مشروع بلوم فيوليت

 

      https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/5/5a/Logo-Univ_Tlemcen.png/220px-Logo-Univ_Tlemcen.png        الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

        وزارة التعليم العالي والبحث العلمي         

                 جامعة أبو بكر بلقايــــد             

          كلية العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية                         

                         قســــــم التاريخ

 

السنة: الثالثة ليسانس

مقياس: الحركة الوطنية

  

مستطيل: مشطوف الحواف: مشروع بلوم فيوليتبحث بعنوان:

 مشروع بلوم فيوليت 

 


 


مقدمة

   إن عقد العشرينيات في الجزائر كان زاخرا بالأحداث السياسية إذ كان لنتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية تأثير واضح على المشهد السياسي الجزائري، فمن جهة برز الوعي السياسي لدى الجزائريين وتجسد في ميلاد الأحزاب الوطنية المختلفة الاتجاهات، ومن جهة أخرى نجد فرنسا تسعى جاهدة لإبقاء مستعمرتها (الجزائر) هادئة من خلال وعود الإصلاحات والتضييق على نشاط الحركة الوطنية، وعموما ظهرت خلال هذه المرحلة عدة مشاريع سياسية وإجراءات كان لها وقعها على مسار الحركة الوطنية بين الحربين، إذ حاولت فرنسا بهد نهاية الحرب الكونية الثانية أن تحتفظ بسياستها الاستعمارية في الجزائر من خلال تجديد قانون الأهالي والادعاء أن الحركة الوطنية الزائرية بمختلف تياراتها موجهة من الخارج وحتى تحول دون قيام ورد فعل قوي من طرف الجزائريين عمدت إلى جملة من المشاريع السياسية بدعوى إصلاح أوضاع الجزائريين وأهمها: إصلاحات 1919، منشور ميشال، قرارات رينيه، مشروع بلوم فيوليت، وعود حكومة الجبهة الشعبية وإلى غيره من المشاريع،  إلا أننا في دراستنا هذه سنتطرق إلى مشروع بلوم فيوليت وأهم ما جاء فيه.

الإشكالية:

 فيما تمثل مشروع بلوم فيوليت؟ وكيف اجتهدت حكومة الجبهة الشعبية في تحقيق مطالب الحركة الوطنية وتنفيذ محتوى المشروع؟

منهج الدراسة:

  واعتمدت في دراسة موضوعي المنهج التاريخي الوصفي استعملته لحاجة موضوعي لسرد أهم مضامين المشروع، والوصفي استعملته لوصف ردود الشعب الجزائري حوله.

أهم المصادر والمراجع:

  وبالنسبة لقائمة المصادر والمراجع والدراسات السابقة، حاولت أن أدرج وأركز على المصادر التي جمعت أهم ما ورد في المشروع .

خطة البحث:

مقدمة.

الفصل الأول: مشروع بلوم فيوليت.

المبحث الأول: ظروف صدور مشروع بلوم فيوليت ودوافعه.

المبحث الثاني:  الوضع السياسي في الجزائر عشية إعلان المشروع.

المبحث الثالث: محتوى مشروع بلوم فيوليت.

الفصل الثاني: مواقف من مشروع بلوم فيوليت.

المبحث الأول: مواقف الأحزاب الجزائرية من مشروع بلوم فيوليت.

المبحث الثاني: المواقف الفرنسية من المشروع ومصيره.

خاتمة.

صعوبات الدراسة:

كثرة المصادر والمراجع وصعوبة التنسيق بينها لتشعب الموضوع.

صعوبة كتابة موضوع على وورد لعدم وجود حاسوب جيد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأول: ظروف صدور مشروع بلوم فيوليت ودوافعه:

  لقد اضطرت فرنسا إلى التلويح ببعض المشاريع بناءا على تقارير اللجان البرلمانية التي زارت الجزائر واطلعت على أوضاع الأهالي المسلمين منذرة بفقدان الجزائر الفرنسية، وكذا أصوات المتعاطفين من الليبراليين الذين أكدوا على ضرورة الاصلاحات لمعالجة المسألة الجزائرية، ومن هؤلاء السياسي الفرنسي "موريس فيوليت" الذي مع مجيء حكومة الجبهة الشعبية للحكم في فرنسا حاول ايداع مشروعه في غرفة النواب في جلسة مجلس الوزراء ليوم 15أكتوبر 1936م والذي يقضي بوضع اصلاحات جديدة للجزائريين المسلمين وعلى رأسها توسيع حقهم الانتخابي ومنحهم المواطنة الفرنسية دون تخليهم عن أحوالهم الشخصية الاسلامية وهو ما أطلق عليه المشروع الحكومي "بلوم فيوليت" ((BLUM-VIOLLETTE.

المبحث الأول: مشروع بلوم فيوليت:

المطلب الأول: ظروف صدور مشروع بلوم فيوليت ودوافعه:

أولاً: التعريف بمشروع بلوم فيوليت:

   مشروع بلوم فيوليت (بالإنجليزية: Blum-Viollette proposal)‏ هو مشروع قانون سمي بهذا الاسم نسبة إلى ليون بلوم؛ وموريس فيوليت الذي كان حاكما عاما على الجزائر خلال العشرينات، وأصبح عضوا في مجلس الشيوخ وقيادي في الحزب الاشتراكي الفرنسي ونظرا لخبرته بالشؤون الجزائرية. قدّم سنة 1936م مشروعا عرف بمشروع فيوليت، يتكون من ثمانية فصول وخمسين مادة تتضمن إصلاحات دستورية بإعطاء حقوق متساوية بين الفرنسيين والجزائريين، وإصلاح التعليم، وإصلاحات زراعية، وإلغاء المحاكم الخاصة بالجزائريين، وإنشاء وزارة الشؤون الإفريقية، وزيادة عدد الجزائريين في المجالس المحلية، بالإضافة إلى إصلاحات أخرى، ومنح الجنسية الفرنسية لبعض المثقفين الجزائريين[1].

 

 

 

 

ثانياً: دوافع المشروع:

أ: الدوافع السياسية:

  مما دفع حكومة بلوم لتحقيق هذه الإصلاحات هي: كثرة الاضطرابات التي واجهتها الجزائر ما بين 1935م-1936م فعندما تسلمت الجبهة الشعبية الحكم في شهر جوان قام العمال الجزائريون بعدد من الاضطرابات في المعامل والمصانع والشركات التي يسيطر عليها كبار المعمرين بهدف تحقيق المساواة بينهم وبين زملائهم الفرنسيين في الأجور.

   ففي 11 جوان 1936م اضطرب عمال سيدي موسى وفي 13 من نفس الشهر ببئر توتة و15 في برج الكيفان وحسين الداي وبئر خادم وفي 16 حدث الاضطراب في سطاوالي، كما شهدت هذه السنة 1935 العديد من الاضطرابات الخطيرة في كل من الجزائر ومستغانم قام بها عمال الموانئ احتجاجا على البطالة وقد اشترك فيها على الأقل 3000 شخص، كما حدث اضطراب خطير في سيدي بلعباس جرح فيه حوالي 40 شخصا، وسطيف ووهران بسبب مشادات بين اليمنيين والشوعين باشتراك فيها الجزائريين.

    وعليه فقد سجلت سنة 1936م حوالي 288 إضراب بمشاركة 69523 مضرب ومنها 220 إضراب شارك فيه حوالي 52885 مضرب، كما سجلت قسنطينة في 1936 عشرة إضرابات هذه الأخيرة... وعلى الرغم من أن سببها المباشر لم يكن سياسيا إلا أن أهدافها وتطورها كان سياسيا، حيث أصبح الجزائريون في منتصف الثلاثينات أكثر وعيا منذ قبل وأكثر معرفة بحقوقهم السياسية وحرياتهم.

   ويمكن القول أنه من بين ما دفع حكومة بلوم إلى تحقيق بعض الإصلاحات المعروفة بإصلاحات بلوم فيوليت  هي كثرة الاضطرابات والاضرابات في هذه الفترة.

ب: الدوافع الاقتصادية والاجتماعية:

   كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية في سنوات ما بين 1936-1930 أي قبيل صدور المشروع في حالة سيئة زادت تأثيرا على الرأي العام الجزائري.

  فمن الناحية الاقتصادية كانت تتمثل في مخلفات أو نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية 1929م والتي لم تنتج الجزائر من آثارها وانعكاساتها، حيث أصابت هذه الأزمة الصادرات المنجمية الجزائرية فتراجعت بنسبة 30 إلى 40 % عام 1931، مما أدى إلى تسريح 5000 عامل من عمال المناجم، وانهيار المواد الصناعية، والقضاء على الصناعات التقليدية التي كان يعيش منها الحرفيون الأحرار كصناعة النسيج والجلود والأحذية لكل من تلمسان وقسنطينة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المنتوجات التي ارتفعت معها الضرائب التي كانت محل خلاف بين الأحزاب والكتل الفرنسية، مما أدى بفرنسا لوضع برنامجا ماليا يحتاج إلى نحو 10 ملايين فرنك، نصفها ضرائب مفروضة على الشعب الجزائري.

  كما انفرد المعمرون بالاستقلال المالي للجزائر وهذا منذ صدور قانون 19 ديسمبر 1900 الذي مكنهم من التصرف المطلق في خيرات الجزائر الاقتصادية السطحية والباطنية، والبرية والبحرية، بالإضافة إلى إرهاق الجزائريين بالضرائب الباهظة التي لا تتناسب وإمكانياتهم المادية، بالإضافة إلى مصادرة الأراضي العقارية بمختلف الوسائل، فأصيبت طبقة الفلاحيين بضرر شديد.

  أما من الناحية الاجتماعية فقد انخفض مستوى معيشة السكان وارتفعت الأسعار مما أدى إلى انتشار الفقر والمجاعات والأوبئة والأمراض.

   وفي مقابل هذا ظهرت خلال هذه الفترة نهضة فكرية أدت إلى ظهور صحافة وطنية نشطة لعبت دورا هاما في رفع الوعي الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الجزائري، كما ظهرت نوادي وجمعيات ثقافية خلفت نشاطا سياسيا واسعا تمثل في المحاضرات والدروس والمهرجانات والذي أدى بظهور النخبة على اختلاف ثقافاتهم تحملوا عبئ الكفاح السياسي بمختلف


أشكاله وأساليبه ومفاهيمه[2].


المبحث الثاني:  الوضع السياسي في الجزائر عشية إعلان المشروع:

  تعد فًترة الثلاثينات منعطفا حاسما في الحياة السياسية في ظل السيطرة الاستعمارية، المطبقة والتي أبانت عن أهدافها وتسلطها الاستعماري، وتنفيذ رغبة أقلية من الكولون، يجعل الجزائر الفرنسية مستعمرة الأحلام.

المطلب الأول: الوضع السياسي في الجزائر من الفترة 1930 إلى 1933:

   فبحلول سنو 1930م، احتفل الفرنسيون بمئويتهم[3]، باحتلال الجزائر حيث اعتبروا هذه السنة بداية عهد جديد من الانتصارات في الجزائر، ودخلوا القرن الثاني من احتلالها وهم في غمرة النشوة والسعادة معتقدين أنهم سيظلون فيها إلى الأبد، ورفع غلاتهم، شعارات معادية للعرب والإسلام معلنُين أنهم قد افتتحوا الجزائر عنوة وأنهم افتكوها من الحضارة الاسلامية وأعادوها إلى الحضارة الرومانية، وكانوا خلا ذلك يضربون بيد من حديد على محاولات التنظيم السياسي بين الجزائريين معتبرين كل محاولة من هذا النوع كفرانا بنعمة فرنسا على الجزائر واصفين من يقوم بها بالخيانة أو التبعية لدولة أجنبية أو بالإجرام وهكذا خنقوا حركة الأمير خالد في مهدها، وأجربوا النواب المستقلين على طأطأة الرأس، (وهم من اشتهروا بجماعة "بن وي وي"[4].

   إلا أن رغبة الوالي العام "فيوليت" في التخفيف من وطأة العنف والارهاب المسلط عليهم من قبل الكولون، وهو ما لمسه الجزائريون بتوليه هذا لمنصب لم يكد يتحقق بحلول سنة 1930م، حيث تآمر عليه غلاة الاستعمار، وأثاروا ضجة عليه، كما نشروا حملات دعائية ضده و ضد سياسته، بغية حرمان الجزائر من كل الحقوق و لو كانت تافهة، من خلال التأثير على نواب البرلمان الفرنسي والذي كان أداة طيعة بُت أيديهم[5]، اين رفضوا مشروعه الاصلاحي الذي طرحه للمناقشة على مجلس الشيوخ في جويلية 1931م، وهو مشروع قانون تناول مجموعة من القضايا أهمها السماح للنخبة بنيل المواطنة الفرنسية دون التخلي عن الأحوال الشخصية ،ليدافع عن هذا الطرح وبين أن معاناة الجزائريين ليست بسبب الأزمة الاقتصادية فحسب، بل كذلك معاناتهم من أزمة نفسية بسبب النظام الذي يقتل شيئا فشيء كل افاق المجتمع الأهلي؛ إلا أن المشروع رفض مرة أخرى في 22 مارس 1935م بعد خطاب النواب الفرنسيين في الجزائر كيتولي وديرو ومارسيل رينييه الذي صرح : " منذ 1919 بذلنا كل ما في وسعنا لا تطلبوا منا الذهاب الى أبعد من هذا لأنه بكل بساطة مستحيل"[6].

      وهكذا بقي مشروع فيوليت محل رفض تام من طرف الساسة الفرنسيين الناتج بالأساس عن ضغط المعمرين وممثليهم، والذين كانت لديهم حساسية من الاصلاح في الجزائر ويرفضون أي فكرة لمنح أدني حق للجزائريين، بحدث هذا في ظل تنامي نشاط الحركة الوطنية رغم الضغوط، حيث استمر نجم شمال افريقيا[7]، في نشاطاته المختلفة، أين بدأ في اجتماعات وتأسيس الفروع في باريس ونواحيها، وتوزيع النشاطات باللغتين العربية والفرنسية، كوسيلة للاحتجاج، كما كانت مشاركته في مؤتمر بروكسل، المنعقد بين10 و15 فيفري1927م فرصة كبيرة للتنديد بالإمبريالية الاستعمارية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، منها الشعب الجزائري.

المطلب الثاني: الوضع السياسي في الجزائر بداية من الفترة 1933:

    يحدث هذا في الوقت الذي كانت فيه النزعة الوطنية تتنامى وتتزايد لكثرة الخلافات مع القوى الاستعمارية في الجزائر وفرنسا، فكانت سنة 1933 انطلاقة جديدة للنجم، وإعادة بعث لنشاطاته بقيادة مصالي الحاج.

وذلك بوضع برنامج سياسي والقوانين الداخلية والمطالب المستعجلة، فانعقد مؤتمر نجم شمال افريقيا يوم 28 ماي 1933،وقد تضمن هذا البرنامج قسميين، ويمكن إجمال القسم الأول منه في مطالب ديمقراطية، وأهداف ومرامي سياسية كانت ترد عادة في خطاب النجم إلى السلطات الفرنسية العامة منذ تأسيسه؛ وبمجرد عودة "مصالي" من منفاه في جنيف[8]، شرع وجماعته في العمل من أجل تقوية نفوذ الحزب، وخاصة في فرنسا، فشكل في يوم 20 جوان 1936 وفدا يتكون من "عميش" وجيلالي" و"بنون أكلي" واتجه إلى وزارة الداخلية الفرنسية لتقديم مطالب حزبه المتمثلة في انشاء برلمان جزائري المقترح من طرف "مصالي الحاج"، وقد استقبل الوفد استقبالا حسنا وتلقى وعودا بالنظر في هذا المطب بالذات، في الوقت الذي بقي فيه مصالي الحاج مصرا على موقفه في مهاجمة سياسة الإدماج، ويظهر ذلك من خلال الرسالة المنشورة التي وجهها الى الشعب الجزائري في نوفمبر 1936 والتي نصت على ما يلي "يا لتعاسة الجزائريين ؟ الإدماج، الحاق الضم الانصهار، الخليط كلها كلمات مرادفة للموت، المحو، التشتيت، نطقوا بها دون فهم، يتبجحون بالتسول بها من حكومة الجبهة الشعبية، ولا يدركون ما تحتويه من احتقار، غرابة وفي نفس الوقت مأساة [9]"، وهو ما يختلف عن مطالب الأحزاب الجزائرية الأخرى وهي فدرالية المنتخبين وجمعية العلماء والحزب الشيوعي الجزائري فهذه الأخيرة طالبت مجتمعة في مؤتمرها المنعقد يوم 07 جوان 1936 بإصلاحات سياسية تتمثل في الحصول على الجنسية الفرنسية دون التخلي عن الهوية الإسلامية، وتمثيل الجزائريين

في البرلمان الفرنسي[10]، وكانت أهم المطالب التي رفعها هؤلاء تتمثل في منح جميع حقوق المواطنة للجزائريين المسلمين مع الاحتفاظ بقانونهم للأحوال الشخصية، وينص التمثيل النيابي الوحيد في هيئته انتخابية عامة مشًتركة والابقاء على الشخصية الوطنية وقد تم تسجيل هذه المطالب في ميثاق سمي "كراسة مطالب الشعب الجزائري المسلم"؛ بالموازاة  مع هذا كانت جمعية العلماء المسلمين خير رافد إصلاحي، ساهم في تمسك المسلمين الجزائريين بهويتهم، فكانت ترى قضية التجنيس، قضية دينية لأن المتخلي عن جنسيته هو متخل بطبيعة الحال عن دينه وهويته، لذلك اتخذت موقفا معاديا للتجنيس والمتجنسين، وطرحت اشكالات هامة في هذه الفًتة، تخص هؤلاء المتجنسين الذين تشبثوا بوهم المواطنة الفرنسية، والتمتع بالحقوق كما المواطن الفرنسي لذا نعتهم "رابح زناتي" بالمتجنسين المساكين قد تجنسوا ظنا منهم أن يتقدموا، ولم يعتبروا انتقاد إخوانهم، فأصبحوا منبوذين من الطرفين، ولا ينتمون لا لهؤلاء ولا لهؤلاء، فأوجدوا أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، فوصفهم "ابن باديس" بالمرتدين[11].

 المبحث الثالث: محتوى مشروع بلوم فيوليت:

المطلب الأول: محتوى المشروع:

   ان مشروع " موريس فيوليت" كان لبنة أساسية لما جاء بعده وهو مشروع "بلوم-فيوليت"، بل هو إعادة احياء له، وقد تضمن ثمانية فصول، شملت إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية حيث تضمنت المادة الأولى منه منح فئات من الأهالي الجزائريين حق المواطنة الفرنسية، وخص منهم بالذات الفئات التالية:

المشتغلين بالجيش الفرنسي ويتعلق الأمر:

1)     الأهالي الذين أنهوا الخدمة العسكرية برتبة ضابط.

2)     الأهالي الذين غادروا الجيش، وهم في رتبة رقيب أول أو رتبة أعلى منه بشرط ان يكونوا خدموا في الجيش مدة 15 سنة ونالوا شهادة حسن السلوك.

3)     الأهالي الحائزون على ميدالية عسكرية أو الصليب الحربي.

4)     أصحاب رتبة جوقة الشرف أو الذين أهلوا لنيل مرتبة من رتبها بشرط أن يكون نيلها لهم وأثناء الخدمة العسكرية.

بينما خص هذا المشروع فئة ثانية من الأهالي، وهي الفئة الحائزة على إحدى الشهادات الآتية:

- شهادة تعليم الباكالوريا، الشهادة العليا، الشهادة الثانوية، شهادة التخرج من إحدى المدارس الوطنية، أو خاصة بتعليم الصنائع، والحرف والفلاحة والتجارة، الموظفون الذين نالوا وظيفتهم عن طريق الامتحانات والمسابقات.

- بالإضافة إلى الفئة المنتخبة ضمن مختلف الهيئات الفرنسية: المنتخبون في الغرفة التجارية والفلاحية، النواب الماليون، النواب في المجالس العامة، في البلديات، ذات الصلاحيات الواسعة ممثلو الجماعات الذين شغلوا مناصبهم طيلة المدة التي أوكل لهم فيها هذا المنصب، الباشا غاوات والأغاوات والقياد الذين قاموا بوظيفتهم على الأفل مدة 04 سنوات[12].

  كما خص المشروع فئة العمال الذين استحقوا وسام العمل المساعدين في النقابات العمالية، الذين شغلوا مناصبهم مدة عشر سنوات.

 تمنح الحقوق السياسية بعد سنة من تطبيق هذا القانون لمائتين من أهالي كل عمالة من بين التجار والحرفيين بمقتضى قرار يصدره الوالي العام وتمنح نفس الصلاحية للغرف الفلاحية الثلاث تحت نفس الشروط صالحية منح حقوق المواطنة لمائتي فلاح، بينما يصبح هذا العدد في كل سنة خمسين،

تمنحه الغرفة الفلاحية التجارية وأرباب العمل والغرف الفلاحية لمن تختارهم من الفلاحين؛ بموجب هذا القانون يصبح بإمكان 24046 أهلي مسلم الانضمام إلى العائلة الفرنسية، ويكون لهم الحق في التصويت ليرتفع هذا العدد بشكل تدريجي في الانتخابات التشريعية المقبلة سنة 1940 إلى

30054)) ومهما تكن دقة تلك التقديرات، فإنه يبين أن الهيئة الانتخابية الفرنسية، وعدد المسجلين  فيها البالغ عددهم(749.202 ) في عام 1936م لم تكن تخشى الاكتساح، غير أن نسبة 12 إلى 14 %من الناخبين الاضافيين الذين كان يتوقع أن تنتخب الغالبية منهم مرشحي الجبهة الشعبية كانت كافية بلا شك لتعديل التمثيل النيابي السياسي للجزائر في غرفة نواب الجزائر 12 نائبا بدل 09 نواب، وهذا كله لا يبرر أي خوف أو هلع من هذا المشروع كما أشير[13].

 بالمقابل كان يمكن أن يحد الانقلاب فعلا في التمثيل المحلي، إذ أمام (113، 838)مواطنا فرنسيا مسجلا في عام 1935 ضمن القوائم الانتخابية لانتخاب المندوبات والمستشارين العاميين، كان يوجد 25 ألف ناخب مسلم قادرين على القيام بدور الحكم في التنافس، بل وحتى فرض مرشحيهم في بعض الدوائر الانتخابية، أما على المستوى البلدي، فإن الناخبين الجزائريين الجدد كانوا بصدد تعديل تركيبة المجالس فيها وكان يمكنهم الحصول على ما يقارب نصف عدد المقاعد، ولو فرضنا أن1/5 المسلمين سينتخبون بصفتهم فرنسيين أي مجموع الخمسين، (ويؤلفون كتلة مع ثلث المجلس المنتخب بصفتهم أهالي (خمسة أخماس)، غير أنه وحتى مع هذه الفرضية القصوى، لم يكن لأغلبية المجلس أن تصبح مسلمة على عكس ما كان مغالطة من طرف اتحادية رؤساء البلديات[14].

ومما لا شك فيه أن مشروع "بلوم فيوليت" هو تنفيذ لفكرة دمج الجزائر بفرسنا بصورة ة تدريجية، عن طريق النخبة الجزائرية المتخرجة من المدارس الفرنسية، وتهدئة غليان السنوات الأخيرة، وكسب نخبة المسلمين لصالح القضية الفرنسية، فعندما تكون هذه الفئة تتمتع بممارسة الحقوق السياسية، ستكون لها مصالح تختلف عن الجماهير مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأهالي وحتى الأكثر تحضرا لا يقبل الارتداد عن عقيدته وهو ما أدركه جيدا فيوليت بقوله:" أما الحالة الشخصية، فلا تعد حاجزا في طريق هذا الاصلاح لأن قانون الأحوال الشخصية الإسلامية هو كما عند المسلمين هو عند اليهود تقريبا، والتي لم تمنعهم منذ ستين سنة أي منذ مرسوم "كرنتيو" من إعطاء اليهود حق الانتخاب...، ويوجد في الهند الصينية فرنسيون لهم قانون أحوالهم الشخصية الخاص ،كما يوجد بها فرنسيون مستمسكون بأحوالهم الشخصية ومع هذا فجميعهم يصوتون، سواء الذين تركوا قانون أحوالهم الشخصية أو الذين لم يتركوها، كذلك الحال في مقاطعات السنغال الأربعة، فإن جميع المسلمين لهذه المقاطعات ناخبون منتخبون مع بقائهم محافظين على أحوالهم الشخصية.

 

 

المطلب الثاني: جداول تفصيلية لأهم ما جاء في المشروع:

  حسب هذا المشروع الحكومي الذي وسع دائرة الفئات للحصول على حقوق المواطنة سيتضاعف عدد هؤلاء بشكل ملفت للانتباه بين سنتي 1936 و1940 وذلك كما يلي[15]:

السنة

1936

1940

المجموع

2406

30546

 

أما بالنسبة لتقسيم الناخبين الجدد سيكون كالتالي:

الفئات

سنة 1936

سنة 1940

قدماء الضابط لهم 15 سنة خدمة.

2150

3300

قدماء الضابط لهم وسام عسكري والصليب الحزبي.

6000

1000

الحاصلون على شهادات العليا

4300

4800

المواطنون المعنيون عن طريق الامتحانات والمسابقات.

1500

1536

القياد وقدماء القياد والباشاغاوات والأغاوات.

1714

1774

المنتخبون الأهالي، نواب الأهالي، المنتخبون العامون في البلديات وممثول الجماعات

6006

6006

المنتخبون في الغرفة التجارية والفلاحية والأعضاء الذين

تختارهم هذه الغرفة.

638

1050

العسكريون الحاصلون على جوقة الشرف والحاصلون عليها

بصفة مدنية

120

60

العمال الحاصلون على ميداليات.

6

1020

الأعضاء الذين يختارهم مجلس الإدارة.

600

1050

 

 

 

الفصل الثاني: مواقف من مشروع بلوم فيوليت.

  وجد مشروع "بلوم فيوليت" صدى كبير في أوساط تيارات الحركة الوطنية الجزائرية، وسيطر على الحياة النيابية خلال فترة الثلاثينات أي فترة حكم الجبهة الشعبية، وهكذا تعددت الآراء والمواقف اتجاهه، حيث تراوحت بين المؤيد والمتحفظ والرافض له، وفي ذلك تفصيل كالتالي:

المبحث الأول: مواقف الأحزاب الجزائرية من مشروع بلوم فيوليت:

المطلب الأول: موقف النخبة من المشروع:

   لقد مثل الطرف المؤيد جماعة النخبة، حيث وجد المشروع قبولا ودعما كبيرا في ارتباط الطبقة المثقفة، اذ رحبت بالمشروع واعتبرته خلاصها وخلاص الجزائريين من حالة الأهلية، فقد وقفت كتلة النواب المنتخبين إلى جانبه، وأيدته بحماس شديد وكان موقفها خلال المؤتمر الإسلامي لا يحتاج إلى توضيح، ترجم هذا الموقف اجتماع كتلة النواب في وهران، حيث أصدروا لائحة بعثوها إلى الوزير الأول "ليون بلوم"، وإلى السيد "فيوليت"، وإلى وزير الداخلية، وإلى الحاكم العام، استنكروا فيها الأعمال التي لا يمكن السكوت عنها لبعض شيوخ البلديات الفرنسية بالجزائر، واعلنوا تأييدهم المطلق للمشروع.

   فهو حسبهم" تحقيق الآمال المشروعة المسلمين الفرنسيين، ولأنه يتماشى مع سياسة فرنسا في الجزائر القائمة على فكرة الاندماج، وكذلك أصدرت كتلة النواب في قسنطينة والجزائر لائحتين في نفس المعنى، الأول بتاريخ 15 جانفي، والثانية 12 منه"[16].

   وإيمانا منهم بهذا المشروع، نشط النواب خلال نفس العام، من أجل الدفاع عنه فكثرت المؤتمرات، والتجمعات واللوائح والوفود، ومن ذلك أن وفدا برئاسة ابن جلول قد توجه الى باريس بتاريخ 05 مارس وكانت النتيجة مرة أخرى مجموعة من الوعود مما اضطرهم  أمام هذه الوعود إلى اعتماد طريقة جديدة لتحقيق مطالبهم، وهي الاستقالة الجماعية حيث استقال حوالي ثلاثة آلاف نائب جزائري قبل نهاية العام احتجاجا على تأخير مناقشة مشروع البرلمان،  وأمام هذه الضغوط وعودة "ابن جلول" و"عباس " على رأس وفد إلى باريس حيث قابلهما وزير الداخلية "ألبَت صارو"، وانتظروا هناك الموافقة على المشروع مقابل سحب الاستقالة الجماعية فبدأت مناقشته في البرلمان فعلا، وبدأ يلقى قبولا، وهو ما استنكره المعمرون، الذين بدأوا فورا جملة شرسة ضده ولم

 

يتوالوا في استعمال كل الأساليب لإفشاله[17].

   من جانب آخر، اختار نائب رئيس المؤتمر الإسلامي، الأمين العمودي من جهته مشروع "فيوليت" نهائيا وعلى بصيرة"، وإن كان يعترف أنه "لا يلبي تمام تطلعات النخبة، وطموحات الجماهير بدرجة أكبر.

   ورغم كل مظاهر التأييد، واعلان الولاء لفرنسا، من طرف هذه الجماعة، لم تنل أبدا شيئا مما كانت تصبو إليه، وقد خابت كل أمالهم، فكان فشل مشروع "بلوم فيوليت" بمثابة صدمة "لعباس فرحات" و"ابن جلول"، وجميع العناصر المثقفة بالفرنسية والمؤيدة لسياسة الاندماج[18].

المطلب الثاني: موقف جمعية العلماء المسلمين:

 لم يكن موقف لجمعية ورجالتها، موقفا واضحا في البداية من المشروع، بل كان التخوف والحذر الشديدين هو السمة الغالبة على مواقفها، خاصة وأنها لم تدرك الغرض المنشود من وراءه، بل اعتبرته مجرد مرحلة مؤقتة يمكن استبدالها في الوقت المناسب، وهو ما عبر عنه رجالات الجمعية في كممن مناسبة، فقد ذكر البشير الإبراهيمي في مقال له في جريدة الشهاب بعنوان" يوم الجزائر" بتاريخ جويلية 1936..... ":مشروع موريس فوليت، وصاحبه من أبرز المنشغلين بالسياسة الأهلية الجزائرية وقد أدار برنامجه على اعتبارات سياسية دقيقة، لا يفهمها إلا الراسخون في علم السياسة و أفرغه في قالب لفظي مستهو خلاب ينطوي على معان غامضة، ويحمل وجوها كثيرة من الاحتمالات والتفسيرات، ومنها ما يعد في اعتبار النفسي الجزائري من الشعريات، ومثل هذه المعاني قد تكون عند التطبيق .مثارا للإشكال وللعسر وقد تكون معانيه بمقربة من افهام العامة خصوصا إذا كان تنفيذه يتوقف على رأي تلك الأمة أو على تأييدها..."[19].

  انطلاقا من هذا الكلام، يظهر جليا ان تحفظ الجمعية على المشروع كان في محله، بل إن نظرتها إليه كانت نظرة صحيحة ودقيقة، أكدها موقف الرجل الأول للجمعية ابن باديس عندما اعتبر المشروع مجرد خطوة أولى في طريق المساواة الكاملة، وهي الشرط اللازم لحسن الوفاق، ولم يكن يثق بالمقابل اطلاقا في تصويت البرلمان على المشروع بالموافقة[20]، فقد كتب منذ فيفري 1937 في جريدة الشهاب" إذا خابت آمال الأهالي، ورفضت غرفة النواب مشروع الحكومة، فإنكم ستعلمون عندئذ علم اليقين أنهم لن ينالوا أي شيء من فرنسا لا عدلا ولا انصافا، وفي هذه الحالة سيفتحون جماعات الأبواب التي يكون اليأس قد فتحها أمامهم" كما اكد اثناء انعقاد جلسات المؤتمر الإسلامي الثاني، أن "فيوليت" عمل من اجل فرنسا بالشروع في مشروع يدعونا إلى الانتظار؛ فأحتج كذلك مرة أخرى يوم 13 أوت احتجاجا شديدا على تعيين لجنة تحقيق جديدة، فهي حسبه وسيلة مماطلة لا تحمل إلا مدلولا واحدا وهو رفض مطالبنا بكل بساطة، كما لمح في شهر اوت أن أوان اليأس من فرنسا قد آن، وقام في غضون الأشهر الموالية، بتحذير فرنسا على الخصوص من مغبة التفكير في أن المسلمين يمكن أن يفرطوا في قانون أحوالهم الشخصية مقابل منحهم الحقوق السياسية[21].

    وتزامنا مع طرح المشروع في بداية 1937 ظهر جليا موقف العلماء فقد بعثوا اثر اجتماع عقدوه بقسنطينة في 28 مارس ببرقية إلى رئيس الحكومة الفرنسية "بلوم" إلى فيوليت، عبروا فيها لهما عن شكرهم واعرافهم لهم بتقديمها لمشروع الإصلاح الانتخابي، وأعلنوا موافقتهم التامة على المشروع الحكومي لأنه يحمي قانون الأحوال الشخصية، الذي لا يمكن ابدا حسب اعتقادها التخلي عنه، فقد ظلت الجمعية تكرر مثلما فعلت في جريدة البصائر أن" المسلمين لن يبدلوا دينهم مقابل كل أموال الدنيا، وبالأحرى ببعض الحقوق الهينة التي يعدهم إياها مشروع فيوليت[22].

المطلب الثالث: موقف المؤتمر الإسلامي من المشروع:

  لم تكن جمعية العلماء الوحيدة، بالتأكيد التي كانت ترى في مشروع فيوليت" مجرد مطالب مؤقتة" كتب أن يتبع بمراحل أخرى" حيث جاء "الدكتور بشير" في 17 جانفي1937، ليقرأ بيانا باسم المؤتمر الإسلامي الذي كان يترأسه، فصرح فيه أن مشروع "فيوليت" ليس إلا رمزا للإنصاف والليبرالية، وأن مصير الشعب الجزائري لا بد أن يوضع في يوم من الأيام بين أيدي برمانين

مسلمين جزائريين ".  

 

 

المبحث الثاني: المواقف الفرنسية من المشروع ومصيره:

المطلب الأول: الأحزاب الفرنسية المؤيدة للمشروع:

   رغم تأييدها الضمني له إلا أنها، لم تؤمن بنجاعته وانحصرت:

الحزب الاشتراكي الفرنسي (S. F. I. O):

أبدى هذا الحزب اهتمام ملحوظا بمشروع فيوليت، وقد ظهر ذلك جليا في مؤتمره ال34 المنعقد بمرسيليا يومي 11 و 12 جويلية 1937 حيث خرج بتوصيتين هامتين:

1-   المصادقة على مشروع بلوم فيوليت.

2-   تحقيق الإصلاحات السياسية والإدارية في أقرب وقت ممكن والتي ستجعل من الجزائر مقاطعة فرنسية على غرار المقاطعات الأخرى اين يكون للجميع نفس الحقوق السياسية والاجتماعية.

الحزب الشيوعي الفرنسي (S. F. I. c):

  لقد كان موقفه واضحا على إثر ما صرحت به جريدة لسان حال لحزب في 15 جانفي 1937" :إن الحزب الشيوعي، جريدته، مجموعته البريطانية، كان حرا دوما من أجل منح جميع الحقوق الديمقراطية لكل مسلمي افريقيا الشمالية، كتدون الإصلاح الانتخابي المشروع غير كاف ويطالبون توسيعه العاجل والمتوقع لكل السكان المسلمين وسيعملون لكي تتم المصادقة عليه أسرع ما أمكن من طرف الغرفة حتى تتحصل قريبا فئات أخرى من المسلمين، وكل الشعب الجزائري على الحقوق السياسية.

المطلب الثاني: الأحزاب اليمينية الفرنسية المعارضة للمشروع:

  من أهم الأحزاب اليمينية التي اتخذت موقفا واضحا الحزب الاجتماعي الفرنسي(F S P  فمنذ ظهوره في جويلية 1936 بشكل جديد[23] رفض مشروع "فيوليت" الذي يهدد في نظره السيادة الفرنسية، وقد احتوى برنامج الحزب الذي حرره "ستانيز لاس دوفو" أستاذ الفلسفة بليسي قسنطينة نشر التعليم وتنمية الفلاحة، وتوزيع جزء من أراضي الدولة،  واحداث بنك شعيب أهلي، والمساواة الضرورية بين الأهالي المتطورين والفرنسيين لكن بعد تخليهم عن نظام الأحوال الشخصية، وأخيرا حق المسلمين في انتخاب نواب خاصين بهم... كما عرض مؤتمر الحزب المنعقد في 23 أكتوبر 1938 برئاسة الكولونيل "دولا ولا" منح قدماء المحاربين الأهالي حق المواطنة[24].

  هذا ومن جانب آخر اعتبر حزب ( F SP الأهالي مواطنين فرنسين بمقتضى قانون سيناتيس كونسيلت لاختلاط دمائهم بدماء الفرنسيين في ح ع ا، لذلك من الضروري منحهم العدالة والاستقرار، لكن دون المساس بالسيادة الفرنسية التي لا رجعة فيها؛ كما أكد مؤتمر الحزب على ضرورة تحقيق الإدماج التدريجي  للعناصر الأهلية المثقفة والمتعلمة لكن مع معارضة تجنس الأهالي المحافظين على أحوالهم الشخصية، ضف إلى أنه لا يرفض فكرة ادماج الأهالي المسلمين، لكن اشترط أن يكون ذلك عن طريق كامل الإرادة والحرية للأهالي في طلب هذا الانتماء، ولا يمكن منحهم المواطنة اجمالا مثل اليهود، ويبدو أن هذا التوجه للحزب كان لغاية واضحة، وهي توجيه الأهالي ومحاولة كسبهم وتحويلهم عن الجبهة الشعبية.

هذا ولم يختلف موقف حزب الشعب الفرنسي اذ عارض كل امتياز للأهالي يمس السيادة الفرنسية، وعقد أول مؤتمر للحزب في جانفي1937 بالجزائر، وقد حضره بعض المسلمين، حيث لم يخف أبدا مناهضته لمشروع فيوليت محتجا على هذه الإساءة الخطيرة للسيادة الوطنية في مقاطعات الجزائر الثلاث، لدرجة أن "دوريو" تبٌنى مشروع مضاد بهدف انشاء هيئة انتخابية مسلمة لجميع الفرنسيين الذين كانوا يرغبون في الاحتفاظ لحق قانون الأحوال الشخصية، حيث تقوم هذه الهيئة بانتخاب ممثلين لغرفة النواب بشروط المواطنين الفرنسيين نفسها؛ كان الحزب الشعيب الفرنسي آلة حرب حقيقية ضد مشروع "بلوم فيوليت"، فقد أدان سياسة الإدماج وعمل على جمع كل المناهضين للمشروع، وكانت السياسة الإمبراطورية الاشتغال الرئيسي للحزب.

  هو ما أوضحته جريدة"Pionniers Le ، "وهي لسان حال فيدرالية الجزائر للحزب الشعيب الفرنسي في عددها ليوم الخميس 10 فيفري 1938، والذي أوضحت فيه أن الجزائر كاملة ضد مشروع "بلوم فيوليت"، وطالبت السيد فيوليت، الجلوس في المقاعد الخلفية، وأن هذه اللحظة هي لحظة حياة أو موت، طبعا إن تم التصويت على المشروع هذا وأمام ردود الأفعال هذه من قبل الأحزاب خاصة اليمينية ذهبت الطبقة السياسية إلى أبعد من ذلك، إذ قامت مجموعة من الشخصيات الهامة والفاعلة في نفس الوقت في الحياة السياسية في الجزائر أو حتى في فرنسا بالاتحاد والتعاون ضد مشروع "بلوم فيوليت" فالخطر كبير في نظر هؤلاء، ما ترجمته شخصيات وهرانية هامة دعت إلى ضرورة الاتحاد في حزب واحد يقف سدا منيعا أمام أي فرصة قد تمنح للمشروع أو التصويت عليه في البرلمان.

  فكان انشاء الحزب الوطني للعمل الاجتماعي رد عملي لمواجهة الجبهة الشعبية، ورد كذلك على "فدرالية المنتخبين المسلمين" والمؤتمر الإسلامي، وتطورت هذه النخبة لتضم كل الوطنين الفرنسيين المعارضين لمشروع" بلوم فيوليت".

المطلب الثالث: مصير مشروع "بلوم فيوليت" من وقف التنفيذ إلى دفن المشروع:

  عجزت الحكومة الفرنسية عن تنفيذ مشروعها، وعلقت عليه أمال كبيرة لحل القضية الأهلية، وادماج الأهلي المسلم ليصبح فرنسيا مسلما دون تخليه عن قانونه الشخصي.

  وهكذا وبسقوط حكومة بلوم في 21 جوان 1937،كانت نهاية خطوط المشروع، وحتى بعد تشكيل حكومة "شوتان " في 30جوان 1937، لم يستطع مناصرو المشروع إعادة احيائه.

  وبعد مدة قصيرة على تشكيل حكومة "دال دييو"، أعلن رؤساء بلديات الجزائر يوم 22 أفريل سحب استقالاتهم بعد ما تلقوا ضمانات بعدم عرض مشروع "بلوم فيوليت" للنقاش، ومع أن موقف دال دييو الشخصي الذي كان يحبذ منذ عام 1935 منح الحقوق الانتخابية إلى كل أولئك الذين يتخلون عن قانون الأحوال الشخصية إلا أن الخطاب ظل غامضا، وقد برر في 9 جوان طلب مساءلة عن النيات الحقيقية للحكومة فيما يخص المشروع، إلا أنه لم يحدد تاريخ النقاش أبدا[25].

   بل وذهب إلى أبعد من ذلك حين رفض استقبال الوفد الذي ذهب لمناقشة المشروع، ورفضه لأنه لا يتماشى مع الشريعة الإسلامية، مهددا باستعمال القوة لفرض النظام ولانضباط وبهذا كان المشروع قد دفن نهائيا، دون أن يقدم الأوروبيون أي تنازل، مهما كان نوعه.

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة

  بعد هذه الدراسة لمشروع بلوم فيوليت ، يمكننا الوقوف على الاستنتاجات التالية:

1.     ان دعم حكومة الجبهة الشعبية لمطالب الجزائريين كان حبرا على ورق، بعد مد و جزر لهذا المشروع، دون نتيجة تذكر.

2.     ان ورقة المحافظة على الأحوال الشخصية مع التمتع بالمواطنة الفرنسية، كانت مجرد سياسة فرنسية لكبح جماع الحركة الوطنية، وعلى رأسها المطالب الاستقلالية لحزب نجم شمال افريقيا.

3.     بقيت هذه المشاريع مجرد محاولات لدمج الشعب الجزائري، وفصله عن هويته ودينه ووطنيته دون الالتفات لطموحاته ومستقبله.

4.     مشروع بلوم فيوليت كان فعال في تلك المرحلة من تاريخ الجزائر اصلاحات هامة لصالح الأهالي الجزائريين ضاعت بين تماطل ومراوغات حكومة الجبهة الشعبية وسلطة وتأمر اللوبي الجزائري.

4.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس المصادر والمراجع:

أبو القاسم سعد الله: الحركة الوطنية الجزائرية، دار الغرب الإسلامي: بيروت، 1988.

أبو القاسم سعد الله: تاريخ الحركة الوطنية، دار الغرب الإسلامي: بيروت، دط: دت.

شارل روبر أرجون: تاريخ الجزائر المعاصرة، من انتفاضة 11 إلى اندلاع حرب التحرير 1954، تر: المعهد العالي للترجمة، شركة دار الأمة للطباعة والنشر: الجزائر، دط: 2013.

عبد الحميد زوزو: الفكر السياسي للحركة الوطنية الجزائرية، دار هومة للطباعة والنشر: الجزائر، 2012.

عمار بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1: 1997.

عمار بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، دار الغرب الإسلامي: بيروت، ط1: 1997م.

كريمة بن حسين: الحياة السياسية في قسنطينة من سنة 1930 إلى سنة 1939، رسالة للحصول على دبلوم الدراسات المعمقة في التاريخ، جامعة قسنطينة 1984.

محفوظ قداش، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية (1919-1939)، تر: امحمد بن البار، شركة دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر،2011.

مصالي الحاج: مذكرات مصال الحاج 1898-1938، تر: محمد المعراجي، منشوراتANEP، الجزائر،2007.

يحي بوعزيز: سياسة التسلط الاستعماري والحركة الوطنية الجزائرية، ديوان المطبوعات الجامعية: الجزائر، 2013.

 



[1] : يحي بوعزيز: سياسة التسلط الاستعماري والحركة الوطنية الجزائرية، ديوان المطبوعات الجامعية: الجزائر، 2013، 3/84.

 

[2] : عبد القادر نايلي: الاتجاهات السياسية والفكرية للحركة الوطنية إلى غاية نهاية الحرب العالمية الثانية، جامعة زيان عاشور: الجلفة، السنة أولى ماستر تاريخ، ص25-26.

[3] : محفوظ قداش، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية (1919-1939)، تر: امحمد بن البار، شركة دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر،2011،1/ 312.

[4] : أبو القاسم سعد الله: الحركة الوطنية الجزائرية، دار الغرب الإسلامي: بيروت، 1988، 1/231.

[5] : يحي بوعزيز: سياسة التسلط الاستعماري والحركة الوطنية الجزائرية، 3/84.

[6] : محفوظ قداش، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية (1919-1939)، ص539.

[7] : محفوظ قداش، محمد قناش، نجم شمال افريقيا، 1926-1937 (وثائق وشهادات لدراسة تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، ديوان المطبوعات الجامعية 1984)، ص147-158.

[8] : ذكر مصالي تفاصيل عن وصلوه لمنفاه في جنيف يوم 18 يناير 1936 .وأهم نشاطاته التي كان يقوم بها، بعد تسويه لوجوده في هذا البلد مع الشرطة السويسرية. انظر: مصالي الحاج: مذكرات مصال الحاج 1898-1938، تر: محمد المعراجي، منشوراتANEP، الجزائر،2007، ص 185.

[9] : محفوظ قداش، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية (1919-1939)، ص618.

[10] : عمار بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1: 1997، ص296.

[11] : انظر: عبد الحميد زوزو: الفكر السياسي للحركة الوطنية الجزائرية، دار هومة للطباعة والنشر: الجزائر، 2012، 1/393.

[12] : محفوظ قداش، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية (1919-1939)، ص534-535.

[13] : شارل روبر أرجون: تاريخ الجزائر المعاصرة، من انتفاضة 11 إلى اندلاع حرب التحرير 1954، تر: المعهد العالي للترجمة، شركة دار الأمة للطباعة والنشر: الجزائر، دط: 2013، 2/716.                    

[14] : شارل روبر أرجون: تاريخ الجزائر المعاصرة، من انتفاضة 11 إلى اندلاع حرب التحرير 1954، ص 717.

[15] : شارل روبر أرجون: تاريخ الجزائر المعاصرة، من انتفاضة 11 إلى اندلاع حرب التحرير 1954، ص717-718.

[16] : أبو القاسم سعد الله: تاريخ الحركة الوطنية، دار الغرب الإسلامي: بيروت، دط: دت، 3/76.

[17] : أبو القاسم سعد الله: تاريخ الحركة الوطنية، ص77.

[18] : عمار بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، دار الغرب الإسلامي: بيروت، ط1: 1997م، ص235.

[19] : كريمة بن حسين: الحياة السياسية في قسنطينة من سنة 1930 إلى سنة 1939، رسالة للحصول على دبلوم الدراسات المعمقة في التاريخ، جامعة قسنطينة 1984، ص188.

[20] : شارل روبير أرجون: تاريخ الجزائر المعاصرة، مرجع سابق، 2/727. 

[21] : نفس المرجع.   

[22] : الشهاب 18 فيفري 1938.

[23] : محفوظ قداش: تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، مرجع سابق، 1/537.

[24] : محفوظ قداش: تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، ص538.

[25] : شارل ربوبير أجرون: تاريخ الجزائر المعاصرة، مرجع سابق، 2/739.

ليست هناك تعليقات