سلطة الباب العالي على الجزائر ( 1830- 1519)

 سؤال مسابقة الدكتوراه بجامعة الجزائر 2، تخصص: تاريخ الجزائر الحديث للسنة الجامعية 2021- 2020 ونموذج للإجابة عليه.


"لم تفتأ سلطة الباب العالي على الجزائر ( 1830- 1519) تتراوح ما بين القوة، والوهن أو القبول بالأمر الواقع؛ وذلك بتأثير من عوامل داخلية وأخرى خارجية، وقد كان لذلك أثره في الكتابات الجزائرية وهي تناقش مسألة تبعية الجزائر للدولة العثمانية".

حلل وناقش..


عناصر الإجابة والتقييم:

- اللغة (1ن )

- الأسلوب (1ن )

- ترابط الأفكار والفقرات (1ن)

- منهجية العرض والكتابة (1ن)

أولا: مرحلة قوة سلطة الباب العالي ( عوامل ومظاهر القوة) (4ن)

ثانيا: مرحلة الوهن (القطيعة) (4ن)

ثالثا: مرحلة الضعف والاعتراف بالأمر الواقع من الجانبين - عوامله ومظاهره- (4ن)

رابعا- أثر ذلك في الكتابات الجزائرية (4ن)


أولا- مرحلة قوة سلطة الباب العالي على الجزائر (عهد البيلربايات والبشاوات) (1659- 1519):

1- عوامل قوة سلطة الباب العالي على الجزائر في هذه المرحلة:


* أن الباب العالي بسط سلطته على الجزائر أساسا بطلب من أهلها، ونتج عن ذلك تحالف قوي سياسيا وعسكريا.( الوفد الجزائري وطلب الانضمام إلى الدولة العثمانية، والمساعدات العسكرية التي أرسلت إلى الجزائر على إثر قبول انضواء الجزائر تحت لواء الدولة العثمانية).


* أن دخول الجزائريين في الرابطة العثمانية كان باسم العقيدة الإسلامية والولاء للسلطان قبل ظهور القوميات.


*الخطر الصليبي الإسباني والبرتغالي على سواحل الجزائر (عوامل خارجية)، زاد من تعميق الصلات بين الجزائر واستانبول، لا سيما وأن الأمراء والزعماء المحليين لم يكونوا قادرين على الوقوف وحدهم في وجه الاعتداءات الاسبانية.


2- مظاهر قوة سلطة الباب العالي على الجزائر خلال هذه الفترة:


* كان البيلربايات في هذه المرحلة الأولى يعينون من طرف السلطان العثماني مباشرة، وكانوا عرضة للتعويض (التغيير).


* كان البشاوات في هذه المرحلة يأتون من استانبول رفقة القاضي الحنفي وقضاة العسكر، وكانت مدة ولايتهم ثلاث سنوات غالبا، ثم يأتي من يخلفهم وهكذا. وكان هؤلاء البشاوات (المبعوثون من السلطان) هم أهل الحل والعقد، بينما الوجق يسمع ويطيع.


* أن الإيالة كانت تبدي طاعة كبيرة للباب العالي، حيث كان أسطولها يرسل حتى إلى البحر الأسود وبحر إيجة، وكانت الدول الأوروبية تعتبر أساطيل الإيالات الثلاثة: تونس والجزائر وطرابلس جزء من قوة الدولة العثمانية.

Devault Albert, La marine de la régence d'Alger , in: R.A , 1859 , p388.


* رغم استقلالية جهاز البحرية الجزائرية عن الباب العالي فإن القبودان باشا في استانبول كان بإمكانه أن يستدعي باشا الجزائر متى شاء باعتباره القائد الأعلى لأسطول الدولة العثمانية، وبذلك يصبح القبودان الجزائري تحت إمرة القبودان باشا وينصاع لأوامره.


* كان السلاطين العثمانيين يستدعون حكام الجزائر بين الفترة والأخرى ليجازوهم بمنصب عال في الحكومة العثمانية نفسها، ففي عهد كل من السلاطين سليمان الأول وسليم الثاني ومراد الثالث تم استدعاء خير الدين بربروس وصالح رايس والعلج علي وحسن فنزيانو.


ثانيا- مرحلة الوهن (القطيعة المؤقتة):


في سنة 1659م رفض الانكشاريون الباشا المرسل من الباب العالي ووضعوه في سفينة مع أتباعه وأرسلوهم إلى إزمير. غضب الصدر الأعظم محمد كوبريللو غضبا شديدا فأمر بإعدام الباشا محملا إياه مسؤولية عدم تنفيذ إرادة السلطان، وأرسل إلى الجزائر فرمانا جاء فيه: " أخيرا لن نرسل إليكم واليا ... ومن بعد إن اقتربتم من الممالك العثمانية فلن تكونوا راضين". ثم أرسل إلى البحارة في جميع السواحل العثمانية وإلى والي مصر وشريف مكة يطلب منهم عدم السماح للجزائريين بالاقتراب من السواحل العثمانية، ومنعهم من الذهاب إلى الحج، والامتناع عن بيع السلاح لهم.


ثالثا- عودة العلاقات واعتراف كل من الباب العالي وحكام الجزائر بالأمر الواقع:


نتيجة العقوبات الصارمة التي فرضها الصدر الأعظم محمد كوبريللو على الجزائر، أدرك الأوجاق في الجزائر مغبة ما أقدموا عليه، فأرسلوا وفدا لطلب الشفاعة من السلطان، ولكن كوبريللو محمد باشا لم يقبل شفاعتهم، وعقب وفاته عين ابنه فاضل أحمد باشا الذي قبل عودة العلاقات مع الأوجاق في الجزائر، ولكن سلطة الباب العالي أصبحت إسمية، وصار مبدأ القبول بالأمر الواقع يحكم العلاقات بين الطرفين حتى سنة 1830، وذلك على الرغم من أن الباب العالي استمر في ارسال ممثله الباشا حتى سنة 1711م. غير أنه لم يكن خافيا أن السلطة الفعلية صارت بيد الأغوات ومن بعدهم الدايات.


- عوامل ضعف سلطة الباب العالي خلال الفترة (1830- 1661):


* بدأ ارتباط الأوجاق في الجزائر مع الباب العالي يتفكك تدريجيا وتلقائيا بدء من النصف الثاني من القرن 17م، ذلك أن الدولة العثمانية بعد ظهور المسألة الشرقية قد وجدت نفسها في حالة خطر دائم، ولا سيما من روسيا والنمسا (عوامل خارجية).


* لم يعد في استطاعة الباب العالي مساعدة الجزائر ماديا منذ أوائل القرن 18م، كما أن الجزائر نفسها لم تعد في حاجة إلى هذا التحالف، ذلك أنها أخذت شيئا فشيئا تبني أسطولها وتحصن سواحلها وتنظم اقتصادها، وتثبت كيانها السياسي وعلاقاتها الدبلوماسية.


* إذا كان للوجود العثماني مبررات دولية في القرن 16م، فإنه لم يبق له مبررات في نظر الأوجاق في القرن 17 و18م، لا سيما بعد تراجع المد الإسباني والبرتغالي.


* بقيت الإيالة حتى 1816م قادرة بإمكانياتها على الدفاع عن سواحلها من الهجمات الأوروبية.


* لم يكن البشاوات الذين أصبح وجودهم رمزيا فقط باعتبارهم ممثلين سامين للسلطان حتى سنة 1711م (مهام تشريفية) قادرين على كسب التأييد لهم خارج الأوجاق، ويرجع ذلك إلى التسلط المطلق للعسكريين على القضايا الداخلية. ولم يكن بإمكانهم الاعتماد على تأييد الرياس لهم، ذلك أنهم كانوا دائمي التغيب عن الجزائر من جهة، ولم يكونوا في الغالب طامعين بمنصب الباشا، إذ كانوا مهتمين - شأنهم شأن رجال الأوجاق- بالمحافظة على حقوقهم وامتيازاتهم.


* أما الأوجاق في الجزائر فقبلوا من جهتهم بالأمر الواقع الذي يقضي بحتمية الإبقاء على الصلات قائمة مع الباب العالي؛ لعلمهم بأن قوتهم الأولى والمبرر الأساسي لاستمرار حكمهم في الجزائر إنما هو في تأييد الخلافة لهم، فقد كان ذلك هو المصدر الروحي الذي اعتمدوا عليه في حكم الجزائريين، لذلك كانوا حريصين على الإبقاء على هذا المصدر. لا سيما وأن بيت آل عثمان كان رمزا لوحدة العالم الإسلامي في نظر أغلب الجزائريين.


- مظاهر (نتائج) القبول بالأمر الواقع من كلا الجانبين:


* الإبقاء على علاقات الجزائر الروحية بالخلافة العثمانية، بيد أن حكام الجزائر لم يعودوا يحكمون باسمها إلا ظاهريا للاستفادة منها.


* التنسيق في السياسة الخارجية بين الباب العالي وحكام الجزائر تجاه أوروبا كان قد احتفظ به حتى سنة 1830م على أساس المصلحة المتبادلة.


* أصبح الجند ينتخبون الداي، ومن ثم يصبح سلطانا مطلقا، بحيث لم تبد السيادة العثمانية إلا في إرسال مبعوث يبعث به بعد الانتخاب مباشرة إلى استانبول ليطلب التأكيد من طرف السلطان، وكانت مثل هذه المطالب مستجابة دائما بحيث يعود المبعوث Capici paşi إلى الجزائر حاملا نسخة من فرمان التأكيد وقفطانا شرفيا أحمر اللون وسيفا من الدولة يستخدم كاعتراف رسمي من طرف السلطان بالمنصب.


* أظهر دايات الجزائر للعالم الخارجي وبخاصة للقناصل الأوروبيين والتجار أنهم حكام مستقلون، يمثلون الرمز الظاهر للدولة القوية. وأيدت الدول الأوروبية ادعاءاتهم تلك أكثر لإضعاف هيبة الدولة العثمانية وتشجيعا للنزعات الانفصالية داخلها.


* شملت اختصاصات الدايات العدالة وإعلان الحروب والتوقيع على معاهدات السلام وتلقي الضرائب والأتاوات من مختلف الدول الأوروبية...الخ، فظهروا بذلك بمظهر الحكام المستقلين.


رابعا- أثر كل ما سبق على مواقف الكتاب الجزائريين من مسألة تبعية الجزائر للدولة العثمانية:


* اعتبر محمد بن مبارك الميلي في كتابه: تاريخ الجزائر في القديم والحديث أن إيجاد إدارة مركزية واحدة، وتركيز السلطات في يد الديوان الذي يتولى تعيين أو انتخاب الداي، وتعامل دول أوروبا وأمريكا مع هذا الداي، والمعاهدات المبرمة بينها وبين الجزائر، يدل على أن الجزائر قد تطورت في العهد (التركي) إلى أن اصبحت دولة بالمعنى الحديث للكلمة.


* قدم مولود قاسم نايت بلقاسم في كتابه (شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل 1830) حججا من خلال معاهدات الجزائر مع الدول الأوروبية وحروبها كصور لهيبتها الدولية قبل الاحتلال الفرنسي، وكما يدل عليه العنوان دافع بقوة عن فكرة أن الجزائر كانت لها شخصية سياسية مستقلة عن الباب العالي.


* كانت كتابات كل من الدكتور أبو القاسم سعد الله (تاريخ الجزائر الثقافي ج1 ) ؛ (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر الحديث ج1).والدكتور ناصر الدين سعيدوني (ورقات جزائرية) ؛ (دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر) ؛ (الجزائر في التاريخ: العهد العثماني)، وسطية وأكثر موضوعية وأكاديمية، بحيث سلطت الضوء على العوامل المختلفة التي أثرت في العلاقة بين الجزائر والباب العالي عبر الفترات المختلفة ، وسلطت الضوء على الأسباب الموضوعية (التاريخية) داخليا وخارجيا التي جعلت سلطة الباب العالي على الجزائر تتراوح ما بين القوة والضعف، على الرغم من بقاء الجزائر تابعة رسميا وقانونيا تحت سيادة الدولة العثمانية حتى الاحتلال الفرنسي لها سنة 1830م. والذي لم تعترف به الدولة العثمانية التي ظلت تعتبر الجزائريين رعاياها كما كانوا قبل الاحتلال الفرنسي.

ملاحظة: هذه أمثلة فقط، ويمكن الاستدلال بآراء المؤرخين والكتاب الجزائريين حول هذه المسألة دون قيد، مثل الدكتور مولاي بلحميسي...الخ.

#الاستاذة_إسمى_مهيبل

ليست هناك تعليقات