مقالة جدلية هل انطباق الفكر مع ذاته يعد كافيا لضمان الوفاق لدى جميع العقول ؟



الموضوع : هل انطباق الفكر مع ذاته يعد كافيا لضمان الوفاق لدى جميع العقول ؟
I - المقدمــة (طرح المشكلة) يعد المنطق الصوري من أولى إبداعات الفكر الإنساني، ويتمثل في جملة المبادئ، القوانين وأساليب البرهنة التي طرحت من طرف المعلم الأول، (أرسطو) قصد التأسيس للتفكير السليم، وضمان انطباق الفكر مع ذاته ومواجهة، الأقيسة الفاسدة التي كان يفرضها الفكر السوفسطائي. لكن إذا كان اتفاق الدارسين واردا حول ضبط المفهوم، فإن اختلافهم قد سجل حول تحديد قيمة الأورغنون، إذ أكد البعض منهم أنه الآلة الضرورية لكل العلوم، ويمكن اعتماده في كل بحث أنساني، في حين أكد البعض الآخر أنه بحث صوري ولا يتماشى مع الواقع المتغير، زمن ذلك فهو لا يخدم الفكر الإنساني الذي أصبح يعتمد نماذج أخرى من المنطق. لذا فهل من صواب بين الطرحين؟ وهل المنطق الأرسطي عقيم أم منتج؟ وهل يعد القياس منطلقا للصواب كونه الأسلوب البرهاني المعتمد في الأورغنون؟ أم أنه مجرد تحصيل حاصل لما وجد في المقدمات؟ بل هل انطباق الفكر مع ذاته يعد كافيا لضمان الوفاق لدى جميع العقول؟ أم أنه قد يحصل ذلك ولا تتفق ؟   


             
II - التوسيـع ( محاولة حل المشكلة)                                                                 
1 - القضية: انطباق الفكر مع ذاته يعد كافيا لضمان الوفاق لدى جميع العقول -  المنطق الصوري منتج- .
شرح وتحليل يذهب أنصار المنطق الصوري للتأكيد على قضية أساسية مضمونها، أن الأورغنون هو الآلة الضرورية لكل العلوم، وأن انطباق الفكر مع ذاته يعد كافيا لضمان الوفاق لدى جميع العقول، انطلاقا من أن أرسطو وظف مبادئ العقل الفطرية والتي تعد أعدل قسمة بين الناس، أكدوا أنه لا يمكن رفض قيمة المنطق كونه يعد مقياسا للصواب وهو القاعدة التي مهدت لظهور العلم.



    البرهنة:إن انطباق الفكر مع ذاته يعد كافيا لضمان الوفاق لدى جميع العقول، لأن المنطق اعتمد مبادئ فطرية متوفرة لدى كل إنسان ولا يمكن الشك في يقينها، لأن الشك فيها هو شك في الفطرة السليمة (مبدأ الهوية، مبدأ عدم التناقض، الثالث المرفوع، السبب الكافي) هذه المبادئ جعلت من المنطق مقياسا للصواب إذ يقول أبو حامد الغزالي: "من لم يعتمد مبادئ المنطق، فلا يوثق في علمه." كما قال أرسطو: " الأورغنون هو الآلة الضرورية التي تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ."
الأورغنون منتج، لأنه يوظف جملة القوانين التي تسمح بتحقيق الدقة في تحديد الحدود والقضايا، تسمح بالتمييز بين التعريف المنطقي الصحيح والتعريف الخاطئ ، هذا ما أكده الفرابي في كتابه إحصاء العلوم إذ قال: " فصناعة المنطق تعطي بالجملة القوانين التي من شأنها  أن تُقَوِّمَ العقل وتسدد الإنسان نحو طريق الصواب ونحو الحق". نفس الرؤية قدمها المفكر اللاهوتي توماس الإكويني إذ أشار أن المنطق هو الفن الذي يسمح للعقل أن يَقُومَ بعمليات استدلالية خالية من الخطأ .
المنطق الصوري منتج، لأنه ساهم في التأسيس للعلم، خاصة وأن الرياضيات والتي تعد لغة لكل العلوم هي ترتد إلى منطلقات منطقية، وهو ما أكده ابن سينا في قوله: "إن المنطق خادم العلوم".
المنطق اعتمد القياس من أجل البرهنة على صدق القضايا، وهذا ما يجعله منتجا، وقيمة القياس تتجلى من خلال اعتماده في علم أصول الفقه من أجل استخلاص الأحكام. هذا ما جعل أخوان الصفا يؤكدون قيمة الاورغنون بالقول أنه:" إذا كانت الفلسفة هي أشرف إبداع إنساني بعد النبوة، وكان المنطق هو أداة الفيلسوف، فإن المنطق هو أشرف أداة "
استنتاج جزئي: المنطق الصوري منتج.

اقرا ايضا:مقالة مقارنة ميز بين الاورغنون و اللوجستيك


 النقد: على الرغم من أهمية طرح هؤلاء إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، لأنه إذا كان المنطق يحتوي على كل هذه المزايا، فمن الضروري أن يتم اعتماده كمعيار أوحد للصدق، إلا أن الواقع أثبت ظهور أنواع أخرى من المنطق ( الرياضي، المادي، الجدلي ) . المنطق لا يعد منطلقا للعلوم كونها تختلف في طبيعتها عن الأورغنون، وهذا ما يعني أنها لا ترتد إلى منطلقات منطقية، المنطق هو فكر صوري، بينما الإنسان الحديث أصبح يبحث عن الملموس لمسايرة الواقع المتغير. كل هذا يعني أنه للقضية تفسيرا آخر.
   2 - نقيض القضية:انطباق الفكر مع ذاته غير كاف لضمان الوفاق مع جميع العقول - المنطق  عقيم.
شرح وتحليل: توصل كل من أنصار اللوجستيك، الديالكتيك والأورغنون الجديد أنه قد ينطبق الفكر مع ذاته ولا تتفق العقول، انطلاقا من أن أرسطو طبق مفاهيم صورية لا تتماشى مع الواقع . فالأورغنون ليس منتجا، ولا يعد منطلقا للعلم كونه عالج قضايا ميتافيزيقية، ووظف لغة عادية، مبادئ قابلة للنقد وقياس لم يقدم نتائج جديدة .
 البرهنة: المنطق الصوري عقيم، لأنه مقيد بجملة من الأوهام التي ارتبطت بالمجتمع اليوناني والتي حددها فرانسيس بيكون في مشروع الأورغنون الجديد وهي ( أوهام الكهف، الفن، السوق والقبيلة) هذا ما منع الأورغنون من أن يكون متماشيا مع الواقع، منعه من أن يؤسس للموضوعية العلمية التي تقتضي التجديد المنهجي، لذا طرح فرانسيس بيكون خطوات المنهج التجريبي من أجل تجاوز ذلك والتأسيس لانطباق الفكر مع الواقع و العلم.
المنطق الصوري عقيم، لأنه طبق القياس من أجل البرهنة على صدق القضايا، والقياس في اعتقاد فرانسيس بيكون هو مجرد تحصيل حاصل لما وجد في المقدمات، أو مصادرة على المطلوب، هذا ما جعله يعتمد الاستقراء التجرييبي كبديل الذي ينطلق من استقراء الوقائع في جزئياتها، حيث اعتمد بيكون الاستقراء كمرشد للعلوم والقادر على الوصول إلى نتائج يقينية، بعكس أرسطو الذي حط من قيمته وأعلى من قيمة الاستنتاج الذي جعل المنطق صوريا لا يتماشى ومتطلبات العلم
 إن السبب الأخر في عقم المنطق هو اعتماده على ألفاظ اللغة العادية، لأن الواقع يؤكد أن الرياضيات أصبحت لغة لكل العلوم وعنوانا للدقة والرُّقِي لما استقلت عن الفلسفة واعتمدت لغة الرموز، وهو ما أشار إليه محمد ثابت الفندي في كتابه "أصول المنطق الرياضي إذ يقول: " المنطق التقليدي ظل بحثا فلسفيا بالدرجة الأولى، لأنه لم يصطنع لنفسه لغة علمية كالشأن بالنسبة للرياضيات. " كما أشار بول فاليري أنه: "ليس للمنطق إلا مزايا جد متواضعة حينما يستخدم اللغة العادية". ويؤكد "مويي" أن لغة المنطق غير دقيقة أي مبهمة، أما العلم يتكلم لغة في غاية الدقة.
الأورغنون لا يعد مقياسا للصواب، لأنه وظف مبادئ حطمها التطور، إذ توصل فريدريك هيجل في مشروع المنطق الجدلي أنه يوجد وسط بين النقيضين، وهو بذلك قد حطم مبدأ الثالث المرفوع الذي كان يعد في المنطق الصوري من المبادئ اليقينية التي لا تقبل النقد. فأصبح الثالث موضوعا والمتناقضات تجمتع في صيرورة هيجيلية لا تضع حدا فاصلا بين الحياة والموت وغنما تجعل بينهما لحظة انتقال تكون بمثابة نقطة اجتماع للحدين المتناقضين.
استنتاج جزئي: المنطق الصوري عقيم.
 النقد: على الرغم من أهمية طرح هؤلاء إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، لأن المنطق المادي لم يبدأ من العدم، بل اعتمد مبادئ انطباق الفكر مع ذاته، لا يمكن الشك في مبادئ العقل كونها مبادئ فطرية، بل الوجود يبنى على الثنائية ولا يمكن أن يوجد وسط بين الجنة والنار أو بين الحياة والموت وهذا ما ينفي اعتقاد فريدريك هيجل. نجاح الرياضيات ليس مرتبطا باللغة بل بالمنهج العقلي المنطقي. كل هذا يعني أنه للقضية تفسيرا آخر .
3- التركيب: وكتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد أن انطباق الفكر مع ذاته لا يحقق الوفاق لدى جميع العقول في كل الأحوال، كما لا يمكن إنكار قِيَمه المعرفية، بل هو فكر يحتوي على مزايا كما يحتوي على نقائص، فيمكن الاعتماد على مزاياه والعمل على سد نقائصه بالاعتماد على مبادئ المنطق المادي والرياضي لكي يتحقق انطباق الفكر مع ذاته  ومع  الواقع في بعض  الجوانب. كما يمكن القول أن المنطق الصوري إذا طبقت مبادئه في المجال التجريدي صار منتجا كالرياضيات ، أما إذا أردنا تطبيقها على المجال المادي يصير عقيما، فالفيزياء مثلا لا تتماشى وطبيعة مبادئ الثابتة فتحتاج إلى مبادئ متغيرة. 



III - خاتمة (حل المشكلة ) ختام القول يمكن التأكيد أن انطباق الفكر مع ذاته يعد كافيا لضمان الوفاق لدى جميع العقول، لكن ليس في كل الأحوال بل في جوانب نسبية، لأن النسق المنطقي والرياضي يترجم انطباق الفكر مع نفسه ومع الواقع في آن واحد، إلا أنه لن يكون ذلك في العلوم التجريبية التي اهتمت بالواقع وأهملت التصورات. لكن هذا لا يعني التجاهل المطلق للمنطق والقياس، والإيمان أنه مجرد تحصيل حاصل، لأن العلم أو المنطق المادي لم ينطلقا من لا شيء، بل اعتمدا مبادئ تطابق الفكر مع ذاته، وقواعد الاستدلال المنطقي، ومن ذلك فإن انطباق الفكر مع ذاته ليس كفيلا بتحقيق التوافق لدى جميع العقول، لك                                                                                                                تحميل مقالة برابط مباشر :


او 


Microsoft Word



       لمزيد من مقالات اضغط هنا  اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا 

هناك تعليق واحد: