قيل:" من اللامعقول أن يقابل العنف بالتسامح" حلل وناقش


مقالة جدلية حول العنف و التسامح 


يمكن تجد في بعض مواضيع اسئلة مشابهة لها :
هل العنف لا يولد إلا العنف ؟
هل العنف هو أصل البقاء والبناء ؟ 
 هل يمكن مقابلة العنف بالتسامح،أم أنه يستحيل ذلك؟
 قيل:" ان العنف لا يولد الا العنف" حلل وناقش
هل يمكن مقابلة العنف بالعنف


I المقدمة ( طرح المشكلة ) إذا كان العنف هو  استعمال القوة في التعامل مع الآخر أو هو كل عمل يضغط به شخص على إرادة الغير، وكان التسامح هو معاملة الإنسانية من منظور الاحترام والتعاون الأخلاقي. فإن هذا يعني أنه لا يمكن الجمع بينهما انطلاقا من أنه لا يمكن الجمع بين النقيضين، وهذا ما تجلى من خلال طرحات الكثير من الدارسين . لكن في المقابل نجد من أكد أنه ينبغي التخلي عن فكرة الصراع انطلاقا من أن الإنسان المعاصر أصبح يهدف إلى تحقيق الحوار الحضاري . لذا فهل من صواب بين الاعتقادين، وهل يمكن التصديق بالطرح القائل أن العنف لا يولد إلا العنف؟ أم أن العنف هو أصل البقاء والبناء ؟ بل هل يمكن مقابلة العنف بالتسامح،أم أنه يستحيل ذلك؟



II  - التوسيع (محاولة حل المشكلة)
  
القضية: من اللامعقول أن يقابل العنف بالتسامح.  


شرح وتحليل:أكد أنصار العنف أنه توجد جملة من الأسباب جعلت العنف مشروعا من أجل البقاء . إن العنف هو أصل حركة العالم وإثبات الذات، بل هو أداة شرعية أخلاقية  من أجل استرجاع الحقوق المغتصبة. أكدوا أنه لا يمكن التخلي عن العنف لصالح التسامح مادام التاريخ يحترم الأقوياء، وينظر إلى التسامح على أنه تعبير عن الضعف والرضوخ للآخر.

البرهنة : العنف ضروري، لأنه أساس البناء والبقاء، أساس البناء على حد اعتقاد  هيراقليطس، لأنه قال: "القتال هو أبو سائر الأشياء ". العنف أساس البقاء، لأن الإنسان وجد جزءا من الكون والذي يخضع لنظام ثابت، نظام يكون فيه البقاء للأقوى، خاصة وأنه حتى اللبؤة تقتل ذلك الشبل الذي يولد بعاهة، لأنه سوف يكون يوما عاجزا على مسايرة نظام الطبيعة. هذه الفكرة وجدت عند كالكاس حيث أشار أنه إذا كان العنف هو المسيطر في الطبيعة، فإنه ينبغي أن يسيطر على حياة الأفراد .
عدوانية الإنسان ليست سلوكا سيئا، بل ضرورية وتتماشى مع طبيعته، أي أن عدوانية الفرد هي سلوك طبيعي، لأن سيغموند فرويد توصل أن الفر د تحكمه نزعة الحياة ( إيروس ) ونزعة الموت ( تيناطوس )، هو يسعى إلى تلبية أكبر قدر من الرغبات، لكن يجد نفسه  خاضعا لقيد اسمه الغير وآخر اسمه الموت. هذا ما يحدث له الكبت والحقد على كل من وقف ضد رغباته، أو كل من يراه سببا في فشله.العنف ضروري، لأنه يضمن الاستقرار داخل الدولة، هذه الفكرة اقتنع بها توماس هوبز بعدما عايش الحرب الأهلية البريطانية، حيث استنتج أن الإنسان شرير بطبعه، ذئب لأخيه الإنسان، ومن ذلك فإن الحاكم الذي يسير الدولة سوف يحكم الذئاب. لذا هو ملزم بأن يطبق العنف المشروع من أجل بعث النظام والاستقرار. هذه الفكرة وجدت أيضا عند ميكيافيلي في كتابه الأمير، حيث قال:" الغاية تبرر الوسيلة"، وطبقت في مشروع الديكتاتورية الفاشية، لأن موسوليني عبر عن قيمة العنف في قوله: "إن السلام الدائم لا هو بالممكن ولا هو بالمفيد، إن الحرب وحدها بما تحدثه من توثر، هي التي تبعث أقصى نشاطات الإنسان وهي وسام النبل على صدور أولئك الذين يمتلكون الشجاعة لمواجهتها".
التسامح سلبي ولا يمكن أن يكون بديلا للعنف، لأن التاريخ يحترم الأقوياء وينظر إلى التسامح على أنه صفة ملازمة للضعفاء. هذه الفكرة وجدت عند  المفكر الألماني فريدريك نيتشه، لأنه أكد أن القوة والعنف هما الأساس في بقاء البشرية، إذ لا مجال للتسامح والأخلاق في حياة الإنسان، لأن الأخلاق من صنع الضعفاء طبقوها  كوسيلة لحماية أنفسهم من طمع الأقوياء، وفي ذلك قال:" إن الذي يمتلك القوة يمتلك الحق، فالنمر الذي يهاجمني يمتلك الحق في أن يقتلني، وأنا الذي أدافع عن نفسي أمتلك الحق أن أقتله". حقا التسامح لا يمكن أن يكون بديلا للعنف في لحظة استرجاع الحقوق، لأن الحق المتمثل في التحرر من قيود الاستعمار لا يمكن أن يسترجع بالتسامح، بل بالعنف. لذا قال جون جاك روسو:" ليس لنا فقط الحق، بل من الواجب أن نثور إذا اقتضت الضرورة ذلك،  فهناك نوع من الأخلاقية يدعونا إلى حمل السلاح في أوقات ما." العنف سمح أيضا للطبقة العاملة باسترجاع حقوقها بعد معاناتها في ظل الاقتصاد الحر. لذا أكد فريدريك إنحلز أن العنف هو أساس البناء والتحرر.



النقد : على الرغم من أهمية طرح هؤلاء لكن لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه . لأن فكرة العنف وجدت في المجتمعات البدائية ولا تتناسب مع صفة الإنسان المتحضر. لا يمكن إخضاع التجمع الإنساني لقانون يحكم الحيوان مادام منفردا بملكة العقل. بل إن الدراسات التي قام بها العالم النفساني فروم أكدت أنه حتى الحيوان ليس عدوانيا إلا في لحظة البحث عن الغداء أو مواجهة خطر خارجي، و من ذلك فكيف يتنازل الإنسان عن قيمه الإنسانية إلى مرتبة الحيوانية ؟ كما أن العنف لا يولد إلا العنف وهذا ما يعني الصراع الدائم .

نقيض القضية : من المعقول أن يقابل العنف بالتسامح.

شرح و تحليل: أكد أنصار التسامح أنه ينبغي مقابلة العنف باللاعنف كفضيلة أخلاقية تعبر عن سمو الإنسان . هذا الطرح وجد في الوقت الذي حدث فيه اقتناع أنه ينبغي التخلي عن فكرة الحقد والصراع مادام  العنف لا يولد إلا العنف كما لا تطفئ النار نارا، بل تزيدها لهيبا . لا يمكن فهم التسامح أنه ضعفا مادام وجد في مجمل الديانات السماوية ورحبت به المجتمعات والمنظمات العالمية.

البرهنة :العنف سلبي،لأنه لا يولد إلا العنف والدمار، هذه الفكرة اقتنع بها برتراند راسل بعدما عايش الحرب العالمية الأولى والثانية، اقتنع بها لأنه توصل أن المنتصر في الحرب لا زال يعاني من ألم فقدان أقرب الناس إليه. هذه الأسباب جعلت راسل يدعو إلى فكرة التعايش السلمي. كذلك أكد إيمانويل كانط في كتابه مشروع السلام الدائم على ضرورة اعتماد التسامح وفعل الخير، لأن الواجب يقتضي ذلك " افعل الخير، لأنه خير، وابتعد عن الشر، لأنه شر".  وهذا يعني أن الاحترام دين لا بد من تأديته لمن يستحقه . التسامح هو قانون أخلاقي مقدس، فكل إنسان يجب أن يحاط بالاحترام بوصفه غاية مطلقة بذاته .العنف سلبي، لأنه سلوك بدائي وحيواني، ومن العار أن يسير الإنسان حياته بقانون لا يتماشى مع قيمه، بل يتماشى مع مخلوق أدنى منه. هذه الفكرة وجدت عند الحكيم غاندي، لأنه أشار أن حياة الإنسان الحقيقية ينبغي أن تكون خالية من العنف وخالية من الخوف لذا قال:" إن التسامح هو قانون الجنس البشري، والعنف هو قانون البهيمة".

أكد فولتير في رسالته مقالة في التسامح، أنه ينبغي التخلي عن العنف لصالح التسامح، وهو ما يتجلى من خلال قوله:" إننا أبناء من نفس الأب، ومخلوقات من نفس الإله. وإننا عجين من النقائص والأخطاء، إذن فلنتسامح فيما بيننا". قيمة التسامح تجلت من خلال ترحيب المجتمع الدولي بها كبديل عن العنف،حيث حدد يوم 16 نوفمبر يوما للتسامح بمبادرة من منظمة اليونسكو.

النقد: لا يمكن التخلي عن منطق القوة من أجل استرجاع الحقوق. أما من الناحية المنطقية فلا يمكن الجمع بين النقيضين، أي لا يمكن الجمع بين العنف والتسامح.
  
 3 - التركيب:وكتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد أن الإنسان العاقل ينبغي أن يطبق الحكمة في تعامله مع الغير، أي لابد أن يطبق العنف بالمعنى الإيجابي عند الحاجة، والتسامح من باب الصفح في الحالات التي تقتضي ذلك، وهذا يعني أنه يمكن مقابلة العنف بالتسامح،  لكن ليس التسامح الذي يكون نوعا من الخوف، بل التسامح الذي يعد احتراما للغير .



III - الخاتمة : (حل المشكلة) ختام القول يمكن التأكيد أن العنف إيجابي لكن ليس دوما، لأن الإنسان طبق العنف من أجل البقاء في مرحلة أرغمته الظروف على ذلك. لكن التحولات التي عرفها التجمع البشري أصبحت تميل أكثر إلى التنظيم والحضارة، مما يعني ضرورة التخلي عن فكرة الصراع. ومن ذلك الإيمان بفكرة التسامح والحوار الحضاري. هذا كله لا يخدم الفرد فقط،  بل يخدم المجتمع الدولي الذي يهدف إلي مشروع القرية الكونية التي يتم من خلالها إلغاء كل الحدود وكل أسباب التعصب.


تحميل مقالة برابط مباشر :


او 

Microsoft Word



       لمزيد من مقالات اضغط هنا  اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا                                                          


ليست هناك تعليقات