مقالة جدلية مختصر هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي في دراسة المادة الحية ؟


الموضوع : قيل: "يستحيل التجريب على مستوى الظواهر الحية" حلل وناقش.     

اسئلة  مشابهة يمكن ايجادها في بعض مواضيع :

هل التجريب على الكائن الحي ممكن أم مستحيل؟


هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية

هل يمكن اخضاع المادة الحية للمنهج التجريبي على غرار المادة الجامدة ؟ هل يمكن إخضاع المادة الحية للتجريب مثل إخضاعنا المادة الجامدة؟
إلى أي مدى يمكن تطبيق المنهج التجريبي في البيولوجيا ؟

هل يمكن إخضاع المادة الحية للتجريب؟


I - المقدمة(طرح المشكلة)المادة الحية تعد موضوعا للدراسات البيولوجية، كونها تنفرد بعنصر الحياة، وبجملة الوظائف الحيوية المتمثلة في النمو التغذية والتكاثر. لكن إذا كان اتفاق الدارسين واردا حول ضبط المفهوم، فإن اختلافهم قد سجل حول إمكانية التجريب على مستواها، بنفس الكيفية التي تمت على مستوى الظواهر الفيزيائية، إذ أكد البعض منهم على استحالة ذلك، في حين أكد البعض الآخر أنها تخضع لقوانين حتمية صارمة. لذا فهل من صواب بين الطرحين؟ وهل الدراسة العلمية في المادة الحية أمر متعذر ومستحيل؟ أم أنه يمكن تجاوز كل العوائق التي تفرضها، ومن ذلك النجاح في التجريب على مستواها؟


II – التوسيع (محاولة حل المشكلة)

– الأطروحة: (يستحيل التجريب على مستوى الظواهر الحية).

شرح وتحليل: يذهب أنصار هذا الطرح، للتأكيد أنه من المستحيل التجريب على مستوى المادة الحية بنفس الكيفية التي تمت على المادة الجامدة، انطلاقا من الاختلاف المسجل بينهما، أكدوا على ضرورة اعتماد التفسير الغائي كبديل عن التفسير الحتمي، وذلك بعد الاقتناع بأن بنيتها المعقدة جعلتها تفرض جملة من العوائق التي يستحيل تجاوزها



البرهنة: لا يمكن التجريب على مستوى المادة الحية، لأنها ظاهرة معقدة تحتوي على تداخل عناصرها، والتي لا تقبل التجزئة، على خلاف الظواهر الفيزيائية التي يمكن تفكيكها دون أن تغير طبيعتها. أي أن محاولة عزل أي عضو من أعضاء الكائن الحي تعني قتله، "صعوبة العزل" لذا يقول  المفكر الفرنسي جورج كوفيي: "إن سائر أجزاء الجسم الحي متداخلة فيما بينها، والرغبة في فصل جزء عن البنية الكلية تعني نقله إلى نظام الذوات الميتة ".   الحتمية تعد من بديهيات العلم، لكن لا يمكن أن تتحقق في الدراسات البيولوجية، لأن المادة الحية تقدم استجابات مخالفة للتوقع، ولا يمكن التنبؤ على مستواها، والواقع يثبت أن الحشرات قد تتأثر بالمبيد، لكن عند تكرار نفس التجربة، فإنها تكون قد اكتسبت مناعة مضادة، أو حقن فأر بمنشط يؤدي إلى تنشيطه، لكن تكرار التجربة قد يؤدي إلى قتله. لذا يقول  المفكر الفرنسي هنري برغسون: "مع الظواهر الحية ظهرت المظاهر الفجائية التي لا يمكن التنبؤ بها".  المادة الحية لا يمكن التجريب على مستواها بدقة، لأنها لا تقبل التصنيف، بل وتوجد بعضها تسجل ضمن تصنيفين، فمثلا الخفاش هو طير وفي الوقت ذاته ينتمي إلى الثذييات، ولو عالجناه من زاوية الطير سوف يبقى جزءا من حياته مجهولا. لذا يقول ليبنتز: "الكائن الحي فرد فريد لا يمكن تصنيفه ولا تكراره ". كل هذا كان سببا في اعتماد التفسير الغائي كنموذج في الدراسة، يراعي الخصوصية التي تنفرد بها المادة الحية. لأنه يجيب عن السؤال لماذا؟ كبديل عن السؤال كيف؟

النقد: إن التطور قد سمح بتجاوز العوائق التي كانت تفرضها المادة الحية يوما، فجعل ما كان مستحيلا ممكنا. إن التفسير الغائي لا يعد تفسيرا علميا، بل يبقى تصورا فلسفيا، وهو ما جعل كلود برنارد ينتقده قائلا:  "إن التفسير الغائي عقيم شبيه بتلك العذراء التي تقدم نفسها قربانا للآلهة ".

2  - نقيض الأطروحة: (يمكن التجريب على مستوى الظواهر الحية)

شرح وتحليل: يذهب أنصار التفسير الحتمي الآلي، للتأكيد أن الظاهرة الحية هي نفسها الظاهرة الفيزيائية إنما أكثر تعقيدا ليس إلا، وتعقيدها لا يؤثر على دراستها، بل هي أيضا تخضع لقوانين الكون الثابتة. أكدوا أنه لا يمكن اعتماد أي تفسير كبديل كونه سوف يجعلها مجهولة، في ظل التطور الذي سمح بتجاوز العوائق التي كانت تفرضها يوما.


البرهنة: يمكن التجريب على مستوى المادة الحية، لأنها تعد جزءا من الكون، والذي يخضع لقوانين ثابتة، ومن ذلك فإن ما يصدق على الكل يصدق أيضا على الجزء. لأنها حتى وإن بدت معقدة، فإنها لا تختلف عن المادة الجامدة، وهو ما توصل إليه الطبيب الفرنسي كلود برنارد ،حيث يقول: "إن المادة الحية هي نفسها المادة الجامدة، إنما أكتر تعقيدا ليس إلا". هذا التشابه أكده هيزنبرغ بقوله: "إن التفاعلات الموجودة في الطبيعة، ما هي إلا تلك التفاعلات التي تحدث على مستوى الجسم الحي".
 يمكن التجريب على مستوى المادة الحية، لأن عملية زرع الأعضاء، التهجين والعمليات الجراحية الناجحة تعد إثباتا لتجاوز العلم للعوائق التي كانت تفرضها يوما. وهذا ما دفع فرانسوا جاكوب إلى القول: "إن المادة الحية تخضع للتفسير الحتمي الآلي"، أي أن الكائنات الحية هي آلات تحكمها نفس القوانين التي تحكم بقية الظواهر الطبيعية. فالبيولوجيا تعد علما، لأنها حققت التجريب، التعميم، الحتمية والتنبؤ. حققت القدرة على ملاحظة عمل القلب مفصولا عن الجسم دون تأثر الوحدة العضوية للكائن الحي. كذلك طبق لويس باستور قواعد الاستقراء في التعامل مع الظواهر الحية "التلازم في الحضور"، إذ حطم فكرة التوالد الذاتي وأثبت أن تواجد الجراثيم في الجسم ناتج عن استنشاقها من الهواء. وقد أثبت الواقع إمكانية التنبؤ على مستوى الظواهر الحية، لأن حقن فأر بمضاد سم، يتيح ضرورة امتلاكه مناعة في حالة تعرضه لتسمم مستقبلا، أي إمكانية التنبؤ بعدم موته في حالة تعرضه لهذا النوع من التسمم. 



اقرا ايضا :   مقالة مختصرة هل تقدم العلم يعد حجة ضد الفلسفة ؟                                                     
النقد: لكن هؤلاء لم يحسنوا احترام بنية المادة الحية والتي يعد الإنسان جزءا منها. لا يمكن اعتبار الكائن الحي مجرد آلة ميكانيكية شبيهة بالمادة الجامدة، لأنه لو كان الأمر كذلك لأمكن الجمع بينهما في اسم واحد. لا يمكن التنبؤ على مستوى الظواهر الحية، لأنها تحتوي على تدخل جوانب غيبية في تركيبها.

3 - التركيب: وكتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد أن المادة الحية ليست معقدة لدرجة استحالة التعامل معها، كما أنها ليست بسيطة لدرجة النظر إليها على أنها جامدة، بل هي ظواهر تنفرد بخصوصيات جعلتها تفرض جملة من العوائق، والتي تجاوز العلم بعضها، وبقي بعضها الآخر مؤجل إلى حين. أي يمكن النظر إليها كما لو كانت ضمن معلم متعامد ومتجانس، فتعالج ضمن نطاقين، الأول حتمي، والثاني غائي، وكلاهما يلتقيان في نقطة اسمها التفسير النسبي، وهذا ما يثبت أن البيولوجيا تعد علما في بداية الطريق.

III - الخاتمة (حل المشكلة)  ختام القول يمكن التأكيد أنه يمكن التجريب على مستوى المادة الحية بصفة نسبية، لأنها تحتوي جوانب غيبية من المستحيل على العلم أن يفهمها. هي ظواهر معقدة تفرض جملة من العوائق الإبستمولوجية التي قد تجاوز العلم فقط البعض منها. وهذا ما يثبت أن البيولوجيا تعد علما، لكن لم ترقي إلى مرتبة العلم الحقيقي الذي بلغته الفيزياء أو الكيمياء.




        لمزيد من مقالات اضغط هنا  اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا                                                          


هناك 3 تعليقات: