العلاقات المغاربية الاوربية العصر الحديث

 

 المغارب والعالم المتوسطي

محاضرة  تاريخ المغرب العربي الحديث

 

العلاقات المغاربية الاوربية

في ظل التطورات والتغيرات التي عرفها العالم المتوسطي في العصر الحديث من القرن السادس عشر الى التاسع عش، عرفت علاقة المغارب بالدول الاوربية أطوارا مختلفة، علاقات حرب وعلاقات سلم. ففترة العصر الحديث تميزت بنوع من التوازن السياسي والعسكري والاقتصادي داخل الحوض الغربي للمتوسط، ولكن مع بداية القرن التاسع عشر سيحدث انقلاب واختلال في توازن القوى لصالح الدول الاوربية، بالرغم أن بعض المؤرخون يرون أن اختلال التوازن بدأ مع معركة ليبانت في 1571، ولكن لم يكن بالشكل الواضح الا مع بداية القرن التاسع عشر.

لأنه مع بداية القرن19 بدأ فعلا التكتل الاوربي ضد الدولة العثمانية وولاياتها وعادت أوربا لاستعمال المدفعية التي تخلت عنها لقرون كما أن القرن 19 هو نهاية الحروب النابليونية التي شغلت أوربا لفترة من الزمن، القرن 19  هو قرن المؤتمرات أيضا التي قررت فيها الدول الاوربية المحافظة على توازن القوى العالمي ولكن دون وجود الامبراطورية العثمانية.

علاقات العداء

بعد أنتهاء أزمة القرن 16 بالمغارب وإلحاقه بالدولة العثمانية ماعدى المغرب الاقصى، دخلت العلاقات الاوربية المغاربية في مرحلة طويلة من التوازن السياسي والعسكري، فقد تحولت الجزائر منذ 1518 وطرابلس الغرب منذ 1551 وتونس منذ 1574 الى ايالات عثمانية، وتمكنت السلطة الجديدة بهذه الولايات من تأمين المواجهة العسكرية مع أوربا بعد أن قام الباب العالي بدرء الخطر الاسباني والحد منه في الحوض الغربي للمتوسط

أما المغرب الاقصى فقد تمكن بعد معركة المخازن التي انتصر فيها الجيش السعدي على البرتغال عام 1578 من تأمين حدوده والدخول في علاقات متكافئة مع الدول الاوربية واستمر ذلك مع العلويين حتى مطلع القرن 19.

ويمكن اعتبار ان النشاط البحري     ما سمي بالقرصنة كانت احدى المؤشؤات الاساسية في المتوسط  

 عزز ذلك التوازن بين الضفتين للمتوسط، ذلك أن القرصنة المغاربية كانت تقابلها من الضفة الاخرى قرصنة أوربية.

وكان هذا النشاط  معناها احتكاك بين الحضارات فيه أسرى وافتداء أسرى ومعاملات ونشاط قوي بين الطرفين، وهو يختلف عن لصوصية البحر فالأول كان قطاعا منظما ومراقبا بصفة مباشرة من الدولة والطبقة الحاكمة في المغارب وفي أوربا

ولتجنب البحارة المغاربة حاولت الدول الاوربية ارساء علاقات سلمية وتجارية مع دول المغارب وذلك على امتداد العصر الحديث

فكما رأينا بادرت فرنسا سنة 1535 بعقد معاهدة سلم مع الباب العالى مكنتها من الحصول على امتيازات من بينها عدم التعرض الى سفنها من طرف الولايات العثمانية، وتحصلت انكلترا سنة 1612 على نفس الامتيازات تقريبا ولكن هذا لم يمنع البحارة المغاربة  من مواصلة نشاطهم ضد سفن البلدان الأوربية وأمام تعدد التعرض لهذه السفن سعت الدول الاوربية الى ابرام العديد من المعاهدات تفصل بين المعاهدة والأخرى حالة من التوتر وكان غالبا الدول الاوربية هي التي تخرق المعاهدة باستعمالها للقوة.

اضطرت فرنسا الى ابرام العديد من المعاهدات مع السلطة التونسية مباشرة لعدم احترام هذه الاخيرة المعاهدات المبرمة مع الباب العالي وذلك طيلة القرن السابع عشر: 1602، 1665،1672 ، 1685،1698،1699

عقدت فرنسا ايضا مع الجزائر عدة معاهدات : مارس 1619، سبتمبر 1628ن فيفري 1661، سبتمبر 1989 والمعروفة يصلح المائة عام

ومشت الدول الاوربية الاخرى على نفس المنوال، تعدد هذه المعاهدات يدل على المكانة التي كانت لدول المغارب سيما الجزائر.

ولان هذه الاخيرة كانت في مركز قوة لم تكن تلك المعاهدات لترضيها فكانت تضطر الدول الاوربية في كثير من المرات لدفع ضرائب واتاوات كهدايا وعرابين صداقة كلما تم ابرام معاهدة أو عند افتداء اسرى أو تعين قنصلا  أوربيا جديدا بدول المغارب.

وقد تميزت الجزائر بالقرصنة والنشاط البحري في القرن السابع عشر والثامن عشر وأشهر الحملات تلك التي كان يقوم بها الرايس حميدو أما تونس فقد نشطت في المجال البحري في القرن الثامن عشر ودعم البايات الحسينيون وخاصة حمودة باشا للحملات البحرية فنشطت ونذكر حملات القبطان محمد رايس.

طرحت قضية القرصنة المغاربية في المتوسط على طاولة المفاوضات في مؤتمر فيينا 1814ـ1815، فأفضت الى تكليف اللورد ايكسموث بالاتجاه الى الجزائر وباقي دول المغارب ليبلغها قرار المؤتمر بالغاء القرصنة واطلاق سراح الاسرى الاوربيين، لم يجد اللورد الانكليزي لتحقيق ذلك صعوبة مع بايات تونس في  حين اضطر الى استعمال القوة أمام تعنت داي الجزائر الحاج عمر فقام الاسطول الانكليزي بمساعدة الاسطول الهولندي بقذف مدينة الجزائر في أواخر شهر أوت سنة 1816 وأسفرت الحملة على اطلاق سراح  حوالي  1200 أسيرا أوربيا والتعهد بالغاء القرصنة.

رغم بعض المحاولات البائسة للبحارة المغاربة لإعادة مجد نشاطهم البحري إلا ان انقلاب  الظرفية في المتوسط لم يعد يسمح للدول الواقعة في الضفة الجنوبية بالوقوف امام القوى الرأسمالية الصاعدة عموما ولاسيما فرنسا وانكلترا رغم انهزامهما اوربيا

فبعد الانتصارات التي احرزتها تونس في حروبها ضد فرنسا بين 1740 و1742 و بين 1760 و1770 وبعد انتصاراتها على البندقية مابين 1784 و1792 أصبحت مع بداية القرن 19 سوقا تجاريا لفرنسا

ونفس الشيء بالنسبة للجزائر فبعد انتصاراتها على اسبانيا في اكثر من مناسبة في 1775 ضد الكونت أوريلي وسنة 1783 ضد دون انطونيو، فأبرمت اسبانيا عدة معاهدة ثم انتهى بها الامر الى التخلي عن وهران والمرسى في 1792

نلاحظ أن علاقات العداء  بين المغارب والدول الاوربية سادها التوتر والحذر وكانت الدول الاوربية تعقد معاهدات الصلح والسلم لتجنب التعرض لسفنها أما مسألة القرصنة فقد تم تهويلها من طرف الاوربيين لتبرير تدخلهم.

علاقات السلم

العلاقات التجارية بين ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية قديمة ولم تتوقف ولم تنقطع حتى بين الدول الأعداء ولكن في العصر الحديث عرفت العلاقات التجارية مميزات ارتبطت بالظرفية التاريخية وبالتغيرات التي عرفها العالم في هذه الفترة.

فقد استغل الاوربيون تفوقهم في مجال صناعة السفن فاقبلوا على بلاد المغارب ليستأثروا بالحركة التجارية فيها وكانوا ينقلون البضائع من والى المغارب، وقد اعتمد التجار الاوربيون على قناصلهم وعلى الحقوق التي تخولها لهم المعاهدات التي ذكرناها سابقا، بدأ بمعاهدة 1535.

فلقد كان للجزائر تمثيل قنصلي منذ 1534، وبتونس منذ 1577، كما كان للبندقية قنصل بتونس منذ 1580، ثم تبعتهما انكلترا منذ 1599 وهولندا منذ 1616.

وقد تحول هؤلاء القناصل الى ممثلين لمصالح بلادهم وحماية الاقتصاد الرأسمالي فانتعشت المبادلات التجارية بين لادان المغارب ومينائين أوربيين هما مرسيليا وليفورنا.

احتكر ميناء مرسيليا التجارة مع تونس و الجزائر وظهرت الشركة الافريقية في 1560 وتطورت لتصبح منذ 1741  شركة اقتصادية عسكرية. وكان لها امتيازات على السواحل التونسية والجزائرية –صيد المرجان، تجارة الحبوب-من أهم المراكز التجارية : القالة، عنابة...

وقد تطور احتكار تجارة حبوب تونس والجزائر التي كانت تمثل 15 الى 30 بالمائة من مجمل الحبوب التي تستوردها فرنسا من ميناء مرسيليا مابين 1780و 1790_والى هذا التاريخ يعود مشكل ديون فرنسا لايالة الجزائر والتي ترتب عنه الاحتلال فيما بعد

أما الواردات المغاربية فكانت الصوف الاسبانية والسكر والقهوة والمواد المصنعة من انكلترا

بالنسبة لليفورنا فقد تميزت بسيطرة اليهود عليها، وظهرت عدة عائلات مثل اللومبروزو وكوستا وغيرها وقد استقرت بعض العائلات في تونس لمراقبة التجارة مع ليفورنة.

وقد لعب اليهود دورا كبيرا في العلاقات التجارية والدبلوماسية المغاربية الاوربية والتي انتهت بالاحتلال في القرن 19

الاحتكاك بين الضفتين سواء بفعل الصراعات أو بسبب التجارة نتج عنه تعرف الاوربيين أكثر على خصائص العالم الاسلامي عموما و المغاربي بشكل خاص وكشفت للمغرب جوانب من الحضارة الاوربية، ووجدت في المدن المغاربية أقليات أوربية من أسرى وتجار ورحالة وأطباء وحرفييين

كما ان النخبة المغاربية خاصة السياسية سعت الى الاطلاع على اوربا والانفتاح على ما حققته من تقدم في الميادين العسكرية والتجارية والسياسية ووجدت بعض الرحلات القليلة الى اوربا.  

 

 

ليست هناك تعليقات