بحث شامل لنزاع المسلح غير الدولي PDF

 

الفصل الاول : مفهوم النزاعات المسلحة الغير دولية

المبحث الاول: التطور التاريخي للنزاعات المسلحة

المطلب الأول: التطور التاريخي للنزاعات المسلحة  غير الدولية

بداً من القرن التاسع عشر إبرم العديد من الاتفاقيات الدولية، والتى تضمنت العديد من القواعد العامة المنتظمة للعمليات القتالية والتى عرفت باسم (لاهاى) بالإضافة إلى ذلك كانت هناك محاولات متعددة الأطراف لوضع قواعد واجبة التطبيق في حالة نشوب حرب.

1- إعلان باريس لعام 1856 الخاص بالحرب البحرية :

يعتبر هذا الإعلان بمثابة أول وثيقة دولية في القرن التاسع عشر تقنن أعراف وعادات الحرب البحرية، تضمن هذا الإعلان قواعد قانونية تقضى بحماية السفن البحرية من أعمال القرصنة، وحماية بضائع الأعداءالموجودة على مراكب الدول المحايدة، ويتكون من أربع مواد تتعلق بالحصار البحري.[1]

2-   قانون ” ليبر” عام 1863 :

وضع ليبر تعديلاً وتغييراً في بعض مواد الحرب، ووضع قواعد للجيوش في ميدان القتال، وهذه القواعد هى لوائح لأعراف وعادات الحرب.[2]

3- اتفاقية جنيف لعام 1864 :

دعا الاتحاد الفيدرالى السويسرى إلى عقد مؤتمر دولى بجنيف، أسفر عن توقيع اتفاقية دولية بحماية المرضى والجرحى من العسكريين، وهى أول اتفاقية من اتفاقيات الصليب الأحمر الدولى، وتضمنت نصوصاً أكدت فيها على الأعتراف ببعض المبادئ، كحياد عربات الإسعاف والمستشفيات العسكرية، وحمايتها والعناية بالمرضى والجرحى بصرف النظر عن جنسيتهم.[3]

4- إعلان سان بترسبورج لعام 1868 :

إن تطوير أسلحة جديدة كان بالفعل قد نال اهتمام الدول في سان بترسبورج فقد نص على أنه ” في حالة جلب المزيد من الأسلحة ينبغى على الدول أن تتفق على الحفاظ على مبادئ الإنسانية، وركز الإعلان على تطبيق الحظر العام على استخدام أسلحة تضاعف آلام المعاقين دون مبرر وتجعل هلاكهم أمراً لامناص منه. ونتيجة لهذا الإعلان فإن الدول الأطراف يحظر عليها استخدام أى قذائف تحت 400 جرام، بالإضافة إلى أن هذا الإعلان هو بمثابة “المبدأ العرفى الذي يحظر استخدام وسائل الحرب التى تسبب معاناة لا داعى لها” فقد أدى إلى اعتماد تعريفات أخرى للتخلى عن وسائل خاصة للحرب ما بين عامى 1899- 1907.

5- مشروع إعلان بروكسل عام 1874 (La déclaration de Bruxelles):

فى عام 1874 اجتمع خمسة عشر خبيراً قانونياً من مختلف الدول في بروكسل لصياغة تعليمات أكثر تشمل الحرب، وأراد الخبراء تأكيد المبادئ الهامة لإعلان سان بترسبورج ولصياغة قواعد محددة تنظم سلوك الحرب البرية وكانت أهم قاعدة هى “منع قصف البلاد المفتوحة”، وعكست هذه القاعدة الرفق العسكرى بدلا من الإنسانية فالقوات تفتقر إلى التكنولوجيا اللازمة لتفادى قصف البلاد من مسافات طويلة، وعلى الرغم من عدم التصديق على مشروع بروكسل من جانب الحكومات إلا أنه اكتسب قيمة معنوية كبيرة وأثر تأثيراً كبيراً على قوانين الحرب، واهتدت إليه بعض الحكومات في التعليمات التى أصدرتها لجيوشها في الميدان.[4]

6- مؤتمر لاهاى للسلام عام 1899 (La conférence de La Haye):

انعقد مؤتمر السلام الأول في لاهاى عام 1899 وتناول ثلاث موضوعات من بينها موضوع (قوانين الحرب، والحد من الأسلحة، ونزع السلاح).

أعرب القيصر “نيقولا الثاني” عن قلقه من التقدم التكنولوجى في الأسلحة ورأى في عقد مؤتمر للسلام الدولى وسيلة للدعوة إلى التقييد العام للأسلحة، ورفضت الدول المشاركة في المؤتمر أن تلزم نفسها بتقييد عام للأسلحة، وإن كانت وافقت على حظر استخدام مقذوفات لنشر غازات خانقة، أو ضارة بالصحة. وذهبت الاتفاقية إلى أبعد من ذلك فذكرت أنه في الأحوال التى لا تغطيها أنظمة محددة “يبقى السكان المدنيين والمتحاربين تحت حماية وسيطرة مبادئ القانون الدولى والمترتبة على العادات المقررة بين الأمم المتدينة، وقوانين الإنسانية، وما يمليه الضمير العام.[5]

7- مؤتمر لاهاى الثاني عام 1907 :

أسفر مؤتمر لاهاى الثاني عن وضع العديد من الاتفاقيات الدولية، وحدثت تطورات جديدة متعلقة بحماية المدنيين، وقطع المؤتمر شوطاً كبيراً، فقد تم صياغة قانون بحرى، ووضع قيود على الغوصات تحت الماء، أيضاً تم وضع بعض القواعد المتعلقة بالحرب الجوية ولكنها لم تكن كافيه لحماية المدنيين من القصف والهجمات بالبالون المتفجر، وأصبح الهجوم على المراكز المدنية مباحاً، ووضعت اللجنة الدولية في عام 1956 مشروعاً لقواعد تحد من الأخطار التى يتعرض لها السكان المدنيون في زمن الحرب، ويجب على الأطراف المتحاربة أن تمتنع عن استعمال الأسلحة التى تسبب أضراراً مفرطة، والتى تضر بمساكن المدنيين والمقاتلين بصورة عشوائية نظراً لعدم الدقتها.

 8- اتفاقيات جنيف :

كانت الحرب تعتبر وسيلة لحل وتسوية النزاعات الدولية، وتم إقرار مشروع الحرب حتى مطلع القرن العشرين .وكانت الجهود الرامية إلى عقد مؤتمر دولى لوضع قوانين الحرب وأعرافها ووضع قواعد قانونية جديدة لمواجهة الظروف الناشئة عن التقدم العلمى والفنى في مجالات الحرب قد استمرت خلال النصف الأول من هذا القرن الذي شهد اندلاع الحربين العالميين الأولى والثانية، والتى أسفرت عن توقيع عدد من الاتفاقيات الدولية التى من أبرزها :

·        اتفاقية دولية لتحسين أحوال الجرحى والمرضى من أفراد الجيوش في الميدان، في 6 يوليو سنة 1864، في العلاقة بين الأطراف المتعاقدة، مما يعنى سريان الأخيرة في مواجهة الدول التى سبق لها توقيع اتفاقية عام 1864 والتصديق عليها.

·        فى عام 1925، تم توقيع برتوكول جنيف الخاص بتحريم الالتجاء إلى حرب الغازات والحرب البكتريولوجية الذي تعهدت بمقتضاه مجموعة كبيرة من الدول الأعضاء في عصبة الأمم بعدم الالتجاء إلى الحروب التى تخوضها إلى استخدام الغازات السامة أو الخانقة أو إلى الحرب البكتريولوجية أو حرب الميكروبات.

·        وفى ضوء الحرب العالمية الأولى، تم إبرام اتفاقيتين في جنيف سنة 1929، تتعلق بتحسين أحوال الجرحى والمرضى من أسرى الجيوش في الميدان، وكانت الثانية خاصة بمعاملة أسرى الحرب، وحلت اتفاقية جنيف – التى عقدت في عام 1949، لحماية ضحايا الحرب– محل الاتفاقيتين.[6]

وهذه الاتفاقيات الأربعة هى :

·        الاتفاقية الأولى : بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في اللميدان

·        الاتفاقية الثانية : بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى من أفراد القوات المسلحة في البحار.

·        الاتفاقية الثالثة : بشأن معاملة أسرى الحرب .

·        الاتفاقية الرابعة : بشأن حماية الأفراد المدنيين في وقت الحرب.

وتحوى الاتفاقيات على نصوص تنظم حقوق ضحايا العمليات العسكرية فضلاً عن أنها تتناول حماية المدنيين في الأراضى التى تم احتلالها، وقد قامت  اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولى على تطوير الاتفاقيات الأربعة، وأسفرت جهودها عن عقد عدة مؤتمرات للخبراء الحكوميين للعمل على إنماء وتطوير القانون الدولى الإنسانى المطبق على النزاعات المسلحة سواء كانت دولية أو غير دولية بدء من عام 1971، حتى أسفر عن إصدار البروتوكولين الإضافين لاتفاقيات جنيف في 10 يونيو عام 1977، وهما :

البروتوكولان الإضافيان لاتفاقيات جنيف في 10 يونيو 1977 :

البروتوكول الأوليتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة.[7]

البروتوكول الثانييتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الغير دولية.

وقد ميزت اتفاقيات جنيف والبروتوكولان الإضافيان بين النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية عن طريق تحديد دقيق للقواعد التي تُطبق في كل حالة منهما. ووفقًا للمادة/2 المشتركة لاتفاقيات جنيف التى نصت على :” تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب. وتنطبق الاتفاقية أيضاً في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة”.

كما نصت المادة/1 من البروتوكول الإضافي الأول على أن هذه الأحكام تنطبق أيضًا في حالة المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، وبالتالي في الحالات التي قد تبدو ذات طابع غير دولي.

وجاءت المادة/3 المشتركة في اتفاقيات جنيف، واخضعت النزاعات المسلحة الداخلية أو غير الدولية لمقتضيات إنسانية لأول مرة بنصها على أنه : “في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية :

1- الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر….. “. وهذا ما أكدته محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في 27 يونيو 1986 في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا.

ورغم ما نصت عليه للمادة/3 المشتركة لاتفاقيات جنيف، إلا انها لم تبين المقصود بالحروب الأهلية، وأكدت أن أحكامها تنصرف لمواجهة النزاعات المسلحة الغير دولية، ويبدوا أن نية المؤتمرين في اتفاقيات جنيف لم تنصرف إلا لمدلول الحرب الأهلية بتغليب المعنى الضيق للنزاعات المسلحة غير الدولية.

وجاء البروتوكول الإضافي التانى لعام 1977 لاتفاقيات جنيف، لتحديد مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية، بالنص في المادة 1/1 على أن : “حماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة والتى تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى وتمارس تحت قيادة مسئولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة”. ويتضح من المادة السابقه أنه عرف النزاع المسلح الغير دولى بأنه النزاع الذي يدور في إقليم الدولة بين القوات النظامية الحكومية وقوات منشقة أو نظامية تحت قيادة مسئولة.

وقد استبعدت المادة 1/2 حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية بالنص على أن :” لا يسرى هذا على حالات الاضطرابات والتوتر الداخلية مثل الشغب وأعمال العنف العرضية الندرى وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة التي لا تعد منازعات مسلحة”.

وأقر البرتوكول الثاني مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، ونص عليه في المادة 3/1 بأنه :”لا يجوز الاحتجاج بأي من أحكام هذا اللحق “البروتوكول” بقصد المساس بسيادة أية دولة أو بمسئولية أية حكومة في الحفاظ بكافة الطرق المشروعة على النظام والقانون في الدولة أو في إعادتهما إلى ربوعها أو الدفاع عن الوحدة الوطنية للدولة وسلامة أراضيها”.

ومن هذا العرض يمكن القول بأن الاتفاقيات الدولية التى عقدت بشأن النزاعات المسلحة الداخلية كانت تقصد الحروب الأهلية، وما نشاهده على الساحة العالمية في الوقت الحاضر وخاصة في منطقة الشرق الاوسط وبعد البلدان الأفريقيا لا تخضع لهذه المسميات ولا تخضع للحروب الأهلية. بل هو نوع اخر من النزاعات المسلحة الداخلية وعادة تكون اسبابها دينية أو طائفية أو طمعاً في السلطة.[8]

 

المطلب الثاني: تعريف النزاعات المسلحة الغير دولي

من خلال دراسنا لموضوع النزاعات المسلحة غير الدولية، لم نجد فيها ضوابط موضوعية يمكن من خلالها التميز بينها وبين الصور المشابهة لها.

فاذا كان الفقه التقليدى قد اهتم بالحروب الدولية إلا أنه لم يخفى اهتمامه بالحروب الداخلية حيث لم يعتبرها حربا حقيقية بل كان يوصفها بأنها اضطرابات.

ولبيان مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية في ضوء ما ورد في الاتفاقيات الدولية، نجد ثلاث مفاهيم محددة للنزاع المسلح غير الدولي وردت في الاتفاقيات الدولية وهى كالتالى :

أولاً – مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية في ظل المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف:

  لعل أهم ما وردّ في اتفاقيات جنيف لعام 1949، هو إخضاع النزاعات المسلحة غير الدولية للقانون الدولي بشكل قانونى، وذلك بموجب المادة الثالثة المشتركة لتلك الاتفاقيات من خلال وضع تشريع دولي قابل للتطبيق على هذه النزاعات، إلا إن هذه المادة لم تبين صراحةً المقصود بالنزاعات المسلحة غير الدولية لكي تنطبق عليها أحكامها.[9]

       ويلاحظ على هذه المادة بأنها لم تأخذ بالمصطلحات المستخدمة في ظل القانون الدولي التقليدي، للتعبير عن النزاعات المسلحة الداخلية، كالحرب الأهلية، والثورة، والتمرد، وإنما جاءت بمصطلح جديد لتطبق أحكامها عليه وهو مصطلح “النزاعات المسلحة غير الدولية”، من دون أن تضع له تعريفاً واضحاً ومحدداً، وإنما اكتفت بذكر صفته غير الدولية، والدائرة في أراض أحد الأطراف السامية المتعاقدة إذ تنص المادة المذكورة على أنه :”في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي، في أراضي احد الإطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية….”.

وذهب بعض الفقه، إن المؤتمرين في جنيف عندما ذهبوا إلى تبنى مصطلح النزاعات المسلحة غير الدولية، كانوا يقصدون بذلك الحرب الأهلية بمعناها الفني الدقيق، التي بمناسبتها يبلغ التمرد أقصى ذروته ومنتهاه من جهة تفتيت الوحدة الوطنية داخل الدولة التي أندلع فيها التمرد، مما يعني إن اتفاقيات جنيف الأربعة بموجب المادة الثالثة المشتركة، أنصرف إلى الحرب الأهلية دون غيرها من صور النزاعات المسلحة غير الدولية الأخرى.

وقد اقترحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعض المعايير الموضوعية في محاولة منها لإيجاد تعريف محدد للنزاع المسلح غير الدولية، يمكن أن تنطبق عليه اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وتتلخص هذه المعايير بالاتى :

·        أ‌- أن يملك الطرف المتمرد قوة عسكرية منظمة، وسلطة مسئولة عن أعمالها، تعمل على جزء من الإقليم ولديها القدرة على احترام أحكام اتفاقيات جنيف الأربعة.

·        ب‌- أن تكون الحكومة الشرعية مضطرة لاستدعاء جيشها لمحاربة المتمردين.

·        ت‌- أن تكون قد اعترفت للمتمردين بصفة المحاربين، وأن تدعى أنها في حالة حرب.

·        ث‌- إذا كان النزاع قد أدرج في جدول أعمال مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، على انه يهدد للسلم والأمن الدوليين، أو يشكل حالة العدوان.

أن يكون للمتمردين نظام تتوافر فيه بعض خصائص الدولة إلا إن المؤتمر الدبلوماسي لم يتمكن من وضع تعريف مقبول للنزاع المسلح غير الدولي.

وفي ظل غياب تعريف النزاعات المسلحة غير الدولية بموجب المادة الثالثة المشتركة، بسبب عدم اتفاق أعضاء المؤتمر الدبلوماسي لعام 1949 على ذلك، أصبح هذا الأمر موضع اهتمام اللجان والمؤتمرات الدولية، لذلك أعيد النظر في موضوع النزاعات المسلحة غير الدولية من جديد في المؤتمر الدبلوماسي المنعقد من عام 1974-1977، الذي انتهى إلى وضع البروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لعام 1977 وما يهمنا ضمن موضوع البحث الإشارة إلى البروتوكول الإضافي الثاني.

ثانياً : مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية طبقاً للبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977:

حاول المؤتمر الدبلوماسى لعام 1974-[10]1977، أن يعالج النقص الوارد في المادة الثالثة المشتركة، والمتمثله في غياب تعريف محدد للنزاعات المسلحة غير الدولية، لذلك جاء البروتوكول الإضافي الثاني الذي يكمل المادة الثالثة المشتركة بوصفه نتاجاً لسعى المجتمع الدولى الجاد للتعريف بهذا النوع من النزاعات المسلحة، وقد نص بشكل صريح على تعريف النزاعات المسلحة غير الدولية، بأنها :”النزاعات التي تدور على إقليم احد [11]الأطراف السامية المتعاقدة، بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة، أو جماعات نظامية مسلحة أخرى، وتمارس تحت قيادة مسئولة على جزء من الإقليم من السيطرة، ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة، وتستطيع تنفيذ هذا البروتوكول.

ويلاحظ إن البروتوكول المذكور، قد عرف النزاعات المسلحة غير الدولية من ناحية ايجابية، بأنها ليست نزاعات دولية أو بين الدول، وأنها نزاعات مسلحة تدور في إقليم احد الأطراف المتعاقدة.

وعلى الرغم من أهمية هذا التعريف، إلا انه لم يعالج جميع المشاكل التي أثارتها المادة الثالثة المشتركة، لذلك لم يكن هذا التعريف محل اتفاق بين كثير من الدول التي ساهمت في وضع هذا البروتوكول,

وفي ضوء ما سبق يتضح لنا أن مصطلح النزاعات المسلحة غير الدولية الوارد في المادة (1/1) من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977, مرادف لمصطلح الحرب الأهلية بمعناها الفني الدقيق، لذا فهو مصطلح ضيق جدا.

ثالثاً : مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية وفقا لنظام روما الأساسي لعام 1998:

حاولت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة إيجاد تعريف واضح وصريح للنزاعات المسلحة غير الدولية من خلال تكييفها لبعض النزاعات المسلحة الداخلية، فكيفت النزاع المسلح في يوغسلافيا بأنة نزاع ذو طبيعة مختلطة دولي وداخلي، وجاء في حكمها “إن النزاع المسلح الذي وقع بين أطراف النزاع في جمهورية البوسنة والهرسك فيه من الكثافة ما يدعوا إلى تطبيق قوانين وأعراف الحرب التي تحتويها المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 كما هي في النزاعات المسلحة بصفة عامة بما فيها النزعات المسلحة غير الدولية.

وقد سارت المحكمة الجنائية الدولية في رواندا لعام 1994 على نهج محكمة يوغسلافيا السابقة عندما نصت المادة الثالثة من النظام الأساسى لهذه المحكمة على أنه :”ينشأ الهجوم المسلح حيثما كان هناك لجوء إلى القوة المسلحة بين الدول أو عنف مسلح طويل الأمد بين سلطات الحكومة ومجموعات منظمة أو بين هذه المجموعات داخل دولة ما”.

وفي 15 يوليو 1997 قررت غرفة الاستئناف في المحكمة في قضية المدعي العام ضد المواطن الصربي Tadec أن النزاع المسلح الداخلى يوجد كلما كان هناك عنف مسلح الذي طال أمده بين السلطات الحكومية والجماعات المسلحة المنظمة أو بين هذه الجماعات داخل الدولة وأخذت بعد ذلك كل أحكام المحكمة بهذا القرار نقطة انطلاق لتعريف النزاع المسلح الداخلى.

ويلاحظ من خلال هذا التعريف إن المحكمة اعتمدت على بعض المعايير لقيام النزاع المسلح غير الدولى، من أهمها مدة وكثافة النزاع المسلح، حيث يجب أن يكون النزاع المسلح طويل الأمد، ولكن ما يؤخذ على هذا الرأى أن المحكمة لم تبين المدة التي يجب أن يستغرقها النزاع المسلح لكى يعتبر نزاع مطول، ومن ثم تكيفه بأنه نزاع مسلح غير دولى، وأكدت من جانب أخر على كثافة العنف المسلح سواء كان بين الحكومة والجماعات المتمردة أو بين الفئات المتمردة نفسها، واعتمدت المحكمة فيما يتعلق بتقييم كثافة النزاع المسلح على عوامل مختلفة مثل جدية الهجمات وتكرارها وانتشار هذه الهجمات المسلحة على إقليم الدولة.

عندما تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998 بموجب نظام روما الأساسى، واجهت الدول الأطراف في هذا النظام مشكلة تحديد مفهوم النزاع المسلح غير الدولي، وقد ابتعدت الأطراف المشاركة في معاهدة روما كثيراً عن المفهوم الذي جاء به البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، وتبنت مفهوم أخر مشابه للتعريف الذي وضعته المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة ، فنصت في المادة 8/2/و بأنه : “النزاعات المسلحة التي تقع في إقليم الدولة عندما يوجد صراع متطاول الأجل بين السلطات الحكومية والجماعات المسلحة أو المنظمة أو بين هذه الجماعات”. ويفهم من هذا التعريف أنها تحدث داخل إقليم دولة واحدة، وتحدث عند وجود صراع مسلح، يستمر لفترة من الزمان أى يستغرق فترة زمنية ليست بالقليلة متطاول الأجل.

وذهب جانب من الفقه أن النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية لم يعطى تعريفاً دقيقاً للنزاعات المسلحة غير الدولية، ولكنها عبرت عن ممارسة المحمكة لاختصاصها، كما أنها لم تنشأ طابعاً جديداً للنزاعات المسلحة غير الدولية.

 

المبحث الثاني:

المطلب الاول: أنواع النزاعات المسلحة

 

 يميز القانون الإنساني الدولي أر بعة أنواع من النزاعات المسلحة تتفاوت القواعد والصكوك المنطبقة على كل منها:

 

-1 النزاع المسلح الدولي الذي تنطبق عليه اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول

الإضافي الأول لعام 1977 وقواعد لاهاي وغير ذلك من المبادئ القانونية؛

2-  النزاعات المسلحة الدو لية التي بمثابة حروب للتحرير الوطني ويحددها البروتوكول

الإضافي الأول لعام 1977 وتخضع له؛

3-  النزاعات المسلحة غير الدولية التي تخضع لتنظيم المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف

الأربع ولبعض المعايير العرفية.

4-  النزاعات المسلحة غير الدولية التي ينظمها البروتوكول الإضافي الثاني ويعرفها تعريفا ضيق.

5-إحدى الصعوبات التي تكتنف عملية رصد انتهاك ات حقوق الإنسان أثناء فترات النزاع المسلح تتصل بمختلف أنواع النزاعات المسلحة . وموظفو حقوق الإنسان لا يجمعون في العادة  معلومات عن نوع الوقائع اللازمة لتحديد وجود أو عدم وجود نزاع م سل ح. على أن تطبيق القانون الإنساني يعتمد على تحديد نوع النزاع المسلح . ويجب على عملية حقوق الإنسان (بما في ذلك مكتبها القانوني على وجه الخصوص ) التمييز بين المنازعات المسلحة التي تتسم بطابع دولي، وحروب التحرير الوطني والنزاعات الدولية غير الدولية بموجب ا لمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، والمنازعات المسلحة الدولية بموجب البروتوكول الإضافي الثاني، والحالات الأخر ى. وفي محاولة تطبيق القانون الإنساني على انتهاكات حقوق الإنسان التي تقع أثناء الحالات المبينة أعلاه، سيتعين على العملية الميدانية لحقوق الإنسان إج راء تقييم داخلي عن نوع النزاع الدائر في البلد حتى يتسنى لها الرجوع إلى القانون الدولي الملائم في أدائها لوظائف الرصد وتقديم التقارير . ومن المهم في هذا الصدد ملاحظة أن مستويات المنازعات قد تتغير مع تطور الحالة.على أنه لا تقع على عملية حقوق الإنسان وظ يفة التحديد العلني والنهائي لنوع النزاع الدائر في بلد معين.

 

أ - النزاع المسلح الدولي

6- وينبغي لعملية حقوق الإنسان إجراء تحليل دقيق لتصنيف نوع النزاع المسل ح. وقد تبدأ عملية حقوق الإنسان باستعراض القانون الإنساني الدو لي /أو صكوك قانون حقوق الإنسان التي صادق عليها البلد أوالبلدان والتي تنطبق عليه ا. وينبغي بعد ذلك أن تقرر عملية حقوق الإنسان ما إن كان هناك نزاع مسلح دولي . والتعليق الرسمي للجنة الدولية للصليب الأحمر على اتفاقيات جنيف يحدد النزاع المسلح الذي يتسم بطابع دولي بأنه أي "خلاف ناشئ بين دولتين من شأنه أن يفضي إلى تدخل من جانب أفراد القوات المسلح ة.. .حتى وإن أنكر أحد الطرفين وجود حالة حرب.ولا يهم مدة بقاء النزاع أو ... عدد الضحايا."[12]

 

7- كما يضيف البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع أن المنازعات المسلحة التي تتسم بطابع دولي تشمل:

 

المنازعات المسلحة التي تنا ضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد

الأنظمة العنصري ة. وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير ، كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقا لميثاق الأمم المتحد ة.

 

ب - النزاع المسلح غير الدولي

8- توفر المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف "المبادئ الأساس ية للقانون الإنساني " التي تتعامل صراحةً مع المنازعات المسلحة غير الدولي ة. 4 وتنص المادة المشتركة 3 على ما يلي:

 

الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية   يعاملون في جميع  الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم علي العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة، أو أي معيار مماثل آخر.

 

9- ومن المهم ملاحظة أن المادة المشتركة 3 لا تحدد فقط مسؤوليات قانونية للحكومات، بل أيضا

للفاعلين غير الحكوميين المشتركين في النزاع.

 

10- ولا تنص المادة المشتركة 3 على تعريف "النزاع المسلح غير الدو لي.

على أن البروتوكول الإضافي الثاني يوضح في المادة 1 أن البروتوكول ينطبق على المنازعات المسلحة التي تقع في إقليم طرف بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى 1   تقع تحت قيادة مسؤولة   2تمار س سيطرة على جزء من إقليمه و ( 3) يمكنها القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة  وتستطيع تنفيذ البروتوكو ل.

 

11- ومن الأهمية البالغة ملاحظة أن البروتوكول " لا يسري على حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية مثل الشغب وأعمال العنف العرضية الندري وغيرها من الأعمال ذ ات الطبيعة المماثلة التي لا تعد منازعات مسلحة ." وفي كل هذه الحالات يظل قانون حقوق الإنسان القانون الدولي الوحيد المنطبق.

 

12- ولذلك، ينبغي النظر في عدة عوامل عند تقرير ما إن كانت إحدى الحالات تندرج تحت المعايير المطبقة على النزاع المسلح غير الدولي، بما في ذلك ما إن كان للمتمردين قوة عسكرية نظامية وسلطة  مسؤولة عن سيرها ووسيلة احترام القانون الإنسا ني. وبعبارة أخرى، ما هو عدد المقاتلين المشاركين في القتال وهل لديهم هيكل قيادة؟ وهب يعمل المتمردون داخل إقليم محدد ووفقا لاستراتيجية موحدة ؟ وهل  يتصرفون كحكومة ؟

 

13- كما قد ترغب عملية حقوق الإنسان في النظر فيما إن كانت الحكومة الشرعية قد اضطرت إلى نشر قوات نظامية ضد المتمردين . وبالإضافة إلى ذلك، هل اعترفت الحكومة الشرعية بالمتمردين باعتبارهم أطرافا محاربين؟ وهل اعترفت الأمم المتحدة بأن النزاع يشكل ديدا لل سلم والأمن الدوليين؟

14- وكذلك فقد تعزف الحكومات عن قبول وصف نزاع بأنه غير دولي لما قد ينطوي عليه ذلك من اعتراف ضمني بالأطراف المحاربة، بالرغم من أن المادة المشتركة 3 والبروتوكول الثاني يشيران بوضوح إلى أن تطبيق هذه الأحكام ينبغي ألا يؤثر على الوضع القا نوني للأطرا ف.[13]

 

15- وبمجرد أن تحدد عملية حقوق الإنسان القانون المنطبق أو ستعتمد على المعايير الأساسية الواردة في المادة المشتركة 3 وحقوق الإنسان التي لا يجوز تضييقها، يبقى بعد ذلك تطبيق الأحكام المحددة لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني على الحا لة المعنية . ومثال ذلك، أن موظفي حقوق الإنسان في أول الأمرثم بعد ذلك عملية حقوق الإنسان قد يحتاجون إلى تحديد ما إن كانت قد وقعت حالات وفاة أثناء نشوب نزاع مسلح بين المتحاربين أو ما إن كانت قد وقعت حالات قتل تعسفي بين المدنيين على سبيل المثا ل.

وفي هذا الصدد، قد يرغب موظف حقوق الإنسان في الرجوع إلى الفرع باء من الفصل الرابع : "الحق في عدم الحرمان من الحياة تعسف."

 

المطلب الثاني: خضوع النزاعات المسلحة غير الدولية للقانون الداخلي للدولة الإقليمية كقاعدة عامة

إعتبر المتمردين بمثابة مجرمين أو متآمرين على أمن الدولة الأمر الذي يستتبع إخضاعهم للعقوبة الجنائية المكرسة في القانون الجنائي الداخلي للدولة التي ثارت فيها  -كقاعدة عامة- وبذلك عدت هذه النزاعات من صميم المسائل المدرجة في إطار المجال المحجوز للدولة، والذي يحظر من ثم على النظام الدولي التطرق إليها.

إلا أن واقع النزاعات المسلحة غير الدولية أظهر مدى وحشيته والخسائر البشرية الرهيبة الناتجة عنه، لهذا ظهرت محاولات فقهية ودولية لإخضاع هذا النوع من

النزاعات لقدر من التنظيم.

المحاولات الفقهية لتطبيق قانون الحرب على الحروب الأهلية. لقد تميز القرن 18  بظهور فلاسفة التنوير و المفكرين أمثال "مونتيسكيو

"روسو" الذين استطاعوا أن يقدموا أفكارا جديدة كانت بمثابة ثورة في مفهوم الحرب.

و قد تأثر الكثير من فقهاء القانون الدولي بأفكارهم، و كان من أهمهم الفقيه فاتيل و الفقيه فرانسيس ليبر اللذين كانت لهما المساهمة الكبيرة في تطوير ما يعرف حديثا بالقانون الدولي الإنساني، و ذلك من خلال اهتمامهما بالحروب الأهلية و بضرورة

إخضاعها لأحكام و أعراف قانون الحرب، و هذا ما سوف نتطرق إليه في ما يلي:

أولا: جهود الفقيه " فاتيل "

يعتبر الفقيه "فاتيل" الفقيه الأول الذي نادى بتطبيق قانون الحرب و أعرافها على الحروب الأهلية و ذلك من خلال كتابه " قانون الأمم و مبادئ القانون الطبيعي المنطبق على سلوك و تصرفات الأمم و الحكام " أين خصص فصلا كاملا تحت عنوان " الحرب الأهلية.

و قد بدأ فاتيل فصله هذا بنقد الوضع القانوني السائد في عصره و المتعلق بالنظام القانوني الذي يحكم الحروب الأهلية، بأن وصف أي شخص يقول أن المتمردين يستحقون  القتل لأن القوانين لم تجعل لتطبق عليهم بوصف المستبد القاسي.

كما قام فاتيل بوضع تعريف للمتمردين بقوله :أنهم الأشخاص الذين يحملون السلاح ظلما ضد قيادة المجتمع سوءا طموحا في سلب السلطة أو معارضة أوامرها في بعض المسائل الخاصة أو من أجل فرض بعض الشروط عليها.

ثانيا: جهود الفقيه فرانسيس ليبر

أصدرت وزارة الحرب الأمريكية بموجب الأمر العام رقم 100 تعليمات لتحكم جيوشها في الميدان و هي عبارة عن تقنين أعده الفقيه فرانسيس ليبر بطلب من أحد جنرالات القوات الأمريكية يدعى "هاليك" و التي أقرها فيما بعد الرئيس "لينكولين " تحت عنوان "التعليمات التي تحكم جيوش الولايات المتحدة الأمريكية في الميدان"، و ذلك في سنة 1863.

وقد حاول الفقيه ليبر في القسم الثاني من تقنينه:" العصيان،الحرب الأهلية، التمرد " أن يميز بين هذه المصطلحات الثلاثة من خلال وضع تعريف لكل واحد منها في المواد من 149 إلى 151.

حيث عرف العصيان في المادة 149 بقوله:" هبة شعبية مسلحة ضد حكومتهم أو جزء منها أو قوانينها أو موظفيها، و قد يقتصر على مجرد المقاومة المسلحة التي تتجاوز ذلك.

و من خلال هذه التعاريف الثلاثة يكون ليبر قد وضع محاولة بالغة الأهمية في القانون الدولي التقليدي للتفرقة و التمييز بين مختلف أشكال الحروب و النزاعات الداخلية، لأنها تعد بمثابة ترجمة فعلية لما كان معروفا و سائدا آنذاك مما يجعل لإحكامها ما للقواعد العرفية من أهمية ، و أن كانت تفتقر للدقة و الموضوعية، فالفقيه ليبر أعطى لمصطلح التمرد مفهوما أوسع من الحروب الأهلية، كما أنه أعتمد على الغرض المقصود لتحديدوصف النزاع إضافة إلى أنها ليس لها طابع دولي إذ وضعت لتحكم سلوك الجيوش أثناء الحرب الأمريكية لذا فهي محاولة خاصة لا يمكن تعميمها على جميع الدول.

إن كلا من الفقيهين " فاتيل" و " ليبر "ساهما بشكل واضح و فعال في تطوير أحكام القانون الدولي الإنساني بمفهومه الحديث عن طريق لفت انتباه المجتمع الدولي لظاهرة الحروب الأهلية و ذلك بتسليط الضوء عليها باعتبارها ظاهرة أقصيت من مجال الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني.

فتقنين الفقيه " ليبر "كان له أثره البالغ، فرغم أنه جاء ليحكم حالة خاصة إلا أن العديد من الدول تأثرت به و سارت في نحوه عن طريق إصدار تعليمات مشابهة لجيوشها تتضمن قواعد و أحكام الحرب.

كما أن الفقيه" فاتيل "و من خلال مساهمته في دراسة ظاهرة الحرب الأهلية ووضع تعريف لها و تحديد ما يجب أن يتوفر فيها حتى تعد حربا أهلية كانت بمثابة الأساس القانوني الأول لإخضاعها للتنظيم الدولي، بموجب ما يعرف بنظرية الاعتراف بالمحاربين في الحروب الأهلية التي جعلت هذه الأخيرة تخضع لقدر من التنظيم الدولي .

إن كلا من الفقيهين " فاتيل" و " ليبر "ساهما بشكل واضح و فعال في تطوير أحكام القانون الدولي الإنساني بمفهومه الحديث عن طريق لفت انتباه المجتمع الدولي لظاهرة الحروب الأهلية و ذلك بتسليط الضوء عليها باعتبارها ظاهرة أقصيت من مجال الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني.

فتقنين الفقيه " ليبر "كان له أثره البالغ، فرغم أنه جاء ليحكم حالة خاصة إلا أن العديد من الدول تأثرت به و سارت في نحوه عن طريق إصدار تعليمات مشابهة لجيوشها تتضمن قواعد و أحكام الحرب.

كما أن الفقيه" فاتيل "و من خلال مساهمته في دراسة ظاهرة الحرب الأهلية ووضع تعريف لها و تحديد ما يجب أن يتوفر فيها حتى تعد حربا أهلية كانت بمثابة الأساس القانوني الأول لإخضاعها للتنظيم الدولي، بموجب ما يعرف بنظرية الاعتراف بالمحاربين في الحروب الأهلية التي جعلت هذه الأخيرة تخضع لقدر من التنظيم الدولي .

نظرية الاعتراف بالمحاربين

تعتبر نظرية الاعتراف بالمحاربين من أهم النظريات التي عملت على نقل الحروب الأهلية إلى الاهتمام الدولي و جعلها محكومة بقانون الحرب و أعرافها، فان لم يكن هناك اعتراف بالمحاربين بقيت هذه الحروب خارج نطاق تطبيق القانون الدولي، فتخضع

بالتالي لحكم القانون الداخلي للدولة القائم على إقليمها النزاع.

 

 



[1] د. شريف بسيونى – القانون الدولى الإنسانى – دار النهضة العربية – 2007- ص 26.

 

([2]) د.سعيد سالم جويلى– مدخل لدراسة القانون الدولى الإنسانى-دار النهضة العربية- 2003-ص 46.[2]

[3] Captain. Doty (R) – The united States and the development of the laws of land warfare – military law rebiew – vol 156 (1998)- p 227.

 

[4] Captain. Doty (R) – The united States and the development of the laws of land warfare – military law rebiew – vol 156 (1998)- p 227.

[5]  Normand (R).The legitimation of violence: A critical history of thw law of war, harv. 1994. P 56.

[6]  Normand (R).The legitimation of violence: A critical history of thw law of war, harv. 1994. P 56.

[7] د. سعيد سالم الجويلي – الطبيعة القانونية الخاصة للاتفاقيات الدولية للقانون الدولي الإنساني – أفاق وتحديات – مقالة في مؤلف لمجموعة من الباحثين منشورات الحلبي الحقوقية – الجزء الثالث – عام 2005- ص 267 : 268.

[8] د. سعيد سالم الجويلي – الطبيعة القانونية الخاصة للاتفاقيات الدولية للقانون الدولي الإنساني – أفاق وتحديات – مقالة في مؤلف لمجموعة من الباحثين منشورات الحلبي الحقوقية – الجزء الثالث – عام 2005- ص 267 : 268.

 د. مسعد عبد الرحمن زيدان- تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي- دار الكتب القانونية- القاهرة- 2008 – ص44:45.[9]

[10]  محمد غازي ناصر الجنابي، التدخل الإنساني في ضوء القانون الدولي العام )إج ا رءات تدخل مجلس الأمن لتنفيذ القانون

 

د. مسعد عبد الرحمن زيدان- تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي- دار الكتب القانونية- القاهرة- 2008 – ص44:45.[11]

[12]    لمزيد من التفاصيل حول علاقة الحروب الأهلية بالن ا زعات المسلحة غير الدولية، ا رجع: مسعد عبد الرحمن زيدان، المرجع .60- السابق، ص

 13المرجع نفسه، ص

ليست هناك تعليقات