مقال هل يمكن الاستغناء عن الفرضية في المنهج التجريبي؟

 هل يمكن الاستغناء عن الفرضية في المنهج التجريبي؟

صيغ السؤال

هل يمكن الاستغناء عن الفرضية في المنهج التجريبي؟ هل يمكن التخلي عن دور العقل في المنهج التجريبي؟

هل يمكن استبعاد الفرضية من المنهج التجريبي أم أن ذلك غير ممكن؟ هل من الضروري الاعتماد على الفرض في البحث العلمي؟

لم يرد في البكالوريا

تاريخ وروده في البكالوريا

فهم السؤال

. يوحي السؤال بوجود موقفين متناقضين متعارضين المطلوب مني هو الفصل في القضية

الطريقة المناسبة هي الجدلية

طرح المشكلة

يعتبر المنهج التجريبي منهج العلوم الحديثة والذي يهدف إلى دراسة الظواهر الطبيعية، وهو يستند إلى خطوات أربع وهي الملاحظة والفرضية و التجربة ثم القانون أما بالنسبة للفرضية (الفرض العلمي) فهي شرح مؤقت وتفسير غير مؤكد وتكهن مبدئي لنفسر بها الظاهرة المدروسة وهي استنتاج عقلي يعتمد على الخيال والحدس والإبداع وقد اختلف الفلاسفة والعلماء في أهمية وقيمة الفرضية فمنهم من رفضها وهم أنصار الاتجاه الحسي باعتبارهم أن المنهج التجريبي لا يعتمد إلا على التجربة الحسية، ومنهم من أيدها أصحاب النزعة العقلية باعتبارهم أن للعقل دورا في المنهج التجريبي، وكان لابد من طرح السؤال التالي هل يمكن استبعاد الفرضية من المنهج التجريبي أم أن ذلك غير ممكن؟

وهم

محاولة حل المشكلة

الموقف الأول:

يرى الحسيون أنه لابد من استبعاد الفرضية لأنها تقوم على التكهن والظن والعلم اسمى من ذلك، لذا كان نيوتن يقول: "أنا لا اصطنع الفروض"، كما أن الفرضية تقوم على الخيال ولا تقوم على التجربة الحسية لذا كان ماجندي يقول: "أترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر، ويعتبر ماجندي أن الملاحظة الجيدة تكفي للاستغناء عن الفرضية لذلك يقول: "أن الملاحظة الجيدة تغنينا عن سائر "الفروض"، ويقول جون ستيوارت مل: "إن الفرضية قفزة نحو المجهول وطريق نحو التخمين، ولهذا يجب علينا أن نتجاوز هذا العائق وننتقل مباشرة من الملاحظة إلى التجربة، أي أنه يكفي أن نترك التجربة وحدها تقوم بدورها حتى ندرك حقيقة

المستقل

الظاهرة لذا يقول ج,س, ميل: "إن الطبيعة كتاب مفتوح ولإدراك قوانينها ما عليك إلا أن تطلق العنان لحواسك أما عقلك فلا "، كما أن استخدام الفرضية مع التأكد من صحتها مرار وتكرارا بعد مضيعة للوقت. ومن أجل هذا وضع فرنسيس بيكون طرق الاستقراء ليستطيع العالم أن ينتقل مباشرة من الملاحظة إلى التجربة وصولا إلى القانون دون الحاجة إلى وضع الفرضيات وقد جاء جون ستيوارت ميل ونظم هذه الطرق وأخرجها على الشكل التالي: طريقة التلازم في الحضور ونصها: إن وجود السبب يستلزم وجود النتيجة، وطريقة التلازم في الغياب ونصها أن غياب السبب يستلزم غياب النتيجة، ثم طريقة التلازم في التغير ونصها أن تغير السبب يستلزم تغير النتيجة، وأخيرا طريقة البواقي ونصها ان لكل ظاهرة . وحيد وحسب ج.س.مل فان هذه الخطوات التجريبية كفيلة بالاستغناء عن الفرضيات والتخيلات.

النقد:

سبب

لكن الحسيون ينكرون أي مبادرة للعقل في إنشاء القوانين وهذا أمر مستحيل، لأن العقل هو المترجم لما تتلقاه الحواس كما أن عقل العالم أثناء البحث يجب أن يكون فعالا ونشيطا وليس معطلا، وأيضا هذه الطرق التي قدمها "جون ستيوارت ميل" قد وجهت لها الكثير من الانتقادات من بينها أن طريقة التلازم في . لا تصدق إلا على الظواهر التي تكون معروفة السبب سابقا فلا يمكن الاعتماد عليها إذا ما تعلق الأمر بظواهر جديدة فهذه تحتاج بالضرورة إلى عملية الافتراض والتفسير العقلي.

الحضور

الموقف الثاني: يرى العقلانيون أن الفرض العلمي له قيمة وأهمية في المنهج التجريبي لأنه هو المنطلق الضروري لكل استدلال تجريبي فلولا الفرضيات لما استطاع العالم أن يجرب وبالتالي الملاحظة توحي بالفكرة "الفرضية" والفكرة تقود يد المجرب ولا تكفي ما تعطيه الملاحظة من أمور حسية بل لا بد من تدخل العقل لتفسيرها، وفي هذا الصدد يقدم لنا كلود برنارد أحسن مثال يؤكد فيه عن قيمة الفرضية و ذلك في حديثه عن العالم التجريبي "فرانسوا هوبير"، وهو يقول إن هذا العالم العظيم على الرغم من أنه كان أعمى فإنه ترك لنا تجارب رائعة كان يتصورها ثم يطلب من خادمه أن يجربها، ولم تكن عند خادمه هذا أي فكرة علمية، فكان هوبير العقل الموجه الذي يقيم التجربة لكنه كان مضطرا إلى استعارة حواس غيره، وهذا يعني إن الكشف العلمي يرجع إلى نشاط العقل أكثر مما يرجع إلى تأثير الحواس ويعتبر بوانكاريه خير مدافع عن دور الفرضية إذ يقول: "إن" التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن، لأنه يجعل كل تجربة عقيمة، وذلك لأن الملاحظة الخالصة والتجربة الساذجة لا تكفيان لبناء العلم، أي أن الفكرة التي يسترشد بها الباحث في عمله تكون من بناء العقل وليس من الحواس، لذا يقول كلود برنارد "الفكرة مبدأ كل برهنة وكل اختراع واليها ترجع كل مبادرة"، أي أن دور الفرضية يتمثل في إدراك ما لا يظهر بشكل محسوس فنحن مثلا لا ندرك دوران الأرض إدراكا مباشرا ولكننا نتصور حدوثه ومن الأمثلة أيضا التي تبين دور الفرضية في بناء العلم أن "باستور" ربط ظاهرة التعفن بالجراثيم رغم عدم رؤيته لها ومعنى هذا أن الفرضية أمر ضروري ولقد تنبه إلى هذه الحقيقة ابن الهيثم في مطلع القرن 11م حين قال: "إنني لا أصل إلى الحق إلا من آراء

تكون عناصرها أمور الحسية وصورتها عقلية"، أي لكي يقوم العلم لابد من تكامل العقل والحواس.

النقد:

نحن لا ننكر قيمة الفرضية لكن السماح بدخول الفرضية في المنهج العلمي لا يعني السماح بتدخل الأهواء والميولات والتفسيرات الميتافيزيقية التي لا تتفق مع روح العلم وهدا ما كان سائدا في العصور الوسطى خصوصا وفي بدايات العصر الحديث.

التغليب:

من خلال عرضنا للموقفين يمكن القول إنه لا يجب التقليل من دور الفرضية فبدونها لا يقوم أي نشاط علمي وعليه لا يمكن إنكار دور الفرضية أو استبعادها من مجال العلم والتفكير عامة، لأنها من جهة أمر عفوي يندفع اليه العالم بطبيعته، ومن جهة أخرى تعتبر أمرا تابعا لعبقرية العالم وشعوره، ولكي يؤدي الفرض العلمي دوره في المنهج التجريبي يجب أن يستوفي الشروط التالية يجب | ان يعتمد على الملاحظة والتجربة العلميتين كما يجب أن يكون قابلا للتحقيق بالتجربة وان يكون خاليا من التناقض وان لا يتعارض مع حقائق ثابتة أكدها العلم.

لهذا أرى أن ما ذهب إليه كلود برنارد هو الرأي السديد في قوله: توحي الملاحظة بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة والتجربة تحكم بدورها على الفكرة، فليس من الصواب إقامة التجربة بروح خالية من الفروض، ولكن على العكس من ذلك أي لابد من الفرضية عندما يتعلق الأمر بتأسيس التجربة، وعليه لابد أن نترك العنان لخيالنا.

حل المشكلة

إذن في الأخير يمكن القول إن "الفرضية" هي المسعى الأساسي الذي يعطي للمعرفة العلمية قيمتها، سواء ثبت صحتها أو لم تثبت لان الفرضية الخاطئة ستساعد على توجيه الذهن إلى الفرضية الصحيحة وهذا ما أكد عليه كلود ،برنارد ومنه أصبح للفرضية دور تلعبه يتمثل في الدور النظري أي التفسير المؤقت والمساعدة على فهم الحوادث وتقديم جواب مؤقت عن تساؤلنا ولهذا قيل: "الفرضية" ليست نهاية للبحث العلمي بل بدايته وأساسه".




ليست هناك تعليقات