربة لأعداء الجزائر ، فكان قائد الكتيبة المحاربة للاستعمار و الجهل ،و كل عاقل يعلم أن الإستعمار و الجهل هما ألد أعداء الشعوب .فمن تلك الكتيبة التي قادها عبد الحميد تكون هؤلاء القواد العلماء المعلمين ..و هم المكونون لهذه المدارس التي يرجع الفضل الأكبر إليها في إحياء اللغة العربية .. لغة الأجداد في هذه الديار .

كان عبد الحميد في طليعة المحاربين للإستعمار الظالم البغيض، و الداعين للاتحاد في المؤتمر الإسلامي ،و كان لا يهاب الإستعمار رغم كونه في إبان غطرسته ،و بالأخص في الجزائر ،ففي ذلك الوقت خاطبه ابن باديس قائلا : 

من كان يبغي ذلنا 

فله المهانة و الحرب .

فعبد الحميد عمل في كل ميادين الكفاح للإتحاد بجد و إخلاص و نشاط.).

* من أعلام الكفاح و الإتحاد الوطني :

و في الذكرى 15 لوفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس نشرت الجريدة بالعدد رقم : 93 الصادر في أفريل 1955 كلمة بالمناسبة معتبرة إياه أحد أعلام الكفاح والإتحاد الوطني  حيث ( كان ابن باديس عالما دينيا جليلا ،و زعيما وطنيا نحريرا ،أدرك أهمية الكفاح الموحد على تراب الوطن فعمل على جمع كافة القوى و المنظمات الوطنية و الديمقراطية الجزائرية دون فرق في الكفاح ضد النظام الإستعماري ..كان ابن باديس أول عالم ديني و زعيم وطني في الجزائر ميز بين الشعب الفرنسي و المعمرين الفرنسيين بقوله للشعب الجزائري : * و ما أصدقاؤك إلا الذين ينصرون المظلوم ويقاومون الظلم و الإستعباد ، و ما أعداؤك إلا الذين وقفوا في طريق الحياة و التقدم منذ عرفتهم و عرفوك فسدوا عليك أبواب الرزق والعلم، وسلبوك الحرية و الثروة ،و استغلوك كما تستغل الحيوانات العجماء بل أشد و أشر...هكذا عاش و مات مكافحا بعدما سطر صفحة ناصعة في تاريخ شعبنا الجزائري، و حركته الوطنية الحديثة .) .

ليست هناك تعليقات