مقالة جدلية مختصر هل نجاح الفكرة هو معيار صدقها؟

الموضوع : هل نجاح الفكرة هو معيار صدقها؟
المقدمة ( طرح المشكلة ) إن المتأمل لتاريخ الفكر الفلسفي يجد أن مجمل الدراسات حاولت البحث عن سبل بلوغ المعرفة , فتعددت الآراء بين مؤيد للعقل كملكة تعبر عن انفراد الإنسان , وبين مؤيد للحواس انطلاق من أنها أولى النوافذ المطلة على العالم الخارجي . لكن تطور الفكر أدى إلى طرح مذاهب فكرية تعبر عن الواقع المعاصر الذي يحياه الإنسان . حيث وجدت الفلسفة البراغماتية معبرة على أن معيار الصدق في الأفكار متوقف على نجاحها في الواقع,  في حين وجدت الفلسفة الوجودية من أجل التأكيد أن الحق هو ما يحقق قيم الإنسان الإنسانية . لذا هل من صواب بين الطرحين ؟ وهل يصدق الطرح القائل أن آية الحق النجاح وآية الباطل الإخفاق  ؟ أم أن النتائج التي تنتهي إليها المحنة هي الحقيقية و هي وحدها الخليقة بالإيمان ؟ بل يهدف الفكر المعاصر إلى المنفعة دوما أم يهدف البحث عن مكانة الإنسان ؟


التوسيع:(محاولة حل المشكلة)
القضية :(نجاح الفكرة في الواقع يعد معيارا لصدقها)
شرح و تحليل : يرى أنصار المذهب البراغماتي أن قيمة الأفكار تتجلى من خلال النجاح و النفع الذي تحققه في الواقع , لأنه ليس مهما البحث عن السبيل الأسمى لبلوغ المعرفة كما اعتقد رواد الفلسفات الكلاسيكية ( المذهب النقدي ) بل الأهم من ذلك هو توظيف هذه الأفكار في الواقع . والأصل اللغوي للكلمة يرجع إلى الكلمة اليونانية برا غما وتعني العمل والمزاولة،والبرغماتية أو الذرائعية مذهب فلسفي يعتقد أن العبرة من الحياة والعمل هو الوصول إلى تحقيق نتائج نافعة تعبر عن الطموح و الأحلام و المستقبل.
البرهنة
-ما قيمة عمل لا يتوج بالنجاح، و ما قيمة فكرة لا يمكن اختبارها و الاستفادة منها.  إن هذه الأفكار  هي مجرد كلام لا يقدم ولا يؤخر،ولهذا استنكرت البرغماتية جميع أشكال الفلسفات التقليدية التي لا تسد حاجات الإنسان،كونها قائمة على التفكير المجرد، لهذا يؤكد   " تشارلز بيرس "أن الحقيقة تكمن في ما يتحقق  نتائج عملية، ونجد هذا جليا في كتابه( كيف نوضح أفكارنا لأنفسنا)،إذ أن العمل المنتج، بدل التخمينات الفارغة هو الذي نقرأ فيه الصدق و الحق.-العبرة بالنتائج الناجحة،أي الانسجام بين الواقع ورغبات الإنسان وأمانيه، يقول وليام جيمس :"إن كل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقة،و أن كل ما يعطينا أكبر قسط من الراحة، و ما هو صالح لأفكارنا، و مفيد لنا بأي حال من الأحوال فهو حقيقي." ويضيف قائلا " إن آية الحق النجاح وآية الباطل الإخفاق "  إن المعنى الحقيقي لأية مسالة هو ينبغي أن تؤدي إلى نتيجة فعلية , و الفكرة الصحيحة هي التي يمكن إثبات صحتها . والتي تنفع في الحياة العملية , و من ذلك إننا نستطيع أن نجعل الأفكار صحيحة بأفعالنا و نغير بها العالم الذي نحيا فيه .لقد تأثر وليام جيمس بأفكار  تشارلز داروين القائلة بالنشوء و الارتقاء . لذا فان جميع الأفكار هي فقط أدوات من اجل تحقيق أهداف الناس على نحو أفضل . أي الفكرة  الصادقة هي تلك التي تؤدي بنا إلى النجاح في الحياة . و لقد أكد بيرس أن الاعتقاد الذي لا يؤدي إلى سلوك عملي ناجح منتج هو اعتقاد باطل ، فالحقيقة تكمن في مدى ما يتحقق من نتائج عملية نقد : حقا التاريخ يعترف بالنتائج لكن لا يمكن تجاهل القيم الأخلاقية التي تعبر عن سمو الإنسان إلى مرتبة الإنسانية . بل هل يمكن اعتبار الانتحار فكرة صادقة مادام في ذلك مصلحة للورثة الذين كانوا يرون أن الأب هو إنسان فاشل ؟ إن البراغماتية اهتمت فقط بالجانب المادي و أهملت الجانب الروحي الأصلي في الإنسان .                                                       
نقيض القضية: (معيار صدق الفكرة يتجلى من خلال دعمها لقيمة الإنسان )
شرح و تحليل:يرى أنصار المذهب الوجودي أن الإنسان هو الوحيد الذي يمتلك وجودا سابقا عن الماهية. لذا ينبغي أن يحاط بالاحترام و التقدير. و الوجودية كمذهب فكري يحيا لوجود الإنسان في معناه الحقيقي لا فقط معناه المجرد . الوجودية  فلسفة ظهرت كرد فعل عن الشعارات التي أسستها البراغماتية والتي اهتمت أكثر بالأشياء على حساب الإنسان .
البرهنة: أكد جون بول سارتر أن الإنسان هو الوحيد الذي يمتلك وجودا سابقا عن الماهية . أي انه يولد أولا ثم يختار من يكون ( الوجود لذاته ) . على خلاف الأشياء فماهيتها سابقة عن الوجود  ( الوجود في ذاته ) وفي ذلك يقول  جون بول سارتر " أنا أفكر إذن كنت موجود " و هو بذلك انتقد الفلسفة المثالية التي كانت تنظر إلى الإنسان في معناه المجرد وكذلك ينتقد طرح المفكر الفرنسي "ديكارت " القائل"  أنا أفكر إذن أنا موجود " . إن الحقيقة حسب أنصار الفكر الوجودي هي ما يصنعه الإنسان . حيث يقول " سارتر " لا يوجد غيري فانا وحدي أقرر الخير و اخترع  الشر " و القرار يعني الانفراد بالحرية " لسنا أحرارا فقط بل حكم علينا بالحرية "                                                 
          
اقرا ايضا :   مقالة مختصرة هل تقدم العلم يعد حجة ضد الفلسفة ؟                                                     
   – ظهر ت الوجودية من اجل استعادت قيمة الإنسان , تلك القيمة التي حطمتها مبادئ الفلسفة الذرائعية . الوجودية نظرت إلى الإنسان من حيث له وجدانا وشعورا ينبغي الحذر من طمسه , بل ينبغي احترامه واحترام اختياراته . وقد أكد ذلك لويس لافيل من خلال قوله " أنا اشعر إذن أنا موجود " . وقد أشار غابريال مارسيل أن امتلاك الإنسان للشعور يمنح له الحق في الطموح و الأمل مادام موجودا , و على البشرية جمعاء أن  تساهم في تحقيق طموحه النبيل . وفي ذلك يقول " لست بعيدا عن الإيمان بأن الأمل بالنسبة إلى النفس هو بمثابة التنفس للكائنات الحية و عندما ينعدم الأمل تجف النفس وتنهك "  .
النقد : الفلسفة الوجودية حاولت الدفاع عن قيم الإنسان المعنوية لكن  تجاهلت القيم المادية . حاولت الوجودية إرجاع قيمة الإنسان فحطمتها لأنها نظرت إليه نظرة تشاؤمية ( فكرة الموت). إن  الواقع لا يعير اهتماما للشعور أو الذات, بل يؤمن بالمنفعة التي تتماشى أكثر مع طبيعة الإنسان الأنانية .
التركيب :من خلال ما تقدم يتبين لنا أنه لا يمكن أن يكو ن نجاح الفكرة في الواقع معيارا لصدقها دوما , كما لا يمكن أن تكون الحقيقة منحصرة فقط  فيما عبرت عنه الوجودية لأنها أقحمت الإنسان في اليأس . بل إن الفكرة الصادقة هي التي تخدم وجود الإنسان المعنوي و المادي في آن واحد. أي أن الصواب هو ما يشعر به الفرد أنه كذلك,  ويكون مطابقا للواقع  ونافعا للإنسانية جمعاء .   
 الخاتمة :  ختام القول يمكن التأكيد على تعدد مقاييس الحقيقة وأن كل مذهب أسس موقفا يعبر عن منطلقات خاصة , مما يجعل المصداقية التي يمتلكها نسبية . لذا فإن الفكرة الصحيحة هي التي تتميز بالبداهة و الوضوح , تحقق نجاحا في الواقع وتخدم قيم الإنسان الإنسانية . لكن هذا ما يتصوره العقل فقط بينما الواقع أثبت أن الفلسفة البراغماتية فرضت نفسها على البشرية . لأنها اقرب الطبيعة الإنسان الأنانية .





 اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا                                 

ليست هناك تعليقات