محاضرة كاملة عن منهجية

 

                     

                               مـقـدمــة

 

تعتبر دراسة وبحث منهجية العلوم القانونية والإدارية لطلبة كليات ومعاهد الحقوق عملية علمية تربوية بعيدة التأثير وقوية الفعالية في ميدان التكوين القانوني والإداري.

هذا يقوي لدى الطلبة القدرة على الاكتشاف والتفسير والفهم والتنظيم ويزودهم بطرق وأساليب ومناهج البحث العلمي في ميدان تخصصاتهم ودراساتهم واهتماماتهم في ميدان العمل والبحث العلمي مستقبلا.

والمنهجية تحمل معنيين، معنى واسع ومعنى ضيق، المعنى الواسع يضم المنهجية في مفهومها الشكلي والإجرائي والموضوعي، أما المعنى الضيق فيضم المنهجية في مفهومها الموضوعي.

فالجانب الشكلي لعلم المنهجية يتعلق بالمرحلة الأخيرة في إعداد البحث العلمي، وهي مرحلة كتابة البحث وإخراجه في صورته النهائية وهو المعنى الشائع للمنهجية.

أما الجانب الإجرائي أو العملي فيهتم بدراسة الإجراءات العملية التي تساعد الباحث في عملية جمع المعلومات، والأمر هنا يتعلق بالبحوث الميدانية التي تعتمد على العينات والاستبيان وغيرهما.

أما الجانب الموضوعي لعلم المنهجية فهو الذي يتعلق بطريقة التفكير، أي الجانب الذي يضع مجموعة المبادئ والقواعد التي تحكم سير العقل الإنساني في بحثه عن الحقيقة، ويدرس هذا الجانب مختلف المناهج التي وضعها علماء المناهج والتي تقسم إلى صنفين، الأول مناهج علمية أساسية وهي المنهج الاستدلالي والمنهج التاريخي والمنهج التجريبي والمنهج الجدلي، والصنف الثاني مناهج فرعية من بينها المنهج الوصفي والمنهج الإحصائي والمنهج المقارن ومنهج تحليل المضمون ومنهج دراسة حالة ومنهج التعليق على النصوص القانونية والفقهية والقرارات والأحكام القضائية وإعداد استشارة قانونية.

سنحاول خلال هذه المحاضرات معالجة هذه الموضوعات من خلال المحاور التالية :المحور الأول مفهوم العلم، المحور الثاني مفهوم البحث العلمي والمحور الثالث مناهج البحث العلمي.

 

            الفصل الأول: مفهوم العلم.

العلم من الموضوعات المعقدة التي أثارت إشكاليات فلسفية عبر التاريخ وهو السمة التي يحدد من خلالها مدى تقدم الشعوب وتكوين الحضارات في الماضي والحاضر والمستقبل.

وتاريخيا كلما اعتمدت الشعوب على الخرافة والأساطير لتفسير الظواهر العلمية كلما انتشر الجهل والفقر وكلما اعتمدت العلم وسيلة لتفسير الظواهر كلما استطاعت أن تكون لنفسها حضارة وتثبت وجودها في التاريخ.

لقد شهد تاريخ البشرية عبر امتداده جدلا دائما حول الفلسفة التي يبنى عليها العلم وكذا تعريف العلم وتحديد أهم خصائصه وأهدافه ووظائفه والمسلمات التي يقوم عليها العلم وأيضا الطبيعة الخاصة للعلوم الإنسانية.

وبناء على هذا الجدل التاريخي سنحاول معالجة هذا الفصل من خلال المباحث التالية:

المبحث الأول: فلسفة العلم.

المبحث الثاني: تعريف العلم وتمييزه عما يشابهه من مفاهيم.

المبحث الثالث: خصائص العلم.

المبحث الرابع: وظائف وأهداف العلم.

المبحث الخامس: المسلمات التي يقوم عليها العلم.

المبحث السادس: الطبيعة الخاصة للعلوم الإنسانية.

 

 

 

 

 

 

       المبحث الأول: فلسفة العلم.

تأرجح العلم تاريخيا وفلسفيا بين النظرة المثالية والنظرة المادية، فلقد طال النقاش بين النزعتين إذ لم يكن سهلا تغلب النزعة المادية على النزعة المثالية التي تحكمت وغرست جذورها لبضع قرون، ولم يكن الوضع نفسه في الحضارة الإسلامية، فبينما كانت أوربا تتخبط في هذا الجدل الفلسفي لتحديد مفهوم العلم، كان العرب المسلمين قد حققوا انجازات كبيرة في مختلف العلوم، لأن الدين الإسلامي حدد بشكل واضح مفهوم العلم عكس ما كان عليه الوضع زمن سيادة الكنيسة في أوربا.

وعليه سنعرض خلال المطالب الثلاثة التالية كل من النظرة المثالية للعلم وكذا رأي المدرسة المادية، ثم مفهوم العلم عند العرب المسلمين.

 

المطلب الأول: العلم لدى المدرسة المثالية.

يتزعم هذه المدرسة أفلاطون حيث يرى أن النفس البشرية قبل أن تحل بالجسد كانت تعلم كل شيء، وبحلولها فيه نسيت أصلها فالعقل البشري يحتوي على الفكر الخالص الذي يفسر كل شيء، ولا حاجة لاتصال الإنسان بالمادة، لأن هذه الأخيرة ليست أساسا للعلم، والملاحظة ليست إلا وسيلة للتذكر، ولا حاجة لعيش الإنسان في جماعة كي يحدث التبادل ويكون معارفه، لأن منبع المعارف هو الفكر الخالص والتأمل، وموضوع العلم هو العالم المرئي وغير المرئي أي المادة والميتافيزيقيا، وبناء العلم يكون من الكل إلى الجزء، فلا ينتقل العقل من الجهل إلى اليقين بل الفكر المشبع بالمعرفة ينتقل إلى المعرفة الجزئية.

وكان العلم عند اليونان يتسم بالمثالية ولهذا اقتصر على الشق النظري فقط ويعتبر العلم التطبيقي أمرا غير محبذ لأنه يدنس العلم، وقد ساعد على انتشار هذا الفكر تقسيم المجتمع اليوناني إلى طبقات (أحرار وعبيد) فكان العبيد هم من يتعامل مع المادة (الأعمال اليدوية) أما الأحرار فدورهم ينحصر في مجرد النقاش والفكر لأن ذلك أمر روحاني، هذا الوضع انعكس سلبا على تقدم العلم في الحضارة اليونانية، حيث كانت تفصل بين العلوم الرفيعة مثل علم الفلك والعلوم الوضيعة كالكيمياء.

 

سيطرت هذه النظرة المثالية للعلم على أوربا باعتبارها الوريث الشرعي للحضارة اليونانية طيلة القرون الوسطى، وساعد على ذلك القبضة الحديدية للكنيسة وإقامتها لمحاكم التفتيش لمتابعة كل ما ينشر مخالفا لمبادئ الكنيسة وأفكار أرسطو. وكل الظواهر العلمية كانت تفسر بطريقة روحانية وساد مبدأ احترام الطبيعة من احترام الله. ولعل أبرز مثال يذكره التاريخ وتأسف له الكنيسة في الوقت الحالي هو محاكمة (جاليليو) عقب تأليفه لكتاب حوار عام 1632 والذي عارض فيه مبادئ الكنيسة، وما كان أمامه بعد عرضه على المحاكمة إلا السجود أمام الكنيسة والتوبة عن أفكاره وأرائه العلمية. هذا الوضع ولد تيارا معاديا للتيار المثالي و يعادي حتى الدين الذي كان برأيه هو السند القوي لهذا التيار المتحجر، حيث اعتبر الدين وسيلة لخداع الناس، هذا التيار المعادي قاده (كارل ماركس) وأسس المدرسة المادية.

 

المطلب الثاني: العلم لدى المدرسة المادية.

انطلقت هذه المدرسة من أفكارتتعارض تماما مع المدرسة المثالية، وقال فلاسفتها أنه ما لم نجعل أفكارنا تتوافق مع الواقع فإننا بالتأكيد لا نمتلك المعرفة فكسب المعرفة يعني احلال أفكار صادقة محل الجهل أو محل أفكار غير صادقة ومن هنا نجد أن نمو المعرفة في نمو الأفكار الصادقة داخل مجموع الأفكار.

إن مجرد التقرير أو الايمان بأن شيئا ما صادق لا يعتبر معرفة، وعلى سبيل المثال قال فلاسفة الاغريق إن الأجسام تتألف من ذرات وهذا صحيح، ولكن الأمر لديهم لم يكن سوى مجرد تخمين موفق، ولكن العلماء توصلوا إلى هذه الحقائق بدراسات علمية منظمة، وعليه فنحن نكسب المعرفة بقدر ما نطور أفكارنا ونجعلها تتوافق مع الواقع واثباتها.

فحسب النظرة المادية فالمعرفة هي نتاج للنشاط الاجتماعي للإنسان، فقد تتبع الفلاسفة نمو المعرفة لدى الفرد المنعزل عن المجتمع وقرروا في الأخير أن هذا الفرد لن يتطور في معارفه إلا بالقدر الضئيل المرتبط بذاته، وعليه فقد قرروا أن المعرفة تستمد من الوجود المادي، ووجود غيره من الناس يتفاعل معهم، فالعيش وسط الجماعة يضمن تطور الأفكار والمعارف نتيجة التبادل، حيث يحتاج الإنسان إلى معارف غيره كي يبني بها معارفه. وحسب النظرة المادية فالمعرفة ما هي إلا حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع العملي.

 

وعلى هذا الأساس صيغت مقولات الفكر وأساليب الاستدلال ومناهج البحث التي تقوم بواسطتها المعرفة.

يرى أنصار المدرسة المادية أن نقطة البدء في المعرفة هي الادراك الحسي الذي يكون عن طريق الحواس، ثم تبنى نظريات تفسره ويتحقق من صحتها فيما بعد وتتجدد المعرفة بهذه الطريقة. كما يرى الماديون أن المعرفة تكون من نقطة الصفر أو من معرفة سابقة غير مكتملة. أما المثاليون فقد انطلقوا من يقين مثالي حيث سطروا مبادئ فلسفية وقالوا بأنها تفسر كل شيء، أي أنهم انطلقوا من الكل إلى الجزء في بناء المعرفة.

مما زاد الهوة بين النظرتين هو التطور التكنولوجي الحاصل والذي دفع بالكثير إلى القول بأن العلم وتطبيقاته قد أخذ ينتزع البساط من تحت أقدام المثاليين لكن تطرف الماديين في نظرتهم إلى الكون دعا البعض إلى محاولة ايجاد نوع من الحوار بين المدرستين لمحاولة التقريب بينهما، ولكن الأمر كان عسيرا جدا. وفي الأخير يمكن القول أن ما جاءت به المدرسة المادية في انكارها للدين لا يمكن تصديقه. ومنه يمكن الاقرار بأن العلم في أصله مادي نابع من الواقع الموضوعي كما قالت المدرسة المادية، ولكن ثمة فسحة روحية مثالية يجب على الفرد التشبع بها من الدين بشكل أساسي. وإذا كان سبب العداء المادي للدين هو تسلط الكنيسة واضطهادها للعلماء فالأمر مختلف عند المسلمين.

المطلب الثالث: العلم عند العرب المسلمين.

في الفترة التي كانت فيها أوربا تعيش في جهل وتخلف كان العرب يحرزون تقدما في شتى العلوم، وكانوا عقلانيين وأصحاب منهج علمي بعيد عن الخرافة والميتافيزيقيا التي غرقت فيها أوربا، فكان العرب يطبقون القياس والاستقراء وهما من أهم المناهج في العلم حيث لم يتوصل إليهما الأوربيون إلا بعد زمن طويل، وكانت العلوم عند العرب يحكمها مبدأ السببية أي أن لكل ظاهرة سبب ومبدأ التناسق والنظام في الكون أي أن اختلاف الظواهر يرتبط بعلل كلية من شأنها أن تثبت التناسق والانسجام القائم بينها.

 

 

 

ومن أبرز علماء المسلمين جابر بن حيان في مجال الكيمياء، وابن الهيثم في رسالته الضوء وكذلك الرازي وابن سينا في مجال الطب، حيث كانا يصفان الأعراض ويشخصان العلل ثم يأتيان على بيان الروابط والعلاقات بين العلل المتشابهة. وفي مجال الصيدلة كانت تعرف قوى الأدوية بطريقتين هما التجربة والقياس.

ولو تسألنا على منهج البحث عند علماء الغرب في القرون الوسطى ليكون موضوع مقارنة ومضاهاة بصدد بحثنا عن العلم العربي في نفس الفترة الزمنية نستطيع أن نؤكد أن العلم العربي تميز بالموضوعية في حين كان العلم الغربي لم يكتب له الخروج من ظلمات القرون الوسطى. إلى أن بدأت حركة النقل من العربية إلى اللاتينية وبعد أن عرف الغرب أبحاث العلماء العرب وأساليبهم العلمية، حيث كانت الطريق ممهدة لقيام عصر النهضة ونشأة المنهج التجريبي في أوربا الحديثة.

 

المبحث الثاني: تعريف العلم وتمييزه عما يشابهه من مفاهيم.

للتعرف بدقة عن اصطلاح العلم la SCIENCE)) فيجب القيام بمحاولة تعريف العلم وتحديد معناه، وكذا القيام بعملية تمييز العلم عما يشابهه ويقاربه مثل المعرفة والثقافة والفن.

المطلب الأول: تعريف العلم.

إن كلمة علم لغة تعني ادراك الشء بحقيقته، وهو اليقين والمعرفة .

والعلم اصطلاحا وهو (جملة الحقائق والوقائع والنظريات ومناهج البحث التي تزخر بها المؤلفات العلمية...) أوأن العلم هو(مجموعة المبادئ والقواعد التي تشرح بعض الظواهر والعلاقات القائمة بينها ...) أو أن العلم هو(نسق المعارف العامة العلمية المتراكمة أو بمعنى أسلوب معالجة المشاكل أي المنهج العلمي) أو أن (العلم هو المعرفة المنسقة التي تنشأ عن الملاحظة والدراسة والتجريب والتي تقوم بغرض تحديد طبيعة واسس وأصول ما تتم دراسته.....العلم هو فرع من فروع المعرفة أو الدراسة، خصوصا ذلك المتعلق بتنسيق وترسيخ الحقائق والمبادئ والمناهج بواسطة التجارب والفروض).

 

وتدور جل التعريفات حول حقيقة أن العلم هو جزء من المعرفة يتضمن الحقائق والمبادئ والقوانين والنظريات والمعلومات الثابتة والمنسقة والمصنفة والطرق والمناهج العلمية الموثوق بها لمعرفة واكتشاف الحقيقة بصورة قاطعة ويقينية. ولمعرفة اصطلاح العلم أكثر وضوحا يجب تمييز العلم عما يشابهه ويقاربه من مصطلحات مثل المعرفة والثقافة والفن.

المطلب الثاني: تمييزالعلم عما يشابهه ويقاربه.

هناك بعض المفاهيم والمصطلحات التي تقترب من اصطلاح العلم وتكاد تختلط به مثل المعرفة والثقافة والفن، يستحسن القيام بمحاولة التمييز بينها وبين اصطلاح العلم.

الفرع الأول: العلم والمعرفة.

العلم والمعرفة يتحدان من حيث المعنى اللغوي إلا أنهما يختلفان اصطلاحا فالمعرفة اصطلاحا هي: (مجموعة من المعاني والمعتقدات والأحكام والمفاهيم والتصورات الفكرية التي تتكون لدى الإنسان نتيجة محاولاته المتكررة لفهم الظواهر والأشياء المحيطة به.) والمعرفة ثلاثة أنواع فهناك المعرفة الحسية وهي التي يتوصل لها الإنسان عن طريق حواسه وتكون بالملاحظة البسيطة والعفوية ومن أمثلتها ادراك الإنسان لتعاقب الليل والنهار وتقلبات الجو.... وهناك المعرفة الفلسفية والتأملية وهي تبنى على التأمل والتفكير في مشكلات تؤرق الإنسان كأسباب الخلق والموت ونهاية الكون....الخ. وهي أشياء مرتبطة بالعالم الميتافيزيقي وهناك المعرفة العلمية وهي معرفة منظمة لأنها تقوم على مناهج وأساليب بحث ويتوصل إليها الإنسان بإصرار وقصد وهي على نوعين المعرفة العلمية الفكرية من خلال استخدام أدوات عقلية كالاستدلال وهناك المعرفة العلمية التجريبية وهي مجموعة الحلول للظواهر الطبيعية أو الاجتماعية ووضع تفسيرات لها من خلال الملاحظة ثم الفرضية ثم التجريب. ومنه يتضح لنا أن العلم جزء من المعرفة وهو أهم عنصر فيها لأنه يتصف باليقينية.

الفرع الثاني: العلم والثقافة.

تعرف الثقافة بأنها (أنماط وعادات سلوكية ومعارف وقيم واتجاهات اجتماعية ومعتقدات وأنماط تفكير ومعاملات ومعايير يشترك فيها أفراد جيل معين ثم تنتقلها الأجيال بواسطة التواصل الحضاري)

 

ومنه فالثقافة أوسع من العلم والعلم عنصر فيها ولكنه الأكثر فعالية من بين عناصرها.

الفرع الثالث: العلم والفن.

الفن لغة هو جمال الشيء وحسنه وحسن القيام بالعمل واصطلاحا يعرف بأنه ( المهارة الإنسانية والمقدرة على الابتكار والابداع والخلق.) ويمكن التفريق بين العلم والفن في النقاط التالية:

ـ من حيث الموضوع: فموضوع العلم هو اكتشاف النظريات وتفسير الالعلاقات القائمة بين الظواهر، بينما موضوع الفن هو الاجراءات والأساليب العملية لانجاز فكرة أو عاطفة ما، والفن يتميز ببصمة الفنان على عكس العلم الذي يمتاز بالموضوعية.كما يهدف العلم إلى الاكتشاف والتفسير والتنبؤ والضبط والتحكم بينما يهدف الفن إلى تحقيق أعلى درجة من حسن التطبيق واظهار المهارات الشخصية ومنه فطابع الفن تطبيقي بينما طابع العلم نظري.

ـ من حيث التراكمية: فالعلم يتراكم ويلغي الجديد منه القديم أما الفن فإنه لا يتراكم فهو يسير في خط أفقي ومثال ذلك أننا يمكن أن نتذوق الشعر القديم واللوحات الفنية السابقة أكثر من الأعمال المعاصرة فالجديد في الفن لا يلغي القديم.

المبحث الثالث: وظائف وأهداف العلم.

يمكن اعتبار وظائف العلم هي ذاتها أهدافه، ويمكننا حصرها في ثلاث وظائف هي:

المطلب الأول: الاكتشاف والتفسير.

يسعى العلم إلى اكتشاف القوانين التي تحكم وتفسر الظواهر لمعرفة أسبابها والتوصل إلى تعميمات تنظم هذه الأسباب، كما يسعى إلى توحيد تعميماته للوصول إلى قوانين على قدر كبير من العمومية والشمول، تتناول كل الظواهر المتماثلة.

المطلب الثاني: التنبؤ.

يهدف العلم إلى صياغة تعميمات لها القدرة على التنبؤ بما يطرأ على الظاهرة من تغيير في المستقبل، والهدف من التنبؤ هو اتخاذ الاجراءات اللازمة للحد من الأثار السلبية للظاهرة.

 

المطلب الثالث: الضبط والتحكم.

يهدف العلم إلى ضبط الظواهر وتوجيهها والتحكم فيها بعد معرفة أسبابها وقد يكون الضبط والتحكم نظريا ببيان تفسير وشرح كيفية الضبط، وقد يكون الضبط والتحكم عمليا فيستخدم العلم من أجل السيطرة والتوجيه لتجنب السلبيات أوالقيام بأمور ايجابية.

المبحث الرابع: خصائص العلم.

يمتاز العلم بالخصائص التالية:    

المطلب الأول: التراكمية.

يقصد بها إضافة الجديد إلى القديم، فالعلم يشبه البناء الذي يتكون من طوابق حيث تحل النظريات الجديدة محل النظريات القديمة كلما أثبتت خطأها، وهو يختلف عن المعرفة الفلسفية والفن لأنهما تسيران في خط أفقي، وخاصية التراكمية في العلم تتحقق في اتجاهين، اتجاه رأسي عمودي بالنسبة لنفس الظواهر، والاتجاه الأفقي بالتنقل من ظواهر مدروسة إلى ظواهر تخرج عن دائرة الدراسة.

المطلب الثاني: التنظيم.

العلم هو تنظيم لطريقة تفكيرنا أو لأسلوب ممارستنا العقلية، الباحث في علم من العلوم يجب عليه تنظيم وتصنيف المعطيات المتعددة لتسهيل التعامل معها لكي تفيده في بحثه.

المطلب الثالث: الموضوعية.

تعني الموضوعية الابتعاد عن الذاتية، وينصرف مدلول الموضوعية أيضا إلى القطيعة مع الأحكام المسبقة والأفكار الشائعة، والموضوعية تثار في مجال العلوم الإنسانية بأكثر حدة ولكن الأمر ليس بمستحيل حيث دعا (ايميل دور كايم) إلى ضرورة التعامل مع الظاهرة الإنسانية وكأنها كيان مادي خارج عن وعينا وفكرنا وبمعنى أخر تشبيه الظاهرة الإنسانية بالظاهرة الطبيعية أثناء دراستها.

 

 

 

المطلب الرابع: المنهجية.

النتائج التي يحرزها العلم تأتي عن طريق مناهج علمية سواء لجمع المعلومات أو التحليل أو التفكير، والمنهجية ترتبط بالجانب الشكلي والإجرائي والموضوعي.

المطلب الخامس: الامبيريقية.

وتعني أن العلم يختص بدراسة العالم المحسوس فقط.

المطلب السادس: السببية.

في العلم لكل ظاهرة سبب يسعى الباحث لاكتشافه ولا يمكن رده إلى الصدفة أو إلى التفسيرالخرافي.

المطلب السابع: التعميم.

وهو الانتقال من الحكم الجزئي إلى الحكم الكلي عن طريق دراسة عينة وتعميم النتائج على المجتمع الأصلي بشرط أن تكون عناصره متجانسة.

المطلب الثامن: اليقين.    

العلم هو ادراك الشيء بيقين، ولكن المراد باليقين هنا هو اليقين النسبي.

المطلب التاسع: الدقة.

العلم لا يقبل الأحكام الجزافية بل يجب أن تصاغ النظرية بشكل دقيق وأكثر الوسائل تعبيرا عن الدقة وهي الأرقام والجداول البيانية والاحصائيات والنسب المئوية.

المطلب العاشر: التجريد. 

حينما يدرس الباحث ظاهرة معينة ويخلص إلى نتائج، فتلك النتائج لا تعني عناصر الظاهرة بحد ذاتهم ولكن قد تنطبق على كل عنصر يحمل نفس المواصفات.

المطلب الحادي عشر: الحتمية.   

هذه الخاصية في العلم تعني أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج.

 

المبحث الخامس: المسلمات التي يقوم عليها العلم.  

يقوم العلم على عدة مسلمات نذكر منها:      

المطلب الأول: فرضية وحدة الطبيعة واطراد ظواهرها.

يقصد بهذه الفرضية وجود حالات متشابهة في الطبيعة، وبأن ما سيحدث مرة سوف يحدث ثانية إذا توافرت درجة كافية من التشابه في الشروط المسببة لحدوثه.

المطلب الثاني: الخصائص المشتركة بين الأنواع.

أي وجود خصائص مشتركة بين الظواهر بحيث يمكن تصنيفها إلى مجموعات قد تفيد الباحث في معرفة الظواهر الجديدة وامكانية معالجتها.

المطلب الثالث: مسلمة الثبات في الطبيعة.

تقرر هذه المسلمة بأن ثمة دوام وانتظام في الطبيعة لأن الظواهر الطبيعية تحتفظ بخصائصها الأساسية في ظروف معينة لفترة من الزمن.

المطلب الرابع: حتمية وقوع الظواهر.

وهذه المسلمة تنكر وقوع حادث ما نتيجة للصدفة أوالظروف الطارئة، وما حدث بسبب ظروف معينة سيحدث حال توافر نفس الشروط.

المطلب الخامس: الجانب الإنساني في عملية المعرفة.

هذه المسلمة تعني أن الباحث يمكن أن يخطيء في تقديره، وهذا ليس متعلق بالظواهر، وهو يعتمد على الادراك والتذكر والتفكير وكلها معرضة للخطأ، وهناك خطأ الحواس وخطأ الذاكرة وخطأ التفكير والاستدلال.

 

 

 

 

المبحث السادس: الطبيعة  الخاصة للعلوم الإنسانية.

يرى البعض أن العلوم الإنسانية ليست علوما ويرى أخرون أنها تتقدم شيئا فشيئا حتى تصبح علوما ولكنها من نوع خاص. غير أن هذه الأراء أصبحت لا تعكس الحقيقة للعلوم الإنسانية التي أصبحت علوما للاعتبارات التالية:

المطلب الأول: من حيث النتائج.

قد أحرزت العلوم الإنسانية نتائج جد هامة تتعلق بضبط سلوك الإنسان وتفسير الظواهر الاجتماعية والتنبؤ بما سيطرأ على الظاهرة في المستقبل.

المطلب الثاني: من حيث الطريقة العلمية.

العلوم الإنسانية تخضع للمناهج العلمية مثلها مثل العلوم الطبيعية، وقد أثبت هذا التوجه عالم الاجتماع (ايميل دور كايم).

المطلب الثالث: من حيث أهداف العلوم الإنسانية.

الهدف من العلوم الإنسانية هو ضبط الظواهر وايجاد تفسيرات لها.

المطلب الرابع: من حيث المادية.

اعتبار العلوم الإنسانية ذات طابع مادي، وعليه يمكن اخضاعها للتجربة والملاحظة أو اخضاعها للمنطق والفكر. لقد أصبحت الدول المتطورة تعمل العلوم الإنسانية من أجل تحديد سياساتها المستقبلية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                        الفصل الثاني: البحث العلمي.

 

كلما تميزت شعوب الإنسانية بالتفكير العلمي والابتعاد عن الدجل والخرافة كلما كانت أكثر قدرة على بناء الحضارة وتقلص نصيب الجهل في صفوفها، وكلما ابتعدت عن التفكير العلمي وعن العلم انغمست في مستنقع الجهل والتخلف وعليه فإذا أراد شعب ما أن يبني حضارة أو أن يطور نفسه فعليه الاهتمام بتطوير العلم من خلال تشجيع وتكريس البحث العلمي. فماهو مفهوم البحث العلمي؟ وما هي مراحل إعداد البحث العلمي؟

هذا ما سنتناوله من خلال المبحثين التاليين:

المبحث الأول: مفهوم البحث العلمي.

المبحث الثاني: مراحل إعداد البحث العلمي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: مفهوم البحث العلمي.

لتحديد مفهوم البحث العلمي يتعين علينا التطرق إلى النقاط الأساسية التالية: تعريفه وخصائصه وأنواع البحوث العلمية وكذا الأدوات المستخدمة في البحث العلمي.

المطلب الأول: تعريف البحث العلمي.

البحث لغة معناه أن تسأل أو تطلب أو تستخبر عن شيء معين، واصطلاحا هناك عدة تعريفات من بينها: (البحث العلمي تجميع منظم لجميع المعلومات المتوفرة لدى الباحث عن موضوع معين وترتيبها بصورة جديدة بحيث تدعم المعلومات السابقة أو تصبح أكثر نقاءا ووضوحا.) كما عرف أيضا بأنه (وسيلة للاستفهام والاستقصاء المنظم والدقيق الذي يقوم به الباحث بغرض اكتشاف معلومات أو علاقات جديدة بالإضافة  إلى تطوير أو تصحيح أو تحقيق المعلومات الموجودة فعلا، على أن يتبع في هذا الاستعلام والاستقصاء خطوات المنهج العلمي واختيار الطرق والأدوات اللازمة للبحث.) كما يعرف بأنه (المحاولة الدقيقة للتوصل إلى حل المشكلات التي تؤرق الإنسان وتحيره.) وعليه يمكن استخلاص أن الوسيلة هي البحث العلمي والغاية هي العلم.

ومن خلال التعريفات السابقة يمكن استخراج بعض الشروط الموضوعية للبحث العلمي نذكر منها:

ـ يجب أن تكون هناك مشكلة تستدعي البحث عن حل لها.

ـ توافر الأدلة التي تحتوي على الحقائق.

ـ التحليل الدقيق للأدلة وتصنيفها.

ـ استخدام العقل والمنطق لترتيب الدليل في حجج واثباتات.

ـ الموضوعية وعدم التعصب للرأي وقبول النتائج التي تسفر عنها الأدلة.

ـ الحل المحدد وهو الإجابة النهائية عن المشكلة وتكون في شكل تعميم.

 

 

 

المطلب الثاني: خصائص البحث العلمي.

يمتاز البحث العلمي بجملة من الخصائص نذكر منها ما يلي:

الفرع الأول: البحث العلمي بحث منظم ومضبوط.   

أي أن البحث العلمي نشاط عقلي منظم ومضبوط ودقيق ومخطط، حيث أن القوانين والنظريات قد تحققت واكتشفت بواسطة نشاط عقلي منظم ومهيء جيدا وليس وليد الصدفة مما يحقق للبحث العلمي عامل الثقة الكاملة في نتائجه.

الفرع الثاني: البحث العلمي بحث حركي تجديدي.

مما يعني أن البحث العلمي ينطوي دائما على تجديد وإضافة معرفية عن طريق استبدال مستمر ومتواصل للمعارف المتجددة.

الفرع الثالث: البحث العلمي بحث عام ومعمم.

أي أن المعلومات والمعارف تكون معممة وفي متناول الجميع حتى تكتسب الصفة العلمية، وهي عامة لأنها تتناول كل مجالات العلوم.

هذه هي الخصائص التي تشترك فيها كل البحوث العلمية، لكن هناك خصائص تخص بعض أنواع البحوث دون غيرها مثل خاصية التجريب بالنسبة للبحث التجريبي، وكذا خاصية التفسير التي يتميز بها البحث التفسيري.

المطلب الثالث: أنواع البحوث العلمية.

تنقسم وتتنوع البحوث والدراسات العلمية إلى عدة أنواع وذلك بحسب كيفية معالجتها للحقائق والظواهر والأشياء وكذا على أساس النتائج التي تتوصل إليها، فقد تكون البحوث تنقيبية استكشافية وقد تكون تفسيرية نقدية وقد تكون بحوثا كلية وشمولية كاملة، وقد تكون بحوثا استطلاعية أو بحوثا وصفية تشخيصية وقد تكون بحوثا ودراسات تجريبية.

الفرع الأول: البحث الاكتشافي التنقيبي.

وهوالبحث الذي يتمحور حول حقيقة جزئية يسخر الباحث كل جهده لاكتشافها ومن الأمثلة على ذلك الطبيب الذي يبحث عن فعالية دواء معين وكذلك الباحث التاريخي الذي يبحث في السيرة الذاتية لشخصية معينة.

 

الفرع الثاني: البحث التفسيري النقدي.

وهوالبحث الذي يمتد إلى مناقشة الأفكار ونقدها والتوصل إلى نتيجة تكون غالبا الرأي الراجح بين الأراء المتضاربة، وعليه فالهدف من هذه البحوث ليس الاكتشاف ولكن الهدف هو النقد والتفسير لأفكار تم اكتشافها.

الفرع الثالث: البحث الكامل.

هو بحث يجمع بين النوعين السابقين ويهدف إلى حل المشاكل حلا كاملا وشاملا ويستهدف وضع قوانين وتعليمات بعد التنقيب الدقيق والشامل لجميع الحقائق المتعلقة بالموضوع، ثم القيام بتفسير وتحليل الأدلة والحجج التي يتم التوصل إليها. فهو يستخدم بالإضافة إلى كل من البحث التنقيبي والبحث النقدي التفسيري يستخدم اسلوب التعمق والشمولية والتعميم. ويشترط في البحث العلمي الكامل ما يلي:

ـ وجود مشكلة تتطلب حلا علميا.

ـ اكتشاف حقيقة معينة وقيام أدلة على وجودها.

ـ تفسير الأدلة والحقائق والحجج والأراء ونقدها نقدا موضوعيا وعلميا تمهيدا للحل النهائي.

ـ التوصل إلى حل علمي نهائي وإجابة حقيقية عن المشكلة المطروحة .

الفرع الرابع: البحث العلمي الاستطلاعي.

البحث الاستطلاعي أو الدراسة العلمية الكشفية الصياغية الاستطلاعية وهو البحث الذي يستهدف التعرف على المشكلة فقط، وتكون الحاجة إلى هذا النوع من البحوث عندما تكون مشكلة جديدة أو عندما تكون المعلومات عنها ضئيلة، وعادة ما يكون هذا النوع من البحوث تمهيدا لبحوث أخرى تسعى لإيجاد حل للمشكلة.

الفرع الخامس: البحث الوصفي التشخيصي.

وهو البحث الذي يستهدف تحديد سمات وصفات وخصائص ومقومات ظاهرة معينة تحديدا كميا وكيفيا بحيث يسهل التعرف عليها فيما بعد ومقارنتها بباقي الظواهر والأشياء.

 

الفرع السادس: البحث التجريبي.

هو ذلك البحث الذي يقوم على أساس الملاحظة والتجارب الدقيقة لاثبات صحة الفروض.

المطلب الرابع: أدوات البحث العلمي.

وهي مجموعة الأساليب والطرق التي يستعملها الباحث في جمع المعلومات اللازمة للبحث العلمي. ومن جملة هذه الأدوات ما يلي:

الفرع الأول: العينة.

وتكون كبديل عن دراسة المجتمع أو الظاهرة ككل فيلجأ الباحث إلى اختيار عينة يبحثها ليصل إلى نتائج يستطيع تعميمها فيما بعد على كافة الظاهرة أو كل المجتمع المراد دراسته. ويجب أن تتوفر العينة على الشروط التالية:

1)ـ يجب أن تكون وحدات المجتمع المدروس متجانسة.

2)ـ يجب أن تكون العينة كبيرة بحيث تفي بالغرض من الدراسة.

3)ـ تحدد طريقة اختيار العينة مسبقا.

كما يمكن إجمال أسباب إختيار طريقة العينة فيما يلي:

1)ـ عدم إمكانية دراسة كل عناصر المجتمع الأصلي.

2)ـ ارتفاع تكلفة دراسة الكل.

3)ـ عدم إمكانية حصر كل عناصر المجتمع الأصلي.

وتنقسم العينات إلى عينات احتمالية وعينات غير احتمالية.

العينات الاحتمالية: تكون إما:

ـ عشوائية بسيطة تختار عن طريق القرعة.

ـ عشوائية طبقية وفيها يقسم المجتمع المدروس إلى أقسام وأصناف حسب مميزات خاصة وتكون هي أساس التقسيم ثم يؤخذ من كل عددا عشوائيا.

 

 

ـ وهناك العينة الطبقية التناسبية وهي التي يكون فيها عدد الأفراد في كل عينة متناسبا مع عدد أو نسبة ذلك القسم المدروس من المجتمع الأصلي.

ـ وهناك العينة المنظمة وهي التي تجمع بين العشوائية والتنظيم وتكون من خلال الفصل بين الفئات المختارة برقم ثابت يحدده الباحث ثم يحدد عشوائيا نقطة الانطلاق ثم يتقيد بذلك الفارق الثابت بين أفراد العينة.

ـ أما العينة العنقودية فهي التي يقسم فيها أفراد المجتمع المدروس إلى أقسام متجانسة، ثم تؤخذ جملة من الأقسام توفي عدد أفراد العينة المقترحة للدراسة.

ـ وهناك العينة العرضية وهي التي يكون اختيارها عرضيا بمحض الصدفة وبالتالي فهي لا تعبر عن المجتمع الأصلي وهي لا تمثل إلا نفسها.

العينات غير الاحتمالية: وهي فئة من العينات التي تبنى على حكم الباحث وليس على مجرد الصدفة، وهي تشتمل على الأنواع التالية:

ـ العينة الحصصية وهي تفترض تقسيم المجتمع الأصلي على أساس ما وكذا وجود بيانات حول هذا المجتمع معدة مسبقا فيختار الباحث حصة معينة.

ـ وهناك العينة العمدية وهي التي تفترض وجود دراسات سابقة تحدد معالم المجتمع الأصلي بحيث تصبح العينة تمثل حقيقة المجتمع الأصلي.

وهناك العينة الملائمة وهي التي يقوم الباحث فيها بإختيار العدد الملائم من أفراد المجتمع المراد دراسته.

الفرع الثاني: طرق جمع المعلومات.

من بين أساليب جمع المعلومات الاستبيان والمقابلة والملاحظة.

الاستبيان وهو عبارة عن استمارة تتضمن بعض الأسئلة موجهة إلى عينة من المجتمع الأصلي حول ظاهرة أو موقف معين وهناك نوعين من الاستبيان المقيد والمفتوح، فالمقيد هو التي تكون الأجوبة محددة وما على المستجوب إلا الاختيار بين النعم أو لا، أما المفتوح وهو الذي يترك للمستجوب حرية اختيار الإجابة التي يرغب فيها وهذا النوع غير محبذ في المجتمعات غير المثقفة.

المقابلة وهي محادثة موجهة بين الباحث والشخص المبحوث بهدف الوصول إلى الحقيقة.

الملاحظة وهي من بين التقنيات المستعملة في حالات معينة وتحتاج إلى معاينة ميدانية. 

 

المبحث الثاني: مراحل إعداد البحث العلمي.

لكي يكون البحث العلمي بحثا منظما ومضبوطا لابد من اتباع مراحل معينة في انجازه، وهذه المراحل تشترك فيها كل أنواع البحوث مما اختلفت مواضيعها وهذه المراحل يمكن إجمالها فيما يلي: مرحلة اختيار الموضوع، مرحلة جمع الوثائق والمعلومات، مرحلة القراءة، مرحلة تقسيم الموضوع، مرحلة تدوين المعلومات، ومرحلة الكتابة.

المطلب الأول: مرحلة اختيارالموضوع.

هي أول مرحلة تواجه الباحث، والمتمثلة في اختيار موضوع مناسب من الناحية الموضوعية والذاتية، وعلى هذا الأساس غالبا ما يتريث الباحث في هذه المرحلة لكي لا يقع في مشكلة تغيير الموضوع في المستقبل. ويجب أن يطرح موضوع البحث اشكاليات حقيقية تستدعي البحث فيها، ولهذا فإن هذه المرحلة يتم فيها تحديد إشكالية البحث. وعليه سنتناول خلال هذا المطلب فرعين، الفرع الأول نخصصه لعوامل اختيار الموضوع والفرع الثاني نتناول فيه طرق صياغة مشكلة البحث.

الفرع الأول: عوامل اختيار الموضوع.

هناك عوامل ذاتية تتعلق بشخص الباحث وهناك عوامل موضوعية تتعلق بطبيعة البحث.

أولا: عوامل اختيار الموضوع المرتبطة بشخص الباحث.

هناك عدة عوامل تجعل الباحث يميل لاختيار موضوع  ما دون غيره من الموضوعات، وهي تتمثل في:

 

 

 

1) الرغبة النفسية وهي أول ما يشد الباحث نحو موضوع معين للدراسة والتعمق والتخصص فيه، مما يخلق نوعا من الانشداد النفسي والوجداني بينه وبين موضوع البحث، مما قد يذلل الصعاب التي قد تواجه الباحث والارهاق الجسماني تحوله الرغبة إلى مجرد متعة وهواية.

2)  القدرات الشخصية للباحث وهي من بين ما يجب على الباحث مراعاته عند اختيار الموضوع والمتمثلة في:

ـ القدرات العقلية وهي تتمثل في قدرة الباحث في تناول جميع جوانب الموضوع بكل موضوعية واقتدار، والتحكم في شتى العلوم المكملة للبحث مما يتطلب الصراحة مع النفس.

ـ القدرات الجسمانية وهي ضرورة سلامة الباحث من أي إعاقة تحد من قدرة الباحث على مواكبة البحث، وأن لا يكلف نفسه ما لا تطيق.

ـ الحالة الاجتماعية والمالية للباحث، حيث هناك بعض البحوث تتطلب مصاريف كثيرة وقد تتطلب تنقل الباحث حتى إلى الخارج، فإذا كان متكفلا بعائلة فهذا لا يسمح له بالتنقل بحرية والغياب عن البيت.

ـ إتقان اللغات الأجنبية وهي التي تمكن الباحث من الاطلاع على الدراسات والمراجع باللغات الأجنبية، خصوصا الدراسات المقارنة.

3) التخصص العلمي بحيث يجب أن يكون الموضوع المختار يدخل من بين اختصاصات الباحث وتخصصه العلمي سواء كان الخصص العام أو الخاص ومثال ذلك فالباحث المتخصص في القانون يجب عليه أن يراعي تخصصه الفرعي أي قانون عام أو قانون خاص، وإذا كان قانون خاص فيحدد التخصص الفرعي المدني أو التجاري.

4) التخصص المهني حيث من المرغوب فيه أن يواصل الباحث في نفس تخصصه المهني بحيث توفر له الوظيفة الامكانيات الضرورية للبحث وكذلك يستفيد من الترقية المهنية من خلال رفع مستواه العلمي.

 

 

 

ثانيا: عوامل اختيار الموضوع المرتبطة بطبيعة البحث.

من بين العوامل المؤثرة على اختيار الموضوع والمرتبطة بطبيعة البحث نجد ما يلي:

1) المدة المحددة لإنجاز البحوث العلمية وهي المدة الضرورية لإنجاز البحث والمحددة من قبل الجهات الوصية على الدراسات المتخصصة، وعليه فعلى الباحث أن يختار الموضوعات التي تتناسب والمدة الممنوحة له لإنجاز البحث. أو قد تسحب منه الرخصة المحددة للتأهيل.

2)  القيمة العلمية لموضوع البحث العلمي، المطلوب في البحث أن يكون مبتكرا يمكن من الكشف عن حقائق جديدة أو على الأقل يدعم المعلومات السابقة بحيث تصبح أكثر نقاءا ووضوحا.

3) الدرجة العلمية المتحصل عليها بالبحث، وهي إما أن تكون درجة الماجستير أو الدكتوراه أو من أجل ترقية مهنية، مما يدفع بالباحث إلى اختيار موضوع دون غيره بما يتناسب والدرجة التي يصبوا الوصول إليها.

4) مراجع البحث ومصادره تعتبر عاملا هاما في اختيار موضوع البحث بحيث كلما تعددت وتنوعت المراجع كلما كان البحث ثريا وغنيا بالمعلومات. وبالمقابل كلما كانت المراجع قليلة كلما كان البحث غير موثوق في نتائجه، ويقلل من قيمته العلمية.

الفرع الثاني: صياغة مشكلة البحث.

تعد معايير اختيار الموضوع هي نفسها معايير اختيار مشكلة البحث، وذلك لأن البحث العلمي ما هو إلا إجابة عن مشكلة ما. ولتحديد المشكلة يتوجب التقيد بالقواعد التالية:

ـ يجب أن تكون مشكلة البحث خاصة وغير غامضة.

ـ يجب أن تصاغ المشكلة بصورة واضحة.

ـ يجب توضيح المصطلحات المستخدمة في صياغة المشكلة، تجنبا للبس أوالغموض.

 

عادة يقوم الباحث باختيار الموضوع ثم يحدد المشكلة التي يطرحها ذلك الموضوع، ولكن قد يحدث بعد البحث في الموضوع والتعمق فيه أن تظهر للباحث إشكاليات آخرى تحتاج إلى معالجة مما قد يدفع به إلى صياغة الإشكالية أو تغييرها كليا.

المطلب الثاني: مرحلة جمع الوثائق والمعلومات.

بعد اختيار الموضوع وصياغة مشكلته، تبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة جمع الوثائق والمعلومات المتعلقة بالبحث، خلال هذا المطلب سنتناول في الفرع الأول تحديد معنى الوثائق وأنواعها، وفي الفرع الثاني علمية التوثيق.

الفرع الأول: تحديد معنى الوثائق وأنواعها.

الوثائق العلمية هي كل المراجع والمصادر التي تحتوي على معلومات ومعارف لها صلة بموضوع البحث، وقد تكون مخطوطة أو مطبوعة أومسموعة أو مرئية. ولمعرفة المعنى الدقيق للوثائق يجب التمييز بين نوعين هما المصادر والمراجع.

أولا: المصادر أو المصادر الأصلية.

هناك عدة تعريفات للمصادر من بينها:( الوثائق والدراسات الأولى المنقولة بالرواية أو مكتوبة بيد مؤلفين ثقات اسهموا في تطوير العلم.). ومصادر البحث عامل هام في تحديد قيمته العلمية، ومن بين الوثائق التي تعتبر المصادر الأصلية للبحوث العلمية القانونية :

ـ المواثيق الوطنية والدولية ـ المذكرات الإيضاحية للقوانين ومحاضر اجتماعات الهئات التشريعية ـ الأوامر والقوانين والنصوص التنظيمية ـ الدساتير ـ المؤتمرات والاتفاقيات الدولية ـ الأحكام والقرارات القضائية ـ المقابلات الشخصية ـ الاحصائيات الرسمية ـ التصريحات الرسمية للشخصيات الأفلام الوثائقية والشهدات الحية ذات الآثارالقانونية.

ثانيا: المراخع أو المصادر الثانوية.

وتسمى أيضا بالمصادر غير الأصلية وهي التي تعتمد في مادتها العلمية على المصادر الأصلية فتتعرض لها بالتحليل والنقد والتعليق والتلخيص. وقد يكون المرجع كتابا أومقالا أو رسائل لنيل الدرجات العلمية.

 

الفرع الثاني: عملية التوثيق.

أهم ما تثيره مسألة التوثيق هوتعريفه وبيان أهميته وكذا كيفية تسجيل المعلومات الموثقة.

أولا: تعريف التوثيق وأهميته.

التوثيق أو الببليوغرافيا كلمة مأخوذة من اليونانية وتعني كتابة الكتب. وهي تعني في الوقت الحاضر إعداد قوائم الكتب ومعرفة مؤلفيها وموضوعاتها وكافة بيانات النشر، وهذه العملية يقوم بها الباحث بعدما يطلع على قوائم المصادر والمراجع الموجودة بالمكتبات والمراكز العلمية.

ثانيا: كيفية تسجيل المعلومات الببليوغرافية.

يتعين على البحث أن يدون أسماء المصادر ومؤلفيها وبيانات النشر في البداية ويكون التدوين في بطاقات، تخصص كل بطاقة لمصدر واحد لكي يسهل الرجوع إليها. ويمكن للباحث أن يتبع الطرق الخاصة بكتابة البطاقات للمصادر التالية: الكتب، الموسوعات، الدوريات، المخطوطات، الرسائل الجامعية، الوثائق الرسمية، الأشرطة المصورة، المصادر القانونية، برامج التلفزيون، المقابلات.

1) الكتب. يجب أن تتضمن البطاقة المخصصة لكتب البيانات التالية: رقم الكتاب ومكان وجوده توضع على الجانب الأيمن من البطاقة، ثم اسم المؤلف ولقبه وإذا كان للكتاب عدة مؤلفين فيتم ذكرهم بالترتيب بحسب ورودهم في الكتاب، ثم عنوان الكتاب والجزء ورقم الطبعة إن وجدت ثم دار ومدينة ودولة وسنة النشر.

نموذج لبطاقة مخصصة لكتاب.

25436

المكتبة الوطنية بالحامة

                           د. عمار عوابدي

      مناهج البحث العلمي وتطبيقاتها في ميدان العلوم القانونية والإدارية

                                 الطبعةالخامسة

                        ديوان المطبوعات الجامعية،2005

 

2) الموسوعات.

 تذكر البيانات التالية: عنوان الموسوعة تحته خط عدد الطبعة ثم عنوان المقال بين قوسين ثم إسم المؤلف ثم بيانات النشر.

3) الدوريات.

وهي مطبوعات تصدر دوريا وتدون بالشكل التالي: اسم الكاتب ثم عنوان المقال ثم عنوان المجلة ثم رقم العدد وتاريخ إصدار المجلة وتعيين رقم الصفحة أو الصفحات المخصصة للمقال.

4) المخطوطات.

وتدون بشأنها البيانات التالية: اسم المؤلف ثم عنوان المخطوطة بين قوسين وموضوع المخطوطة ثم تاريخ النسخ ثم اسم البلد الذي توجد به ثم اسم المجموعة التي تنسب إليها ورقمها ثم وصفها إن كانت أصلية أو مصورة.

5) الرسائل الجامعية.

يدون بشأنا البيانات التالية: اسم المؤلف ثم عنوان الرسالة بين قوسين ثم نوع البحث واسم الكلية واسم الجامعة التي قدمت بها وتاريخ المناقشة تذكر السنة فقط.

6) الوثائق الحكومية.

وتدون بياناتها بالشكل التالي: اسم الدولة ثم السلطة التي أصدرت الوثيقة ونوع الوثيقة وكذا بيانات النشر.

7) النصوص القانونية والتنظيمية.

وتتضمن: اسم الدولة واسم السلطة ونوع القانون ثم رقم القانون وتاريخ صدوره ثم عدد الجريدة الرسمية وتاريخ صدورها بين قوسين وأرقام الصفحات.

8) الأحكام والقرارات القضائية.

وتتضمن بطاقتها البيانات التالية: عنوان القضية ويذكر الحروف الأولى من اسم المدعي والمدعى عليه ثم اسم المحكمة أو المجلس واسم البلد ثم رقم القضية والتاريخ بين قوسين.

 

 

9) الأحاديث وبرامج التلفزيون.

ويذكر بشأنها البيانات التالية: اسم المتحدث عنوان الحديث بين قوسين ثم اسم القناة واسم البلد والتاريخ.

10) المقابلات الشخصية.

ويذكر بشأنها: موضوع المقابلة يوضع تحته خط ثم نقطة اسم الشخص الذي أجريت معه المقابلة وصفته ثم مكان وتاريخ إجرائها.

المطلب الثالث: مرحلةالقراءة.

هي من أهم مراحل إعداد البحث العلمي وهي عمل منظم يفرض طرقا وأساليب محددة يجب التقيد بها . وعليه سنتطرق من خلال الفروع التالية إلى أنواع وشروط ونتائج القراءة.

الفرع الأول: أنواع القراءة.

وتنقسم بحسب المدة التي تستقرقها ودرجة عمقها إلى:

أولا: القراءة الاستطلاعية.

وتسمى كذلك القراءة السريعة وهي تهدف إلى تقييم المصادر من حيث درجة ارتباطها بموضوع البحث، وكذا من حيث قيمتها العلمية، وأيضا الاطلاع عن بيانات التأليف وجدة الموضوع ونوع الدراسة. وهذه القراءة يجب أن لا تأخذ وقتا طويلا.

ثانيا: القراءة العادية.

بعدما يحدد الباحث من خلال القراءة الاستطلاعية المصادر التي يجب التعمق فيها بالقراءة والتفكير، فإنه ينتقل إلى نوع آخر من القراءة أكثر تركيزا على الموضوعات التي تم اختيارها، ويقوم بتسجيل كل المعلومات الهامة في بطاقات والقيام بعملبات الاقتباس اللازمة.

ثالثا: القراءة العميقة.

هناك بعض الوثائق تحتاج إلى قراءة عميقة ومركزة لأنها ذات قيمة علمية كبيرة، ولها صلة وطيدة بموضوع البحث تتطلب التحليل والتفكير المركز.

 

الفرع الثاني : شروط القراءة.

يجب أن تتوفر في القراءة الشروط التالية:

ـ أن تكون القراءة شاملة لكافة المصادر المرتبطة بالموضوع.

ـ يجب أن تكون القراءة منظمة ومرتبة.

ـ يجب أن يكون الباحث قادرا على الفهم والنقد.

ـ يجب اختيار الوقت المناسب للقراءة، والمكان المناسب لها.

الفرع الثالث: النتائج التي تحققها القراءة.

تستهدف عملية القراءة تحقيق النتائج التالية:

ـ فهم الموضوع والتعمق فيه والإلمام بجميع جوانبه، وكذا اكتساب حقائق ومعلومات وأفكار جديدة .

ـ اكتساب الباحث للأسلوب العلمي، وكذا التحكم في اللغة الفنية الملائمة لتخصص الباحث.

ـ اكتساب الباحث مهارة التقسيم والموازنة شكلا وموضوعا من خلال حطة البحث.

ـ اكتساب الباحث الشجاعة الأدبية، مما يؤهله إلى إبداء رأييه في مختلف مسائل الخلاف التي يعالجها البحث من خلال النقد والتعقيب.

المطلب الرابع: مرحلة تقسيم الموضوع.

يتم تقسيم الموضوع إلى أجزاء وذلك بوضع خطة أو مخطط للبحث، وهذا المخطط يشبه البناء المتناسق. وعليه سنتناول خلال هذا المطلب شروط ومعايير وقوالب التقسيم.

الفرع الأول: شروط تقسيم الموضوع.

من بين شروط تقسيم الموضوع مايلي:

ـ يجب أن ينطلق في تقسيمه من مشكلة البحث ولا يخرج عنها.

 

ـ أن تكون خطة البحث شاملة لكافة عناصر الموضوع.

ـ احترام مبدأ مرونة الخطة، بحيث يتمكن من إضافة أي عنصر دون المساس بتوازن الخطة.

ـ تحاشي تكرار العناوين الموجودة في المراجع.

ـ التقييد بالأسلوب العلمي، وصياغة عناوين جزئية تكون منسجمة مع العناوين الرئيسية.

ـ يجب مراعاة التوازن الشكلي والموضوعي للخطة.

ـ يجب أن تكون كل عناصر الخطة مترابطة بحيث إذا حذفنا أحد العناصر يظهر الخلل في اليحث.

ـ يجب أن تكون العناوين واضحة وكاملة في بنائها.

الفرع الثاني: معايير التقسيم.

يجب النظر أولا إلى طبيعة المشكلة التي يدور حولها الموضوع لأنها المعيار الأساسي لتقسيم البحث، ويمكن حصرها في البحوث القانونية في الحالات التالية:

ـ إذا كان الموضوع تاريخيا يمكن تقسيم البحث إلى أحقاب زمنية تفي بالغرض من الدراسة.

ـ إذا كان الموضوع ذو طبيعة تاريخية وقانونية فيمكن تناول الجانب التاريخي في القسم الأول والجانب القانوني في القسم الثاني.

ـ إذا كان الموضوع يشتمل على جزء نظري وأخر عملي تطبيقي، فيمكن التقسيم إلى جزئين أي محاولة التعرض للجانب النظري ثم الجانب العملي في كل قسم.

ـ وإذا كان الموضوع يحتوي على خلاف بين الفقه والقضاء والتشريع فيمكن تناوله في ثلاثة أقسام وإضافة قسم رابع للمقارنة بينهم. والأفضل تناول في كل قسم الجانب الفقهي والتشريعي والقضائي والمقارنة بينهم.

 

ـ أما إذا كان الموضوع يتعلق بدراسة مقارنة بين التشريعات فمن الأفضل إعتماد التقسيم الموضوعي، ثم اجراء المقارنة بين التشريعات المراد دراستها.

وقد يكون التقسيم في البحث بين العام والخاص وقد يكون بين الكل والجزء وقد يكون بين الأسبق والسابق والحاضر والمستقبل.

الفرع الثالث: قوالب تقسيم الموضوع.

وهي الأطر الشكلية والموضوعية التي تصب فيها مختلف أجزاء البحث وهي مرتبة تنازليا كالآتي:

الكتاب، الجزء، القسم، الباب، الفصل، المبحث،المطلب، الفرع..........الخ.

بالاضافة إلى هذه العناصر يحتوي كل بحث عن مقدمة وخاتمة.

المطلب الخامس: مرحلة تدوين المعلومات.

بعد أن يعد الباحث خطة لبحثه ينتقل إلى مرحلة تدوين المعلومات من المصادر المختلفة، وهذه العملية تستدعي أدوات منظمة وتشتمل على شروط وقواعد منهجية.

الفرع الأول: طرق تدوين المعلومات.

ينصح بإتباع إحدى الطريقتين، إما طريقة البطاقات يرتبها الباحث بحسب أجزاء الموضوع، ويدون المعلومات في وجه واحد. وهي طريقة منتقدة لأنها غير عملية. وهناك طريقة الملفات يتكون الملف من غلاف سميك وحاملة أوراق مثقوبة ويقوم الباحث بتصنيف الأوراق داخل الملف حسب خطة البحث. وهنا يسهل عليه الإضافة أو الحذف لأي عنصر من عناصر البحث.

الفرع الثاني: قواعد تدوين المعلومات.

يجب على الباحث التقيد بقواعد التدوين المنهجية والمتمثلة في:

ـ اشتمال كل ورقة على الموضوع الفرعي والمعلومات المتعلقة بالموضوع ثم بيانات المصدر.

ـ المعلومات التي خصصت للموضوع يجب أن تذكر بوضوح، ويذكر في كل ورقة موضوعا واحدا.

 

ـ يجب تحديد الأفكار المقتبسة من المصادر حرفيا والتي يصوغها الباحث بأسلوبه الخاص، فيحاول أن يميزها بطريقة خاصة.

 

المطلب السادس: مرحلة الكتابة.

هذه المرحلة هي من أصعب مراحل البحث، فهي التي يخرج فيها البحث في شكله النهائي إلى الجمهور. كما يجب التقيد بقواعد الكتابة وكذا الإلتزام بالمواصفات النهائية للبحث العلمي.

الفرع الأول: قواعد عملية الكتابة.

القواعد المنهجية التي تحكم عملية الكتابة هي:

ـ يجب استبعاد كل الأوراق التي لا تنسجم مع الموضوع  

ـ يجب كتابة البحث بأسلوب علمي بحيث يجب مراعاة الضوابط التالية:

1)   يجب أن تكون اللغة سليمة من الأخطاء اللغوية والنحوية.

2)   استخدام اللغة الفنية المتخصصة.

3)   الابتعاد عن اللغة الشعرية الأدبية وما فيها من صور بلاغية.

4)   يجب الابتعاد عن ألفاظ السخرية والتهكم.

5)   الايجاز والتركيز في عرض الأفكاروالمفاهيم.

6)   التسلسل المنطقي في الانتقال من جملة إلى أخرى ومن فقرة إلى أخرى.

7)   في حالة الإقتباس الحرفي لا يجوز للباحث تحريف الكلام أو تغييره ولا يجوز الإكثار من الإقتباس في الصفحة الواحدة.

8)   يجب مراعاة القواعد المنهجية في توثيق المصادر والهوامش.

9)   التهميش يمكن أن يكون في كل صفحة أو عند نهاية كل فصل أوعند نهاية البحث

10) يجب مراعاة قواعد التهميش المعتمدة للكتب والمقالات والنصوص والأحكام والقرارات والرسائل العلمية.

11) يجب مراعاة العلامات الإملائية وطرق استعمالها، مثل النقطة والفاصلة والنقطتان، علامة الاستفهام والتعجب .......الخ.

الفرع الثاني: المواصفات النهائية للبحث العلمي.

يشتمل البحث العلمي النهائي على الأجزاء التالية:

ـ الصفحات التمهيدية: وفيها صفحة العنوان وصفحة الإهداء وصفحة الشكر.

ـ مقدمة وهي أولى مشتملات البحث، ويكون فيها تمهيد وطرح الإشكالية والمحاور وأسباب اختيار الموضوع والهدف من الدراسة وكذا المنهج المعتمد والصعوبات التي واجهت البحث.

ـ صلب الموضوع ويحتوي على كل العناصر التي بني عليها التقسيم الذي وضعه الباحث.

ـ الخاتمة وهي عبارة عن حوصلة البحث ويضع فيها الباحث كل الإنتقادات والاقتراحات التي يقدمها من خلال بحثه.

ـ الملاحق وهي المعلومات التي يريد الباحث إلحاقها بالبحث ولا يستطيع أن يدرجها داخل مضمون البحث، كما يشترط في الملاحق أن تكون ذات أهمية علمية وتربطها بالموضوع علاقة غير مباشرة. ففي مجال العلوم القانونية يمكن أن تدرج كملاحق النصوص القانونية والأحكام والقرارات القضائية.....الخ.

ـ قائمة المصادر والمراجع، ويجب إعدادها بشكل منهجي ومنظما يزيد في القيمة العلمية للبحث. ويعتبرمن المصادر والمراجع ما يلي: الكتب المتخصصة والعامة، المعاجم، الموسوعات، النصوص القانونية، الأحكام والقرارات القضائية والدوريات، الأبحاث والرسائل الجامعية، والاتفاقيات الدولية.

 

 

 

 

ـ قائمة المحتويات، يستعمل الكثير من الكتاب والباحثين مصطلح(الفهرس) وهو خطأ شائع، فمن الناحية اللغوية كلمة فهرس بالفارسية تعني الكتاب الذي يضم مجموعة من أسماء المؤلفات والكتب، إذا فالصحيح من الناحية اللغوية هو محتويات البحث. وهي تحتوي على كل ما تضمنه البحث من عناوين أساسية وفرعية، يقابلها رقم الصفحة.  

       

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                            الفصل الثالث:مناهج البحث العلمي.

 

من خلال هذا الفصل سنتناول مفهوم علم المناهج في المبحث الأول والمبحث الثاني نخصصه لمناهج البحث العلمي الأساسية والفرعية.

 

                     المبحث الأول: مفهوم علم المناهج.

 

بادر بعض فلاسفة الغرب إلى تأسيس علم المناهج بشكل واضح، حيث ظهر بعدها كعلم مستقل له أسسه ومبادئه المعممة على شتى العلوم ومختلف ميادين البحث، ومنذ ذلك الحين انصرف اهتمام الكثير من العلماء إلى دراسة هذا العلم وتحليله وبيان كيفيات تطبيقه، وأهم ما يميز هذا العلم أن كل العلوم تسعى إلى التقرب منه وذلك لأنه المحدد الأول لمدى علمية أي معرفة من المعارف، وعليه فكل العلوم بما فيها العلوم الإنسانية تفتخر بعلميتها كلما نجحت أكثر في تطبيق المناهج العلمية فيها. فما هو علم المناهج؟ وكيف تكون؟ وما هي أهم التصنيفات التي وضعت له؟ وما مدى إمكانية إخضاع العلوم الإنسانية للمنهج العلمي؟

هذا ما سنتناوله من خلال المطالب التالية:

المطلب الأول: تعريف علم المناهج.

المطلب الثاني: تكوين علم المناهج.

المطلب الثالث: تصنيفات المناهج العلمية.

المطلب الرابع: مدى إمكانية إخضاع العلوم الإنسانية للمنهج العلمي.

 

 

 

المطلب الأول: تعريف علم المناهج.

المنهج لغة هو الطريق الواضح والسليم وتقابلها باللغة الفرنسية كلمة (Méthode) واصطلاحا يعرف المنهج بأنه «الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة، تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة

إذا لم تكن هناك قواعد مسبقة تحكم سير العقل في الوصول إلى الحقيقة ولكن كانت الخطوات منظمة ودقيقة فيكون المنهج تلقائي، وذلك لأن السير الطبيعي للعقل إذا لم تحدد أصوله مسبقا وكان منظما من شأنه أن يسطر لنفسه منهجا من دون الاعتماد على ما هو موجود من قواعد منهجية مسطرة مسبقا، ولكن المنهج التلقائي قد يعرض صاحبه للخطأ، وذلك لأن تفكير شخص واحد ليس كتفكير جمع كبير من علماء المناهج، أما مناهج البحث العلمي فقد جاءت عن طريق دراسات متخصصة من طرف كثير من علماء المناهج لذا فتطبيقها يضفي على نتائج البحوث نوع من الثقة.

ومنه فالمنهج هو مجموعة القواعد والقوانين التي تبين لنا أوجه الخطأ والصواب في خطوات البحث، وطرق البحث عن الحقيقة، والعلم الذي يبحث في المناهج وينتقدها و يضع قواعدها يسمى علم المناهج وقد أخذ صفة العلم لأنه يحتوي على مبادئ مشتركة بين كافة العلوم أي أن النتائج المتوصل إليها تقبل التعميم كما أنها تتصف بالتجريد.

كما يعرف المنهج العلمي بأنهقواعد بسيطة ومؤكدة إذا راعاها الباحث مراعاة دقيقة كان في مأمن من أن يحسب صوابا ما هو خطأ، أو هو بيان القواعد والإرشادات التي ينبغي أن نتبعها لكي نستخدم ملكاتنا العقلية على الوجه الأكمل

كما عرف المنهج بأنه: « فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون لها جاهلين، أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون لها عارفين

استخدمت كلمة علم المنهجية أو علم المناهج(Méthodologie)لأول مرة على يد الفيلسوف (كانت) (KENT)، وذلك عندما قسم المنطق إلى قسمين أساسيين هما:

 

 

 

1)ـ مذهب المبادئ وهو الذي يبحث في الشروط والطرق الصحيحة للحصول على المعرفة.

2)ـ علم المناهج الذي يهتم بتحديد الشكل العام لكل علم وتحديد الطريقة التي يتكون ويتشكل بها أي علم من العلوم.

فعلم المناهج هو العلم الذي يبحث في مناهج البحث العلمي والطرق العلمية التي يكتشفها ويستخدمها العلماء والباحثون من أجل الوصول إلى الحقيقة، ومنه نصل إلى أن علم المناهج هو العلم الدارس والباحث للمناهج العلمية المختلفة.

 

المطلب الثاني: تكوين علم المناهج.

المقصود بتكوين علم المناهج هنا هو بيان كيفية تكوين المناهج العلمية، وما نصيب كل من العالم المتخصص في ميدان علمه والفيلسوف المنطقي في تكوين قواعد ومبادئ وقوانين المناهج العلمية، وبمعنى آخر هل يتم تكوين المناهج بواسطة رجال المنطق والفلاسفة مسبقا ويضعونه في صورة مبادئ وقواعد علمية يجب على الباحث والعالم المتخصص أن يلتزم بها مقدما ويسير على هديها خلال القيام ببحوثه العلمية أم هي من اختراع واكتشاف الباحث والعالم المتخصص في ميدان علمه.

أثار هذه المشكلة بصورة واضحة وحاسمة كلود برنار  Claude Bernard في كتابه (المدخل لدراسة الطب التجريبي) حيث يقرر أنه يجب على العالم والباحث المتخصص ألا يتقيد بمنهج ومذهب فلسفي معين أثناء القيام بأبحاثه العلمية لأن المناهج لا يمكن أن تدرس نظريا كقواعد وقوانين نظرية ولكن هي تتكون داخل الميدان والمعمل. أما الدكتور عبد الرحمان بدوي فإن له رأي آخر مضمونه هو حتمية تكامل وتعاون وتساند كل من العالم المتخصص والفيلسوف المنطقي في تكوين المناهج وعلم المناهج، ويرى أن ما طرحه كلود برنار صحيحا حيث أن مناهج البحث العلمي في تطبيقاتها على مختلف فروع العلوم والمعرفة ولكن هذا الرأي ليس صحيحا بالقول بإنفراد العالم المتخصص بخلق وتكوين مناهج البحث العلمي دون مشاركة العالم المنطقي والفيلسوف المفكر.

 

وعليه فعملية تكوين مناهج البحث العلمي وعلم المناهج عملية يشترك فيها العالم المتخصص والفيلسوف المنطقي بصورة تكامل وتعاون وتساند بحيث يقوم العالم المتخصص في مرحلة أولى ببيان المنهج الذي اكتشفه واتبعه في بحوثه ودراسته العلمية المتخصصة في نطاق علم من العلوم ثم يقدم تقريرا أو أطروحة  أو مقالا عن ذلك، ثم يأتي دور علم آخر أوسع علما وأفقا ذو عقلية تأملية شمولية وعامة ليقوم بعملية ملاحظة مراقبة وتنسيق بين التقارير والنتائج التي يتوصل إليها العلماء المتخصصون في مختلف فروع العلوم.

ومنه نصل إلى أن كافة المناهج العلمية صالحة لبحث في كافة العلوم، فليس هناك تخصص أو تخصيص للمناهج.

كما أنه يمكن استخدام كافة المناهج العلمية في بحث علمي واحد وفي نطاق علم معين واحد بشكل استخدام تكافل وتعاون وتساند كافة هذه المناهج في انجاز بحث علمي كامل وشامل ذو براهين يقينية ثابتة ومطلقة.

 

المطلب الثالث: تصنيفات المناهج العلمية.

هناك جملة من التصنيفات التقليدية والحديثة نتناولها في الفرعين التاليين:

الفرع الأول: التصنيفات التقليدية لمناهج البحث العلمي.

تم تصنيف مناهج البحث العلمي تقليديا إلى عدة تصنيفات نذكر من بينها ما يلي:

ـ المنهج التحليلي والمنهج التركيبي: المنهج التحليلي الإكتشافي أو منهج الاختراع وهو يستهدف الكشف عن الحقيقة، أما المنهج التركيبي أو ألتأليفي الذي يقوم بتركيب وتأليف الحقائق التي تم اكتشافها أو اختراعها بواسطة المنهج التحليلي وذلك  بهدف تعليمها ونشرها للآخرين. ما يعاب على هذا التصنيف أنه ناقص لأنه يتحدث عن الأفكار فقط ولا يشمل القوانين والظواهر كما أنه لا يصلح لكافة فروع العلم والمعرفة.

ـ المنهج التلقائي والمنهج العقلي التأملي: المنهج التلقائي هو ذلك المنهج الذي يسير فيه العقل سيرا طبيعيا نحو المعرفة أو الحقيقة دون تحديد سابق لأساليب وأصول وقواعد منظمة، أما المنهج العقلي التأملي فهو ذلك المنهج الذي يسير فيه العقل والفكر في نطاق أصول وقواعد منظمة ومرتبة من أجل اكتشاف الحقيقة أو الحصول على المعرفة.

هذا التصنيف كذلك منتقد لأنه تحدث عن طرق ووسائل الحصول على المعرفة والشروط العقلية العلمية وليس على مناهج البحث العلمي كمناهج لها أصول وقواعد وقوانين.

الفرع الثاني: التصنيفات الحديثة لمناهج البحث العلمي.

يمكن إجمال التصنيفات الحديثة من خلال الرجوع إلى الفقهاء الذين نادوا بها ونتناولها على النحو التالي:

ـ تصنيف هويتني(Whitney):رتب الفقيه هويتني المناهج العلمية على النحو التالي:

1) المنهج الوصفي.

2) المنهج التاريخي.

3) المنهج التجريبي.

4) البحث الفلسفي.

5) البحث التنبؤي.

6) البحث الاجتماعي.

7) البحث الإبداعي.

ـ تصنيف ماركيزMarquis)): رتب ماركيز مناهج البحث العلمي على النحو التالي :

1) المنهج الأنثروبولوجي (الملاحظة الميدانية).

2) المنهج الفلسفي.

3) منهج دراسة الحالة.

4) المنهج التاريخي.

5) منهج المسح.

6) المنهج التجريبي.

 

ـ تصنيف جود و سكايتس Good et Scates : رتب هذان الفقيهان مناهج البحث العلمي إلى:

1) المنهج التاريخي.

2) المنهج الوصفي.

3) منهج المسح الوصفي.

4) المنهج التجريبي.

5) منهج دراسة الحالة والدراسات الإكلينية.

6) منهج دراسات النمو والتطور والوراثة.

 

كل هذه التصنيفات بالغ أصحابها في تحديد مناهج البحث العلمي حيث أقحموا بعض أنواع البحوث وطرق الحصول على المعرفة والثقافة وكذا بعض أجزاء المناهج الأصلية.

لكن هناك مناهج أصلية وأخرى فرعية متفق عليها من طرف العلماء وكتاب علم المناهج وهي على النحو التالي:

المناهج الأصلية : المنهج الاستدلالي ـ المنهج التاريخي ـ المنهج التجريبي ـ المنهج الجدلي أو الدياليكتيكي.

المناهج الفرعية: وتظم كل المناهج الأخرى التي لم يتم الاتفاق حول اعتبارها مناهج أصلية ومن بينها المنهج الوصفي والمنهج الإحصائي والمنهج التحليلي والمنهج المقارن وغيرها من مناهج البحث الأخرى.

 

المطلب الرابع: مدى إمكانية إخضاع العلوم الإنسانية للمنهج العلمي.

لم يقبل العلماء بسهولة في السابق فكرة تطبيق مناهج البحث العلمي على العلوم الإنسانية، حيث كانوا ينظرون إليها على أنها ليست علوما وذلك لما تحدثه العلوم الإنسانية من لبس في المفاهيم نظرا لخصائصها المتنوعة والمتمثلة في:

 

ـ الظواهر السلوكية معقدة ومتشابكة.

ـ الظواهر السلوكية ديناميكية وسريعة التغيير والتفاعل.

ـ فقدان التجانس بين الظواهر السلوكية.

ـ صعوبة استخدام الطرق المختبرية.

ـ التحيز والميول الشخصي للباحث.

أهم قاعدتين طرحهما علماء العلوم الإنسانية من أجل تذليل الصعوبات التي تعوق البحث العلمي في هذا المجال هما:

1) اعتبار الظواهر الاجتماعية أشياء عند دراستها فالشيء هو كل ما يصلح أن يكون مادة للمعرفة ومنه تصبح مثل الظواهر الطبيعية قابلة للإدراك من خارج ذاتية الباحث.

2) استبعاد كل العوامل النفسية التي تبعث في نفس الباحث الشعور بالقهر الاجتماعي هذا ما دعا إليه (إيميل دور كايم) من أجل عزل الظواهر الاجتماعية عن فكر ووعي الباحث وجعلها كأنها كيان قائم بذاته خارج مجال التأثير على الفرد.

 

        

 

 

 

 

 

 

 

 

       المبحث الثاني:المناهج العلمية الأساسية والفرعية.

سنخصص المطلب الأول للمناهج الأساسية والمطلب الثاني للمناهج الفرعية.

المطلب الأول: المناهج العلمية الأساسية.

المتفق عليه بين علماء  القانون وكتاب علم المناهج هو أن المناهج العلمية الأساسية هي: المنهج الاستدلالي ـ المنهج التاريخي ـ المنهج التجريبي ـ المنهج الجدلي أو الدياليكتيكي. هذا ما سنتناوله خلال الفروع التالية:

الفرع الأول: المنهج الاستدلالي وتطبيقاته في مجال العلوم القانونية والإدارية.

إذا كانت مناهج البحث العلمي هي الطرق والوسائل المؤدية إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم المختلفة بواسطة مجموعة من القواعد والقوانين العامة التي تحكم وتنظم سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتائج معلومة ومن بين المناهج الأساسية والأصلية المعروفة في ميادين البحوث العلمية بوجه عام وفي ميدان العلوم القانونية على وجه الخصوص المنهج الاستدلالي. فما هو المنهج الاستدلالي؟ وما مدى صلاحية وإمكانية تطبيقه كعملية منطقية عقلية وممارسة سلوكية في نطاق العلوم القانونية؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال العنصرين التاليين:

أولا: مفهوم المنهج الاستدلالي.

ثانيا: نطاق تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال العلوم القانونية.

أولا: مفهوم المنهج الاستدلالي.

يعد المنهج الاستدلالي من بين مناهج البحث العلمي الأساسية والأصلية التي أسهمت من خلال قواعدها في إرساء أسس ومبادئ تسهل على الباحث سلوك أيسر السبل للوصول إلى الحقائق والأهداف المبتغاة، وعليه فمن خلال هذا العنصر سنحاول تعريف المنهج الاستدلالي وتحديد مبادئ الاستدلال وأدواته في الأجزاء التالية:

(1 تعريف المنهج الاستدلالي.

لمعرفة المنهج الاستدلالي يجب في البداية تحديد معنى الاستدلال ثم توضيح معنى النظام الاستدلالي.

أ) معنى الاستدلال.

يعرف الاستدلال بأنه (البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها ويسير إلى قضايا تنتج عنها بالضرورة، دون الالتجاء إلى التجربة، وهذا السير قد يكون بواسطة القول أو بواسطة الحساب). كما يعرف بأنه (عملية عقلية يبدأ بها العقل من قضايا يسلم بها، ويسير إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة).

والاستدلال وإن كان ميدانه الأصلي علم الرياضيات، فإن تطبيقاته لا تقتصر على هذا العلم فحسب، بل تشمل سائر العلوم الأخرى، فالقاضي مثلا يعتمد على الاستدلال في البحث عن الحل القانوني للقضية، فهو يستدل اعتمادا على ما لديه من نصوص. وفي الميدان التجاري والاقتصادي يستدل المضارب وفقا للمعروض والمطلوب من الأوراق المالية.

لتحديد مفهوم الاستدلال يجب التفرقة بينه وبين البرهنة فالاستدلال هو الانتقال من قضايا إلى قضايا أخرى ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية، أما البرهنة فهي أخص من الاستدلال، إذ تدلنا على صدق النتائج لأنها تقوم على التسليم بصدق المقدمات،أما الاستدلال فهو يدلنا على صدق المقدمات انطلاقا من صحة النتائج المتوصل إليها، فالبرهنة إذا هي جزء من الاستدلال نستعملها في حالة الحاجة إلى إثبات صدق النتائج. 

ب) معنى النظام الاستدلالي.

يقوم النظام الاستدلالي على المبادئ والنظريات، فالعملية الاستدلالية تبدأ من نظريات ومبادئ مستنتجة منها منطقيا وهذه الأخيرة تكون مقدمات لنظريات ومبادئ أخرى، وهكذا يتشكل نظام الاستدلال.

2( مبادئ الاستدلال.

مبادئ الاستدلال هي القضايا الأولية غير المستنتجة من غيرها، لذا تعتبر نقطة البداية في كل استدلال، ويقسم رجال المنطق مبادئ الاستدلال إلى ثلاثة مبادئ هي: البديهيات ـ المسلمات ـ التعريفات.

 

 

 

أ‌)    البديهيات.

تعرف البديهية بأنها (قضية بينة بذاتها، وليس من الممكن أن يبرهن عليها وتعد صادقة بلا برهان عند كل من يفهم معناها) من خلال هذا التعريف يتبين أن البديهية تمتاز بالخصائص التالية:

1)   أنها بينة نفسية أي تتبين للعقل تلقائيا دون الحاجة إلى برهان.

2)   هي أولية منطقية أي أنها غير مستنبطة من غيرها.

3)    هي قاعدة صورية عامة، لأنها تقبل من كافة العقول ولا تخص فرعا واحدا من العلوم.

ب) المسلمات ( المصادرات).

المسلمة هي (فكرة يصادر على صحتها ويسلم بها تسليما، مع عدم بيانها بوضوح للعقل، ولكننا نتقبلها نظريا لفائدتها ولأنها لا تؤدي إلى تناقض ومنه يتبين لنا أن المسلمات أقل يقينا من البديهيات.

ج) التعريفات.

التعريف تعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة بحيث يصبح التعريف جامعا مانعا، يجمع كل صفات الشيء ويمنع دخول صفات أوخصائص خارجة عنه وهو قضية أولية تبنى من خلاله كل الاستدلالات التي توصل إلى نتائج غير متناقضة مع العلم والواقع، وهو على خلاف البديهيات والمسلمات لا يعتبر قضية عامة ومشتركة، فهو يخص الشيء وحده دون غيره.

3( أدوات الاستدلال.

تقتضي العملية الاستدلالية أدوات معينة يستخدمها الباحث لاستخراج النظريات والمبادئ من القضايا الأولية أو المقدمات، وهذه الأدوات هي:

أ‌)    البرهان الرياضي.

هو عملية منطقية تنطلق من قضايا أولية صحيحة إلى قضايا أخرى ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية خالصة، ويصفه العلماء بأنه مبدع وخلاق لأن النتائج المتوصل إليها لم تشتمل عليها المقدمات لا ضمنيا ولا صراحة، فهو يأتي دوما بحقيقة جديدة.

 

ب) القياس.

هو عملية منطقية تنطلق من مقدمات مسلم بصحتها، ويصل إلى نتائج غير مضمون صحتها، فهو عبارة عن تحصيل حاصل، وتكون النتائج موجودة في المقدمات بطريقة ضمنية.

ج) التجريب العقلي.

هو قيام الباحث داخل عقله بكل الفروض والتجارب التي يعجز عن القيام بها في الخارج، وهو يختلف عن المنهج التجريبي الذي يعتمد على الملاحظة والفرضية والتجارب الخارجية المادية، بينما في التجريب العقلي التجارب تكون داخل العقل فحسب.

د) التركيب.

هو عملية منطقية علمية تنطلق من مقدمات صحيحة إلى نتائج معينة وهذه المقدمات الصحيحة ناتجة عن عملية استدلالية منطقية فيتم التأليف بين هذه النتائج للوصول إلى نتائج أخرى هكذا.

ثانيا: نطاق تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال العلوم القانونية.

كانت أكثر تطبيقات المنهج الاستدلالي أثناء سيادة العقلية التأملية على العلم منذ عصر اليونان، وبعدها طبق هذا المنهج في الدراسات القانونية حيث كان الارتباط شديدا بين الفلسفة والقانون، وكان ينظر إلى القانون على أنه علم ثابت وجامد ولهذا كانت كل الدراسات تنطلق من مبادئ ثابتة تأخذ شكل المصادرات وهي في أغلبها قواعد عقلية، ومن بين الدراسات التي طبق فيها المنهج الاستدلالي تفسير أصل وغاية الدولة والقانون وظاهرة السلطة والأمة وظاهرة الجريمة والديكتاتورية والديمقراطية والثورة. وبالتالي فقد أسهم المنهج الاستدلالي في بناء العلوم القانونية ومازال يطبق بشكل كبير فيها وسنتناول فيما يلي كيفيات تطبيقه على المستوى القضائي وعلى المستوى التشريعي.

1( تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال القضاء.

يتلخص دور المنهج الاستدلالي في القضاء في إرشاد القاضي لحل النزاع من خلال حكم قضائي يكون نتيجة لعمليات استدلالية منطقية يقوم بها القاضي بدأ من تكييف الوقائع إلى غاية إصدار الحكم.

أ) دور المنهج الاستدلالي في تكييف المسألة محل النزاع.      

يتم التكييف من طرف القاضي من خلال البحث حول ما إذا كانت المسألة مسألة وقائع أو مسألة قانون وأثر التفرقة مهم، لأن رقابة محكمة النقض تكون فقط على المسائل القانونية من دون المسائل الواقعية، وعليه فالقاضي يطبق القياس لتكييف المسائل المعروضة عليه.

ب) دور المنهج الاستدلالي في حل النزاعات القانونية.

وهنا نبحث كيفية اعتماد القياس المنطقي كمنهجية معتمدة في حل النزاعات القانونية.وهنا يتم بناء القياس على النحو التالي:

مقدمة كبرى: وهي المبدأ القانوني .

مقدمة صغرى: وهي الوقائع المادية,

النتيجة : وهي الحكم أي تطبيق المبدأ القانوني على الوقائع المادية وهذه الطريقة في القياس تسمى بـ القياس الاقتراني الحملي.

2( تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال التشريع.

يستعين المشرع في إصدار التشريعات الجديدة بالمنهج الاستدلالي  فينطلق من القواعد القانونية كمقدمات كبرى ليصل إلى قواعد أخرى عن طريق القياس فيمنع فعلا ما انطلاقا من منعه لفعل أخر منصوص عليه كلما كان للمنع نفس السبب أو العلة والمثال على ذلك هو منع التعامل بالمخدرات انطلاقا من مقدمة كبرى تتمثل في منع كل الأشياء التي تذهب العقل وتمنع الإدراك.

3( تقدير تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال العلوم القانونية.

لقد وجه العلماء انتقادات كبيرة لتطبيق المنهج الاستدلالي في مجال العلوم القانونية وأهم هذه الانتقادات ما يلي:

ـ الأول موجه للمبادئ التي يقوم عليها المنهج الاستدلالي وهي البديهيات والمسلمات والتعريفات، وهي كلها قضايا لا يمكن البرهنة على صحتها.

ـ  والثاني تطبيق المنهج الاستدلالي لا يخدم العلوم القانونية لأن هذه الأخيرة علوم إنسانية تدرس ظواهر سلوكية وتحاول تقويمها على ما يجب أن تكون عليه من سلوك والظاهرة السلوكية تمتاز بالديناميكية وتحتاج إلى منهج يستطيع التكييف.

وأهم المنتقدين هم التجريبيين وعلى رأسهم (فرانسيس بيكون)، والذين دعوا إلى ضرورة إخضاع الظاهرة السلوكية للمنهج التجريبي لأنه يستطيع أن يدرس الظاهرة واقعيا ويقنن لها ما يضبطها من قوانين.

وبالرغم من النقد القوي الذي وجهه أصحاب المناهج الأخرى وبالخصوص التجريبيين إلى المنهج الاستدلالي فهو لا ينقص من دوره في الدراسات القانونية.

خلاصة القول أن المنهج الاستدلالي يعد من بين المناهج الأساسية التي تعتمد عليها الدراسات القانونية وعلى وجه الخصوص مجال القضاء والتشريع من خلال استخدام أدوات القياس لحل القضايا والتوصل إلى نتائج واقعية.

 

 

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفرع الثاني: المنهج التاريخي وتطبيقاته في مجال العلوم القانونية والإدارية

تختلف المناهج العلمية باختلاف الموضوعات التي تدرسها، كما أن لكل منهج وظيفة خاصة ووسائل يستخدمها كل باحث في مجال اختصاصه، وعليه فالمنهج كيفما كان نوعه هو بوجه عام الطريقة التي سلكها الباحث للوصول إلى نتيجة معينة.

وإذا كان الباحثون يتجنبون المناهج الخاطئة لأنها لا تقودهم إلى الحلول الصحيحة، فإنهم يحرصون على استخدام المناهج العلمية التي أثبتت نجاعتها فيسعون إلى الإجادة في استخدامها ومنه اختيار الأسلوب الملائم لكل قضية يدرسونها، ومنه فإذا كان البحث يدور حول موضوع تاريخي فإنه يتعين على الباحث أن يعتمد على المنهج التاريخي. فما هو المنهج التاريخي؟ وما هي خطوات هذا المنهج؟ وما هي تطبيقاته في مجال العلوم القانونية ؟

هذا ما سنحاول توضيحه من خلال العناصر التالية:

العنصرالأول: مفهوم المنهج التاريخي.

العنصر الثاني: خطوات المنهج التاريخي.

العنصر الثالث: تطبيق المنهج التاريخي في مجال العلوم القانونية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أولا: مفهوم المنهج التاريخي.

للوقوف على المعنى الحقيقي للمنهج التاريخي نستعرض في البداية تعريف علم التاريخ ومن ثم تعريف المنهج التاريخي.

1( تعريف علم التاريخ.

عرفه هومر هوشيث Humer Hochet  ( التاريخ هو السجل المكتوب للماضي أو للأحداث الماضية.) كما عرفه (ألان نفنس) Allen Ne vins   (هو وصف الحوادث أو الحقائق الماضية وكتابتها بروح النقد والبحث عن الحقيقة الكاملة.) أما (كارترـ ف ـ جود Carter.V.Good   فيرى أن التاريخ واسع كاتساع الحياة نفسها وهو يضم الميدان الكلي الشامل للماضي البشري.

2( تعريف المنهج التاريخي.

هو أداة علم التاريخ في تحقيق ذاته بتحقيق ما ذكرناه من العمليات والأمور كما أنه أداة التاريخ في الوصول إلى التعميمات أو القوانين التي تفيد في التنبؤ بالنسبة للمستقبل وعليه فالمنهج التاريخي هو الطريق الذي يتبعه الباحث في جمع المعلومات عن الأحداث وفحصها ونقد وتحليلها وعرضها وترتيبها وتفسيرها واستخلاص التعميمات والنتائج العامة منها من أجل التخطيط للمستقبل.

ومن التعريفات التي تتمتع بالدقة والشمولية في حصر عناصر المنهج التاريخي التعريف الذي يقرر بأنه يمكن تعريفه بأنه (مجموعة الطرائق والتقنيات التي يتبعها الباحث التاريخي والمؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية وإعادة بناء الماضي بكل دقائقه وزواياه وكما كان عليه في زمانه ومكانه وبجميع تفاعلات الحياة فيه، وهذه الطريق قابلة دائما للتطور والتكامل مع تطور مجموع المعرفة الإنسانية وتكاملها ونهج اكتسابها.

ثانيا: خطوات المنهج التاريخي.

يرتكز المنهج التاريخي كمنهج من بين مناهج البحث العلمي الأساسية على جملة من الخطوات التي يجب على الباحث التقيد بإتباعها والالتزام بها، وهذه الخطوات هي:

 

1( اختيار الموضوع وتحديد المشكلة.

المقصود بتحديد المشكلة العلمية التاريخية هنا هو تحديد الموضوع العلمي التاريخي الذي تقوم حوله التساؤلات والاستفسارات العلمية التاريخية الأمر الذي يؤدي إلى تحريك البحث العلمي لاستخراج الفرضيات العلمية التي تمكن من الإجابة الصحيحة والثابتة لهذه التساؤلات والاستفسارات التاريخية، فالمشكلة العلمية هي تلك الفكرة المحركة والقائدة والموجهة للبحث العلمي التاريخي حتى الوصول نظريات وقوانين علمية ثابتة وعامة تفسر وتكشف الحقيقة العلمية التاريخية.

2( جمع البيانات والمعلومات التاريخية حصرها.

نظرا لحيوية وأهمية وخطورة الدور الذي تقوم به الوثائق التاريخية والمصادر، حيث أن الوثائق التاريخية هي جوهر المنهج التاريخي، لذلك يطلق البعض على المنهج التاريخي تسمية منهج الوثائق أو بحث الوثائق.

لذلك يستوجب الأمر هنا التصرف لتحديد معنى الوثائق وبيان معناها اللغوي والاصطلاحي وتحديد أنواعها المختلفة وتوضيح كيفية تحليلها ونقدها وتقيمها كأداة علمية للتجريب والتحليل والتركيب للوقائع والأحداث الماضية لاستنباط الحقائق العلمية في صورة فرضيات ونظريات وقوانين عامة وثابتة ودقيقة.

وتعرف الوثيقة بأنها جميع الآثار التي خلفتها أفكار البشر القدماء. كما تعرف بأنها كل ما يمكن أن يكشف لنا عن ماضي الإنسان.

تقسم الوثائق إلى وثائق ومصادر أصلية ووثائق ومصادر مشتقة وغير أصلية (مراجع)، كما تقسم إلى وثائق مكتوبة وأخرى غير مكتوبة، كما تقسم إلى الروايات المأثورة والمخلفات.

3( نقد المصادر والمعلومات.

تأتي مرحلة فحص وتحليل هذه الوثائق تحليلا علميا دقيقا عن طريق استخدام كافة أنواع الاستدلالات والتجريب، للتأكد منت مدى أصالة وهوية وصدق هذه الوثائق التاريخية فيما تحمله من أدلة تاريخية للحقيقة التاريخية للموضوع أو المشكلة، وتعرف هذه العملية من فحص وتحليل بعملية النقد وتتطلب في الباحث صفات خاصة مثل الحس التاريخي القوي والذكاء اللماح والإدراك العميق والمعرفة الواسعة والثقافة المتنوعة وكذا القدرة على استعمال فروع العلوم الأخرى في تحليل ونقد الوثائق التاريخية.

 

وهناك طريقتين في نقد الوثائق هما النقد الخارجي والنقد الداخلي.

النقد الخارجي يستهدف التعرف على أصالة الوثيقة التاريخية والتأكد من مدى صحتها وكذا ترميم وتصحيح الوثيقة التاريخية إذا ما طرأت عليها تطورات وتغيرات في حالتها وإعادتها إلى حالتها ووضعها الأصلي.

أما النقد الداخلي فإنه يأتي بعد النقد الخارجي ويهدف للتحقق من دقة وصدق الوثائق التاريخية ومدى الثقة في المعلومات التي تحتويها وذلك عن طريق الحصول على المعلومات التاريخية الحقيقية الصادقة من الوثائق والأصول التاريخية. وتتم هذه العملية عن طريق تحليل وتفسير النص التاريخي والمادة التاريخية وهو ما يعرف بالنقد الداخلي الايجابي، وبواسطة إثبات مدى أمانة وصدق المؤلف وموضوعيته ودقة معلوماته وهو ما يعرف بالنقد الداخلي السلبي.

4( صياغة الفروض وتحقيقها.

تأتي عملية التركيب والتفسير التاريخي حتى تتم وتنجز عملية التاريخي الحقيقي حيث تكشف وتفسر الحقيقة التاريخية في صورة نظرية أو قانون ثابت وعام يكشف ويفسر الحقيقة العلمية التاريخية حول حدث أو واقعة من الأحداث والوقائع التاريخية، وتتضمن عملية التركيب والتفسير التاريخي للوقائع التاريخية المراحل التالية:

أ) تكوين صورة فكرية واضحة لكل حقيقة من الحقائق المحصلة لدى الباحث التاريخي وللموضوع ككل.

ب) تنظيم المعلومات والحقائق الجزئية والمتفرقة والمبعثرة المحصلة وتوصيفها وتصنيفها وترتيبها على أساس معايير وأسس منطقية مختارة.

ج) عملية ملء التغييرات التي تظهر بعد عملية التوصيف والتصنيف والتركيب للمعلومات والحقائق التاريخية الجزئية والمتفرقة والمتناثرة في إطار وهيكل الترتيب. 

 

 

 

 

5( استخلاص النتائج وكتابة تقرير البحث.

وهي مرحلة ربط الحقائق التاريخية بواسطة علاقات حتمية وسببيه قائمة بينها أي عملية التسبيب والتعليل التاريخي وهي مرحلة البحث عن التعليلات المختلفة، فعملية التركيب والبناء والاستعادة التاريخية لا تتحقق بمجرد تجميع الوثائق التاريخية بل تكمن في البحث والكشف والتفسير والتعليل عن أسباب الحوادث وعن العلاقات الحتمية والسببية التاريخية للوقائع والحوادث التاريخية.

وتنتهي عملية التركيب والتفسير التاريخي باستخراج وبناء النظريات والقوانين العلمية والثابتة في الكشف عن الحقائق العلمية والتاريخية وتفسيرها وتقريرها.

ثالثا: تطبيق المنهج التاريخي في مجال العلوم القانونية.

يضرب القانون بجذوره في التاريخ القديم إلى أمد بعيد، فربما بدأت فكرة التشريع في الحضارة البابلية عند حامورابي فيما عرف بمدونة حامورابي وانتقلت إلى مختلف الحضارات العالمية وتطورت في شكل يقترب إلى العلم في الحضارة الرومانية فيما عرف بالألواح الإثني عشر لجو ستينيان، فدراسة الأنظمة القانونية غبر التاريخ طريق شائك محاط بمخطر الفهم الخاطئ والتزييف والذاتية لذا وجب وضع كل ذلك في بوتقة المنهج التاريخي الذي يضبط طريقة تفكير الباحث في الظواهر التاريخية وتاريخ النظم القانونية، وذلك بمقارنة الأنظمة القانونية في مختلف الحضارات وفائدة ذلك يكمن في تتبع مراحل تطور القوانين وأسباب ذلك التطور، لنستطيع من خلال الماضي تحديد خلفيات وأهداف القانون في الوقت الحاضر. يضطلع المنهج التاريخي بدور حيوي في مجال الدراسات القانونية التي تتمحور وتتركز حول الوقائع والأحداث والظواهر القانونية والتنظيمية المتحركة والمتغيرة والمتطورة باعتبارها وقائع وأحداث وظواهر اجتماعية وإنسانية في الأصل الأساسي.

فبواسطة المنهج التاريخي أمكن معرفة الحقائق العلمية والتاريخية عن أصل وأساس وغاية القانون في كافة مراحل وعصور ماضي التاريخ الإنساني في غابر الأزمان بطريقة علمية صحيحة.

 

 

وتزداد أهمية المنهج التاريخي منفعة وقوة في ميادين الدراسات والبحوث العلمية القانونية، لأن معظم الأفكار والظواهر والنظريات القانونية ترجع في أصولها وجذورها إلى المنهج التاريخي كحتمية علمية ومنهجية قائمة في مجال الدراسات والبحوث القانونية.

يسهم المنهج التاريخي في مجال الدراسات والبحوث القانونية من خلال تمكين الباحثين في الاستعانة بالأدوات التي يوفرها هذا المنهج كمنهج علمي موثوق في نتائجه بصورة ثابتة في مجال تتبع تطور التشريعات المقارنة عبر تنوع الأمصار وكذا تعاقب المراحل التاريخية، مما يكفل إمكانية الوقوف على أنجع الآليات والوسائل القانونية بحكم تجارب سابقة من أجل الاستفادة منها في الحاضر.

الفرع الثالث: المنهج التجريبي وتطبيقاته في مجال العلوم القانونية والإدارية

ظهر المنهج التجريبي على يد فرانسيس بيكون Francis Bacon ) ( وذلك عقب الانتقادات التي وجهت للمنهج الاستدلالي والنزعة الفلسفية التأملية عامة، وحينها لم يكن المنهج التجريبي يعبر عن مجرد منهج علمي وإنما شكل نزعة فلسفية سميت النزعة التجريبانية، وهي تقابل النزعة العقلانية التي أسسها المنهج الاستدلالي، وقد أحدثت منعرجا هاما في تاريخ العلم، مما دعا البعض إلى القول بأن العلم الذي لا يخضع للتجربة ليس بعلم، وعليه فما هو مفهوم المنهج التجريبي؟ وما هي أسسه ومراحله؟ وما هو دوره في مجال العلوم القانونية والإدارية؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال العناصر التالية:

العنصر الأول: مفهوم المنهج التجريبي.

العنصر الثاني: أسس المنهج التجريبي ومراحله.

العنصر الثالث: دور المنهج التجريبي في مجال العلوم القانونية والإدارية.

أولا: مفهوم المنهج التجريبي.

سنحاول تحديد مفهوم المنهج التجريبي من خلال جزئين، في الجزء الأول نتناول أهم التعريفات وفي الجزء الثاني نبين أهم مميزات هذا المنهج.

 

 

 1( تعريف المنهج التجريبي.  

توجد عدة تعريفات للمنهج التجريبي من بينها:(هو المنهج المستخدم حينما نبدأ من وقائع خارجة عن العقل سواء كانت خارجة عن النفس إطلاقا أوباطنة فيها)

(البحث التجريبي تغيير متعمد ومضبوط للشروط المحددة لواقعة معينة وملاحظة التغييرات الناتجة في هذه الواقعة ذاتها وتفسيرها)

(البحث التجريبي يتضمن محاولة لضبط كل العوامل الأساسية المؤثرة في المتغير أو المتغيرات التابعة في التجربة ماعدا عاملا واحدا يتحكم فيه الباحث ويغيره على نحو معين بقصد تحديد وقياس تأثيره على المتغير أوالمتغيرات التابعة)

(البحث التجريبي يقوم أساسا على أسلوب التجربة العلمية التي تكشف عن العلاقات السببية بين المتغيرات المختلفة التي تتفاعل مع القوى التي تحدث في الموقف التجريبي)

(البحث التجريبي هو ذلك النوع من البحوث الذي يستخدم التجربة في اختبار فرض معين يقرر علاقة بين عاملين أو متغيرين وذلك عن طريق الدراسة للمواقف المتقابلة التي ضبطت كل المتغيرات ماعدا المتغير الذي يهتم الباحث بدراسة تأثيره)

2( مميزات المنهج التجريبي.   

من خلال التعريفات السابقة نستطيع أن نستنتج بعض المميزات التي يتميز بها المنهج التجريبي والتي يمكن إجمالها في الآتي:

أ) المنهج التجريبي أقرب المناهج إلى الطريقة العلمية، وهذه الخاصية هي التي جعلت بعض العلماء ينادون بضرورة تميز العلم بميزة التجريب على اعتبار أن العلم الذي لا يقبل التجريب ليس بعلم، لكن هذا الرأي متطرف لأنه ينكر الكثير من العلوم التي لا تخضع للتجربة.

ب) المنهج التجريبي منهج علمي خارجي إذ يعتمد على التجربة الخارجة عن العقل، أي أن التجربة هنا لا تتم داخل العقل بل تأتي من الخارج لتفرض نتائجها على العقل، وهو بهذه الميزة يختلف عن المنهج الاستدلالي الذي يعتمد على أدوات داخلية، والتجربة التي يتضمنها المنهج الاستدلالي هي تجربة عقلية داخلية.

 

ج) يوصف كذلك بأنه منهج موضوعي، فالنتائج المتحصل عليها عن طريق التجربة تفرض نفسها على العقل حتى وإن كانت تتعارض مع رغبة الباحث أو ميولاته النفسية.

ثانيا: أسس المنهج التجريبي ومراحله.

يتضمن المنهج التجريبي جملة من الأسس والمقومات يخلط البعض بينها وبين المراحل والتي يمكن أن تتشابه في الألفاظ ولكنها تختلف من حيث المضمون أو الهدف. وعليه سنبين في الفرع الأول أسس ومقومات المنهج التجريبي وفي الفرع الثاني نحدد مراحل أو الخطوات المتبعة أثناء استخدام المنهج التجريبي.

1( أسس ومقومات المنهج التجريبي.  

يتألف المنهج التجريبي من ثلاث مقومات أساسية هي:الملاحظة أو المشاهدة الفرضيات العلمية، التجريب.

أ) الملاحظة أو المشاهدة العلمية: الملاحظة العلمية هي الخطوة الأولى في البحث العلمي، وهي من أهم عناصر المنهج التجريبي وأكثرها أهمية لأنها المحرك الأساسي لبقية العناصر، والملاحظة في معناها العام الواسع هي الانتباه العفوي إلى حادثة أو واقعة أو ظاهرة دون قصد أو سابق إصرار وتعمد أو إرادة، أما الملاحظة العلمية فهي المشاهدة الحسية المقصودة والمنظمة والدقيقة للحوادث والأشياء والظواهر بغية اكتشاف أسبابها وقوانينها ونظرياتها عن طريق القيام بعملية النظر في هذه الأشياء وتعريفها وتوصيفها وتصنيفها في أسر وفصائل، كل ذلك يتم قبل عملية وضع الفرضيات والتجريب. ويقسم الفقهاء الملاحظة إلى ملاحظة بسيطة وهي التي تكون من خلال الانتباه العفوي دون استعداد مسبق، أما الملاحظة العلمية المسلحة وهي التي تتم عن قصد مسبق وتكون منظمة ودقيقة.

ومن بين أهم شروط الملاحظة العلمية ما يلي:

ـ يجب أن تكون الملاحظة كاملة، أي يجب أن يلاحظ الباحث الملاحظ كافة العوامل والأسباب والوقائع والظواهر، ولا يمكن إغفال أي عنصر له صلة بالموضوع أو الظاهرة.

ـ يجب أن تكون الملاحظة العلمية نزيهة وموضوعية ومجردة، ولا تتأثر بفرضيات وأحاسيس سابقة.

ـ يجب أن تكون الملاحظة العلمية منظمة ومضبوطة ودقيقة، أي عليه أن يستخدم الذكاء والفطنة والدقة العقلية، وكذا يستخدم وسائل القياس والتسجيل والوزن والملاحظة العلمية التكنولوجية.

ـ يجب أن يكون الملاحظ مؤهلا وقادرا ويكون مختصا وعالما في ميدانه.

ـ يجب تسجيل كافة الملاحظات بدقة وترتيب محكم، وكذا تجنب الأخطاء التي يكون مصدرها الملاحظ نفسه، أو الأجهزة والأدوات المستعملة.

ب) الفرضيات العلمية:

الفرضية أو الفرضيات تعني لغة تخمين أو استنتاج أو افتراض ذكي في إمكانية صحة تحقق واقعة معينة أو عدم تحققها ومن ثم استخراج النتائج تبعا لذلك أو هي اقتراحات ونتائج تتطلب الفحص والاختبار والتجريب للتأكد من مدى صحتها. أما الفرضيات اصطلاحا فهي التفسير المؤقت لوقائع وظواهر معينة لا تزال بمعزل عن الامتحان، وبعد امتحانها تصبح قوانين تفسر الظاهرة. وقد تكون أسباب ومصادر نشأة الفرضيات خارجية أو داخلية في ذهن الباحث بحسب طبيعة الظاهرة المدروسة.

تلعب الفرضيات دورا حيويا وهاما في مجال استخراج النظريات والقوانين والتعليلات والتفسيرات العلمية للظواهر والوقائع والأشياء وهي تنبئ عن عقل خلاق وخيال مبدع وبعد النظر. ومن أهم العوامل المساعدة على خلق الفرضيات العلمية داخليا الجبرية والمثالية والتواصل والاستمرار الاتصال والتكرار. ومن شروط صحة الفرضيات يجب أن تبدأ من ملاحظات علمية، كما يجب أن تكون قابلة للتجريب والاختبار وأن تكون خالية من التناقض وأن تكون شاملة ومترابطة وكذلك متعددة ومتنوعة للواقعة أو الظاهرة الواحدة.

ج ) عملية التجريب:       

بعد عملية إنشاء الفرضيات تأتي عملية التجريب على الفرضيات لإثبات مدى سلامتها وصحتها، وإثبات صحة الفرضيات عن طريق عملية التجريب يتطلب عدة قواعد من بينها قاعدة تنويع التجربة وقاعدة إطالة التجربة وقاعدة نقل التجربة وكل هذه القواعد وضعها فرانسيس بيكون. وإذا ثبتت صحة الفرضيات علميا ويقينيا تتحول تلك الفرضيات قواعد ثابتة وعامة، ونظريات علمية تكشف وتفسر الظواهر وتتحكم فيها.

 

 

2( مراحل وخطوات سير المنهج التجريبي.   

للمنهج التجريبي ثلاث مراحل متسلسلة ومترابطة ومتكاملة وهي:

أ) مرحلة التعريف والتوصيف والتصنيف:وهي مرحلة نظر ومشاهدة الظواهر والأشياء الخارجية والقيام بعمليات تعريفها ووصفها وتصنيفها في قوالب وأسر وفصائل وأصناف من أجل معرفة حالة الظاهرة أو الواقعة دون محاولة التجريب والتفسير.

ب) مرحلة التحليل: والهدف من هذه المرحلة هو كشف وبيان العلاقات والروابط بين طائفة الظواهر والوقائع المتشابهة وذلك بواسطة عملية التحليل المعتمدة على تفسير الوقائع والظواهر بواسطة الملاحظة العلمية ووضع الفروض العلمية من أجل استخراج القوانين العلمية العامة المتعلقة بالظواهر المشمولة بالتجربة.

ج) مرحلة التركيب: وهي مرحلة تركيب وتنظيم القوانين الجزئية لاستخراج القوانين الكلية والعامة منها في صورة مبادئ عامة أولية، يكون موثوق في صحتها وعلميتها.

ثالثا: دور المنهج التجريبي في مجال العلوم القانونية والإدارية.

مع بداية القرن الثامن عشر أصبح إعمال وتطبيق المنهج التجريبي في البحوث والدراسات القانونية ميدان أصيل لهذا المنهج حيث بدأت تزدهر وتنضج النزعة العقلية العلمية الموضوعية التجريبية، وتسود حقول العلوم القانونية بصفة خاصة على حساب النزعة الفلسفية التأملية والميتافيزيقية. وعليه سنتناول في الفرع الأول تطبيقات المنهج التجريبي في مجال العلوم القانونية وفي الفرع الثاني تقييم وتقدير دوره في هذا المجال من البحوث العلمية.

1( تطبيقات المنهج التجريبي في مجال العلوم القانونية والإدارية.     

طبق هذا المنهج في العديد من الدراسات القانونية التي تضمنت بحوث في مجالات علاقة القانون بمبدأ تقسيم العمل الاجتماعي وعلاقة القانون بالبيئة الاجتماعية وكذا علاقة الدولة والسلطة والقانون والبحوث المتعلقة بالجريمة وفلسفة التجريم والعقاب. وكذا البحوث حول إصلاح السياسات التشريعية والقضائية موضوعيا وإجرائيا.

 

 كما طبق هذا المنهج في مجال علم الإدارة ولاسيما بعد ظهور الإدارة العلمية وبروز ظاهرة التداخل والترابط والتكامل بين ظاهرة الإدارة وعلم الاقتصاد وعلم النفس وعلم الأنثروبولوجيا.

ولقد استخدم إميل دوركايم المنهج التجريبي في دراسة واكتشاف وتفسير الظواهر العلاقات التي تربط بينها في تبادل وتأثير مطرد، وذلك في كتابه المعروف (تقسيم العمل الاجتماعي) وفي مقاله المعنون بـ: ((قانونا للتطور الجنائي)) حيث استخلص العديد من النتائج والمبادئ العلمية ومن بينها حتمية حاجة الحياة الاجتماعية للقانون ليضبط العلاقات والأنساق الاجتماعية ضبطا قانونيا، كما استنتج حاجة المجتمعات البشرية إلى قوانين جنائية عند بداية نشأتهم أكثر من حاجتهم إلى القانون المدني.

وقد ازدهرت استخدامات المنهج التجريبي في مجال العلوم الجنائية بعدما تم اكتشاف حتمية العلاقة والتكامل بين العلوم الجنائية وعلم النفس الجنائي وعلم الاجتماع القانوني وعلم الطب النفسي والطب العيادي وعلم الوراثة، وخصوصا بعد سيادة المدارس الجنائية العلمية التجريبية. وأكثر فروع العلوم القانونية قابلية لتطبيق المنهج التجريبي هي قانون الإجراءات والمرافعات والنظام القضائي والقانون الجنائي والعلوم الجنائية، والقانون الإداري والعلوم الإدارية نظرا لطبيعتها الخاصة وارتباطها بالواقع وكذا حركيتها وتغيرها.

2( تقدير قيمة تطبيق المنهج التجريبي في مجال العلوم القانونية.    

نظرا للدينامكية التي تتميز بها الدراسات القانونية وكذا التطور السريعة والمتزايد لكافة القواعد القانونية فهي دائما بحاجة إلى منهج علمي يوفر القابلية للتطبيق والتجاوب مع المتغيرات، وهذا ما توفر أدوات المنهج التجريبي بكافة أسسه ومراحله لأجل اكتشاف الحقيقة العلمية القانونية والإدارية بصفة تقنية نسبيا.

بالرغم من صعوبة تطبيق المنهج التجريبي في ميدان العلوم الإنسانية  والاجتماعية ومنها العلوم القانونية، إلا أن مجالات تطبيق المنهج التجريبي في ميدان العلوم القانونية كثيرة كما سبق بيان ذلك عن طريق الملاحظة العلمية الصحيحة والموضوعية للظواهر والمعطيات القانونية ووضع الفرضيات والبدائل بشأنها ثم القيام بالتجريب عن طريق التحليل والتركيب من أجل استنباط الحقائق ووضع النظريات والقوانين الثابتة.

 

الفرع الثاني:المنهج الجدلي (الدياليكتيكي) وتطبيقاته في مجال العلوم القانونية والإدارية.

 

تساهم مناهج البحث العلمي في إجراء البحوث العلمية بصورة منهجية دقيقة ومضبوطة وموثوق في سلامتها وعلميتها، مما يدفع الباحثين إلى حسن اختيار المنهج الملائم لطبيعة الدراسة وخصوصياتها ومن بين تلك المناهج المنهج الجدلي. فما هو المنهج الجدلي؟ وما هي قوانينه وخصائصه؟ وما مدى تطبيقه في مجال العلوم القانونية؟

هذا ما سنتناوله من خلال العناصر التالية:

العنصر الأول: مفهوم المنهج الجدلي.

العنصر الثاني: قوانين المنهج الجدلي وخصائصه.

العنصر الثالث: تطبيق المنهج الجدلي في مجال العلوم القانونية.

أولا: مفهوم المنهج الجدلي.

يقوم المنهج الجدلي على أساس الحقيقة القائلة أن كل الأشياء والظواهر والعمليات والحقائق الطبيعية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والسياسية هي دائما في حالات ترابط وتشابك وتداخل، وهي دائما في حالات تناقض وصراع وتفاعل داخلي قوي ومحرك ودافع للحركة والتغيير والتطور والارتقاء والتقدم من شكل إلى شكل ومن حالة إلى حالة جديدة.

سنتناول خلال هذا العنصر نشأة هذا المنهج ثم نبرز أهم التعريفات التي أعطيت من خلال الجزئين التاليين:

1( نشأة المنهج الجدلي.

يعتبر المنهج الجدلي منهجا قديما في فلسفته وأسسه وفرضياته، حديثا في اكتمال وإتمام صياغته وبنائه كمنهج علمي للبحث والدراسة والتحليل والتفسير والتركيب والتأليف بطريقة علمية.

 

 

 

فلقد ظهرت نظرية الجدل قديما عند الإغريق على يد الفيلسوف اليوناني هير إقليتس قبل الميلاد، والذي صاغ أساس نظرية الدياليكتيك عندما اكتشف وأعلن أن كل شيء يتحرك وكل شيء يجري وكل شيء يتغير. ولقد تطور الدياليكتيك تطورا كبيرا وجديدا على يد الفيلسوف الألماني هيجل الذي بلور وجسد تلك النظرية وبناها وصاغها صياغة علمية شاملة وكاملة وواضحة وواعية كمنهج علمي لدراسة وتحليل الحقائق والأشياء والظواهر والعمليات وتفسيرها وتركيبها علميا ومنطقيا بطريقة شاملة ومتكاملة حيث أن هيجل هو الذي اكتشف القوانين والقواعد والمفاهيم العلمية للدياليكتيك والمتمثلة في قانون تحول التبادلات الكمية إلى تبادلات نوعية وقانون وحدة وصراع الأضداد، وقانون نفي النفي. يتميز الدياليكتيك عند هيجل بأنه دياليكتيك مثالي، وعلى هذا الأساس انتقد الفيلسوف الألماني لودفيغ فور باخ النزعة المثالية عند هيجل ونادى بضرورة اتسام واتصاف الدياليكتيك بالنزعة المادية حتى يصبح موضوعيا وواقعيا وعلميا. بعدها قام كارل ماركس، وهو من أنصار الدياليكتيك الهيجلي بإعادة صياغة نظرية الدياليكتيك صياغة مادية علمية عملية، فأبقى عليها بكل نظرياتها وأسسها وفرضياتها ولكن نزع منها الطبيعة المثالية.

2( تعريف المنهج الجدلي.     

يعرف المنهج الجدلي بأنه ذلك المنهج الذي يبحث عن الحقيقة من داخل الظاهرة ويتتبع مراحل تغير الظاهرة بناءا على الصراع الداخلي الذي يحدث للظاهرة، على عكس المنهج التجريبي الذي يدرس الظاهرة من الخارج عن طريق الملاحظة والتجربة.

كما يعرف بأنه المنهج الذي يبحث عن الأجزاء التي تكون الظاهرة ويدرس مدى تناقضها ويبحث في إمكانية حدوث صراع بين هاته الأجزاء داخل الظاهرة.

ثانيا: قوانين المنهج الجدلي وخصائصه.

يتكون المنهج الجدلي من جملة من القوانين ويتميز بجملة من الخصائص نوردها على النحو التالي:

 

 

 

 

1( قوانين المنهج الجدلي.

قوانين الجدل هي الآليات التي يطبق بها المنهج الجدلي في دراسة الظاهرة أو هي المفاتيح التي يستطيع الباحث أن يدخل بها إلى الظاهرة ويقف عند أجزائها أو عناصرها ليرى ما تحمله من بذور فنائها أو تحولها فهو يدرس الماضي ويتنبأ بالمستقبل، يدرس سبب تغير الظاهرة في الماضي ويتنبأ بالتغير المستقبلي وهذه القوانين هي:

أ‌)      قانون وحدة وصراع الأضداد:

 

كل ظاهرة تحتوي على عناصر أو أجزاء، فهذا القانون يكشف عن تناقض هذه العناصر فيما بينها إذ يؤدي هذا التناقض أو الصراع إلى تغير طبيعة الظاهرة شكلا ومضمونا. كما يؤدي إلى بقائي الشيء وتطوره.

ب‌)   قانون تحول التغيرات الكمية إلى تغيرات نوعية:

 

تتصارع أجزاء الظاهرة فيما بينها فتبدأ الظاهرة في التغير من الناحية الكمية أو حتى الشكلية وحينما يصل التغير الكمي إلى ذروته تتغير الظاهرة نوعيا ولا تحتمل هذا التغير الكمي على الوضع السابق أي لا تستطيع استيعابه ولا تستطيع التكيف معه إلا بوضع جديد هو الظاهرة الجديدة المفرزة.

ج‌)  قانون نفي النفي:

 

حينما يصل التناقض ذروته تبدأ الظاهرة، وتبنى على أنقاضها ظاهرة تتألف من عناصر الظاهرة السابقة لكنها تختلف عنها فبعدما تتناقض هذه العناصر تتآلف من جديد لتنفي ما كان في السابق وتتخلص من عيوب الظاهرة السابقة ونفي النفي هنا النظام الصحيح. ومنه فقانون نفي النفي هو شرط التطور والبناء التصاعدي إلى الأمام، وعليه فهو يسمى قانون التطور والتقدم للظواهر والعمليات والأشياء والحقائق والحياة.

 

 

 

2( خصائص المنهج الجدلي.

يمكن إجمال خصائص المنهج الجدلي في ثلاث خصائص أساسية هي:

أ) إن الدياليكتيك منهج علمي موضوعي للبحث والتحليل والتركيب والتفسير والمعرفة، فهو يقوم على قواعد وقوانين ومفاهيم علمية موضوعية في تفسير حقائق وطباع الأشياء والظواهر والأفكار والعمليات.

ب) إن الدياليكتيك منهج عام وشامل وكلي في كشف ومعرفة وتفسير كافة الحقائق والظواهر والعمليات العلمية النظرية والطبيعية والاجتماعية والسياسية والتنظيمية، وقد اكتسب المنهج الجدلي هذه الخاصية في مراحل تطوره الأخيرة.

ج) كما أصبح هذا المنهج يتميز بعد تطوراته الأخيرة بأنه عملي، حيث أصبح يستخدم في الدراسات المرتبطة بموضوعات وظواهر من واقع الحياة، ولم يعد محصورا تحليل ومعرفة وتفسير وتركيب حقائق الظواهر والأشياء.

 

ثالثا: تطبيق المنهج الجدلي في مجال العلوم القانونية.

يعتبر المنهج الجدلي من بين مناهج البحث العلمي المستخدمة في مجال العلوم الاجتماعية بوجه عام والعلوم القانونية بصفة خاصة، وهكذا يضطلع هذا المنهج في نطاق النظرية الهيجلية والماركسية البينينية بدور كبير وحيوي في اكتشاف وتفسير النظريات والقوانين العلمية والتنبؤ في مجال دراسة الظواهر السياسية والقانونية بصورة موضوعية وعلمية.

1( تطبيقات المنهج الجدلي في مجال العلوم القانونية.

في مجال العلوم القانونية قام ويقوم المنهج الجدلي بقسط كبير في اكتشاف وتفسير النظريات والقوانين العلمية والتنبؤ بها، فهكذا يلعب المنهج الجدلي دورا حيويا في اكتشاف القوانين العلمية المتعلقة بتفسير أصل وغاية الدولة وأصل وغاية القانون فبالرجوع لكتب المدخل لنظرية القانون والقانون الدستوري ونظرية الدولة والعلوم السياسية وعلم التنظيم الإداري، يظهر بجلاء دور المنهج الجدلي في تأصيل نظريات تفسير أصل الدولة والقانون وعلاقتهما وأغراضهما ووظائفهما.

 

 

ويقوم المنهج الجدلي بدور كبير في تأصيل وتفسير ظاهرة الثورة وعلاقتها بالقانون ومبدأ الشرعية القانونية، تأصيلا وتفسيرا علميا موضوعيا سليما وصحيحا وواضحا، كما يقوم بدور فعال في تفسير ظاهرة التغير الاجتماعي وأثرها على النظام القانوني في الدولة والمجتمع.

كما استخدم كارل ماركس المنهج الجدلي في الكشف وتفسير ظاهرة الثورة علميا وظهور دولة البروليتاريا والتفسير المادي الاقتصادي للتاريخ وفي الكشف عن ظاهرة القانون في المجتمع من أصله وأهدافه ووظائفه في المجتمع والدولة.

كما طبق المنهج الجدلي في مجال العلوم الإدارية مما أدى إلى استنباط مبدأ المركزية الديمقراطية نتيجة لصراع وتضاد وتفاعل كل من النظام المركزي والسلطة الرئاسية ونظام اللامركزية والديمقراطية الإدارية.

2( تقدير دور المنهج الجدلي في مجال الدراسات القانونية.

 يعد المنهج الجدلي بقوانينه وخصائصه الذاتية من أكثر مناهج البحث العلمي صلاحية وملاءمة للدراسات القانونية المعقدة والمتشابكة والمترابطة والمتحركة والمتطورة باستمرار إذ أن المنهج الجدلي بمفهومه السابق هو المنهج الوحيد القادر على الكشف والتفسير للعلاقات والروابط والتفاعلات الداخلية للظواهر الاجتماعية والسياسية والقانونية وطبيعة القوى الدافعة والمحركة لهذه الظواهر وكيفية التحكم فيها، ومنه التنبؤ بالنتائج والنهايات الجدية المتعلقة بتطور وتقدم هذه الظواهر وكذا طريقة التحكم فيها علميا عمليا.

المنهج الجدلي منهج علمي وموضوعي شامل وصالح للبحوث والدراسات العلمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية وقد نشأ وانبثق هذا المنهج في مجال الدراسات والبحوث الاجتماعية والسياسية والقانونية فهو إذن منهج أصيل بالعلوم الاجتماعية والقانونية.

 

 

 

 

 

المطلب الثاني:المناهج العلمية الفرعية  

هناك من يعتبر هذه المناهج مجرد أدوات بحث لأنها لا ترقى إلى درجة المنهج العلمي، فالمنهج هو ما يضبط طريقة تفكير الباحث، بينما أدوات البحث هي التي يستعملها الباحث في تنفيذ المنهج الذي يسير عليه في بحثه فهو يستعمل المقارنة بين المجموعة التجريبية والمجموعة الضابطة في المنهج التجريبي ويستعمل الإحصاء لتنفيذ التجارب في المنهج التجريبي، وكذلك يستعمل المقارنة والإحصاء في البحوث التي تعتمد المنهج التاريخي، ولهذا اعتبرت المناهج الفرعية مجرد أدوات تدخل ضمن منهج من المناهج الأساسية.

وبالمقابل هناك من يعتبرها مناهج علمية مستقلة، وذلك نظرا لإمكانية قيامها ببحوث خاصة ووفائها بالغرض المطلوب. ومن بين أهم تلك المناهج المنهج الوصفي والمنهج الإحصائي، ومنهج التعليق على النصوص والقرارات القضائية وإعداد استشارة قانونية.

أولا: المنهج الوصفي ودوره في الدراسات القانونية. 

 هناك نوع من البحوث يركز فيها الباحث على وصف ظاهرة معينة ماثلة في الوقت الراهن فيقوم بتحليل تلك الظاهرة والعوامل المؤثرة فيها ويتعدى البحث الوصفي مجرد الوصف إلى التحليل البيانات واستخراج الاستنتاجات ذات الدلالة والمغزى بالنسبة لمشكلة البحث.

ويعتمد المنهج الوصفي على مناهج فرعية أو طرق بحث تتمثل في المنهج المسحي ومنهج دراسة الحالة والمنهج المقارن.

1( المنهج المسحي.

عرفه (هويتني) بأنه محاولة منظمة لتحليل وتأويل الوضع الراهن لنظام اجتماعي أو لجماعة، وعرفه (مورس) بأنه منهج لتحليل ودراسة موقف أو مشكلة وذلك بإتباع طريقة علمية منظمة ويكون المسح دوما لدراسة موضوع ما في الحاضر وذلك بجمع البيانات وتفسيرها ثم تعميم النتائج بهدف التطبيق العلمي.

 

 

 

ويمر البحث المسحي بالمراحل التالية: مرحلة تعريف البيئة وبيان حدودها ومرحلة الوصف الدقيق ومرحلة التحليل وإيجاد العلاقة السببية بين العوامل المختلفة. وهناك عدة أنواع من البحوث المسحية منها المسوح الوصفية والمسوح التفسيرية، والمسوح الشاملة والمسوح بالعينة، وهناك المسوح العامة والمسوح المتخصصة.

أما بالنسبة لاستخدام المنهج المسحي في العلوم القانونية فإن أول من استخدمه هو (جون هوارد) John Howard   حيث قام بمسح اجتماعي للوقوف على حالة المسجونين وبدأ بجمع الحقائق والأرقام عن السجن والمسجونين وأحصى السجون وقدم نتائج بحثه في مجلس العموم البريطاني وصدرت تشريعات مختلفة ترمي لإصلاح حالة المسجونين والسجون في إنجلترا.

2( منهج دراسة الحالة.

إدا كانت الدراسة المسحية تدرس الظاهرة أفقيا فإن دراسة الحلة تتناول الموضوع عموديا، وهي تتبع الخطوات التالية: تصميم العينة من خلال تحديد الحالة المراد دراستها ثم مرحلة دراسة العينة وتتم عن طريق دراسة التاريخ الشخصي للحالة وتاريخ الحالة، ويجري دراسة التاريخ الشخصي للحالة للوقوف عند كل الحوادث التي مرت بالمبحوث من وجهة نظره ويتم ذلك بالإطلاع على المذكرات الشخصية التي كتبها بنفسه، أما تاريخ الحالة ويحصل على المعلومات من المحيط الذي تعيش فيه الحالة كالأسرة والمدرسة ومكان العمل.

أما الإجراءات المتبعة في دراسة الحالة فهي: المقابلة الشخصية، الملاحظة المتعمقة، دراسة الوثائق والسجلات المكتوبة، وتسجيل معلومات دراسة الحالة.

ويجري تطبيق منهج دراسة حالة في مجال العلوم القانونية على وجه الخصوص في العلوم الجنائية، فمثلا لمعرفة الدوافع الإجرامية يتوجب على الباحث التعمق في دراسة الحالة من أجل بناء نظريات جديدة تفسر السلوك الإجرامي.

 

 

 

 

 

3(: المنهج المقارن.

يعتمد هذا المنهج على نتائج تم تحقيقها سابقا عن طريق مناهج بحث أخرى من أجل اختصار الوقت التي تتطلبه إعادة الدراسات من جديد، ومن بين الشروط الواجب التقيد بها عند تطبيق هذا المنهج هي: أن تكون الظواهر والأنظمة المقارنة متجانسة ويجب عزل المتغيرات.

تكاد الدراسات القانونية لا تخلو من المقارنة، وذلك لأن النظام القانوني لا يمكن اكتشاف ما يكتنفه من نقص أو فراغ أو عدم انسجام إلا بمقارنته بنظم قانونية لدول أخرى، وتكاد تكون أغلب الرسائل الجامعية في العلوم القانونية دراسات مقارنة. 

ثانيا: المنهج الإحصائي ودوره في الدراسات القانونية. 

حاول الكثير من المفكرين أن يجعلوا من المنهج الإحصائي علما له قواعد وقوانين وحاول البعض أن يجعله علما تابعا للعلوم التجريبية أما التفكير الحديث فقد جعل الإحصاء أداة للقياس ومنهجا للبحث يقدم للباحث البيانات اللازمة للوصف والمقارنة من أجل إقامة النظريات.

ويعتمد المنهج الإحصائي على الملاحظة وجمع البيانات ومقارنتها وتفسيرها ومن مميزات المنهج الإحصائي أنه يعتبر وسيلة جيدة للتجرد من الذاتية إذ ة تعكس النتائج الحقيقة العلمية بطريقة موضوعية، كما يتميز بتوافق النتائج التي يتوصل لها الباحثون رغم تعددهم إذا كانت الوقائع متجانسة ومتماثلة، ويتميز بأن نتائج البحث تكون في صورة كمية تعبر تعبيرا دقيقا عن الظاهرة، النتائج الكمية التي تفسر الظاهرة تسمح لنا بالتنبؤ الجيد بتطور الظاهرة مستقبلا، كما أسهم في حل العديد من المشكلات مثل الكثافة السكانية وتنامي ظاهرة الطلاق والتسرب المدرسي وغيرها.

أما المراحل التي يمر بها البحث الإحصائي فهي:

ـ تحديد المشكلة موضوع البحث.

ـ جمع البيانات الإحصائية من المجتمع.

ـ ترجمة البيانات في شكل جداول ومنحنيات بيانية.

ـ تصنيف البيانات.

ـ تحليل البيانات.

ـ استخلاص النتائج القابلة للتعميم.    

أما عن دور هذا المنهج في مجال الدراسات القانونية فيظهر ذلك جليا في ما يوفره للباحث من أدوات رياضية يستطيع من خلالها ترجمة العبارات الفضفاضة مثل ( كثيرا، في غالب الأحيان ، وقلما) وتحويلها إلى أرقام دقيقة تعكس نتائج البحث وتضفي عليه طابع الدقة والعلمية.     

ثالثا: منهج التعليق على النصوص والقرارات وإعداد استشارة قانونية.

سنتناول في هذا المطلب منهج التعليق على النصوص الفقهية والنصوص القانونية في الفرع الأول، وفي الفرع الثاني نتناول العليق على القرارات القضائية والفرع الثالث نخصصه لإعداد استشارة قانونية.

1( منهج التعليق على النصوص.

سنتعرض خلال هذا العنصر إلى مسألة التعليق على النصوص الفقهية وكذا النصوص القانونية:

أ)  التعليق على نص فقهي.

ويمر بالمراحل التالية:

ـ تحديد موقع النص من خلال بعض المعلومات الخاصة بملابسات النص كي تساعدنا على فهمه ومن هذه المعلومات تاريخ صدوره، الظروف التي صدر فيها، المعلومات الخاصة بالكاتب، أهمية الموضوع، شكل النص الخارجي وأسلوبه.

ـ التحليل الشكلي للنص وهنا نهتم بالوصف الخارجي للنص من حيث طول وقصر النص وعدد الفقرات التي احتواها، البناء اللغوي للنص وأسلوبه.

ـ التحليل الموضوعي للنص، وهو استخراج الأفكار الجوهرية التي احتواها النص.

ـ طرح إشكالية الموضوع، وهنا قد يكفي أن تطرح أسئلة محددة حول الموضوع المناقش.

 

 

ـ وضع خطة للتعليق، بعد البحث في المسائل السابقة يمكن وضعها في المقدمة والدخول في الموضوع بعدها وخطة التعليق يمكن وضعها بناءا على النص محل التعليق، فيمكن أن تقسم إلى مباحث ومطالب بحسب الموضوع.

ب)  التعليق على نص قانوني: هناك عدة طرق للتعليق على النص القانوني كلها تعتمد على خطة منظمة حتى ترتب الأفكار في شكل منهجي يسمح بالإلمام بالنص القانوني، ومن بين تلك الطرق هذه الطريقة:

ـــ مقدمة تشمل التعرف على النص، موقعه وظروف صدوره

ـ الموضوع ويشمل تحليل النص شكليا وموضوعيا والإلمام بالمعنى الإجمالي للنص.ونقد النص من خلال ذكر العيوب والمميزات.

ـــ خاتمة توضع فيها النتائج المتحصل عليها.

2( منهج التعليق على الحكم والقرار القضائي.

هناك عدة مناهج للتعليق على الأحكام والقرارات القضائية ومن بينها :

منهج يحتوي على ثلاث مراحل:

ــ مقدمة تتضمن التعريف بالحكم وتاريخ صدوره والجهة التي أصدرته.

ــ الموضوع ويتضمن تحليل الحكم من الناحية الشكلية والموضوعية.

ــ الخاتمة وتحتوي على تقييم الحكم أو القرار.

أما المنهج الذي يفرق بين الحكم والقرار القضائي فيكون على النحو التالي:

التعليق على الحكم القضائي يتبع المراحل التالية:

ــ سرد الوقائع وفق التسلسل الزمني.

ــ الإدعاءات ويذكر طلبات المدعي ودفوع المدعى عليه.

ــ المسائل القانونية.

ــ المبادئ القانونية.

ــ الحل الذي قدمته المحكمة الابتدائية.

ــ مناقشة هذا الحل وتكون من خلال مراجعة تطبيق المبادئ على الوقائع.

التعليق على قرار المجلس ويكون بنفس الخطوات ويهتم بالوقائع بشكل مفصل.

التعليق على قرار المحكمة العليا يتبع الخطوات التالية:

ــ عرض القرار( الأطراف، سبب الطعن، الإشكالية، الحل الذي قدمته المحكمة العليا)

ــ مناقشة القرار ( نقد القرار من خلال ذكر النصوص التي تتعارض مع القرار وذكر الآراء الفقهية والاجتهادات التي تعارضه، تأييد القرار من خلال ذكر النصوص والآراء و الاجتهادات التي تؤيد القرار، والحل المقترح ويكون إما بالتأييد أو المعارضة للفرار الصادر.

3( منهج إعداد استشارة قانونية: بعد البحث والتحضير للاستشارة يتم تقسيمها كما يلي:

ــ الوقائع: يجب ذكر الوقائع كاملة دون إضافة أو تعليق ولا يجوز الحكم عليها مسبقا بل يجب ذكرها كما وردت في نص الاستشارة، ويتم استبعاد الوقائع التي لا تنتج أثرا قانونيا.

ــ الإجراءات: وتذكر كما وردت في نص الاستشارة حسب التسلسل الزمني لحدوثها.

ــ المسائل القانونية: وتطرح في شكل أسئلة ويجب تجزئة الأسئلة فلا تطرح في شكل عام بل تجزأ إلى أسئلة فرعية حتى يمكن الإجابة عنها بصورة مرتبة.

ــ الحل: وهو الإجابة على كل سؤال على حدى بحيث يذكر النص القانوني ويطبق على الواقعة.

 

                                                          انتهى.

                                                     والله ولي التوفيق

            

ليست هناك تعليقات