الموانئ الجزائرية خلال العهد العثماني النشأة والأدوار

 

الموانئ الجزائرية خلال العهد العثماني

النشأة والأدوار

مما هو معلوم أن تواجد الدولة العثمانية بالجزائر لم يكن مقتصرا على البر فقط، بقدر ما كان يشمل الواجهة البحرية المطلة على الواجهة البحرية المتوسطية(المياه الدافئة) من هنا كان اهتمام العثمانيين بالجانب العسكري لاسيما ما كان متعلقا بالأساطيل البحرية، خصوصا مع بداية القرن السادس عشر الميلادي، ولعل من بين أهم تلك الموانئ التي لعبت دورا كبيرا سياسيا واقتصاديا وحتى عسكري نذكر على سبيل المثال لا الحصر: - ميناء وهران (المرسى الكبير)، - ميناء مستغانم، - ميناء هنين، - ميناء الجزائر، - ميناء جيجل، - ميناء عنابة.

1-     نشأة وتأسيس الموانئ الجزائرية:

        ممّا يمكن التنبيه إليه هو أنّ لكل ميناء خصائص مختلفة تميّزه عن غيره من الموانئ الجزائرية الأخرى. ولعلّ هذه الخصائص راجعة إمّا لعوامل طبيعية، عسكرية أو اقتصادية، والتي سوف نقتصر على ثلاث موانئ جزائرية نظرا لكثرتها، ولتبيان أهم الموانئ حركة.

أ/ العوامل الطبيعية: لقد كان للعوامل الطبيعية حظ في نشأة هذه الموانئ:

1.    حصانتها ومناعتها ضد العواصف والرياح البحرية والفيضانات.

2.    موقعها الجيواستراتيجي.

3.    معظم الحضارات قامت على ضفاف المياه، فأسست لها بذلك موانئ للحرب وللتجارة.

 

ب/ العوامل العسكرية: تعد سقوط غرناطة عام 1492م، بداية الحملات الصليبية على المدن الساحلية لشمال إفريقيا، ولذا كان من الضروري القيام بـ:

1.    إقامة منشآت دفاعية بالموانئ الجزائرية.

2.    تجهيز الموانئ الجزائرية بالمدافع.

3.    إقامة أبراج وحصون دفاعية لمواجهة وصد الهجومات الصليبية الاسبانية.

1-    ميناء وهران: فلقد كان ميناء وهران من أكبر ومن أهم الموانئ الجزائرية ببايلك الغرب والمطلة على الواجهة المتوسطية، والمتربع على مساحة 24 هكتارا. ونظرا لأهميته الجيوغرافية قام الاسبان بتوسيعه وتدعيم رصيفه الذي يحميه، والذي يبلغ طوله حوالي 1 كلم، والذي تتحمل طاقة استيعابه في وقت واحد أكثر من 200 مركب، ويتسع لأكثر من 100 برميل.

         يتكون هذا الميناء من 4 أحواض تمتد على مساحة 95 هكتارا، كما يرتبط الميناء برصيف صخري يربطه بالمدينة، وقد قام بتصميمه وتجهيزه المهندس الاسباني المعماري" جون باتيستا ماك ايفان". يذكر الرحالة ابن حوقل حاكيا على وهران ومينائها قوله:" إنّ لمدينة وهران مرسى في غاية الصون من كل ريح". كما يذكر "مارمول كربخال" عند زيارته لوهران ومينائها أنّ " مرساها أجمل مراسي إفريقيا وأعظمها يتسع لعدد كبير من السفن، لا تناله الرياح والعواصف من أي جهة من الجهات، كانت ترسو به كل عام السفن الضخمة القادمة من البندقية وغيرها".

-    التحصينات الدفاعية والقاعدية للميناء: تعود تحصينات ميناء وهران(المرسى الكبير) إلى عهد الاسبان لاسيما بعد احتلال المدينة عام 1507م، حيث قاموا بترميمه، وإنشاء أبراج وثكنات دفاعية به من أجل تحصين المدينة وحمايتها من أي تهديد أو غزو يزعزع كيانها، ولعل من أهمها:

-    برج العيون: أسسه الاسبان عام 1509م، وعرف عندهم باسم "برج فرناندو"، تعرض لعدة هجومات من طرف العثمانيين لاسيما من طرف حسن بن خيرالدين عام 1563م فهدمه، ولكن تم ترميمه وتجديده من طرف الاسبان، تكمن أهميته في الدفاع عن المدينة ومينائها.

-    البرج الأحمر أو القصر الأحمر: يعود تاريخ تأسيه إلى عام 1331م، ويعرف ببرج الأمحال، ويقع على الضفة الشرقية لواد الرحى، على هضبة عالية تشرف على البحر شمالا، وتقابل جبل المائدة أو مرجاجو، أو هيدور، غربا. ويبدو أن نواته تعود إلى أيام الفينيقيين بحكم موقعه الجيواستراتيجي، وعند ما احتل الإسبان وهران بنوا داخله قلعة كبيرة للحراسة، وسلحوه بحوالي 300 مدفع، فهو برج ضخم جدا وواسع به قصر البايات شرقا، وقلاع إسبانية غربا.

-    برج المونة أو برج اليهودي: شيّد عام 1509م في المكان الذي دخل منه الإسبان إلى مدينة وهران بواسطة مساعدة المكاس اليهودي شطورة الأشبيلي، ولذلك سمي ببرج اليهودي، به مدافع منصوبة للدفاع البحري من أواخر القرن الماضي.

2-    ميناء الجزائر: هو الآخر يعد من بين أهم الموانئ الجزائرية المطلة على الواجهة المتوسطية، يمتد على طول 19 كلم، تبلغ مساحته 3 هكتار، فهو ميناء صغير مقارنة بميناء وهران. حيث يتسع لأربعين مركبا، كما ترسو به أكبر السفن التجارية والحربية. أقام العثمانيون به رصيفا صخريا صغيرل منبسط على شرق المرسى. تكمن أهميته في كونه قاعدة عسكرية تصد الهجومات الأوربية عموما، كما يعد مأمنا طبيعيا يحمي الجزر المحيطة به من الجهات الثلاث.

- التحصينات الدفاعية والقاعدية للميناء: من أهم التحصينات الدفاعية به نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

- برج الفنار(حصن البنيون): شيّد من طرف الأندلسيين ليكون بمثابة نقطة مراقبة ومنارة على قاعدة صخرية دائرية يبلغ طولها 96م، يحيط به خندق عرضه 5 أمتار، وهذا حتى يكون واجهة دفاعية لصد أي هجوم مباغث.

- برج السردين: يعد من أقدم التحصينات الدفاعية للميناء، شيّد على عهد الحاج علي آغا(1666-1667م)، يتكون من طابقين بهما 32 مدفعا.

- برج القومان(الحبال): شيّد على عهد عمر باشا ما بين سنتي(1814-1815م)، يقع بين برج السردين وبرج رأس المول، به 30 مدفعا موزعة على طابقين.

3-    ميناء عنابة: أو كما يصطلح عليه بميناء "بونة"، يمتد على مسافة 14كم، يتكون ميناء بونة من 3 مراسي أساسية تمتد شمالا وجنوبا، مرسى بخليج بونة(مصب سيبوس)، مرسى شمال المدينة(بجون الخروبة)، مرسى ابن الألبيري(البرج الجنوي).

- التحصينات الدفاعية والقاعدية للميناء: يوجد بميناء بونة عدة تحصينات قاعدية لعلّ من أهمها:

- برج البلارج: شيّد هذا البرج الجنويين(نسبة إلى جنوة بإيطاليا) عام 1544م، على ارتفاع 50 مترا، يبلغ عرضه ما بين 6 و7 أمتار، يحتوي على 12 مدفعا لحماية الميناء والمدينة معا.

         تلكم هي باختصار أهم المنشآت القاعدية والتحصينات الدفاعية التي حوتها الموانئ الجزائرية(ميناء وهران، الجزائر وعنابة)، والتي اتخذتها الايالة الجزائرية خلال العهد العثماني، كركائز أساسية لانطلاق نهضتها العسكرية.

2-    الدور الاقتصادي للموانئ الجزائرية:

         ممّا لا يكاد يختلف حوله اثنان هو أنّ للموانئ الجزائرية لعبت عدة أدوار أهلتها لتكون منافسا اقتصاديا وعسكري لموانئ جنوب ضفة المتوسط.

أ‌-   التجارة: استطاعت إيالة الجزائر خلال العهد العثماني من خلق حركة تجارية نشيطة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي؛ بالرغم من حالة الفوضى والاضطراب السياسي، والفتن الداخلية التي كانت تعصف بها من حين لآخر، إلى جانب الهجمات الأوربية، ثم موجة الأوبئة والأمراض والمجاعات والكوارث الطبيعية التي شهدتها إيالة الجزائر آنذاك. كل هذا لم يثبط من عزيمة الرعية والسلطة على حد سواء في ممارسة النشاط الحرفي والاقتصادي. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نميز بين نوعين من التجارة: الداخلية والخارجية.

1-    التجارة الداخلية: تمثلت التجارة الداخلية باختصار في مجموع الأسواق الأسبوعية التي كانت تقام ببايلكات الايالة، والتي كانت تعرض فيها أهم المنتجات والبضائع المختلفة. كما كانت المبادلات التجارية في بعض الأحيان تقوم على مبدأ المقايضة.

2-    التجارة الخارجية: يتفق معظم مؤرخي الفترة الحديثة لاسيما مع نهاية القرن السابع عشر وإلى نهاية القرن الثامن عشر على أن الغنائم البحرية ومسالة افتداء الأسرى كانت تمثل القسم الأكبر في العلاقات التجارية للموانئ الجزائرية.

        عملت الايالة الجزائرية على تصدير منتجاتها إلى أوربا سواء كانت غذائية أو حيوانية(الحبوب، الشمع، الصوف)، بالمقابل تستورد منها الأقمشة وبعض المنتجات الصناعية. كما كانت المبادلات التجارية تتم عن طريق الموانئ البحرية بين إيالة الجزائر والأسواق الأوربية. لقد كان ميناء الجزائر ووهران يشرفان على ثلث التجارة الخارجية، وكان لليهود دور بارز في ذلك، ويشير الباحث حنيفي هلايلي إلى أن " اليهود كانوا يتبعون نظاما محكما في الدفع عن طريق التعويض، حيث تذكر بعض المصادر الفرنسية أن دار بكري وبوشناق صدرت عام 1793م أكثر من مائة باخرة قمح من ميناء وهران الى فرنسا".

3-    الدور العسكري:

        يكمن الدور العسكري لهذه الموانئ الجزائرية كونها بها منشآت قاعدية عسكرية وتحصينا دفاعية، تحول بينها وبين الهجمات الأوربية أو أي تهديد من شأنه زعزعة استقرار المدينة. وقد لعب كل من ميناء وهران وميناء بونة والجزائر، أدوار بارزة في مقاومة الهجمات الأوربية وتحديدا الاسبانية منها.

        وعليه فقد اهتم الحكام العثمانيون بالموانئ الجزائرية خلال العهد العثماني؛ كونها كانت تشكل دعائم لعدد من القواعد العسكرية في صد التحرشات الاسبانية، إلى جاني الدور الاقتصادي التي كانت تلعبه في حجم المبادلات التجارية داخليا وخارجيا. فجل العائدات كانت أغلبها من الجهاد البحري وافتداء الأسرى.        

خاتمة:

        لقد لعبت الموانئ الجزائرية دورا بارزا في الحياة الاقتصادية والعسكرية، وهو ما أهلها إلى أن تكون موانئ منافسة للموانئ الأوربية. ثم إنّ اهتمام الحكام العثمانيين بالجانب العسكري عموما وبالموانئ البحرية كبناء الأساطيل وترميمها وتوسيعها على وجه الخصوص، لتكون شوكة في وجه التحرشات الأوربية لاسيما الاسبانية منها؛ لدليل واضح على مدى أهمية هذه الموانئ الجزائرية في العمل اللوجستيكي إلى جانب الدفاعات البرية.

أهم المراجع والمصادر:

-      حمدان ين عثمان خوجة، المرآة، تع وتح: محمد العربي الزبيري، منشورات(ANEP) ، دط، دت.

-      خلاصي علي، المنشآت العسكرية الجزائرية في العصور الحديثة، مطبعة ديوان الجزائر، دط، 2008.

-      هلايلي حنيفي، أوراق في تاريخ الجزائر في العهد العثماني، دار الهدى، دط، الجزائر، 2008.

-      هلايلي حنيفي، بنية الجيش الجزائري خلال العهد العثماني، دار الهدى، دط، الجزائر، 2007.

-      المنور مريوش، دراسات عن الجزائر في العهد العثماني القرصنة، الأساطير الواقع، دار القصبة، الجزائر، ج4، 2008.

ليست هناك تعليقات