مقالة جدلية قيل " العولمة هي إعصار يدمر ثقافات و اقتصاديات الشعوب " حلل و ناقش


-المقدمة(طرح المشكلة) طبقت المجتمعات المعاصرة فكرة التسامح كبديل عن فكرة الصراع , فالعالم أصبح يطبق مشروع التعايش و الحوار الحضاري خاصة بعد انهيار المعسكر الشيوعي وانتقال الهيمنة دوليا  إلى قبضة حاكم واحد ( الو . م أ ) و كتعبير عن فكرة الزعامة طرحت مبادئ تدعو إلى الانتقال من التعدد إلى الوحدة ( العولمة ) و التي تعني التخلي عن فكرة الحدود و الاعتماد على نموذج اقتصادي سياسي واحد . لكن نجد البعض من أنصار الأصالة يعتبرون أن هذا التغير سوف يؤثر سلبا على  المجتمعات و خاصة الضعيفة . لكن في المقابل نجد من طرح فكرة الانفتاح على العالم كضرورة إلزامية . أي أن الذي يرفض العولمة يحرض على التخلف . لذا هل تأثير العولمة على اقتصاديات الدول وثقافات الشعوب يفهم من منظور إيجابي أم من منظور سلبي ؟ بل هل العولمة تمنح الشعوب الازدهار أم الدمار ؟
                
                  
II/-التوسيع(محاولة حل المشكلة):
القضية: ( العولمة ظاهرة سلبية )
شرح و تحليل :إن العولمة هي بمثابة الإعصار الذي يهدد قيم المجتمعات وثقافات الشعوب . العولمة هي أفكار من صنع  " الو - م - أ " تخدم المجتمعات الليبرالية و تهدد كيان المجتمعات الفقيرة .

  
البرهنة :
من الناحية الإجتماعية : يؤكد الدكتور حسن حنفي في كتابه ( ما العولمة ) أن الانتقال من التعدد إلى الوحدة يقتضي التخلي عن كل أسباب التعصب و التي يمكن حصرها في " الدين , العادات و التقاليد " أي التوجه نحو فكرة العلمانية ( فصل الدين عن الدولة ) و قد نتج عن هذا التحول جملة من التأثيرات السلبية خاصة لدى المجتمعات الضعيفة , أصبحت هذه المجتمعات تؤسس لحضارة دخيلة ساهمت  في الانهيار الأخلاقي و غياب الروابط الاجتماعية , تحطيم مبادئ الأسرة , التجريد من مقومات الدين , القضاء على وحدة المجتمع , إذ أصبح المجتمع العربي يرى في الفساد معيارا للرقي , و هو ما تجلى من خلال استحداث طريقة اللباس , الغداء , الكلام ,  هذه التصرفات كانت موجودة فقط في الأحياء الفقيرة في أمريكا . العولمة هي غزو الثقافات الأجنبية للقاموس العربي و هو ما ساهم في ذوبان هوية الشعوب .

من الناحية الاقتصادية : ( التبعية الاقتصادية ) يؤكد هارولد كليمانطا في كتابه ( أكاذيب العولمة ) إن العولمة تنفلت من المراقبة , فهي لم تسقط من السماء كقضاء محتوم , إنما هي مقصودة و تتحكم فيها عدة وسائل . و هذا يعني أن الاقتصاد المعولم يحدث خارج نطاق تحكم الدولة مما يزيد من إمكانية الصراع و المنافسة . العولمة تمنح الشركات متعددة الجنسيات سيطرة على المستوى الدولي , و بذلك فإنها قد أنتجت دولا غنية يعيش بها مواطنون فقراء . و هو ما أكده   سمير أمين " إن هذا النوع من العولمة لا يمكن أن ينتج أي نوع من السلام لأنه نظام قائم على الانفجار المستمر"  , و الواقع يثبت أن المجتمعات المعاصرة لازالت تتسابق من اجل التسلح و هذا ما يعني انه لا يمكن أن تحل العولمة مشكلة التعصب . بل تفتح مجالا واسعا للتوتر . و قد أكد روجي غارودي أن العولمة تهدف إلى الدفاع فقط عن الليبرالية من دون حدود , و هو ما يؤدي حقا إلى اختفاء الدول أمام السلطة المطلقة للسوق ( النظام الدولي الجديد ) و من ذلك لن يبق أي عائق أمام الاحتلال الاقتصادي . و قد أكدت المنظمة الدولية للعمال " أن العولمة حطمت مكانة الطبقة العاملة على المستوى العالمي لأنها تطبق مشروع الاشتراكية المقلوبة , أي خوصصة الأرباح و تعميم الخسائر  .
من الناحية الثقافية : هارولد كليمانطا " يقال أن العولمة تجلب التنوع في حين هناك تناقضا لأن كل الأفلام هي أمريكية و أن الليبرالية الجديدة تعرض على أنها الاختيار الوحيد"  . يقول الهنود الحمر رافضين لثقافة المجتمع الأمريكي " لقد كنا نمتلك الأرض و كانوا يمتلكون الإنجيل و أصبحنا نمتلك الإنجيل و  هم يمتلكون الأرض .  و يؤكد كلود لفي ستراوس انه لا وجود لثقافة إنسانية واحدة بل توجد ثقافات إنسانية , و لا يعقل أن يتصور أحدنا أفراد متشابهين على وجه المعمورة يتكلمون نفس اللغة , يستمعون نفس الموسيقى , يتناولون نفس الوجبة .
أكد فرانسيس فوكو ياما  في كتابه نهاية التاريخ أن إنهيار الاتحاد السوفياتي أدى إلى انتهاء الصراع بين الإيديولوجيات السياسية و بداية السيطرة الأمريكية التي تهدف إلى تحطيم كل ما يربط الإنسان بالعقيد ة, الأرض و التاريخ . و من ذلك بناء قيم جديدة . أي نهاية كل صراع يؤدي إلى بداية صراع من نوع آخر يخدم النموذج اللبرالي الشامل .  و هذا ما يعني أن العولمة أصبحت تستهدف فهم المجتمع المدني , الذات و الدولة .
 أكد المفكر الأمريكي صامويل هانتنغون أنه من المستحيل أن تخدم العولمة ثقافات كل المجتمعات , لأنها تدعو إلى الانتقال من التعدد إلى الوحدة , لكن لكل مجتمع خصائص اجتماعية و ثقافية تجعله مستقلا . و هذا ما يطرح فكرة  الصراع  على حد تعبير محمود أمين , " العولمة هي وحدة العالم الشرير " أو هي كما أشار عبد الكريم عمرو " الهيمنة التي تدمر الشعوب "
إذن العولمة تؤثر سلبا على الدول من الناحية الاجتماعية الاقتصادية و السياسية .                                                                                                                                                                                                                                                                                                                    اقرا ايضا: "قيل النسيان آفة الذاكرة " حلل و ناقش                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                           
 النقد : على الرغم من أهمية طرح هؤلاء لكن لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه لأن العولمة هي فقط أفكار و مبادئ ,  و المشكل ليس في الأفكار بل في كيفية التعامل معها , إن العولمة ساهمت في رقي المجتمعات ( أوروبا , الولايات المتحدة الأمريكية ) لأنها تمتلك الحكمة في التعامل , بينما المجتمعات التي ترى فيها مشروعا سلبيا هي أصلا مجتمعات ضعيفة و  لا تمتلك القدرة على مسايرة التطور الذي خلقته العولمة .

نقيض القضية : ( العولمة لها اثر ايجابي على ثقافات و اقتصاد الشعوب
شرح و تحليل : يؤكد أنصار الاتجاه الليبرالي أن العولمة كمشروع ثقافي سياسي و اقتصادي وجدت من أجل خدمة الشعوب و تحقيق الرقي للتجمع الإنساني                                                                           ,و كل من يقف ضد العولمة فإنه لا يريد أن يعيش المستقبل  ولا يؤمن بالتطور .
البرهنة :
1 -  من الناحية الإجتماعية و الثقافية  : أكد برهان غليون أن العولمة تفتح فرصا هائلة للتحرر أي تساهم في تطوير الأفراد و المجتمعات . العولمة جعلت العالم بمثابة قرية صغيرة تجمع كل الأفراد دون الحديث عن فكرة الحدود التي كانت مصدرا للنزاع. إن العولمة ساهمت في تحقيق الرقي لدى المجتمعات لأنه من غير المعقول أن يتعامل الإنسان المعاصر بأفكار بدائية ويعتقد أنها معيارا للأصالة . بل ينبغي الانفتاح على ما يحدث في العالم من تطور. وهو ما قصده سلامة موسى من خلال قوله " أرفض أن أعيش في مجتمع يسير فيه الأحياء من طرف الأموات " فالحضارة كما عبر عنها بيرو هي أن نتجه نحو الغرب .   
- أكد برهان غليون : أن الحرية تمنح النمو الثقافي للمجتمعات لأن التدفق الذي  توفره العولمة على مستوى المعلومات و الأفكار يقدم لكل   فرد على سطح الكرة الأرضية فرصا استثنائية للتقدم و الازدهار المادي و النفسي.
- إن التطور الناتج عن العولمة تؤكده الأرقام , إذ تم تسجيل عدد المسافرين عبر العالم سنة      ( 1980 بمليون مسافر عبر العالم ) لكن تم تسجيل ثلاث ملايين مسافر سنة ( 2009 ) كما ارتفعت نسبة استخدام الانترنت بنسبة ثلاثين بالمائة سنويا. و هذا يعني أن الذي يرفض العولمة فإنه يقف ضد التطور .
2 – من الناحية الاقتصادية و السياسية : إن العولمة تسير وفق نظام الكون و الطبيعة, فالطبيعة تمنح الفرد كل القدرة على المنافسة و التملك و أي نظام يتعارض مع فكرة المنافسة فإنه يحاول تحطيم قيمة الإنسان . إن الحرية دين مقدس لأن يسوع المسيح هو حرية التبادل و حرية التبادل هي  يسوع المسيح .
-  الحرية المطلقة تتجلى من خلال اعتماد مبادئ اللبرالية التي تسمح باستثمار رؤوس الأموال التي تعد محركا أساسيا من أجل بلوغ الرقي , و هذا ما أكده جورج بوش من خلال قوله " أن من يقف ضد حرية المبادلة فإنه يقف ضد الفقراء  .  و في سياق تحقيق الثراء يؤكد دافيد روكفيلر " أن العالم يكون في حالة جيدة لو كان محكوما من طرف جماعة نخبوية تتألف من بنكيين .

 إن العولمة ساهمت في توحيد العالم اقتصاديا ( المنظمة العالمية للتجارة ) إذ لا يمكن أن نفهم فكرة الشراكة الدولية ( الشركات متعددة الجنسيات ) أنها تخدم فقط الأقوى بل قد ساهمت في تحقيق الاستقرار الاقتصادي حتى على مستوى الدول الفقيرة .
 إستنتاج جزئي : إذن العولمة لها اثر ايجابي على المجتمعات .

النقد : على الرغم من أهمية طرح هؤلاء لكن لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه انطلاقا من أن العولمة لم تساهم في تحقيق الرقي الاقتصادي مادام  العالم مهددا  بأزمات اقتصادية, لم تساهم في تحقيق الوحدة الثقافية للمجتمعات بل حطمت كيان الشعوب خاصة على المستوى الأخلاقي , لا يمكن الانتقال من التعدد إلى الوحدة لان لكل مجتمع ثقافة و دين خاص به و قد يتعارض مع ثقافة المجتمع الآخر , لقد ساهمت العولمة في دعم السيطرة الأمريكية على المستوى الدولي خاصة و أنها أصبحت تسخر كل الأجهزة ( هيئة الأمم المتحدة , منظمة حقوق الإنسان , صندوق النقد الدولي و المنظمة العالمية للتجارة ) من أجل خدمة مصالحها .
التركيب : لا يمكن اعتبار  العولمة أنها مفهوما سلبيا بصفة مطلقة , كما لا يمكن اعتبارها خيرا مطلقا ما دامت أفكارا من صنع الإنسان و هو غير معصوم عن الخطأ . و من ذلك فإن المشكل ليس في الأفكار بل فقط في كيفية التعامل معها , فإذا تمكن كل مجتمع  من اعتماد  قاعدة أخلاقية و ضوابط ثابتة ثم استقبل العولمة فإن هذا سوف يحمل حتما تأثيرا ايجابيا منها . لكن إذا حاولت المجتمعات استقبال الغزو الثقافي و هي تعاني فقرا ثقافيا فإنه من التناقض أن تحمل العولمة آثارا ايجابية على هذا المجتمع , لذا العولمة هي أداة الحياة أو الموت و ذلك حسب تجاوب المجتمع معها .

الخاتمة :
ختام القول يمكن التأكيد أن العولمة ليست مفتاحا للسعادة أو منقذا للشعوب من الجهل   و الضعف , كما أنها ليست شبحا يحطم كل من يقابله , بل هي نظام عالمي جديد يحمل من الايجابيات ما يحمل من السلبيات , و من ذلك فإنه ينبغي التعامل مع كل الأفكار المستحدثة وفق نموذج منهجي , و هو ما يؤدي إلى تحقيق الايجابي و تجاوز السلبي .   


تحميل مقالة برابط مباشر :


       لمزيد من مقالات اضغط هنا  اي استفسار ضعه في تعليق  الله ينجحك ولا تنسونا من دعائكم لنا

هناك تعليق واحد: