هل تحقيق التنمية الاقتصادية مرهون باحترام المبادرات الفردية ؟ مقالة جدلية


هل تحقيق التنمية الاقتصادية مرهون باحترام المبادرات الفردية ؟                              

المقدمة(طرح المشكلة): إن المتأمل لطرح ميشال فوكو القائل"أن البشرية لم تشتغل إلا تحت تهديد فكرة الموت جوعا " يجد أن الشغل وجد يوما من أجل البقاء .  لكن بتطور المجتمعات تطورت أبعاد الشغل أيضا . إذ أصبح  يحقق  أبعادا أخرى نجد منها البعد الاقتصادي الذي تجلى في نماذج التنظيم الاقتصادي . لكن المشكل ليس في هذا المجال بل في طبيعة النظام الذي يحقق الرقي للمجتمعات. هذا ما جعل البعض من الدارسين يؤكدون على أولوية الاقتصاد الحر والمتمثل في الرأسمالية ,  في حين أكد البعض الآخر  أن الملكية العامة لوسائل الإنتاج هي الأساس في ذلك . لذا هل من صواب بين الطرحين ؟و هل بلوغ  التمنية والتقدم يستدعي الاعتراف بالملكية الفردية؟ أم الملكية الجماعية ؟  هل احترام مكانة الفرد في الممارسة  كفيل بتحقيق الرقي الاقتصادي لدى المجتمعات ؟
  


التوسيع  : (محاولة حل المشكلة )
القضية:( تحقيق التنمية الاقتصادية مرهون باحترام المبادرات الفردية )
شرح و تحليل : يذهب أنصار النظام الرأسمالي للتأكيد على فكرة أساسية مضمونها أن تحقيق الرقي و تجاوز التخلف متوقف على اعتماد مبادئ الاقتصاد الحر , ما دامت تعبر عن الطبيعة الإنسانية المفطورة على الحرية و المنافسة . لأن قمع حرية الفرد يعني قمع روح المبادرة والإبداع .


البرهنة :
1 -  أسس آدم سميث فلسفته الاقتصادية على النظام الطبيعي ولاحظ واقعيا أن الدولة بتدخلها في الشأن الاقتصادي تقتل رغبة الإنسان في المنافسة والتطور متسببة في عرقلة التطور الاقتصادي لذلك تم التوقيع على مبادئ الاقتصاد الحر من اجل احترام الملكية الفردية لوسائل الإنتاج،  و تحقيق المنافسة الحرة . (دعه يعمل، أتركه يمر). ".  فالحرية عند أنصار الرأسمالية هي دين مقدس حيث أكدوا أن يسوع المسيح هو حرية التبادل و حرية التبادل هي يسوع المسيح .
2 -  أكد باستيا "القضاء على التنافس إلغاء للعقل والفكر والإنسان،فالرأسمالية نظام مستوحى من الطبيعة التي أقرت بالتفاوت بين الناس." و هذا يعني انه ينبغي عدم تدخل الدولة في الممارسة الاقتصادية لأنها بتدخلها تقضي على روح المنافسة .
3 – أكد  ساي:" أن أصول الاقتصاد السياسي كفيلة بسعادة الفرد و المجتمع لأنها طبيعية" أي  
هي تضع حرية و مصلحة  الفرد فوق كل الاعتبارات , و هو ما يتجلى من الاعتماد على قانون العرض والطلب في تنظيم حركة الأسعار والأجور.
4 – الواقع يثبت رقي الدول المطبقة لمبادئ الاقتصاد الحر , و في ذلك يقول الرئيس الامريكي السابق جورج بوش " إن من يقف ضد حرية التبادل فإنه يقف ضد الفقراء .
النقد: لكن النظام الرأسمالي يخلق الطبقية والاستغلال فهو يسلب حقوق العمال ويستعبدهم. كما يأكل فيه القوي الضعيف حيث لا وجود لشركات صغيرة بل الشركات الكبرى تسيطر من خلال الآلة، إضافة إلى ذلك فإن غياب الدولة قانونيا يخلق إقتصادا عشوائيا حيث تفسد الأخلاق التبادلية. فالعامل أصبح يشعر بالاستلاب والغربة في عمله إذ أصبح يعامل كوسيلة من وسائل الإنتاج، فالعامل ليس له أي حق في التملك وهو ما أشار إليه تايلور يقول: " أنت هنا لكي تعمل لا لكي تفكر فهناك من خلق ليتقاضى أجرا على ذلك ." ومن ذلك فإن الرأسمالية اهتمت بالفرد وأهملت الجماعة. إهتمت فقط بالقيم المادية و أهملت القيم الأخلاقية .
 استنتاج جزئي : تحقيق التنمية الاقتصادية مرهون باحترام المبادرات الفردية
نقيض القضية: لا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية في ظل  باحترام المبادرات الفردية
شرح و تحليل : يذهب أنصار الاقتصاد الموجه للتأكيد على فكرة أساسية مضمونها أن التناقضات التي وقعت التي وقعت فيها الرأسمالية( أغلبية عاملة فقيرة و أقلية مالكة غنية ) والاستلاب الذي كان يفرض على العامل لا يمكن أن يساهم في تحقيق الرقي , بل ينبغي اعتماد فكرة الملكية العامة لوسائل الإنتاج كبديل من اجل بلوغ العدالة الاجتماعية أولا ثم تجاوز التخلف .
البرهنة :
1 - أكد كارل ماركس أن الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج تسمح بتحقيق العدالة الاجتماعية وشعور الفرد بمكانته في المجتمع انطلاقا من إلغاء الفوارق الفردية و الطبقية التي كانت تفرضها الرأسمالية لصالح الطبقة المالكة على حساب الطبقة العاملة . في ذلك يقول كارل ماركس    " كلنا نعمل كلنا نتقاسم الأرباح "      
2 –  إن الاقتصاد الحر لا يحقق الرقي انطلاقا من أنه لم يخدم الطبقة البروليتارية ,  و هو ما كان سببا في قيام  الثورة البلشفية( 1917 )  . أكد ذلك  جوريس من خلال قوله  "الرأسمالي كالثعلب الحر في الخم الحر."ويقول أيضا:" الرأسمالية تحمل الحرب كما يحمل السحاب المطر" فهي  إستغلال  يقوم على سلب الحقوق،فقد يتقاضى العامل أجرا لا يتناسب مع الجهد الذي يبذله،ومن ينتج كل شيء لا يملك،ومن لا ينتج يملك كل شيء.
3 -  أشار توماس جيفرسون  أن الإشتراكية تقوم اقتصاديا على سيطرة العمال والتأمين للأراضي والبنك ومنع الاستثمار الفردي و تهتم بتحديد ساعات العمل  من أجل تحقيق العدالة ومحو الفوارق الفردية . رفضت الاشتراكية فكرة الإرث والملكية الخاصة لأنهما يخلان بالعدل الاجتماعي.
4 – إذا كانت الرأسمالية تحدد الأسعار حسب العرض و الطلب فإن الاشتراكية تطبق مبدأ توزيع السلع حسب الحاجة الاستهلاكية للأفراد " كل حسب قدرته، كل حسب حاجته " كما أن تدخل الدولة في توزيع الثروة والتخطيط للمؤسسات هو أساس تحقيق الرقي . هذه الأفكار وجدت كذلك عند فريدريك إنجلز في كتابه (الاشتراكية الطوباوبة والاشتراكية العلمية).
استنتاج جزئي : إذن لا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية في ظل  احترام المبادرات الفردية.   
النقد:
لكن الاشتراكية لا أسس لها فهي مجرد انتقاد للرأسمالية وإظهار لعيوبها فهذا النظام يدعو إلى الكسل وقمع المواهب الفردية مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج وشيوع الفوضى. كما أن مبدأ الملكية الجماعية مناف للطبيعة الإنسانية المفطورة على التملك (الأنا) زيادة على ذلك فإن الاشتراكية ساهمت في  ظهور أمراض اجتماعية (الخمول، الكسل، التواكل، الرشوة والفساد الإداري وانعدام روح المنافسة ) كما أن  العامل أصبح يعاني استغلال من نوع آخر وهو الاستغلال الشخصي.
التركيب:
 من خلال ما تقدم يتبين لنا فشل كل من الرأسمالية والاشتراكية في تحقيق العدالة لأن كلاهما  يفتقران لقاعدة قيم أخلاقية . هذه القاعدة نلمس وجودها في التخطيط الاقتصادي الإسلامي, حيث عمل على تمجيد الفرد والجماعة معا , اعترف للفرد بحقه في ثمرة عمله وبحق الجماعية في ثمرة عمل الفرد و هذا يحد من أنانية الفرد واستبداد الجماعة في آن واحد، فالإسلام يمزج بين الحياة المادية والروحية . إن فعالية النظام تكمل في أخلاقياته الخيرة التي قوامها مبادئ مطلقة تنظم التعامل الاقتصادي وتوجب التعامل والتراحم والتكافل الاجتماعي والعدل.الإسلام يدعو إلى الزكاة ويشجع على الإنفاق والاستثمار ويحرم الاكتناز لقوله تعالى: " والذين يكتنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم "، ويوجب العمل المنتج قوله تعالى:" إذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض". يقول الله تعالى: " وقل اعملوا فسيرى الله عمله ورسوله والمؤمنون " . " وأحل الله البيع وحرم الربا ".


الخاتمة : ( حل المشكلة ) ختام القول يمكن التأكيد انه لا يمكن تحقيق الرقي و التنمية الاقتصادية في ظل اعتماد مبادئ الاقتصاد الحر رغم أن الواقع يثبت أن المجتمعات الرأسمالية تعرف ازدهارا مهما  خاصة بعد  فشل الاشتراكية . لأنه لا يمكن فهم الرقي فقط من الناحية المادية بل كذلك من الناحية الروحية و هو ما عجزت عن تحقيقه الرأسمالية و يمكن أن نلمس وجوده في مبادئ التخطيط الاقتصادي في الإسلام . ( إهتم بالفرد و الجماعة معا  من الناحية المادية و المعنوية في آن واحد ) .


       لمزيد من مقالات اضغط هنا  اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا

ليست هناك تعليقات