مقالة علاقة للغة بفكر علامة كاملة أن شآء الله
مقالة منقول من الاستاذ خليل سيعداني
مقالة التحدي - هدفنا العلامة الكاملة في الفلسفة
هل العلاقة بين اللغة والفكر اتصال أم انفصال؟ / هل يفكر الانسان في شكل كلمات؟ / هل اللغة تعيق
الفكر؟ / هل اللغة والفكر يشكلان وحدة متجانسة؟
ظرح الشكلة مقدمة: تعتبر وظيفتا اللغة والفكر من أهم الوظائف التي يستعين بها الانسان لإدراك العالم الخارجي والتكيف
معه وتحقيق عملية التواصل؛ فاللغة في مفهومها جمله من الإشارات والرموز التي تستخدم كوسيلة للتواصل؛ أما الفكر فيقصد
به ذلك النشاظ الذههني الذي يتم بواسطة عمليات عقلية وهو عند بعضهم وظيفة يؤديها الجهاز العصبي بينما بعضهم الآخر
يقصد به الوعي المتجدد المستقبل للمعرفة. لكن موضوع اللغة وعلاقتها بالفكر يعتبر من أهم الإشكاليات التي عرفها تاريخ
الفلسفة؛ وقد تولد عن آلخّوض فيهذا المبحث تناقض بين اتجاهين. الأول يعرف بالأحادي.؛ والذي رأى أصحابه أن هناك
اتصال بين اللغة والفكر أي بين اللفظؤالمُعَنى؛ فكلاهما يشكل وحدة متجانسة؛ أما الثاني فيعرف بالاتجاه الثنائي ويتزعم القول
به فريق من أنصار المذهب الحدستي والاتجاه العقلي؛ فهؤلاء اعتقدوا أن لكل من الفكر واللغة جوهره وخصائصه. وبالتالي
لا يوجد تناسب بينهما وعلاقتهما انفصالية؛ ؤالإشكال الذي يطرح نفسه بناء على نص الموضوع هو: هل علاقة اللغة بالفطر
اتصال ام انفصال؟ وبلغة أخرى - هل النشاط الفكري يتم بصوة خالية من الألفاظ أم أن اللغة هي وسيلته؟ بمعنى - هل يفكر
الإنسان في شكل كلمات أم في صور عقلية لا ارتباظ لها بالقوالب اللفظية؟
محاولة حل المشكلة عرض - الموقف الأول الأطروحة الأوآلى الاتجاه الأحادي يرى أصحاب هذا الموقف أن علاقة اللغة
بالفكر هي علاقة تكاملية لا انفصال فيها. حيث أنه لا يمكن أن يوجد أخدهما بغياب الآخر وقد دافع عن هذا الرأي نخبة من
الفلاسفة وعلماء اللغة من بينهم دوسوسير ودولاكروا وميرلوبونتي؟ وهيجل؛ وغيّرهم كثير؛ ويعتمد هذا الموقف على مجموعة
من الحجج التي أقرها كل من العلم والواقع ومن بينها
حجة التناسب / أي أن اللغة تتناسب مع الفكر فبقدر ما نملك من أفكار بقدر ما نملك من ألفاظةوهذا يعني أن اللغة تثري الفكر
فما يوجد لدينا من صيغ لفظية يتناسب مع ما لدينا من أفكار عقلية؛ بمعنى أنه لا يمكن أن توجد أفكار في العقل بدون أن تكون
هناك ألفاظ تناسبها لذا قال هيجل "نحن نفكر داخل الكلمات" وعليه شبه وولسن اللغة بدون فكر كالقلم بدون*حبر والروح بلا
جسد؛ لذا يقول جون لوك "إن اللغة عبارة عن علامات حسية معينة تدل على الأفكار الموجوّدة في الذهن"
حجة التقابل/ أي أنه لا توجد كلمات من دون معان. فكل كلمة أو لفظة إلا ويقابلها في الذهن معنى محدد؛ وبالتالي فأنه يؤواسطة
الكلمة يتحصن المعنى في الذهن ويتلبس بأحرفه المناسبة؛ وبالتالي نستطيع أن نفرق بين المعاني أولاء ونخرجها:من الغموض
ثانياء وعندئذ يصبح المعنى محصنا حتى لا يأخذ مكان معنى آخر مثال ذلك لفظ فلسفة له معنى يقابله في الذهن وهو مماراسة
التفكير العقلي ذات الطابع الميتافيزيقي؛ ولفظ علم له معنى يقابله في الذهن وهو دراسة الظواهر الطبيعية؟ لذا قآلكقاملتون
في هذا الصدد "إن الألفاظ حصون المعاني". وهذا يعني أن اللغة توضح الأفكار وتنقلها الى الآخرين؛ فالأفكار تبقى عديمة
المعنى في ذهن صاحبها ان لم تتجسد في الواقع لذلك قال ميرلوبونتي "الكلمة لباس للمعنى ولولاها لبقي مجهولا”
حجة علم نفس الطفل / ومن الأدلة التي يقدمها علم نفس الطفل أن الأطفال يتعلمون التفكير في الوقت الذي يتعلمون فيه
التعبير. فالطفل عند حداثة ولادته يرى العالم كله؛ ولكنه لا يفهم حقيقته؛ وعند اكتسابه للكلمات يبدأ هذا العالم في التمايز وأخذ
معناه. أي.أن الطفل يتعلم اللغة والفكر في آن واحد؛ فمثلا يستطيع الطفل أن يفرق بين معنى الأم والأب من خلال اختلاف
حروفهما لذا,يقول دولاكروا "ان الفكر يصنع اللغة واللغة تصنع الفكر" ويقول أيضا "ان الرمز لب التصور" أي أن اختلاف
المعنى شببه اختلاف اللفظ
حجة الحوار الداخلي / وحتى في التفكير الصامت عندما ينطوي المرء على نفسه متأملا إياها فإنه يتكلم غير أن هذا الكلام
هو كلام هادق _عبارة عن حوار داخلي لذا تقول القاعدة "عندما نفكر فنحن نتكلم بصوت خافت؛ وعندما نتحدث فإننا نفكر
بصوت عال " فمثلا في كثير أن الأحيان نرى شخصا منهمكا في التفكير فيبدو لنا وكأنه يكلم شخصا آخر وهو في الحقيقة
يكلم نفسه أي يفكر بطرآيّقة حواريةبينه وبين نفسه؛ أي أن التفكير الصامت الذي يوحي لنا بوجود حياة باطنية ما هو إلا حوار
داخلي يتم بين الذات ونفسها ومن هذاليِتِينَ أن اللغة والفكر متصلان ويشكلان ثنائية متكاملة فهما متطابقان كوظيفة انسانية
واحدة لذلك قال غوسدروف "إن التفكير ضاج بالكلمات"
حجة التمييز / أي أنه إذا اعتبرنا أن الفكر هو:مجموعة من المعاني المتمايزة والمختلفة فإن سر هذا الاختلاف هو الذي تحدثه
اللغة فمثلا نستطيع بواسطة اللغة التفريق بين مفهومي الاحتراموَالتقديس أو مفهومي الضوء والنور والتمييز بينهماء وهذا لم
يكن ليحدث لولا وجود الكلمات؛ وبالتالي لا وجود لفكرداخلي معزول؛ أي أن الفكر لا يوجد خارج عالم الكلمات هذا من
جهة؛ ومن جهة أخرى, إذا ما نحن رجعنا إلى الرمز أو الكلمة وتمعنا.فيّها نجد أن قيمتها متضمنة فيما تحمله من معنى. فاللغة
إذن هي جسم الرمز والمعنى هو روحه ولا يمكن الفصل بينكجسم وروحه. يقول ميرولوبنتي "ان قدرتنا على التمييز بين
المعاني العقلية يتم بواسطة الرموز والأصوات"
نقد ومناقشة: لا يمكن إنكار منطقية هذه الأدلة لكن قد تعجز الللغة عن التٌتعبير عن بعض أفكارنا. فعالم العواطف
والمشاعر مثلا يحتاج إلى لغة خاصة وقد تعجز اللغة في كثير من الأحيان عن التعبير:عن أفكارنا فحتى الادباء رغم امتلاكهم
لثروة لغوية كبيرة الا انهم يعانون في بعض الأحيان من مشكلة التبليغ وهنا يظهر 'جليا عجّز. اللغة؛ فالواقع يثبت أن هناك
تفاوتا بين مقدار الأفكار ومقدار الألفاظ
الموقف الثاني - الأطروحة الثانية الاتجاه الثنائي وفي المقابل يرى فلاسفة آخرون وفي مقدمتهح الفيلسوفت آلحدسي الفرنسي
برغسون والمفكر فاليري والنحوي أبو الحيان التوحيدي أن علاقة اللغة بالفكر هي علاقة آنّفصال وتمايز وأن الفكر أسبق
من الناحية الزمنية عن اللغة؛ وهو أوسع منهاء ويستدل هذا الموقف بجملة من الحجج نذكر منها
حجة عدم التناسب/ أي أنه لا يوجد تناسب بين ما نملكه من أفكار وما لدينا من ألفاظ والذي يوحي بذلك هو تؤقف المتكلم أو
الكاتب طويلا باحثا عن اللفظ المناسب الذي يعبر به عن المعنى قال برغسون :" نحن نفشل عن التعبير بضفة كاملة ما
تشعر به روحنا لذلك الفكر يبقى أوسع من اللغة" والمثال على ذلك نجد الأدباء وعلى الرغم من امتلاكهمالثروة لغواية هائلة
إلا أنهم يعانون أحيانا من مشكلة التبليغ؛ والتلميذ أيضا كثيرا ما تخونه اللغة في تبليغ إجابته إلى المصحح؛ ومن الناحية
الواقعية يشعر عامة الناس بعدم المساواة بين قدرتهم في التفكير وقدرتهم على التعبير لذا يقول برغسون " اننا نملك أفكارا
أكثر مما نملك أصواتا"
حجة عدم التقابل / بالإضافة إلى أن الألفاظ ثابتة ومحدودة ومنفصلة بعضها عن بعض في حين أن الأفكار متصلة ودائمة
فهي في ديم'ومة مستمرة لا تعرف الانقطاع؛ فيمكنني أن أتوقف عن الكلام في حين لا أستطيع التوقف عن التفكير فمثلا يشعر
الكثيران من,الناس بأنهم قادرون على فهم المعاني والأفكار أكثر من قدرتهم على اصطناع الالفاظ والكلمات لذا يقول برغسون
"اللغة غاجزةٍ عن.مسايرة الفكر" وحتى في كثير من الأحيان نجد أن اللفظ غير مطابق للمعنى المراد ايصاله بحيث يعجز
اللفظ عن استيعاب المعنى لذا يقول برغسون "الالفاظ قبور المعاني"
حجة البق الزمنيٌ/ ومن جملة الأدلة التي يؤكد بها القائلون باستقلالية اللغة عن الفكر هي أن الفكر اسبق في تعامله مع الواقع
فنحن نفكر في الواقع ثم نعبرعنه؛ فالإنسان يفكر أولا ثم يبحث عن الالفاظ المناسبة للتعبير عن أفكاره؛ فالمتكلم كثيرا ما
يتردد في إيجاد الالفاظالمكناسبة؛ فيتلق ببعضن الالفاظ ثم يدرك انها لم تكن مناسبة للمعنى الذي يقصده؛ لذلك يقول برغسون
"ان اللغة عاجزة عن استيْعآب كل إفكانا"
حجة البديل/ أيضا يستدل أصحاب هذا الموقف لإثبات عجز اللغة أن الانسان يلجأ في كثير من الأحيان الى استبدال اللغة
بوسائل تعبيرية أخرى نظرا لعجزها مثل التغبير باستخدام الموسيقى أو الرسم أو الصورء لهذا يقول المثل الصيني الشهير
"الصورة أبلغ من ألف كلمة" ولعل لجوء الانسان الى البكاء والصراخ والسلوكيات التعبيرية لخير مثال على عجز اللغة عن
التعبير» مثل عجز اللغة عن التعبير أثناء فقد شخص عزيز عليناء فنلجأً الى البكاء والصراخ
حجة الصوفية / ولعل من مؤيدي هذا الموقف والذين يدافعون عنه أهلا الصوفية إذ يصلون إلى حالات ومقامات يضيق عنها
نطاق اللفظ فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا واشتمل لفظه علق خطأً صريح لا يمكنه الاحتراز منه؛ لذا يقول فاليري " أجمل
الأفكار تلك التي لا نستطيع التعبير عنها" كما أن الإنسان وفي كثيمن الأحيان نجده عاجزا عن التبليغ فهو يشعر بعجز
اللغة على مسايرة الفكر وقد قيل في هذا الصدد أيضا "إذا كانت كَلقثآتي من ثلجافكيف تطفئ ما بداخلي من نار" ولذلك يرى
أبو حيان التوحيدي بأنه ليس في قوة اللغة أن تمتلك كل المعاني والأفكار لان اللفظ لا يمكنه التعبير عن المعنى المراد دائما
نقد ومناقشة: صحيح انه يحدث لدينا في بعض الأحيان عجز عن تبليغ افكارنا ولكن لاريوجد فاصل زمني بين عملية
التفكير وعملية التعبير؛ فالتفكير الخالص بدون لغة كالشعور الفارغ الذي لا وجود له؛ فكل فكرة تتكون في قالب من الرموز
التي تحتويها وتعطي لها وجودها وبالتالي فإن الفكر لا ينفصل عن اللغة إذ ليست هذه الأخيرةكما اعتقد بر«خسون ثوب الفكرة
فقط بل هي جسمها الحقيقي؛ كما أن عجز اللغة عن التعبير هو في حقيقة الامر عجر للإنشآن وليس اللغة فالإنسانن هو من
يبدع الالفاظ وليس اللغة من تبدع نفسها
التركيب من خلال عرضنا للموقفين نرى أن اللغة هي الوسيلة الأساسية لنقل أفكارنا إلى غيرنا وبالتالي نصفٌٌعلاقتها بالفكو
انها اتصالية؛ فاللغة تضع الفكر والفكر يضع اللغة كما عبر عن هذا دولاكرواء ولكن في بعض الأحيان نج اللغة كاجزة عن
استيعاب بعض افكارنا والتعبير عنها وهنا تصبح علاقتها بالفكر انفصالية؛ وعموما يمكننا القول أنه لا يمكن الفصل بشكل
عملي بين اللغة والفكر ذلك لان اللغة بمثابة الوعاء والفكر بمثابة المضمون لذا قال ماكس مولير" "إن العلاقة بين اللغة
والفكر كالقطعة النقدية الواحدة وجهها الأول الفكر وجهها الثاني اللغة وإذا فسد أي وجه من الوجهين فسدت القطعة" أي
أنه يمكن اعتبارهما وظيفة واحدة؛ ولعل هذا نفسه ما قصدته عالمة اللغة واللسائيات جوليا كريستيفا حين قالت "ان اللغة هي
جسم الفك«التي بدونها لما امكنه الظهور"
لهذا أرئ أنه لا وجود لعملية انفصال بين اللغة والفكر الا في بعض الأحيان القليلة جداء لذا قال هيجل" إن التفكير بدون
لمات لفحاولة عديمة الجدوى فالكلمة تعطي للفكر وجوده الأسمى والأصح". كما يؤكد هذه العلاقة أيضا دولا كروا بقوله
"اللغةٍ تصنع الفكر والفكر يصنع اللغة" أما ميرلوبونتي فقد عبر عن هذه العلاقة بقوله "أن الفكر لا وجود له خارج نطاق
الكلمات" أما:هاملتون فهو الأخر اعتبر بأن المعاني شبيهة بشرارة النار لا تومض إلا لتغيب فلا يمكن إظهارها وتثبيتها إلا
بالألفاظ
حل المشكلة خاتمة يتبين إذنأمما سبق ذكره أن العلاقة بين اللغة والفكر علاقة تكاملية ولا يمكن فصل أحدهما عن الأخر
ولكن في بعض الأحيان يظهر عجزُها عن التعبير» وبالتالي يحق لنا القول أنه فعلا تعد اللغة جسم الفكر التي بدونها لا يمكنه
الظهور ولقد صدق سقراط عندما بيّن”ذلك قائلا لمحاوره "تكلم معي حتى أراك " فالعلاقة بين اللغة والفكر هي اتصال اكثر
منها انفصال فاللغة والفكر عبارة عن سيرورتان كٌتزامنتان ومظهران لنفس الوظيفة المعرفية لدى الانسان ولذا شبه دوسوسير
هذه العلاقة بقوله "يمكن تشبيه اللغة بورقة يكون الفكر وجهنها الأول والصوت هو وجهها الثاني اذ لا يمكن عزل الفكر عن
الصوت ولا الصوت عن الفكر" وعليه يمكن القول أن ذا بقيتِ بعض المِغاني الروحية أوسع من اللغة فان ذلك يشكل حافزا
للعلماء واللغويين في أن يبحثوا أكثر ويبدعوا لنا ألفاظا جديدة تتسع لعالم الروح والعواطف إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا
التعليقات على الموضوع