إن العنف سلوك سلبي مرفوض دافع عن هذه الأطروحة




استقصاء بالوضع.
طرح المشكلة:
إن حياة البشر وتاريخ المجتمعات عبارة عن جوهر، تتداخل في إطاره الأحداث وتمتد الظواهر وتتشابك وتتفاعل عبر علاقة الناس بعضهم ببعض، وتبرز م شكلة العنف كظاهرة اجتماعية واقعة، نجد تفسيرها في التاريخ الإنسان ذاته، وفي توجيه الطاقات النفسانية والاجتماعية والاقتصادية نحو الصراع من أجل الوجود. لهذا نجد في ثقافة أي مجتمع خطاب عنف وخطاب صراع. من هنا شاعت بين الدارسين الكثير من المقاربات التي تعتبر العنف خاصية إنسانية، وسلوك عدواني يحمله الإنسان، ويتبناه كطريقة للتعبير والتغيير، لكن هناك رأي يناقض تماما هذا الرأي، يعتقد أصحابه أن العنف سلوك شاذ، وظاهرة مرضية وأسلوب سلبي في التعامل والتعبير، لذا وجب رفضه وإدانته لأنه لا ينسجم مع القيم الإنسانية والأخلاقية، فكيف يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة و إثبات مشروعيتها؟
و محاولة حل المشكلة
#عرض_منطق_الأطروحة:
يعتقد أنصار هذه الأطروحة أن العنف والممارسة العنيفة سلوك إيذائي جانح، وغير مشروع، قوامه إنكار الآخر كقيمة تستحق الحياة والاحترام، فهو محكوم بمنطق القوة والتدمير، والهدم والتخريب والقتل، وعدم احترام الأخلاق والقوانين وحق الحياة، ويؤسسون هذا الموقف على المسلمة القائلة: أن العنف ظاهرة اجتماعية مرضية، لا تنسجم مع المكمورة، ولا مع القيم الإنسانية، وأن التعامل ها واعتمادها هو سقوط بالإنسان إلى مرتبة الحيوان أو أدن من ذلك. و يؤكدون هذا بمجموعة حجج : فالإنسان عندهم هو الكائن العاقل و حامل القيم ولا يرضى أن يعامل كوسيلة، بل وجب أن يعامل كغاية لذا لا يليق بقيمته الانحدار إلى رذيلة العنف، يقول "غاندي": "فاللاعنف هو قانون الجنس البشري، كما أن العنف هو قانون البهيمة". و العنف مرفوض لأنه أسلوب غير متحضر بين بني الإنسان، وعدوان يعبر عن جريمة غير إنسانية يعاقب عليها القانون والمجتمع، فمتسلق الجبل مثلا: قد يتعرض فجأة لسقوط صخرة عليه، فهنا يعتبر ضحية الحادث، أما إذا كانت يد آثمة قد دفعت هذه الصخرة فإنه يظهر ضحية فعل عنف، لأنه تطاول على حق لا يمس هو الحق في الوجود. ومن ناحية أخرى فالعنف ليس إيجابي على الإطلاق، لأن العنف لا يولد إلا العنف وهذا ما يؤدي إلى إفساد الأمور، وتحطيم العلاقات بين أعضاء المجتمع الواحد، وأبناء الأسرة الواحدة، لما يفرزه من عداء وتوتر، قد يتراكم وينفجر في ش كل أزمات وأعمال مسلحة. تفكك أواصر المجتمع ونظمه المختلفة . فالعنف يهدم ولا يبي، يفسد الأمور ولا يصلحها، يميت ولا يحيي. هذا يقول "سارتر": "إن العنف يعد فشلا بكل أشكال تجلياته" .
#عرض_منطق_الخصوم_ونقدهم:
لكن هناك خصوم لهذه الأطروحة يؤكدون أنه لا يجب رفض العنف لأنه يعتبر من مقومات الكائن البشري، ومصدر سلو كاته، فالعدوانية كإحدى تجليات الممارسة العنفية حسب "فرويد" تعود أصولها إلى النفس وتركيبتها الغريزية، ولذلك لا سبيل لرفضه، كما يعتقد البعض أن العنف هو الأسلوب الناجح للتجديد والبناء وتغيير الأوضاع الفاسدة، يقول "أنجلز": "إن العنف يولد محتمعا جيديا".
و يقول "كامو": " إن الرجل الثائر هو الرجل الذي يقول: لاا وهذا يعني أن الأمور تفاقمت، وزادت في التدهور، وأن هناك حدودا يجب الوقوف عندها"، ويقول "ماوو": "والعنف لا تبرره الغاية السامية فقط، وإنما تبرره أيضا الدفاع عن النفس". - غير أن تبرير سلوك العنف وطرق استخدامه، لا تجعله مقبولا ولا يمكن اعتماده، لأنه يبقى سلوكا سلبيا لا يليق بالإنسان وكرامته، كما أن تبرير العنف قد یکون حجة يتستر وراءها كل المجرمين والمتعطشين للفساد وسفك الدماء، لذلك فهو مرفوض بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية والدينية .
- ثم إن العنف لا يغير الأوضاع لما هو أفضل، ولا يبني المجتمعات، بل يفسد أحوال الناس ويؤدي إلى اختلال الأنظمة الاجتماعية لما يفرزه من دمار وتخريب ورعب وتشريد وقتل وأزمات نفسية وأخلاقية قد تمتد آثارها الأجيال. لهذا وجب رفض العنف ونبذه لأنه سلوك سلبي لا ينسجم مع قيمة الإنسان وكرامته. و مجموع هذه الانتقادات لخصوم الأطروحة تدفعنا بدورنا للبحث عن حجج جديدة لدعم الأطروحة.
#دعم_منطق_الأطروحة_بحجج_شخصية:
في الواقع سلوك العنف منبوذ ومرفوض من طرف الإنسان، كل إنسان لأنه لا واحد يقبل أن يسلط العنف عليه، لأن العنف شر، والشر مفسدة، و المفسدة وجب إزالتها والابتعاد عنها، لهذا يقول "غاندي": "إن ديانة اللاعنف ليست للقديسين وحدهم، وإنما هي للناس أجمعين" ولنا في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أرقی النماذج السلوكية في رفض العنف ومقابلة الشر بالخير، والتعامل بالرفق واللين. يقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف.." (رواه مسلم).
ونهي عن استخدام العنف أو حتى الإشارة إليه لقوله ص: "من أشار إلى أخيه جديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى يترع" (رواه مسلم). ومن هنا يؤكد "غاندي" أن الانتصار الحقيقي يكمن في مكافحة العنف والعزوف عنه، ورفض الدوافع الغريزية الجامحة، عندها فقط تظهر إنسانية الإنسان، يقول: "إننا سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصومنا، ولكن بمقدار ما نقتل فينا الرغبة في القتل". ويقول أيضا: "إن أكبر قوة يمكن للإنسانية أن تتحلى بها هي اللاعنف".
#حل_المشكلة :
وعليه نستنتج أن العنف ليس قدرا محتوما، بل هو سلوك إنساني، يجب التحكم فيه ورفضه بكل أشكاله وعلى جميع الأصعدة. لأنه لا ينسجم مع قيمة الإنسان وعلى کرامته، ولذلك نحكم بصحة الأطروحة القائلة بأن العنف سلوك مرفوض. و بالتالي مشروعية الدفاع عنها وتبنيها

هناك 3 تعليقات: