قيل: "يمكن إخضاع المادة الحية لخطوات المنهج التجريبي". ما هي مبررات هذا الطرح؟


ملاحظة : اعتماد نموذج الاستقصاء بالوضع من أجل التعامل مع الموضوع، لأن صيغته الاستفهامية تقتضي الدفاع عن الأطروحة القائلة: التجريب على مستوى الظواهر الحية مماثل لطريقة التعامل مع الظواهر الجامدة، أي أن  الأبحاث البيولوجية ترتقي إلى مرتبة العلم الحقيقي.       
I المقدمة (طرح المشكلة):
المادة الحية تعد موضوعا للدراسات البيولوجية كونها ظواهر انفردت بعنصر الحياة، وجملة من الوظائف الحيوية. لكن إذا كان اتفاق الدرسين واردا حول ضبط مفهومها فإن اختلافهم قد سجل حول إمكانية إخضاعها لنفس القوانين التي تحكم المادة الجامدة، خاصة وقد أسس البعض منهم اعتقادا خاطئا تمثل في الإقرار بالاستحالة، نظرا لبنيتها المعقدة التي تتميز بها عن بقية عناصر الوجود. بينما الصواب فيكمن في أن الظواهر الحية هي نفسها الهامدة، إنما أكثر تعقيدا ليس إلا،  وهذا ما يطرح إمكانية التجريب على مستواها. لذا فكيف يمكن التأكيد على صدق هذا الاعتقاد القائل بضرورة إخضاع المادة الحية لخطوات المنهج التجريبي؟ وما هي أهم الحجج والبراهين المؤكدة لصدقه؟ بل ما هي أهم الأخطاء المعرفية والمنطقية التي وقع فيها المخالفون لهذا الطرح؟


II – التوسيع (محاولة حل المشكلة):
                                    1-  عرض منطق الأطروحة:


 تؤكد الأطروحة منطق أنصار التفسير الحتمي الآلي، القائل بإمكانية إخضاع المادة الحية لنفس القوانين التي تحكم المادة الجامدة، انطلاقا من إيمانهم بأنها مشابهة لها تماما، أي أن الحياة هي الموت، وأن الكون خاضع لقوانين ثابتة، والمادة الحية هي فقط جزء منه، فما يصدق على الكل يصدق أيضا على أجزائه. أكدوا أنه لا يمكن اعتماد أي تفسير بديل كونه سوف يجعلها مجهولة تماما في الوقت الذي سمح فيه تطور الأجهزة بجعل ما كان مستحيلا ممكنا.
                              2  - إثبات الأطروحة بالحجة والبرهان:
 أكد كلود برنارد في كتابه المدخل إلى دراسة علم الطب التجريبي، أنه يمكن تجاوز العوائق التي تفرضها المادة الحية، لأن الخصائص الحية لا يمكن معرفتها إلا بعلاقاتها مع خصائص المادة الجامدة، فهي تتمتع بطبيعة فيزيائية معقدة، هي آلات تحكمها نفس القوانين التي تحكم بقية الظواهر الطبيعية، إذ يقول: "إن المظاهر التي تبدو في الظواهر الحية، هي نفسها المظاهر التي تتجلى في الظواهر الجامدة، إنها تخضع لنفس الحتمية".
 لقد طبق لويس باستور قواعد الاستقراء في التعامل مع الظواهر الحية، "التلازم في الحضور"  فحطم فكرة التوالد الذاتي، وأثبت أن تواجد الجراثيم في الجسم ناتج عن استنشاقها من الهواء. طبق هذه الطريقة في مواجهة مرض الجمرة الخبيثة، إذ قام بعملية نقل المرض إلى 50 شاة، وقام بتطعيم نصفها فقط باللقاح أي 25 شاة، وتوقع موت الشياه غير الملقحة، فكانت النتيجة مطابقة للتوقع. وهذا ما يعني أنه طرح إمكانية التجريب، والتنبؤ على مستوى الظواهر الحية بنفس الكيفية التي تمت على مستوى المادة الجامدة.
 يمكن التجريب على مستوى المادة الحية، لأن عملية زرع الأعضاء، التهجين والعمليات الجراحية الناجحة تعد إثباتا لتجاوز العلم للعوائق التي كانت تفرضها يوما، وهذا النجاح كان نتيجة توفر الأجهزة التي سمحت بملاحظة عناصر المادة الحية والتجريب على أجزائها منعزلة، دون التأثير على بنيتها. 
                                      3– نقد خصوم الأطروحة:
لكن في المقابل للأطروحة التي نحن بصدد الدفاع عنها، نجد منطقا معارضا قد أسسه الكثير من الدارسين، إذ أكدوا أن الحياة هي جملة الوظائف التي تقاوم الموت، أي المادة الحية تختلف عن المادة الجامدة، ومن ذلك لا يمكن التجريب على مستواها، كونها تفرض على الدارس جملة من العوائق. طرح مثله كوفيي حيث أشار إلى عائق التجريب وصعوبة العزل، وهو ما يتجلى من خلال قوله:"إن سائر أجزاء الجسم مرتبطة فيما بينها، فهي لا تستطيع الحركة إلا بقدر ما تتحرك كلها، والرغبة في فصل جزء عن الكتلة معناه نقله إلى نظام الذوات الميتة، أي تبديل ماهيته تبديلا تاما". طرح مثله ليبنتز الذي بدوره أشار إلى أن الظواهر الحية لا تقبل التصنيف الدقيق. طرح مثلته التيارات الدينية والمنظمات الحقوقية، والتي إلى ضرورة الرفق بالحيوان، ورفضت العبث بقدسية الكائن الحي، والذي يعد الإنسان جزءا منه.
لكن وعلى الرغم من أهمية طرح هؤلاء، إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، لأن هذه العوائق قد وجدت يوما لكن قد تجاوزها التطور في المنهج والوسائل، كما أن النتائج المسجلة في الواقع تثبت أن المادة الحية قد أصبحت قابلة للدراسة العلمية. لا يمكن التخلي عن التفسير الحتمي، لأن ذلك سوف يجعل المادة الحية مجهولة تماما. أما من الناحية الأخلاقية فيمكن التأكيد أن خالق الكونلم يمنع التجريب، لأنه أمر العباد بأخذ الأسباب، كما أن الضرورة تبيح المحظور، لأن التجريب على الكائن الحي سوف يمنحه أمل الشفاء، وذلك أفضل من معاناة الألم. كل هذا يعني أنه للقضية تفسيرا آخر، تفسير يتماشى مع الأطروحة التي نحن بصدد الدفاع عنها.




III - الخاتمة (حل المشكلة) :
ختام القول يمكن التأكيد أن التفاعلات التي تحدث على مستوى الجسم الحي، هي نفسها التفاعلات التي تحدث في الطبيعة، ومن ذلك يمكن الإقرار بأن ما يصدق على الكون يصدق على كلى عناصره، وهذا ما يعني أن الأطروحة القائلة بضرورة تطبيق المنهج التجريبي على مستوى المادة الحية، هي أطروحة صادقة وجديرة بالدفاع عنها، وكل أطروحة مخالفة لها فهي باطلة، ولا يمكن الأخذ بها .

                                        تحميل مقالة برابط مباشر :



او 


Microsoft Word




       لمزيد من مقالات اضغط هنا  اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا 

ليست هناك تعليقات