بحث عن اللجنة الدولية للصليب الاحمرPDF

 

 القانون الدولي الإنساني المنظم للنزاع المسلح الغير دولي

 المبحث الأول:

المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع

المطلب الأول: أحكام المادة 3

 

تطبق المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف 1949 في النزاعات المسلحة الغير دولية أي النزاعات التي لا تتسم بطابع دولي و تلك التي تكون بين الحكومات و الجماعات المنظمة التي تتميز بالتنظيم. كما أنه لم تعطينا هذه المادة تعريف لمصطلح و مفهوم النزاع المسلح.

بل أعطتنا مجموعة من المعايير التي تحددت من خلال الممارسة و من بينها:

-     أن تكون أطراف النزاع تتمتع بنوع من التنظيم و الهيكلية و أن يكون التعرف إلى أطراف هذا النزاع ممكنا.

-     يفترض أن يستخدم في هذا النوع من النزاع العتاد و الأسلحة العسكرية، أن تكون مدة هذا النزاع مستمرة حيث يصل إلى مستوى معين من الحدة كي يمكن تطبيق هذه المادة . لأنها لا تنطبق في التوترات و الاضطرابات الداخلية و أعمال الشغب و أيضا في حالة الاتفاهم بين الحكومات و شعوبها.

كما أنه من الجدير بالذكر أيضا أن المادة 3 المشتركة تنص صراحة على أن تطبيق أحكامها لايؤثر في الوضع القانوني لأطراف النزاع ولا يشكل في ذاته اعترافا شرعيا من الحكومة . أي أن هذه المادة لاتنقص من شرعية الحكومة و إعطاء المعارضة سلطة من أي             نوع، فلازالت الحكومة لها السيادة الكاملة في محاكمة المتمردين و الوقوف لأعمال التمرد بكل الوسائل القانونية، وفق التشريع المحلي الداخلي للدولة.

وكذلك ليس للمادة 3 القدرة في التأثير على الدولة في إصدار مقاضاة و متابعة أعدائها الداخليين قضائيا و إصدار أحكام لارتكابهم جرائم تمس بسيادتها والعرقلة و المساس بنظامها الداخلي.[1]

 

 

 

 

مثل الخيانة و الجرائم العامة طبقا لتشريعها للتشريع الخاص بها، كما يمكن أيضا معاقبة الأشخاص الذين يشاركون في أعمال عدائية مسلحة بمجرد الدخول فيها . فلذلك لا يوجد قانون يحمي المحاربين في المنازعات المسلحة الغير دولية . لأن الذين يقبض عليهم ليس لهم الحق بالتمتع بحقوق أسير الحرب الذي يعمل به في المنازعات المسلحة الدولية.

و في الناحية العملية ينصح خبراء القانون الجنود عندما يكونون في موقف تكتيكي بأن يعاملو أفراد القوة المعارضة كما لو كانو أسرى حرب، كرمز للتحلي بروح القانون و الإنسانية في التعامل فالفرق بين أطراف النزاع هو اختلاف الأفكار الذي أدى الى بروز نوع من التوتر الداخلي فينصح بالاعتدال لتفادي الاختلافات وظهور قوى رافضة لقوانين التشريع و البرامج التي تتخذها الحكومة مراعية شرائح الشعب و الذهنيات السائدة فيها.[2]



المطلب الثاني: الحماية التي تقدمها المادة 3

في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة يلتزم كل طرف في النزاع، بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:

1-الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز، أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على أساس العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.

ولهذا الغرض، تُحظَر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن:

أ‌)      الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل، بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.

ب‌) أخذ الرهائن.

ج‌)  الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.

د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة قانونياً وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.

-2يجمع الجرحى والمرضى ويعْتنى بهم.

وتنص المادة 3 أيضاً على أنه "يجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع.

وقد سبق أن ذكرنا، أن المنازعات المسلحة غير الدولية تخضع لنظام قانوني مختلف وأكثر تقييداً عن المنازعات المسلحة الدولية. وعلى الرغم من ذلك، يظل قانون المنازعات المسلحة الدولية قابلاً للتطبيق. وتنص المادة 3 المشتركة على ذلك عن طريق تشجيع أطراف النزاع على أن تعمل جاهدة، عن طريق اتفاقات خاصة، على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها.[3]

 

 

المبحث الثاني: بروتوكول جنيف الثاني 1977

المطلب الأول: مستويات النزاع التي ينطبق عليها البروتوكول الثاني

 

قبل أن نتناول البروتوكول الثاني بتفصيل أوسع، قد ينبغي علينا أن نفحص بعناية مستويات النزاع التي يسري عليها. وهل المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف والبروتوكول الثاني هما شيء واحد، أو هل يغطي كل منهما أمثلة مختلفة من المنازعات الداخلية؟ ونحن كجنود يجب ألا يساورنا أي شك حول أي قانون يجب أن يطبق ومكان وموعد ذلك. فإذا كنت مشاركاً في نزاعات داخلية، فعليك أن تتوقع أن دولتك سوف تخطرك بوضوح، عن طريق قائدك، بالقواعد التي تتوقع نك أن تطبقها. وليس من المحتمل أن تكون هناك إشارة إلى المادة 3 المشتركة أو البروتوكول الثاني في الأوامر التي سوف تتلقاها خلال العمليات. ومع هذا، فإن هذه الأوامر وقواع الاشتباكات اللاحقة ستكون مبنية، دون أدنى شك، على القانون الذي نناقشه الآن. وفيما يتعلق بالقوات المسلحة، سيكون أكثر أمناً لك أن تطبق القواعد التي تحكم المنازعات المسلحة غير الدولية، عندما يزيد الأمر عن الاضطرابات والتوترات الداخلية ويتجاوزها. وعندما يتساءل جندي محب للاستطلاع عن القانون الذي يسري، ومتى وأين يطبق، يمكنك أن تجيب عليه كالآتي:

تتحدث المادة 3 المشتركة عن نزاع مسلح ليس له طابع دولي، ولكنها لم تعرف طبيعته بدقة أكثر. أما البروتوكول الثاني الذي قصِد منه "أن يطور ويكمل" المادة المشتركة فهو يعرف الحد الأدنى الذي يمكن تجاوزه عن طريق استبعاد أمثلة معينة من أعمال العنف المتفرقة. وهذا يشير إلى أنه يسري على حالات الاضطرابات والتوتر الداخلية أي من أحكام البروتوكول الثاني الإضافي أو المادة 3 المشتركة بين الاتفاقيات. أما القانون الذي ينطبق على هذه الحالات فسوف نتناوله في دروسنا المقبلة. ومع هذا، نستطيع القول بأن لدى البروتوكول الثاني مجال تطبيق محدود بدرجة أكبر من المادة 3 المشتركة، وذلك في جانبين. [4]

 

أولا في حين تنطبق المادة 3 المشتركة على أي نزاع مسلح ليس له طابع دولي، فإن للبروتوكول متطلبات متشددة بخصوص قيادة القوات المنشقة، والسيطرة على الأراضي، والقدرة على تنفيذ ستمر ومتناسق للعمليات، وبمعنى أنه ينطبق على الحالات التي تقترب جداً من مستوى حرب أهلية مستعرة كاملة الأركان. وفي حين تعد متطلبات البروتوكول الثاني الإضافية محدودة بالبروتوكول نفسه، فإن كل القواعد الأخرى المقننة والتي تتناول المنازعات المسلحة غير الدولية فهي تقوم على المفهوم الواسع للمادة 3 المشتركة.

ثانيا في حين ينطبق البروتوكول الثاني فقط على النزاع بين القوات المسلحة للدولة وحركات الثوار أو المتمردين، فإن المادة 3 أوسع في مجالها وتغطي النزاع بين نفس هذه الفئات من الجماعات المتنافسة من أجل السلط داخل دولة عندما تكون الحكومة غير مشاركة في النزاع أو في حالة زوال سلطتها في الدول الممزقة .كما أن قوات الثوار والعصابات التي تكون دائماً في حالة تنقل، وتفتقر إلى موقع ثابت، تستطيع منه أن تمارس السلطة هي أيضاً مشمولة بالمادة 3 المشتركة بدلاً من البروتوكول الثاني.[5]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني: مجال تطبيق البروتوكول2

 

لقد ناقشنا من قبل حالات من النزاع التي يغطيها البروتوكول الثاني. وتوضح النقاط التالية أيضاً مجال تطبيق البروتوكول

عدم التمييز المجحف :

يطبق البروتوكول الثاني دون أي تمييز مجحف يقوم على العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الآراء السياسية أو غيرها أو الانتماء الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر أو أية معايير أخرى مماثلة، على كل الأشخاص المتضررين من نزاع مسلح وفقا" لما تم تعريفه في البروتوكول.

ويحدد الحكم المجال الشخصي لتطبيق قواعد البروتوكول الثاني عن طريق إيضاح المستفيد منها ومن هو المقصود بها . ويؤكد البروتوكول أن الأشخاص المحميين بموجب قواعده، يجب أن يعاملوا جميعاً على قدم المساواة.

عدم التدخل – وإذ يعكس (البروتوكول) مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما ذكرنا من قبل، فإنه ينص صراحة وعلى وجه الدقة، على عدم جواز الاحتجاج بأ من أحكامه، بقصد المساس بسيادة الدولة أو حق الحكومة في أن تستخدم كافة الطرق المشروعة للحفاظ على النظام والقانون أو استعادتهما على أراضيها أو الدفاع عن الوحدة الوطنية للدولة وسلامة أراضيها.

إن ما يرمي إليه هذا البروتوكول هو هدف إنساني محض. وهو ينتقص من حق الدول في اتخاذ الإجراءات الملائمة، للحفاظ على القانون والنظام أو استعادتهما، وللدفاع عن وحدتها الوطنية وسلامة أراضيها. وهذه، بطبيعة الحال، هي المسؤوليات التي تلقي تبعاتها على الحكومات والتي يعترف بها البروتوكول صراحة. ومع ذلك، فإن الطرق القانونية هي الوسائل الوحيدة التي يمكن اللجوء إليها. وهكذا يجوز التذرع أو الاحتجاج بالضرورات الملحة لأمن الدولة، لتبرير انتهاكات قواعد البروتوكول.[6]

إن حرية الدولة في العمل محدودة، بسبب القواعد التي قبلتها على أنها ملزمة، عندما صدقت على البروتوكول، كما أنها تستطيع، تبعاً لذلك، أن تزعم أن الالتزام بتلك القواعد يشكل انتهاكاً لسيادة الدولة.[7]

ضمانات أساسية كل الأشخاص الذين يشتركون بشكل مباشر في النزاع أو الأشخاص الذين توقفوا عن الاشتراك فيه بسبب أنهم، على سبيل المثال، عاجزون عن القتال أو ستسلموا، ينبغي معاملتهم معاملة إنسانية وأن يلقوا الاحترام الواجب لشخصهم وشعائرهم الدينية وشرفهم ومعتقداتهم دون تمييز مجحف.

يحظر بمقتضى البروتوكول الثاني الأمر بعدم إبقاء أحد على قيد الحياة رحمة ولا هوادة. إضافة إلى ذلك، فإن البروتوكول الثاني يحتوي على سجل بالضمانات الأساسية التي تحظر في جميع الأوقات والأمكنة ما يلي:

الاعتداء على حياة الأشخاص وصحتهم وسلامتهم البدنية أو العقلية ولا سيما القتل والمعاملة القاسية كالتعذيب أو التشويه أو أية صورة من صور العقوبات البدنية.

 الجزاءات الجنائية

. • أخذ الرهائن.

 أعمال الإرهاب.

انتهاك الكرامة الشخصية وبوجه خاص المعاملة المهينة والمحطة من قدر الإنسان والاغتصاب والإكراه على الدعارة وكل ما من شأنه خدش الحياء

. • الرق وتجارة الرقيق بجميع صورها

. • السلب والنهب.

التهديد بارتكاب أي من الأفعال المذكورة سابقاً.

حماية الأطفال

 يجب بطبيعة الحال حماية الأطفال في أي نزاع مسلح، وأن القانون، كما رأينا يقوم بهذا الدور في الحقيقة. ففي النزاعات المسلحة التي ليس لها طابع دولي، يعد الأطفال أكث الفئات ضعفاً وتعرضاً للمخاطر، وهم غالباً ما يفترقون عن أهاليهم وبقية أفراد أسرهم.[8] وأحد الأمثلة الأليمة على ذلك، أحداث رواندا والنزوح اللاحق على ذلك للسكان الهوتو في منتصف التسعينات من القرن العشرين إلى ما كان يعرف حينئذ بدولة زائير. وتأخذ الأحكام المتعلقة بالأطفال في البروتوكول الثاني نقطة ضعفهم هذه، في الاعتبار. وتنص هذه الأحكام على ضرورة توفير الرعاية والمعونة للأطفال بقدر ما يحتاجون، وأن يتلقوا بصفة خاصة التعليم، بما في ذلك التربية الدينية والخلقية، تحقيقاً لرغبات آبائهم أو أولياء أمورهم. كما نبغي اتخاذ جميع الخطوات المناسبة، لجمع شمل الأُس ر التي تشتتت لفترة مؤقتة. وما

زال الكثير منا يذكرون الجهود التي بذلتها المنظمات الإنسانية مثل "أنقذوا الأطفال" والمفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين واللجنة الدولية للصليب الأحمر، لتحقيق هذا الغرض خلال الأزمات في رواندا وكوسوفو. وكلما اقتضى الأمر، يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لإجلاء الأطفال وقتياً، بعيداً عن المناطق التي تدور فيها أعمال عدائية، إلى أماكن أكثر أمناً، وأن يتم هذا كلما كان ممكناً بموافقة الوالدين أو أولياء الأمور. ويجب أن يجري الإجلاء إلى مناطق داخل نفس البلد وأن يصحبهم أشخاص مسؤولون عن سلامتهم وراحتهم.

ولا يجوز تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة في القوات أو الجماعات المسلحة، أو السماح لهم بالاشتراك في الأعمال العدائية. (لاحظ هنا أن هذه لغة أقوى من تلك المستعملة في الأحكام المنَظِمة للمنازعات المسلحة الدولية، والتي تذكر " كل الإجراءات الممكنة" للتأكد من أن الأطفال دون الخامسة عشرة يشاركون). ورغم هذه القاعدة، فإذا ما أُلقي القبض على الأطفال الذين يشاركون في الأعمال العدائية فإنهم يظلون تحت الحماية الكاملة للقانون.

معاملة المعتقلين والمحتجزين

يسعى البروتوكول الثاني من أجل توفير معاملة أفضل ورعاية لكل الذين أصبحوا في قبضة خصم، أو الذين تعرضت حريتهم لأية قيود، لأسباب متعلقة بالنزاع المسلح. وينبغي معاملة الجرحى والمرضى بطريقة إنسانية وتأمين حصولهم على رعاية طبية، طبقاً لما تتطلبه حالتهم الصحية، دون تمييز. ويجب، على وجه الخصوص، ألا تحول حقيقة أنهم حاربوا في صفوف الطرف الآخر دون حصولهم على المعاملة الملائمة، التي تتطلبها ظروفهم الصحية. وينبغي عدم التمييز بينهم إلا لاعتبارات طبية، مثل شدة المرض أو خطورة الجروح. يزود الأشخاص الذين قيدت حريتهم بالطعام والشراب، وتؤَمَّن لهم كافة الضمانات الصحية والطبية والوقاية ضد قسوة الطقس وأخطار النزاع المسلح، وأن يسمح لهم بتلقي مساعدات الإغاثة الفردية والجماعية، بما فيها، على سبيل المثال، المنظمات لمحلية مثل جمعية الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر. كما يسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية، وتلقي العون الروحي، إذا ما رغبوا في ذلك، ممن يتولون عادة هذه المهام الدينية. وتؤمن لهم، إذا ما حمِلُوا على العمل، نفس شروط العمل والضمانات التي يحصل عليها السكان المدنيون المحليون.[9]

المطلب الثالث: الجهات الملزمة بتطبيق قانون النزاعات المسلحة الغير دولية

 

كل الأطراف التي تخوض نزاع مسلح غير دولي، أيا كانت صفتها سواء الطرف الحكومي أو الجماعات المسلحة المتمردة أو المعارضة، كلهم ملزمون بقواعد القانون الدولي الإنساني.

فالدول ملزمة صراحة بتطبيق المعاهدات اللاتي تكون طرفا فيها و بالقانون العرفي الواجب التطبيق. كما أن المادة الأولى المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع تلزم الدول الأعضاء بأن

 تلتزم، في جميع الأحوال، وأيضا هي ملزمة أن تكفل احترامه.

 و بما أنه من صلاحية الدول التصديق أو أن تصبح طرفا في مختلف المعاهدات الدولية      وجب على الجماعات المسلحة، التي تكون طرفا في نزاع مسلح غير دولي أيضا بالامتثال للمادة 3 المشتركة، والقانون الدولي الإنساني العرفي، والبروتوكول الإضافي الثاني حيثما وجب تطبيقها. فهناك هيئات دولية مختصة تعمل على تأكيد هذا الالتزام.

وهذا الالتزام باعتباره جزءا من القانون العرفي الملزم للدول و الجماعات المسلحة على حد سواء، ليشمل من يعمل في الواقع من أفراد آخرين أو جماعات أخرى، بناء على تعليماتها أو تحت إشرافها أو سيطرتها.[10]

وتلزم المادة الأولى المشتركة الدول التي ليست طرفا في النزاع المسلح بعدم تشجيع طرف آخر على انتهاك القانون الدولي الإنساني أو تتخذ إجراء من شأنه أن يساعد على ارتكاب مثل هذه الانتهاكات. و علاوة على ذلك، يفسر نص المادة الأولى المشتركة عموما على أنه يقتضي من الدول غير الأطراف في النزاعات المسلحة أن تعمل، بواسطة إجراءات فعلية على كفالة احترام القانون الدولي الإنساني من جانب أطراف النزاع. وهذا يعني أن تتخذ التدابير المناسبة، من جانب واحد أو جماعيا، ضد أطراف النزاع التي تنتهك القانون الدولي الإنساني و تتدخل بصورة خاصة، لدى الدول أو الجماعات المسلحة التي يمكن أن تتمتع لديها ببعض النفوذ. ولا يتعلق الأمر بواجب التوصل إلى نتيجة محددة بل هو واجب باستخدام الوسائل الممكنة أي اتخاذ كل التدابير الممكنة في محاولة لتجنب انتهاكات القانون الدولي الإنساني أو وضع حد لها.

إن الجهات الفاعلة التي تسعى إلى التدخل لدى الأطراف في نزاع مسلح غير دولي لتحسين امتثالها للقانون الدولي الإنساني، قد تواجه عددا من التحديات المحددة.[11]

         

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثالث: اللجنة الدولية للصليب الأحمر و القانون الدولي الإنساني

المطلب الأول: دور اللجنة في تعزيز احترام القانون

 

 تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على التعريف بالقانون الإنساني و تكثف المجهود لتعزيز احترامه في جميع المشاهد المتعلقة باحترام القانون. وتشمل أنشطتهم تحسيس الأفراد أو المجموعات التي لها سلوكيات ترمي إلى إلحاق الضرر بضحايا النزاعات المسلحة، أو يمكن أن يسهلوا عمل اللجنة الدولية . و نخص بالعناية هنا صانعي القرارات

وأفراد القوات المسلحة و الشرطة و كل حملة السلاح و قادة الرأي العام على المستوى المحلي و الدولي.

للجنة إستراتيجية في تنفيذ أهدافها و هي تشمل ثلاث مستويات كالآتي:

التوعية و نشر القانون الإنساني من خلال التعليم و التدريب، و إدراج القانون الإنساني في المناهج الدراسية الرسمية القانونية و التربوية و التشغيلية. و يبقى الهدف النهائي هو التأثير في المواقف و التصرفات من أجل تحسين حماية المدنيين و الضحايا الأخرى في النزاع المسلح و تسهيل الوصول إليهم، و تحسين سلامة العاملين في المجال الإنساني.

و تعمل على وجوب أطراف النزاع بتطبيق القانون الدولي الإنساني بالتوعية و التدريب 

و تقديم المساعدات عندما يستجوب الأمر.بهذه المجودات تضمن اللجنة احترام القانون الدولي الإنساني حيث أنها تنشأ واجبا يقضي بالتزام جميع الأطراف بالقانون.

و قد اعترف القانون العرفي بواجب تدريب الأعضاء في مجال القانون الإنساني باعتباره ملزما لكل من الدول و المجموعات المسلحة التي تكون طرفا في نزاع مسلح غير دولي.[12]

في القوانين المبرمة في المعاهدات الدولية، الدول ملزمة بتدريس القانون الدولي الإنساني و إدراجها في برامج التعليم العسكري لقواتها المسلحة في المواد 47و 48و 144 من اتفاقيات جنيف الأربع، على التوالي، و في المادة 83 من البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف الأربع. و يطبق هذا الالتزام في زمن السلم و كذا أثناء النزاع المسلح الدولي. ويقضي البروتوكول الإضافي الثاني الخاص بالمنازعات المسلحة الغير دولية في المادة 19، أن ينشر هذا البروتوكول على أوسع نطاق ممكن.

و من المهم كذلك نشر القانون الدولي الإنساني و تعليمه لدى السكان المدنيين. و كما ورد في اتفاقيات جنيف (المواد47و 48 و127 و144) وفي البروتوكول الأول الإضافي (المادة83)، ينبغي التعريف بالقانون الإنساني لدى السكان المدنيين حتى في زمن السلم.

- دور اللجنة الدولية في تذكير الأطراف بواجباتها القانونية:

عندما ينشب نزاع مسلح، من المهم تبليغ جميع الأطراف، الدول و المجموعات المسلحة، بصورة رسمية بالتعريف القانوني للوضع وتذكيرها بالقواعد الواجب تطبيقها، أي بواجباتها بموجب القانون الإنساني.

وغالبا ما تقوم اللجنة الدولية بمثل هذا التبليغ بواسطة رسالة أو مذكرة ترفعها مباشرة إلى مختلف أطراف النزاع، بشكل ثنائي و سري، و في حال تعذر الاتصال بطرف واحد أو بأكثر من طرف، يمكن القيام بذلك عن طريق بيان صحفي.

و ترسل اللجنة الدولية تبليغها في بداية النزاع أو خلاله حين تشكل خاصة مسوغا لذلك.

وتوفر هذه الخطوة أساسا لبدء حوار تشجيعا لللإمتثال للقانون. أما في غياب هذا التبليغ التمهيدي فسيكون من الأصعب بكثير التذرع بالقواعد الخاصة بالحماية بعد حصول الانتهاكات.[13]

المطلب الثاني:

 إدراج القانون الدولي الإنساني في قواعد سلوك المجموعات المسلحة

توفر قواعد السلوك المتسقة مع القانون الدولي الإنساني آلية ملموسة تمكن الناس من احترام القانون. و ينبغي أن تعرض القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني على نحو يسهل على أفراد المجموعات المسلحة فهمه. كما ينبغي أن تتضمن قواعد السلوك وصفا للوسائل اللازمة لتنفيذ القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك العقوبات الداخلية.

وثمة آليات مماثلة شائعة في ممارسات الدول(نجدها في العقيدة أو في الكتيبات العسكرية، الخ). و هناك أمثلة، مع أنها أقل شيوعا، لمجموعات مسلحة بادرت بنفسها في وضع قواعد سلوك أو وافقت على توزيع قواعد سلوك قدمتها اللجنة الدولية أو جهات فاعلة أخرى.[14]

 

مزايا قواعد السلوك

بالإضافة إلى أنها تستخدم كشكل من الالتزام الصريح بالقانون الذي يمكن أن يقوم على أساسه تدخل يتعلق بالامتثال للقانون، يمكن أن يكون لهذه الأداة القانونية أثر مباشر في نشر قواعد القانون الدولي و تدريب أفراد المجموعات المسلحة.

و حين تباشر قيادة مجموعة مسلحة بتلقين قواعد السلوك أو توافق على قواعد سلوك معينة. فهذا دليل على مستوى من الامتلاك للقانون وعلى الالتزام بضمان احترام هذا القانون، ومن المرجح أن يؤثر ذلك في سلوك أفراد المجموعة المسلحة أكثر من أمر آخر يمكن أن يعتبروه مفروضا عليهم من الخارج.

و يمكن للمناقشات الجارية مع قيادات المجموعة المسلحة، سواء بشأن وضع قواعد القانون الدولي الإنساني في قواعد سلوك موجودة، أن تساعد عملية التفاعل مع المجموعة. و يمكن استخدام فترة المفاوضات و المناقشات المتعلقة بقواعد السلوك من أجل تعريف قيادة المجموعة المسلحة بالقانون الدولي الإنساني و اكتساب فهم للإدارة السياسية و لمواقف المجموعة المسلحة في ما يتعلق بتقيدها بالقانون.

أما إذا تقدمت مجموعة مسلحة بإعلان من جانب واحد فيمكن اقتراح خطوة تالية منطقية تكمن في وضع قواعد سلوك يدرج فيها القانون الدولي الإنساني. ومن خلال عرض المساعدة في إعداد قواعد السلوك أو إدراج القانون الدولي الإنساني في قواعد سلوك موجودة، من الممكن مساعدة المجموعة على وضع الالتزامات الواردة في إعلانها من جانب واحد.

 الحدود و العوائق:

يتمثل أحد العوائق أمام مفاوضات ناجحة بشأن قواعد السلوك في اتصالات غير كافية مع المجموعة المسلحة ككل، أو مع الأفراد المناسبين في التسلسل التنظيمي لقيادتها. فعلى سبيل المثال، يحتمل أن تأتي الاتصالات التي تقتصر على الممثلين السياسيين للمجموعة ولا تأخذ في الاعتبار السلطات الميدانية أو العسكرية المسؤولة عن اعتماد قواعد السلوك       وتوزيعها لتحد من نطاق المفاوضات.

وعلاوة على ذلك، فقد تفتقر المجموعة المسلحة للرقابة و التنظيم الضروريين حتى تكون فعالة في تنفيذ قواعد السلوك.[15]

 

الممارسة:

غالبا ما تناشد الجهات الفاعلة المجموعات المسلحة وضع أو اعتماد قواعد سلوك أو قواعد التزام يتقيد بها أفرادها. و في حين أن اللجنة الدولية غالبا ما تطالب بذلك بشكل ثنائي و سري، قد تقوم الجهات الفاعلة الأخرى بشكل علني.

و قد بادرت مجموعات مسلحة، في وقت من الأوقات، في وضع قواعد داخلية لها في الجزائر و كولومبيا و السلفادور و كوت ديفوارو ليبيريا و نيبال و الفلبين و سيراليون و سري لانكا و غيرها من البلدان. و تختلف قواعد السلوك وفقا للطريقة التي تعكس فيها القانون الدولي الإنساني، فهي تحيل أحيانا إلى التقاليد المحلية أو المعايير الثقافية فقط

و لكن متى كان الاتصال و الحوار ممكنين، وفرت قواعد السلوك أساسا لمناقشة القانون    و في بعض الحالات مثل (كولومبيا و السلفادور و نيكاراغوا)، سعت اللجنة الدولية أو جهات فاعلة أخرى إلى مراجعة قواعد السلوك الموجودة و إبداء التعليقات عليها.

هذا و وزعت أحيانا المجموعات المسلحة قواعد سلوك تسلمتها من اللجنة الدولية أو غيرها من الجهات الفاعلة. و في منتصف التسعينات، و عقب مناقشات مع اللجنة الدولية، وزعت قات التحالف السودانية قواعد سلوك من 10 نقاط تتماشى و القانون الدولي الإنساني. و أدت أيضا المناقشات المتعلقة بقواعد السلوك إلى تنظيم دورات لنشر القانون و التدريب على القانون الدولي الإنساني لأفراد قوات التحالف السودانية. [16]

  

 

 



 اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، مصر،  برنت رايت للدعاية و الإعلان ، الطبعة العربية الأولى، ماي 2008 ص 7 [1]

7 المرجع السابق ص[2]

 المرجع نفسه،ص 8 [3]

  [4]  مقتطف من التقرير الذي أعدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر للمؤتمر الدولي الثامن و العشرين للصليب الأحمر و الهلل الأحمر،جنيف،  ديسمبر 2008 ص15

 المرجع نفسه ص16[5]

 أحمد مصيلحي، التطور التاريخي للنزاعات المسللحة الغير دولية، مجلة جيل حقوق الإنسان، العدد 19، ماي 2017، ص 37[6]

 المرجع نفسه، نفس الصفحة [7]

 المرجع نفسه، نفس الصفحة [8]

 المرجع نفسه، نفس الصفحة [9]

 اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، مصر،  برنت رايت للدعاية و الإعلان ، الطبعة العربية الأولى، ماي 2008، ص 10[10]

 المرجع نفسه، نفس الصفحة [11]

المرجع نفسه، ص 15[12]

 المرجع نفسه، نفس الصفحة [13]

 المرجع نفسه، ص 22 [14]

 المرجع نفسه، نفس الصفحة [15]

 المرجع نفسه، ص 23[16]

ليست هناك تعليقات