الترادف في اللغة العربية

 

 

    تتعدد أشكال العَلاقة بين الألفاظ، ومن هذه الأشكال علاقة الترادف ,و هي علاقة تتمثل  في وجود كلمات يمكن أن تتبادل المواقع مع بعضها دون أن يتغير المعنى على الرغم من اختلاف المكونات الصوتية لهذه الكلمات، وهو ما يثبت وجود قرابة بين الكلمتين أو الكلمات التي تقبل التبادل مع بعضها. والمصطلح الذي يطلقه اللغويون على هذه الحالة هو: الترادف .

أولا: تعريف الترادف

أ-الترادف لغة:الراء والدال والفاء أصل واحد مطرد,يدل على اتباع الشيء.فالترادف : التتابع.

ب - الترادف اصطلاحًا: دلالة عدد من الكلمات المختلفة على معنى واحد.

  مثل :العسل،الشهد،الرحيق،الضرب،الضريب ،الورس،الجلس،الذوب،الحميت ،التحموت, الشوب, الماذي  لعاب النحل,وغيرها. السيف,الحسام,الصارم,الخليل,القضيب,الصحيفة,المشرفي,العضب,المهند,المذكر,الصقيل,الأبيض,الكهام           الرداء,وغيرها .    

الحزن، الغم، الغمة، الأسى، والشجن، الترح، الوجد، الكآبة، الجزع، الأسف، اللهفة، الحسرة، الجوى ,الحرقة واللوعة.

 ثانيا:الاختلاف حول وجود الترادف في اللغة

اختلف اللغويون قديمًا وحديثًا حول حقيقة وجود الترادف في اللغة بين مثبت ومنكر
أ-المثبتون للترادف
منهم: سيبويه، والأصمعي، وأبو الحسن الرماني، وابن خالويه، وحمزة بن حمزة الأصفهاني، والفيروزآبادي، والتهانوي، ومعظم المُحْدثين من اللغويين العرب يعترف بوقوع الترادف في اللغة، من هؤلاء: علي الجارم, وإبراهيم أنيس.

حجج المثبتين: يحتج المثبتون للترادف بما يلي:
1-لو كان لكل لفظةٍ معنًى غير معنى الأخرى، لما أمكنَ أن نعبِّر عن شيء بغير عبارته، وذلك أنا نقول في ‏"‏لا ريب فيه":‏ "لا شكَّ فيه"، وأهل اللغة إذا أرادوا أن يفسروا (اللُّب) قالوا هو "العقل"، فلو كان الريبُ غيرَ الشك والعقل غير اللُّب لكانت العبارةُ عن معنى الريب بالشك خطأ، فلما عُبِّرَ بهذا عن هذا عُلم أن المعنى واحد‏.‏
2-إنّ المتكلم يأتي بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد في مكان واحد تأكيدًا ومبالغةً كقوله‏:‏ "وهند أتى من دونها النَّأْي والبعد"، قالوا‏:‏ فالنَّأْيُ هو البعد‏.‏
3-الترادف لا يعني التشابه التام إنما أن يُقام لفظ مقام لفظٍ لمعانٍ متقاربة يجمعُها معنًى واحد كما يقال‏:‏ أصلحَ الفاسد ولمّ الشّعث ورتَقَ الفَتْق وشَعَبَ الصَّدع‏.‏
4-وقال الطاهر ابن عاشور إذا أصبحت عدد من المفردات تدل على شيء واحد، فهي من الترادف، ولا يهمنا ما إذا كانت في الماضي تدل عليه أو على صفة فيه، مثل الحسام والهندي التي أصبحت الآن تدل على السيف ولا يلحظ معنى القطع أو الأصل الهندي فيها.

  ب-المنكرون للترادف
منهم: ثعلب وابن درستويه وابن فارس, وأبو علي الفارسي وأبو هلال العسكري والبيضاوي
حجج المنكرين للترادف:
1-لا يجوز أن يختلفَ اللفظ والمعنى واحد لأنّ في كل لفظة زيادة معنى ليس في الأخرى، ففي ذهب معنى ليس في مضى.

2-الشاهد على أن اختلاف الأسماء يوجب اختلاف المعاني أن الاسم يدل كالإشارة، فإذا أُشير إلى الشيء مرة واحدة فعُرف فالإشارة إليه ثانية وثالثة غير مفيدة، وواضع اللغة حكيم لا يأتي فيها بما لا يفيد.

                                                                                                              ج-سبب الخلاف
يبدو أن الاختلاف عائد إلى معنى الترادف، هل يعني التَّشابُه التَّامَّ في كل الأحوال؟ أم هل يعني التشابه النسبي الذي يمكن فيه أن تستعمل لفظة مكان أخرى؟ إذا كان الأول، فالتشابه مستحيل بين كلمتين بل إن بعض علماء اللغة يستبعد أن تشبه الكلمة نفسها في موضعين مختلفين، أما إذا قبلنا بالتعريف الثاني، فإننا لن نعدم عددًا من الألفاظ التي يُمكن أن تحل محل أخرى في سياقات معينة؛ فنعدها من الترادف.


ثالثا:أسباب الترادف

1- فقدان الوصفية: بعض الألفاظ كانت تدل في الماضي على أوصاف محددة لاعتبارات معينة غير أنه مع مرور الزمن تُوسع في استعمالها ففقدت الوصفية واقتربت من الاسمية واكتفي بالصفة عن الموصوف، وأصبح هذا الوصف اسما، فمثل:
-
المُدام: كانت صفة للخمر تعني "الذي أُديم في الدن" وهي الآن تُطلق على أنها اسم من أسماء الخمر.
-
السيف: له اسم واحد هو السيف، وله أكثر من خمسين صفة لكل صفة دلالتها المميزة كالمهند "مصنوع في الهند" ومثله اليماني "مصنوع في اليمن" والحسام لحدته وسرعة قطعه.
2-اختلاط اللهجات العربية: العربية لغة ذات لهجات متعددة تختلف في أسماء بعض الأشياء، فالشيء الواحد قد يسمى عند قبيلة بلفظ وعند أخرى بلفظ آخر، وبسبب اختلاط العرب في حروبهم ومعاشهم وأسواقهم فقد تطغى بعض الألفاظ على بعض، واشتهرت الكلمات التي تعتبر أسهل أو أفضل من غيرها فاجتمع للإنسان الواحد أكثر من لفظة للشيء الواحد، من ذلك مثلا:
. - السكين يدعوها بذلك أهلُ مكة وغيرُهم وعند بعض الأزد يسميها المدية
. - القمح لغة شامية، والحنظة لغة كوفية، وقيل البر لغة حجازية
 
- الإناء من فخار: عند أهل مكة يدعى بُرمة، وعند أهل البصرة يسمى قدرًا.
. - البيت فوق البيت يسمى عِلّية عند أهل مكة، وأهل البصرة يسمونه غرفة
-
- الحقل "المكان الطيب يُزرع فيه" وهو الذي يسميه أهل العراق القَراح
- الجرين عند أهل نجد "المكان الذي يجفف فيه التمر والثمر" يسميه أهل المدينة المِربَد.


3-الاقترض من اللغات الأعجمية: اختلاط العرب بغيرهم من الأمم الأعجمية من فرس وروم وأحباش أدى إلى دخول عدد من الكلمات الأعجمية في العربية، بعضها كثر استعماله حتى غلب على نظيره العربي، من ذلك:
أعجمي: النَّرجس - عربي: العَبْهر
أعجمي: الرَّصاص - عربي: الصَّرَفان
أعجمي: الياسمين - عربي: السَّمْسَق
أعجمي: المِسك - عربي: المشموم

4-المجاز: المجازات المنسية تعتبر سببًا مهمًّا من أسباب حدوث الترادف؛ لأنها تصبح مفردات أخرى بجانب المفردات الأصلية في حقبة من تاريخ اللغة، من ذلك:
-
تسمية العسل بالماذية (تشبيهًا بالشراب السلس الممزوج) والسلاف (تشبيها بالخمر) والثواب (الثواب النَّحل وأطلق على العسل بتسمية الشيء باسم صانعه)، والصهباء (تشبيهًا بِالخمر) والنحل"العسل" (سُمّي العسل نحلا باسم صانعه).
. - تسمية اللغة لسانًا لأنَّ اللسان آلة اللغة
. - تسمية الجاسوس عينًا لعلاقة الجزئية
- تسمية الرقيق رقبةً لعلاقة الجزئية.
5-التساهل في الاستعمال: التساهل في استعمال الكلمة وعدم مراعاة دلالتها الصحيحة يؤدي إلى تداخلها مع

بعض الألفاظ في حقلها الدلالي:

- المائدة: في الأصل لا يقال لها مائدة حتى يكون عليها طعام وإلا فهي خوان.
. -الكأس: إذا كان فيها شراب وإلا فهي قدح
 
- الكوز: إذا كان له عروة وإلا فهو كوب.
. - الثرى إذا كان نديا وإلا فهو تراب
6-التغيير الصوتي : التغييرات الصوتية التي تحدث للكلمات تخلق منها صورا مختلفة تؤدي المعنى نفسه. وهذه التغييرات قد تكون بسبب:

- إبدال حرف بحرف مثل: مكة وبكة ,حثالة وحفالة,ثوم وفوم .

- قلب لغوي بتقديم حرف على آخر,مثل:عاث وعثا,صاعقة وصاقعة ,طريق طامس وطاسم.

رابعا:الترادف عند علماء العربية المعاصرين

تناول علماء اللغة المعاصرين تلك القضية بمنظور أوسع، بل وضعوا شروطًا وقواعد للاستفادة من الترادف؛ فقد ناقش الدكتور إبراهيم أنيس قضية الترادف، وذكر آراء علماء العربية في وقوعها، ودلَّل بأمثلة من العربية على وقوع هذه الظاهرة، وبيَّن الشروط التي وضعها المحدثون من علماء اللغات لتحقق هذه الظاهرة، وهذه الشروط هي:

1-الاتفاق في المعنى بين الكلمتين اتفاقًا تامًّا
2-الاتحاد في البيئة اللغوية، أي أن تكون الكلمتان تنتميان إلى لهجة أو مجموعة منسجمة من اللهجات.
. 3-الاتحاد في العصر بالنظر إلى المترادفات في فترة خاصة أو زمن معين
 
4-ألا يكون أحد اللفظين نتيجة تطور صوتي للفظ الآخر.

 ويلخص أهم الأسباب التي تنشأ عنها ظاهرة الترادف فيما يأتي:

أ – إيثار بعض القبائل لكلمات خاصة تشيع بينها وتكاد تكون مجهولة في القبائل الأخرى.

ب – استعارة كلمات من لهجة من اللهجات أو لغة من اللغات.
جـ - تُولِّد المجازات المنسية نوعًا من الترادف في اللغات، فقد تستعمل بعض الكلمات استعمالا مجازيًّا، يطول العهد عليه فيصبح حقيقة.
د – توجد صفات تفقد عنصر الوصفية مع مرور الزمن وتصبح أسماء، لا يلحظ الكاتب أو الشاعر ما كانت عليه فيؤدي هذا إلى الترادف.

هـ - من الكلمات ما تشترك معانيها في بعض الأجزاء، وتختلف في البعض الآخر، وتخف درجة الخلاف نتيجة التغيير الدلالي، فتتشابه المعاني تشابها تامًّا.

-خامسا أهمية الترادف:

تظهر أهميّة التّرادف في ما يلي:
- يعدّ التّرادف مظهرا لثراء اللّغة، حيث تكثر الألفاظ لمعنى واحد.

- الترادف وسيلة تساعد على التوسع في سلوك طرق الفصاحة,وأسلوب النظم,واظهار ألوان المعاني.

- يساعد على التنويع في الاخبار قصد التفنن في الكلام شعره ونثره.

- يعن على افراغ المعنى الواحد في قوالب متعددة,مما يتيح للكتاب والخطباء والشعراء تخير الألفاظ المناسبة

للتعبير عن المواقف المختلفة.

الخاتمة:

    من خلال ما تقدم ذكره نخلص إلى  أن الترادف أمر لا يمكن إنكاره وينبغي التسليم بوقوعه في العربية كما أن الخلاف الذي نشب بين علماء اللغة حول ماهية الترادف يعود بالأساس إلى أهميته البالغة،  و لذلك يجب على دارس اللغة العربية العناية به لأن كثيرا من معاني ودلالات المفردات في النص العربي قديمة وحديثة، تتوقف معرفتها بشكل دقيق على الإحاطة بموضوع الترادف.

المراجع:

-  فقه اللغة لإبراهيم الحمد

- فقه اللغة وخصائص العربية لمحمد المبارك

- معجم المقاييس في اللغة لابن فارس

- في اللهجات العربية لإبراهيم أنيس

- ظاهرة الترادف عند القدماء والمحدثين لسليمان أبو عيسى


ليست هناك تعليقات