الدولة والمجتمع في الجزائر الحديثة

 

المقدمة :تعد إيالة الجزائر اليد القوية للخالفة اإلسالمية العثمانية في الحوض الغربي للمتوسط، وظلت 

مسيطرة على الوضع به لمدة ثالثة قرون، حرمت خاللها األوربيين واألمريكان من التوغل فيه أو في شمال

إفريقيا رغم محاوالتهم المتكررة والتي لم تنقطع لغاية 0381 تاريخ العدوان الفرنسي على الجزائر.

إن هذه القوة التي كانت تمتلكها الجزائر تعبر عن نسيج مجتمعي له روح قتالية عالية في الدفاع عن 

األرض تحت راية اإلسالم والخالفة.

وشهدت السلطة العثمانية في الجزائر عبر مراحلها )البايلربايات – الباشوات – اآلغوات – الدايات(، 

وفي تعاملها مع المجتمع ومكوناته عدة تطورات وتغيرات، حيث تم تنظيم اإلدارة لغرض فرض السلطة على 

المناطق الحضرية والريفية والصحراء، لكن بعض المناطق ظلت ال تخضع لهذه السلطة أو كانت في ثورة 

دائمة عليها.

وفي هذه المحاضرة سنشرح عالقة السلطة العثمانية بالمجتمع الج ازئري ودور الزوايا والطرق الصوفية

في تشكيل معالم الحكم المحلي المرتبط بالسلطة المركزية.

1 -تركيبة المجتمع الج ازئري خالل العهد العثماني:

درجت الد ارسات المعاصرة على تقسيم المجتمع الج ازئري خالل الحكم العثماني إلى مجموعات انطالقا 

من أصولها العرقية أو المكانية أو الدينية، لكن هذا التقسيم يوحي بأن هذا المجتمع كان عبارة عن خليط 

غير متجانس من األفراد والجماعات المنسوبة إلى أقاليم وبايليكات اإليالة، في حين كان الوالء للقبيلة أكثر.

و عادة ما تبدأ الدراسات المعاصرة التقسيم من األقلية التركية ثم أبناؤهم من الكراغلة على اعتبار أنهم 

الحكام ولهم حق الذكر أوال، على غرار ما يكتبه مؤرخو البالط، لكن األجدر واألولى البداية بالطبقات 

المسحوقة والمهمشة من المجتمع والتي كانت تشكل السواد األعظم من المكون البشري لإليالة، لذلك وجب

التنبيه إلى كون هذه الد ارسات قد قلدت بعضها بعضا في هذا الطرح دون عناء يذكر من الباحثين في سبيل

التقدم بالبحث في هذا الباب بإعطاء األولوية للقبائل المغمورة والتي تشكل العدد األكبر من السكان وكان 

لها الفضل في ضمان المدخول المادي وتوفير األمن واالستقرار الداخلي على اختالف والءاتها للسلطة 

التركية.

وهذه التقسيمات هي:

األتراك: هم الطبقة الحاكمة التي يتم تعيينها من الخليفة مبارة وبيدها مقاليد البالد، استقر وا في المدن الكبرى

خاصة الجزائر، المدية، مليانة، معسكر، تلمسان، مازونة، قسنطينة، بسكرة، وهم خليط من مناطق عديدة 

تابعة للخالفة العثمانية في الشرق ومنهم األرناؤوط أو األلبانيون، البشناق أو البوسنيين، األك ارد، اليونانيون،

البلغاريون، واألرمن والتتار وغيرهم، ووالؤهم للسلطان والخليفة العثماني، و تشكلت نواتهم األولى في الجزائر

من الجند اإلنكشاري و المتطوعين الذين أرسلهم السلطان "سليم األول" لدعم خير الدين بربروس لتوطيد 

الحكم.

 كان األتراك منعزلين عن بقية مكونات المجتمع الج ازئري، متمسكين بلغتهم التركية وبمذهبهم الحنفي،

ولهم نظام قضائي خاص بهم. كما لم يختلطو ولم يتزوجو إال مع األسر العريقة أو األندلسية.

الكراغلة: معناها ابن العبد، ظهر وا في المدن التي تقيم فيها الحاميات العثمانية كانوا يمتهنون التجارة 

والحرف لكن لم يشاركو في الحكم ولم تكن لهم امتيازات مثل األتراك، أي أنهم رعايا من الدرجة الثانية ما 

يبرز تكبر وانغالق الترك على كل من ال ينتمي لعرقهم أي أنهم عنصريون حتى مع نسلهم.

طائفة الحضر: ينقسمون إلى الحضر البلديين والحضر األندلسيون.

األجواد: هم النبالء الذين فرضوا سلطتهم في شرق البالد خاصة مثل قبيلة الدواودة، اضطر األتر اك إلى 

االعت ارف بهم والتعاون معهم في شكل منحهم حكما ذاتيا لمناطقهم.

الم اربطون: مشتقة من الرباط، وكانت لهم صفة دينية، و لهم سلطة كبيرة في حياتهم و بعد مماتهم وكان 

الملتجئ إليهم ال يمكن الوصول إليه من قبل السلطة التركية. انتشروا في األرياف منذ القرن 01م وكانت 

تخضع لهم جل القرى والمداشر خاصة في منطقة القبائل. كما أن السلطة التركية كانت تخشى أن تزعجهم، 

العتقادهم الكبير في األولياء والمرابطين.

قبائل المخزن: هي القبائل المتحالفة مع االتراك، حيث منحوهم األ ارضي لضمان والئهم، ولهم طابع عسكري

شبه رسمي وتم إعفائهم من الض ارئب ولهم امتيا ازت مالية ما يساهمون في إخضاع القبائل المتمردة عن

السلطة التركية وفي جمع الجبايات.

قبائل الرعية: هي القبائل الخاضعة للسلطة التركية وتدغع الضرائب وتستخدم في األعمال الموجهة لخدمة 

الحكومة التركية بالجزائر.

1 - القبيلة في الجزائر الحديثة:

القبيلة هي الوحدة األساسية للمجتماع الشمال اإلفريقية، وهي تجمع لعدة خيام أو دواوير ومداشر ولهم 

شيخ هو بمثابة الرئيس. ويربط بين أفرادها النسب المشترك إلى جد واحد. ولكل قبيلة نفوذ وسلطة مادية 

وروحية متوارثة.

وفي الجزائر العثمانية تنوعت القبائل من حيث األصول واألعراق ومن حيث القرب أو البعد من السلطة 

التركية الحاكمة، والغالب على القبائل الجزائرية هو جذورها البربرية أو العربية في الغالب، وهم متوزعون 

بين البدو والرحل وبين المستقرين، وقد قسمها الباحثون والمؤرخون إلى عدة أقسام حسب عالقتها مع السلطة

الحاكمة، وهي القبائل المخزنية وقبائل الرعية والقبائل المتحالفة والقبائل المستقلة.

وكانت قبائل المخزن هي التي استخدمها الحكام الترك من أجل بسط نفوذه على المناطق البعيدة عن 

مقر دار السلطان والبايليك.

كانت هذه القبائل تحظى بامتيازات كثيرة منها األراضي والسالح والخيل والنفوذ على بقية المناطق 

لى دار السلطان أو

 

والقبائل، وكانت مسؤولة عن تأمين المسالك والطرق التي يعبرها الجند التركي من وا

الطر يق السلطاني، كما كات مسؤولة عن جمع الضريبة وم ارقبة نشاط القبائل األخرى في البوادي واألرياف

البعيدة عن مقر الحاميات التركية.

 دارية.

كان لقبائل المخزن صبغة فالحية مستقرة وصبغة عسكرية وا

ومن أشهر هذه القبائل: قبائل الدواير في وهران، والزمالة، والغرابة والبرجية والحشم بمعسكر ونواحيها.

أما قبائل الرعية فهي القبائل التي كانت خاضعة للسلطة التركية وتدفع الضريبة من المال ومن 

المحاصيل الزراعية وكانت متمركزة في حوض التافنة، وسبدو وسيدي بلعباس وتيارت ومازونة. 

أما في الصحراء فقد كانت القبيلة هي الوحدة السياسية الفعلية في ظل غياب شبه تام للسلطة التركية، 

فإذا كانت المناطق الشمالية والساحلية قد تمكن منها األتراك، فإن المناطق األبعد خاصة الهقار والتاسيلي 

 قليم توات وورقلة وتوقرت ووادي مي ازب، فكانت السلطة العثمانية اسمية أكثر منها فعلية، وكانت القبائل

وا

هي التي تسير شؤونها، و في بعض األحيان تكونت إمارات قائمة بذاتها استعصت على العثمانيين، مثل 

إمارة بني جالب وسلطنات التوارق وغيرها.

التوارق: أو الطوارق وهم سكان أقصى جنوب الصح ارء الج ازئرية سكنوا المنطقة منذ القديم ومنهم

الصنهاجيون، أو الملثمون، كانت لهم إما ارت وسلطنات في الهقار وتاسيلي إناجر، امتازوا بالقوة والشجاعة 

والتحمل، وللم أرة عندهم مكانة كبيرة. وينقسمون إلى قبائل آزجر، وقبائل الهقار.

3 -سياسة الحكم العثماني تجاه مكونات المجتمع الج ازئري:

عمل األتراك منذ دخولهم إلى الجزائر بعد تحريرهم للسواحل من اإلسبان على توطيد حكم الخالفة

العثمانية، لذلك واجهوا كل القبائل التي من شأنها اإلضرار باستقرارهم، وركزوا على عقد التحالفات مع 

اإلمارات المحلية مثل إمارة ابن القاضي، لكنهم دخلوا في حرب مفتوحة مع بني زيان ملوك تلمسان، وتمكنوا 

من إنهاء حكمهم سنة 0111م.

لم يكن األمر سهال أمام األتراك في عملية بسط نفوذهم، بل لم يتمكنوا من الحكم فعليا إلى في المدن 

الرئيسية وفي الشريط الساحلي والتلي الشمالي، أما في الدواخل والصحراء وأقصى الجنوب فال يمكن الحديث 

عن الحكم التركي، إال من خالل ذكر بعض الغارات والحمالت العسكرية التي غالبا ما يعود الوضع بعدها 

كما كان سابقا.

ل4

ركزت اإلدارة العثمانية على تنظيم الحكم المحلي للمجتمع الج ازئري عبر مجموعة من الترتيبات،

فاستحدثت البايليكات وتم تعيين البايات كنواب عن الحاكم في دار السلطان الذي بدوره هو ممثل للخلفة 

العثماني، كما استعان األتراك ووظفوا المرتزقة من القبائل المخزنية التي لوالها لما تمكنوا من فرض سلطتهم 

على القبائل األخرى.

وكانت الجباية من أهم وسائل إخضاع القبائل وممارسة السلطة عليها، وكان النظام الجبائي ال يراعي 

أحوال القبائل المنتجة للثروة والمحاصي ، فبالرغم من تنوع مصادر الدخل، فإن معظمها كان يأتي من

المردود الفالحي. والمالحظ أنه بنقص مداخيل البحر، كان األت ارك يعوضون ذلك النقص بالجباية من

المناطق الداخلية.

وعادة ماكانت تتم حمالت عسكرية إلى داخل اإليالة من أجل تحصيل الضريبة بالقوة العسكرية 

وباالستعانة بالقبائل المخزنية وذلك ماتؤكده المصادر المحلية.

كما عمد األتراك إلى تنظيم حمالت سنوية على اإلمارات والقبائل الخارجة عن سلطتهم، مثل حمالتهم 

المتكررة على إمارة بني جالب بتوقرت وحمالتهم على ورقلة وعلى األقاليم األبعد جنوبا.

لم يمنع هذا من اهتمام األت ارك بالجوانب االجتماعية األخرى التي تخدم أمن المجتمع خاصة تحصين

السواحل والمدن والطرق والمسالك التجارية العابرة لإليالة، كما أنهم ساهموا في الحفاظ على المؤسسات

التعليمية والثقافية واألسواق وعمروا الكثير من المدن ورمموا التي اندثر منها، لكنهم ظلوا بعيدا عن المجتمع 

من ناحية اللغة والتعامل المباشر مع مكوناته.

لقد ولدت تلك العالقة التي تميزت باالستعالء من طرف األت ارك على مكونات المجتمع الج ازئري حقدا

على السلطة الحاكمة من طرف الكثير من القبائل والطرق الصوفية والزوايا والعلماء، وسبب ذلك في تشكيل

عداء مستمر بين الطرفين، وصصلت إلى حد الثورة ضد هذ الوضع الذي اتسم بالظلم نظرا لتغييب العنصر 

األصلي المحلي عن دواليب الحكم والقرار، وانتفاع القادة االنكشاريين ورياس البحر فقط من العائدات 

والمغانم والجبايات. وكذلك تأزم األوضاع وكثرة األوبئة واألمراض والكوارث الطبيعية، زاد ذلك من الهوة 

بين الحاكم والمحكوم.

4 -عالقة السلطة العثمانية بالطرق الصوفية والزوايا في الجزائر:

يعرف عن األتراك تقربهم من الصوفية واهتمامهم بأمرهم، ويعد عصرهم عصر التصوف والمتصوفة 

بامتياز وانتشار الزوايا والطرق الصوفية بشكل كبير، رغم أن الج ازئر عرفت هذه الظاهرة قبل ذلك بكثير

وعلى أرضها نشأت الكثير من الطرق ووجد الكثير من الصالحين، أمثال أبي مدين شعيب، والشيخ السنوسي، 

والشيخ عبد الرحمن الثعالبي، والشيخ الهواري وغيرهم.

من أشهر الطرق التي اشتهرت بالج ازئر الطرق الصوفية الرئيسية وهي القادرية، والشاذلية، والتيجانية،

والرحمانية، والدرقاويةإضافة إلى الزوايا والمرابطيبن 

كانت هذه الفئة من المجتمع أي شيخ الزاوية أو الطريقة الصوفية ومريدوه أو أتباع الطريقة، لهم نفوذ 

خاص ومكانة لدى الحكام األتراك، وقد كانوا في بداية الحكم العثماني في شبه تحالف ضد العدوان اإلساني 

بالخصوص، وتركت لهم مهمة جمع الجباية لصالح زواياهم وتوزيعها حسب معرفتهم بأوضاع من هم تحت 

سيادتهم، لكن تغير الوضع في نهاية العهد العثماني، وحصلت نوع من القطيعة بين الطرفين، حتى وصلت 

إلى حد الثورة.

ومن أشهر هذه الثو ارت ثورة التيجانية في الغرب الج ازئري وثورة درقاوة أيضا في ربوع الج ازئر غربها

وشرقها، والتي تسببت في مقتل الكثير من الخلق من الطرفين. 

وكان للعلماء مواقف متباينة من هذه الثورات، فهناك من ناصرها ودعمها وهناك من خالفها وقاومها 

ومن أشهر ال ارفضين لها الشيخ أبو ارس الناصر المعسكري الذي ألف كتابا سماه درء الشقاوة في حرب

 درقاوة، وكان مناصرا ومدافعا عن الوجود والحكم العثماني بالجزا نهاكه للناس بالجبايات

ئر رغم جوره وا

المحرمة شرعا.

خالصة:

إن عالقة الحكم التركي بالمجتمع الج ازئري كانت متباينة تبعا لمكونات المجتمع في حد ذاته، حيث نجد

قبائل مخزنية كانت في خدمة الحاكم وسياسته، وكانت هناك بالمقابل قبائل الرعية التي غالبا ما يقع عليها 

القهر والتعسف. واتبع األت ارك سياسة واضحة في تعاملهم مع الج ازئريين فكانوا ال يخالطونهم وال يسمحون

لهم بتولي مقاليد السلطة أو تسيير شؤونهم، ومن كانت له هه الميزة هم فقط رؤساء قبائل المخزن وبعض

شيوخ الزوايا والطرق الصوفية الذين كانوا يساعدون الترك على بسط نفوذهم، أي أنها طريقة لبسط النفوذ 

وليس سياسة في الحكم.

ولدت سياسة جمع الضريبة المتعسفة تذمر الجزائريين من سياسة الترك، فقامت الكثير من الثورات 

إل ازلتهم من حكم البالد لكنها لم تنجحن بقي األت ارك يحكمون مباشرة في المدن الكبرى عبر الحاميات من

الجند اإلنكشاري، وفي األرياف والدواخل عبر قبائل المخزن، لكن امتنعت عليهم الصح ارء التي كانت بها

كيانات سياسية قوية.


ليست هناك تعليقات