المشترك اللفظي

 

بعد حديثنا عن الترادف، وتعريفه بأنه إطلاق ألفاظ عدة على مدلول واحد,نزدلف

 

 إلى  قضية المشترك اللفظي. وهي قضية دلالية تقابل قضية الترادف .

 

أولا : تعريفه

 

أ- لغة:من الفعل اشترك يشترك,والمصدر اشتراك ,و اسم المفعول المشترك .

 

وطريقٌ مشترَكٌ: يَستوي فيه الناس، واسمٌ مشترَكٌ: تَشترِك فيه مَعانٍ كثيرةٌ؛ كالعين

 

ونحوِها؛فإنه يَجمَع معانيَ كثيرةً.

 

ب- اصطلاحا:عرف بتعاريف عدة ,نذكر منها:

 

 1-عرفه الجرجاني بقوله : (المشترك ما وضع لمعنى كثير بوضع كثير كالعين

لاشتراكه بين المعاني).

 

2-عرفه ابن تيمية بقوله:( أن يكون اللفظ دالا على معنيين من غير أن يدل على معنى مشترك بينهما).

 

3-قال عنه السيوطي :( وقد حده أهل الأصول بأنه اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة).

 

يلاحظ التقارب بين هذه التعاريف ,ومن ثمة يمكن اختصارها بقولنا:هو ما اتحد لفظه,واختلف معناه.أو هو أن تتعدد المعاني للفظ الواحد.

ثانيا:الخلاف في وقوعه:

      كما وقع الخلاف بين اللغويين في قضية الترادف في اللغة، فأيده بعضهم وأنكره

بعضهم الآخر، فإن الأمر نفسه يتكرر في المشترك كذلك. فابن درستويه ينكر أن يكون

 اللفظ الواحد دالا على معنيين مختلفين، أو أحدهما ضد الآخر، فالقول بذلك يعد تعمية

وتغطية، وليس إبانة على الشكل الذي وضعت من أجله اللغة. ويذهب إلى أبعد من ذلك

عندما ينقض آراء المؤيدين لوقوع المشترك في اللغة، وقد ذكر لفظة (وجد) واختلاف

معانيها فيقول: "هذه اللفظة من أقوى حجج من يزعم أن من كلام العرب، ما يتفق لفظه

ويختلف معناه، لأن سيبويه ذكره في أول كتابه، وجعله من الأصول المتقدمة، فظن من

لم يتأمل المعاني، ولم يتحقق الحقائق، أن هذا لفظ واحد قد جاء لمعان مختلفة، وإنما هذه

المعاني كلها شيء واحد، وهو إصابة الشيء خيرا كان أو شرا، ولكن فرقوا بين

المصادر، لأن المفعولات كانت مختلفة، فجعل الفرق في المصادر بأنها أيضا مفعولة،

والمصادر كثيرة التصاريف جدا، وأمثلتها كثيرة مختلفة، وقياسها غامض، وعللها خفية،

 والمفتشون عنها قليلون، والصبر عليها معدوم، فلذلك توهم أهل اللغة أنها تأتي على

 غير قياس، لأنهم لم يضبطوا قياسها، ولم يقفوا على غورها. "  

لقد أورد ابن درستويه هذا الكلام، في سياق رده على المبرد، الذي مثل لاتفاق اللفظين،

اختلاف المعنيين بقوله: " وجدت شيئا إذا أردت وجدان الضالة، ووجدت على الرجل من

 الموجدة، وجدت زيدا كريما أي علمت". وابن درستويه إنما يرجع المعاني المتعددة

للصيغ الصرفية، أو بسبب المصادر التي تدل على المفعولات، والمفعولات بطبيعتها

 متغيرة، (فوجد) لم تفد معاني مختلفة، إلا بسب العوارض التصريفية.

ومثل هذا الرأي الذي ذهب إليه ابن درستويه، ذهب إليه أبو علي الفارسي، غير أنه لم

يغال في إنكار المشترك، كما فعل ابن درستويه.

وذهب فريق آخر إلى كثرة ورود المشترك في اللغة، وضرب له عددا كبيرا من الأمثلة،

 ومن هؤلاء الأصمعي، والخليل، وأبو عبيدة، وأبو زيد الأنصاري، وسيبويه، وابن

فارس، وابن مستعدة، والثعالبي والمبرد، والسيوطي. يقول سيبويه: "اعلم أن من

كلامهم، اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين"  أما ابن فارس فيقول في ( باب أجناس الكلام

في الاتفاق والافتراق) "يكون ذلك على وجوه...ومنه اتفاق اللفظ واختلاف المعنى،

كقولنا عين الماء، وعين المال، وعين الركية، وعين الميزان"

يلاحظ مما تقدم ذكره أن أكثر المتقدمين من اللغويين يثبتون المشترك.

ثالثا:أسباب حدوثه:

من أسباب حدوث المشترك ما يلي:


 
1- الانتقال من الحقيقة إلى المجاز، وهو أهم العوامل، وإليه تعزى جميع اختلافات

 المعاني وتغيرها، ومن أمثلته لفظ ( العين).


2- اختلاف اللهجات العربية القديمة، نتج عنه الاشتراك في بعض الكلمات بسبب اختلاف استعمال القبائل لها.

 
3- اقتراض الألفاظ من لغات مختلفة، فقد تستعير اللغة كلمات تماثل صورتها كلمات

 

أخرى فيها، لكنها ذات دلالة مختلفة، وقد حدث مثل هذا في العربية، كما يقول: إبراهيم

 

أنيس، فالحب بمعنى الوداد، وهو حب الشيء. وفيها كذلك الحب، الجرة التي يجعل فيها

 

الماء، فالمعنى الأول أصيل عربي، وأما الثاني فمستعار من الفارسية، لكلمة مماثلة تماما

 

للفظ العربي.

 
 
3- التطور الصوتي، فقد ينال الأصوات الأصلية للفظ ما بعض التطور، أو الحذف أو

 

 الزيادة وفقا لقوانين التطور الصوتي، فيصبح هذا اللفظ متحدا مع لفظ آخر يختلف في

 

 مدلوله.

 

رابعا:أمثلة له:

قال الشاعر:

يا ويح قلبي من دواعي الهوى       إذا رحل الجيران عند الغروب

أتبعتهم طرفـي وقد أزمعـوا           ودمع عـيني كـفيض الغروب

كــــانوا وفيهم طفلة حرة             تفتر عن مثل أقاحـي الغروب

 

فالغروب الأولى غروب الشمس، و الثانية جمع غرب وهو الدلو الممتلئ والثالثة جمع

غرب وهو الوهاد المنخفضة.

 
ومن المشترك أيضا:

الخال : للشامة على الخد ( له خال على صفحات خد ) وأخ الأم ,السحاب ,المكان الخالي, وغيرها.

الهلال: هلال السماء,هلال الصيد ,هلال النعل , الحية إذا انسلخت, باقي الماء في الحوض وغيرها.

العين : عين الماء, العين التي تصيب الإنسان ,الجاسوس ,الباصرة ,النقدين من الدراهم الدنانير,وغيرها.

 الخلاصة :

    مما تقدم بسطه نخلص إلى أن المشترك اللفظي سمة من سمات اللغة العربية وعاملٌ

 من عوامل تنميتها، وقد تنبَّه العلماء له، وأشاروا إلى شواهده، والمعاني التي تدور ألفاظُه حولها.


المصادر والمراجع:

التعريفات للجرجاني

المزهر للسيوطي

الصاحبي لابن فارس

فقه اللغة لابراهيم الحمد

المشترك اللفظي بقلم مولاي ادريس ميمون(مقال)

ليست هناك تعليقات