هل يصح القول أنه لكل سؤال جوابا؟ مقالة جدلية


ملاحظة: اعتماد نموذج الجدل من أجل التعامل مع الموضوع، لأنه طرح في سياق استفهامي يقبل حلين أو أكثر.  يعالج أطروحة بعنوان: " يصح القول أنه لكل سؤال جوبا"، وللأطروحة نقيض بعنوان: "لا جواب لأي سؤال".
I-المقدمة (طرح المشكلة)
 الفلسفة خطاب عقلي غايته الوصول إلى الحقيقة ووسيلتها في ذلك هو طرح جملة من التساؤلات. والسؤال هو الطلب، المطلب أو الموضوع الذي يقتضي جوابا. لكن المشكل ليس في ضبط المفاهيم، بل في تحديد مدى قدرة الإنسانية على تقديم الأجوبة للأسئلة التي تراودها. وهذا ما شكل محور النقاش لدى الكثير من الدارسين، إذ أكد البعض منهم أن كل سؤال له حل نهائي،  في حين أكد البعض الآخر أن كل سؤال هو إشكالية لا تقبل جوابا مطلقا، لأن التأمل في حجم الإنسان مقارنة بالوجود يفضي بالاقتناع أنه لا يساوي شيئا مقارنة بحجم الكون، ومن غير المعقول أن يحيط لاشيء بكل شيء. لذا فهل من صواب بين الطرحين؟ وهل يصح القول أنه لكل سؤال جوابا، أم أنه لا جواب لأي سؤال ؟


التوسيع (محاولة حل المشكلة)
                               1 -  القضية: يصح القول أنه لكل سؤال جوابا.
شرح و تحليل :
  أكد أنصار هذا الطرح أنه لكل سؤال جوابا، انطلاقا من أن العقل الإنساني يمتلك مبادئ فطرية أهلته لفهم كل أسرار الوجود. فالإقرار بأنه لا جواب لأي سؤال، هو تجاهل للنتائج والأجوبة التي حققها البحث الإنساني.
البرهنة :
 أكد السوفسطائيون أن الإنسان يمتلك القدرة على الإجابة عن كل الأسئلة، وهو ما يتجلى من خلال قول بروتاغوراس القائل:" أن الإنسان هو مقياس الأشياء جميعا." وهو ما أكده كارل ماركس في الفكر الحديث، لأنه قال:" إن الإنسانية لا تطرح إلا الأسئلة التي تستطيع الإجابة عنها". والواقع يثبت ذلك، لأن القوانين العلمية هي أجوبة لأسئلة فرضتها الطبيعة.
الأسئلة أصناف، فمنها المبتذلة التي تدخل في نطاق المألوف، فلا تحتاج إلى جهد فكري من أجل الإجابة عنها (ما اسمك ؟ كم عمرك ؟). منها أيضا المكتسبات العلمية التي تقتضي فقط العودة إلى الخبرات العلمية السابقة من أجل حلها (لماذا يتبخر الماء؟).  نجد صنف الوضعيات العملية التي تضع الإنسان في مواقف ترغمه على إعمال الفكر للخروج بحل براغماتي، نجد صنف الأسئلة الانفعالية التي تتميز بالصعوبة، لكن العودة إلى المراجع الدينية تسمح بالإجابة عنها.
    استنتاج جزئي: إذن بإمكان الإنسانية أن تجيب عن كل الأسئلة التي تراودها.
النقد : لكن وعلى الرغم من أهمية طرح هؤلاء، إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، لأنه توجد الكثير من الأسئلة التي طرحت يوما ولازال الفكر يبحث عن حلها، إن الإنسان هو كائن نسبي ومن المستحيل أن يقدم حلا مطلقا لكل القضايا، عقله قاصر على فهم حتى أسرار الذات، فكيف له أن يفهم أسرار الوجود؟. كل هذا يعني أنه للقضية تفسيرا آخر.
                              2 - نقيض القضية:  ليس لكل سؤال جوابا.
شرح وتحليل :
أكد أنصار هذا الطرح أنه لا يصح القول بأنه لكل سؤال جوابا، انطلاقا من أن السؤال هو محرك البحث والبحث لا يتوقف. فلا يمكن للإنسان أن يجيب عن كل القضايا التي يتعامل معها، خاصة وأنه توجد العديد من الأسئلة التي بقي جوابها مؤجل إلى حين.
البرهنة:
 البحث الإنساني متجدد ولا يقبل حلولا نهائية، لأن الاقتناع بالجواب هو محطم لروح البحث. وهذا ما جعل سقراط يطرح فن التوليد والتهكم، يطرح رسالة وجد في محتواها فقط علامة الاستفهام، وذلك يعد تقديسا منه للسؤال والدهشة التي تعد محركا للبحث، يعد اقتناعا بالعجز على تقديم الأجوبة لكل الأسئلة، إذ يقول: " الشيء الوحيد الذي أعرفه، هو أنني لا أعرف شيئا." نفس الرؤية وجدت عند آلان جيرانفيل، لأنه قال:" إنّ الإنسان الذي يُطرح عليه السّؤال الفلسفي، هو ذلك الذي يعتقد بأنّه يمتلك المعرفة، والسّؤال الفلسفي يحطّم هذا الاعتقاد".
توجد الكثير من القضايا التي تصنف ضمن نطاق الإشكالية والتي لا تقبل حلا نهائيا، بل تقبل الإثبات أو النفي، كما يمكن أن تقبل الإثبات والنفي في آن واحد. والواقع يثبت أن الفكر لا زال يبحث في إشكالية الحرية أوفكرة القضاء والقدر دون الوصول إلى حل نهائي.  وهذا ما جعل  إدغار موران  يقول:" المعرفة هي صراع ضد المجهول الذي يعاود الظهور، لأن كل حل لمشكلة أو مسألة ينتج عنه مسألة جديدة". والواقع يثبت أنه توجد قضايا مغلقة لا تقبل حلا نهائيا مثل: (هل النهائي يحتضن اللانهائي؟ )، كما توجد مسائل غيبية لا يعلمها إلا الخالق مثل: (الروح )لأنه تعالى قال: (( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، وما أوتيت من العلم إلا قليلا )).
الإنسان عاجز على تقديم أجوبة تامة لكل الأسئلة التي تراوده، لأنه كائن نسبي ومن المستحيل أن يحقق المطلق، وهذا ما جعل الكثير من الدارسين يقتنعون بقيمة السؤال عل حساب الجواب، خاصة وأنه أصلا ليس مطلقا، إذ يقول كارل ياسبيرس " تكمن قيمة الفلسفة في الأسئلة التي تطرحها وليس في الأجوبة التي تقدمها، وكل جواب ينبغي أن يتحول إلى سؤال ."
                  استنتاج جزئي: إذن لا جواب لأي سؤال.
النقد : لكن وعلى الرغم من أهمية طرح هؤلاء، إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، لأن الإنسانية تمكنت من الإجابة عن كثير من التساؤلات. لا يمكن تقديس السؤال، لأن التساؤل دون إجابات هو بحث في حلقة مغلقة. لا يمكن إهمال قيمة الجواب، لأنه ثمرة الاجتهاد. كل هذا يعني أنه للقضية تفسيرا آخر.
                                            3 - التركيب:
 وكتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد أنه ليس كل الأسئلة بسيطة، وليست كلها إشكاليات مغلقة، بل توجد بعض الأسئلة تقبل حلا، وبعضها لا تقبل جوابا نهائيا نظرا لصعوبتها. فالإنسان يمتلك عقلا ومبادئ أهلته لفهم جزء من الوجود، لكن  القضايا الغيبية والأسرار المفارقة لقدرته تبقى ملك للخالق الذي يخفيها عن العباد، وفي الإخفاء أسرار كذلك.
III - الخاتمة:(حل المشكلة)
ختام القول يمكن التأكيد أنه ليس لكل سؤال جوابا، لأنه توجد الكثير من الإشكاليات والقضايا التي لازالت الإنسانية تبحث عن حلها، لكن هذا لا يعد نفيا لقدرة الفكر على الإجابة عن بعض الأسئلة التي تصنف ضمن المبتذل، المكتسب العلمي، الوضعية العملية أو حتى بعض الأسئلة الانفعالية. هذه الرؤية تتماشى مع قول أبو نواس القائل: قل لمن يدعي في العلم فلسفة، علمت شيئا وغابت عنك أشياء.

اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا                                 

هناك تعليق واحد:

  1. – مقالة المقارنة بين الدهشة و الإحراج في السؤال الفلسفي :

    أ – طرح المشكلة : إذا كان فعل التفلسف لا يستقيم إلا بوجود سؤال يحركه ، وكان السؤال الفلسفي أصناف تارة يطرح مشكلة وتكون الدهشة مصدره ، وتارة أخرى يطرح إشكالية فيكون الإحراج مصدره ، فإنا هذا يدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة العلاقة بينهما ؟ أهي علاقة اختلاف أم علاقة تكامل ؟
    ب – محاولة حل المشكلة :
    1 – نقاط التشابه :
    • كلاهما يرتبطان بالسؤال الفلسفي
    • كلاهما يتعلقان بالإنسان العاقل الراغب في التعليم و المعرفة
    • كلاهما يصدران مواضيع تهز في طرحها أعماق الإنسان النفسية و المنطقية و الاجتماعية .
    • كلاهما لحظة شخصية و نفسية يعانيه الشخص بدمه ولحمه .
    • كلاهما يعبر عن معاناة التفكير الفلسفي .
    2 – نقاط الاختلاف :
    بالرغم من وجود نقاط اتفاق بينهما إلا أن ذلك لا يعطيهما نفس التصور لأنه توجد بينهما أيضا نقاط الاختلاف ففي حين نجد الدهشة تصدر عن السؤال الفلسفي الذي يطرح مشكلة ، فإن الإحراج يصدر عن السؤال الفلسفي الذي يطرح إشكالية و بالتالي فالفرق بينهما فرق في درجة تأثير كل منهما في نفسية و عقلية السائل .
    3 – طبيعة العلاقة بينهما : بالرغم من أن نقاط الاتفاق الموجودة بينهما أكثر من نقاط الاختلاف إلا أن ذلك لا يعطيهما نفس الوظيفة بالنسبة للسؤال الفلسفي ذلك أن الفرق بينهما يتحدد من خلال ما تخلفه كل من المشكلة و الإشكالية من إثارة واضطراب في الإنسان فكلما كان الاضطراب قليلا في السؤال الفلسفي أثار دهشة وتسمى بالمشكلة وكلما زادت هذه الإثارة تعقيدا تحولت إلى إحراج و أصبحت إشكالية . ومما أن العلاقة بين المشكلة و الإشكالية هي علاقة المجموعة بعناصرها .
    ج – حل المشكلة : نستنتج مما سبق أن العلاقة بين الدهشة و الإحراج تتبع بين المشكلة و الإشكالية في السؤال الفلسفي و ما دامت العلاقة بينهما هي علاقة المجموعة بعناصرها ، فإن طبيعة العلاقة بين الدهشة و الإحراج هي علاقة التكامل وظيفي .

    ردحذف