التّدخّل الأوروبي في موريتانيا

 

بعد هزيمة المسلمين بالأندلس وسقوط غرناطة عام 1492م دفع بالنّصارى إلى اللّحاق بهم في عقر ديارهم ، وزيادة على هذا فإنّ التّفكّك السّياسي الّذي أصاب المغرب الكبير قبل ذلك أي بعد سقوط دولة الموحّدين في النّصف الثّاني من القرن 13م (1269م) عرّض موريتانيا و ابتداء من القرن 14م لبعثات استكشافية نظّمتها القوى الأوروبية البرتغالية والإسبانية والفرنسية والإنجليزية وبمشاركة هولندية وبلجيكية منذ عصر الكشوفات الجغرافية نهاية القرن 15م والفترات اللّاحقة.
اتّسم الكشف البرتغالي لساحل غرب إفريقيا في بداية الأمر بالبطء، لكن بعد ذلك بدأ يسير سيرا حسنا، ففي عام 1418م اكتشف البرتغاليون "جزر ماديرا" ثمّ "جزر الآزور" سنة 1439م، وفي عام 1441م طافوا حول "راس بلانكو"، ثمّ اكتشف "دنيس دياز" جزيرة "نونو تريستا" وتعرف كذلك بجزيرة "أرجوين" عندئذ اكتشف البرتغاليون قيمة هذه الكشوفات، وفي الفترة ما بين 1444م و1445م وصل "دياز" إلى مصبّ نهر السّنغال و"جزر الرّأس الأخضر" و"غينيا".
اهتمت البرتغال بتجارة الصّمغ والذّهب والرّقيق فاستقرّوا بالسّاحل وأسّسوا مراكز تجارية لهم وتحكّموا فيها قرابة القرنين من الزّمن ، هذه المراكز تمكّنهم من التّحكّم في طرق القوافل التّجارية الّتي تعبر المنطقة شمالا وجنوبا، لكن جهودهم لم تسفر إلاّ عن احتلال بعض المراكز السّاحلية لفترات محدودة.
وصل البرتغاليّون في النّصف الأوّل من القرن 15م إلى سواحل موريتانيا و زار "Joas Fernandez " منطقة "وادان" الواقعة شرقي آدرار، وفي عام 1448م أنشا البرتغاليّون حصن "أرجيوم" وهو مقابل للرّأس الأبيض ومنه توغّلوا نحو المناطق الدّاخلية فتقدّموا صوب السّودان الغربي بهدف الوصول إلى مدينة "تمبكتو" الّتي ذاعت شهرتها بسبب كثرة مناجم الذّهب بها، ولكنّهم سرعان ما انصرفوا إلى تجارة الرّقيق وأصبحت "آرجيوم" هي المركز الرّئيسي لتجميعه ومنها كان ينقل عبر المحيط الأطلسي، ولم يستقر الأمر للبرتغاليين في المنطقة، ففي القرن 17م ازداد التّنافس بين الدّول الأوروبية وظهرت هولندا كدولة بحرية كبيرة واستطاعت عام 1638م انتزاع "الآرجيوم" من البرتغال.
وصل الأسبان بعد البرتغال ولحقهم الفرنسيون ثمّ الهولنديون وسار على إثرهم الإنجليز ووقعت المنافسة وزاد الطّمع في الحصول على الصّمغ العربي.
2
-العلاقات التجارية بين الفرنسيّين والإمارات الموريتانية:
إنّ الشّيء الّذي جذب أنظار الاستعمار إلى موريتانيا هو الصّمغ العربي الّذي تشتهر به لذلك كانت كلّ شركة تحاول أن تحتكر هذه التّجارة لنفسها وأخذت تنشئ مراكز تجارية لها على طول نهر السّنغال، ولم تحل مشكلة السّيطرة إلاّ في عام 1815م عندما أعطيت منطقة السّنغال رسميّا إلى فرنسا بموجب مؤتمر فيينا الّتي عقدت بين دول أوروبا الكبرى في أعقاب نهاية الحروب النابليونية ، وفي واقع الأمر فإنّ هدف الفرنسيين حتّى ذلك الوقت لم يكن السّيطرة الكاملة على البلاد بل كانوا يهدفون إلى أمرين اثنين: الهدف الأول هو تأمين تجارة الصّمغ والهدف الثّاني منع انتشار نفوذ الموريتانيّين وخاصّة أمراء الترارزة نحو الجنوب (إلى ما وراء نهر السنغال) وعليه فقد تمّ عقد سلسلة من الاتفاقيات بين الفرنسيّين والأمراء الموريتانيين كانت تكفل المصالح التّجارية الفرنسية من التّهديد خاصّة تجارة الصّمغ في مقابل دفع الإتاوات والهدايا للأمراء، وظلّ مفعول هذه الاتفاقيات ساريا طوال القرن 19م مع محافظة موريتانيا على استقلالها و على النّظام القبلي في نطاق الإمارات.
أقام الفرنسيّون علاقات تجارية مع القبائل الموريتانية الموجودة على الضّفّة اليسرى من نهر السنغال وكان الغرض من دفع هذه الإتاوات للقبائل هو الإبقاء على تجارة الصمغ وإرضاء هذه القبائل لمنعها من عبور نهر السنغال ومهاجمة الوكالات الفرنسية التجارية.

 وفي عهد "لويس الرابع عشر" اهتمّ "كوليير" بتثبيت أقدام الفرنسيّين عند مصبّ نهر السنغال فأقام حاميات عسكرية لحماية الوكالات من الهجمات الموريتانية.
نظرا لما حقّقته هذه التّجارة من أرباح للطّرفين فقد أصبح لأمراء القبائل الموريتانية مثل الترارزة و البراكنة ممثّلون تجاريون يتولّون التّجارة مع الأوروبيّين عرفوا باسم "كاتي". معاهدات لتنظيم عملية التبادل التّجاري : أقيمت عدة معاهدات ، ونذكر منها:
-
معاهدة وقعت بين مدير الوكالة الفرنسية Durent وقبيلة Darman Cour في 02 ماي 1785م تبعتها معاهدة أخرى في 10 ماي من نفس العام وقام بتوقيع المعاهدتين De Repentigny حاكم السنغال.
-
معاهدة وقعت بين Durent و Cory أمير الترارزة في جويلية 1785م لتنظيم تجارة الصمغ
-
معاهدة 1819م مع "عمر بوري" ملك "أوالو" الّتي لها أهمّية استراتيجية وتدعيما لحسن الجوار بين الطرفين
-
مع البراكنة في 25 جويلية 1821م.
- 25
جوان 1821مع قبيلة "الدويش" الّتي سمحت للفرنسيّين بإنشاء مركز تجاري.
-
توالت المعاهدات في 19 أوت 1824م و 26فيفري 1826م، 25 ابريل 1829م و24 أوت 1831م وتوضّح لنا هذه المعاهدات المتتالية حرص فرنسا على التّعامل مع القبائل لتمنعها من الإغارة على وكالاتها.
-
معاهدة فرنسية مع البراكنة في 05 ماي 1834م تعهّد فيها الأمير "أحمد بن سيدي" حراسة المراكب الفرنسية مقابل دفع جزية.
إلى جانب هذه المعاهدات التّجارية الّتي لم نذكرها كلّها هناك معاهدات سياسية كالّتي عقدتها مع أمير آدرار في 08 أوت 1892م تعهّدت فيها فرنسا بعدم التّدخّل في شؤون آدرار السياسية.
و خلال القرن 19م وقّع الفرنسيون معاهدات مع بعض الأمراء المحلّيّين ولكن الموريتانيّين قاموا بهجمات على مراكز التّجارة الفرنسية ممّا اضطرّ بالفرنسيّين إلى التّفكير بالاستيلاء على موريتانيا لتأمين السنغال.

ليست هناك تعليقات