تعريف القانون خصائصه ووظائفه

 


مقدمة

     تتنوع معاني المنهجية في المجال القانوني بين معنى شكلي وآخر إجرائي وثالث موضوعي، ورابع فلسفي.

     ينصرف المعنى الشكلي أو ما يعرف بالمنهجية الشائعة إلى المرحلة الأخيرة في إعداد البحوث العلمية وهي مرحلة إخراج البحث في صورته النهائية، أما المعنى الإجرائي فيعنى بمراحل إعداد البحوث العلمية ككل بداية من مرحلة اختيار الموضوع، وإلى غاية إخراج البحث، يضاف إليه أدوات ووسائل البحث العلمي المتمثلة أساسا في العينة، الملاحظة، والإستبيان بنوعيه الشفوي والكتابي، في حين يتعلق المعنى الموضوعي بطرق التفكير أو ما يعرف بمناهج البحث العلمي التي تستهدف الوصول إلى الحقيقة العلمية في أبسط وأقصر طرقها.

     أما المعنى الفلسفي، وهو ما يهمنا فيعنى بدراسة موقف الفلسفة من الظاهرة القانونية من خلال تحليلها، وشرح معانيها ومضامينها المختلفة.

     لقد عالج الفلاسفة والمفكرين فلسفة القانون وفقا لمذاهب فكرية معينة، ولم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا وتطرقوا إليها، فناقشوا ضرورة وجود القانون، وبحثوا أصل القانون وغاياته والمرامي التي يهدف إلى تحقيقها، والعلاقة بين القانون والسياسة، القانون والأخلاق، القانون والقوة ، القانون والعدل، القانون والسيادة...، مستهدفين الإجابة على مجموعة من الأسئلة المتنوعة من بينها صفة الشرعية التي تجعل القانون واحترامه أمرا ملزما للأفراد، وكذا مسألة الإلتزام بأوامر ونواهي القانون وهل تأتي من الإرادة التلقائية للأفراد أم أنها تأتي من إرادة الدولة بما لها من وسائل إكراه، وقوى مادية لا تقهر، أو بعبارة أخرى تدور كل هذه التساؤلات حول كون القانون منشأ أم معطى.

     لقد انقسمت هذه المذاهب بين من ركز على الجانب الشكلي ورأى أن القانون هو التعبير عن إرادة الحاكم أو الدولة، وبين من ركز على جوهر القانون ومضمونه أو المادة الأولية التي تتكون منها القاعدة القانونية، واتجاه ثالث يوفق بين الجانب الشكلي والجانب الموضوعي، رغم اتفاق مختلف الاتجاهات على غاية القانون وهي تحقيق العدل وإن اختلفوا في صوره.

     إن دراسة هذا الكم المعتبر من المذاهب الفلسفية سيساهم بلا شك في إثراء الفكر القانوني لدى الطلبة والباحثين، ومنحهم تصورا شموليا يمكنهم من اكتشاف عموميات الظاهرة القانونية بعيدا عن التخصص الذي يبحث في الجزئيات والتفاصيل، كما يمكنهم من طرق أي بحث في المجال القانوني والوقوف على الحقائق العلمية المتعلقة به، وإيجاد الحلول للإشكاليات التي تعتريه، على أن هناك حقيقة بارزة يمكن الوقوف عليها عند دراسة هذه النظريات ألا وهي مساهمتها الفعالة في تشكيل مصادر القاعدة القانونية.

     ستتم دراسة منهجية العلوم القانونية في جانبها الفلسفي وفقا للخطة التالية:

المحور الأول: أصول القانون ومقاصده

المبحث الأول: تعريف القانون وبيان خصائصه ووظائفه

المبحث الثاني: علاقة القانون بالعلوم الاجتماعية

المحور الثاني: المذاهب الشكلية والموضوعية والمختلطة

المبحث الأول: المذاهب الشكلية

المبحث الثاني: المذاهب الموضوعية

المبحث الثالث: المذاهب المختلطة

المحور الثالث: الاتجاهات الحديثة للسياسة التشريعية

المبحث الأول: النظام الروماني الجرماني

المبحث الثاني: النظام الأنجلوسكسوني

المحور الرابع: تفسير القانون

المبحث الأول: تعريف التفسير وأنواعه

المبحث الثاني: حالات التفسير

 

المحور الأول: أصول القانون ومقاصده

     الإنسان كائن مدني واجتماعي بطبعه، لا يألف العيش إلا في كنف الجماعة، فإذا فرضنا فيه قوت يومه فقط مثلما يقول ابن خلدون في مقدمته فهو لا يحصل عليه إلا عن طريق التعامل مع غيره من أفراد المجتمع.

     إن حاجة الإنسان للجماعة يقابلها سلوك فطري وذاتي لدى الإنسان يدفعه لتغليب مصلحته الخاصة على مصلحة الآخرين، ولو ترك الأمر على ما هو عليه لسادت الفوضى في المجتمع، وساد قانون الغاب، وأكل القوي الضعيف، لذا كان لا بد من إيجاد وسيلة تنقل الإنسان وترتقي به من حالة الفوضى إلى حالة النظام، هذه الوسيلة هي القانون.

سنحاول من خلال هذا المحور التطرق بإيجاز إلى تعريف القانون وبيان خصائصه ووظائفه (مبحث أول)، ثم التطرق إلى علاقته بالعلوم الاجتماعية (مبحث ثان).

المبحث الأول: تعريف القانون وبيان خصائصه ووظائفه

     تتم دراسة المبحث في ثلاث مطالب، يتناول الأول الأصل اللغوي لكلمة "قانون" واستخداماته المختلفة، ويتناول الثاني خصائص القاعدة القانونية، على أن يتطرق الثالث إلى وظائف القانون.

المطلب الأول: التعريف اللغوي لكلمة "قانون" واستخداماته المختلفة

أولا: التعريف اللغوي لكلمة "قانون": كلمة قانون كلمة معربة مأخوذة من الكلمة اليونانية Kanun أو من الكلمة اللاتينية Kanon وتعني العصا المستقيمة تستخدم مجازا للدلالة على الاستقامة في القواعد وثباتها على وتيرة واحدة، يقابلها في اللغة الفرنسية كلمة Droit وفي اللغة الانجليزية كلمة Law، وفي اللغة الايطالية كلمة Diritto.

ثانيا: الاستخدامات المختلفة لكلمة "قانون": يطلق مصطلح قانون على كل قاعدة  ثابتة تفيد الاستمرار، ويستخدم في مجالات عديدة على غرار العلاقات التي تحكم الظواهر الطبيعية، او قواعد السلوك التي يجب على الأفراد احترامها.

1/ استخدام مصطلح قانون للدلالة على العلاقات التي تحكم الظواهر الطبيعية: يتم تفسير الظواهر الطبيعية على أساس مبدأ جوهري هو مبدأ السببية حيث لا نتيجة بدون سبب، ومثال ذلك قانون الجاذبية المتمثل في أنه إذا ترك جسم في الهواء فانه يسقط إلى الأرض بسبب جاذبية الأرض، بالإضافة إلى قانون غليان الماء إذا وصلت درجة حرارته إلى المائة.

2/ استخدام مصطلح قانون للإشارة إلى قواعد السلوك التي يجب على الأفراد احترامها: للقانون في هذا المجال معنى عام وآخر ضيق.

2-1/ المعنى العام:  هو مجموعة القواعد الملزمة التي تحكم علاقات الأفراد داخل المجتمع مهما كان مصدر هذه القواعد، سواء الدين، أو العرف، أو الهيئة التشريعية.

2-2/ المعنى الضيق: قد يستخدم القانون في معنى التشريع، أو في معنى التقنين.

2-2-1/ استخدام كلمة قانون في معنى التشريع: قد تستخدم كلمة "قانون" في معنى التشريع، فيعرف بأنه مجموعة القواعد العامة والمجردة التي تسنها السلطة التشريعية لتنظيم أمر معين، فيقال مثلا قانون المحاماة، مع أن الأدق والأصح هو أن تستخدم كلمة التشريع على القواعد التي تحكم مهنة المحاماة، ذلك أن كلمة قانون أوسع بكثير من كلمة تشريع.

2-2-2/ استخدام كلمة قانون في معنى التقنين: قد تستخدم كلمة قانون في معنى التقنين، فيقال مثلا القانون المدني، القانون التجاري، قانون العقوبات... مع أن الأدق هو استعمال كلمة التقنين الذي يعني جمع الأحكام المتعلقة بفرع من فروع القانون في مجلد واحد بعد تبويبها وتنسيقها وإزالة ما بين أجزائها من تعارض، فيقال التقنين المدني، التقنين التجاري، تقنين العقوبات، ذلك أن القانون أوسع وأشمل من التقنين.

     يلاحظ أن المشرع الجزائري يخلط في استخدام المصطلحات في الصياغات العربية للكثير من النصوص القانونية، بينما نجده يحسن استخدام المصطلحات في الصياغات الفرنسية، فيستخدم عبارة "Code" للدلالة على التقنين، أما في اللغة الفرنسية فنجدها تميز بين مصطلحات القانون والتشريع والتقنين، فتستخدم كلمة "Droit" للدلالة على القانون، وكلمة "Loi" للدلالة على التشريع، وكلمة "Code" للدلالة على التقنين.

المطلب الثاني: خصائص القاعدة القانونية

     تتميز القاعدة القانونية بكونها قاعدة سلوك اجتماعي، عامة ومجردة، وملزمة مقترنة بجزاء.

أولا: القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعي: حتى يؤدي القانون وظيفته في المجتمع يجب أن يوجه خطابه للأشخاص من أجل تنظيم وترشيد سلوكهم، فالشخص يظل هو المخاطب بها، فلا يعقل أن توجه القاعدة القانونية خطابها للكائنات الحية الأخرى، كما أن القاعدة القانونية تعنى بالسلوك الخارجي فقط دون أن تمتد للنوايا والمشاعر الداخلية، يضاف إلى ذلك أن القاعدة القانونية وليدة البيئة الاجتماعية تتطور بتطور الأوضاع التي يشهدها المجتمع في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية...فلا يعقل أن يخضع الجيل الحالي مثلا للقواعد القانونية التي خضعت لها الأجيال السابقة.

ثانيا: القاعدة القانونية قاعدة عامة ومجردة: لا يقتصر معنى عمومية القاعدة القانونية سريانها على جميع الأشخاص دون استثناء، بل تظل القاعدة القانونية عامة حتى ولو خاطبت طائفة معينة من أفراد المجتمع، كالقواعد التي تخاطب التجار أو المحامين، بل وتبقى القاعدة القانونية قاعدة عامة حتى ولو خاطبت مركزا قانونيا وحيدا على غرار القواعد الموجهة لرئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الدستوري، وعلة ذلك أن القاعدة القانونية تخاطب الأشخاص بصفاتهم ومراكزهم القانونية، وليس بأسمائهم وذواتهم.

بصفة العمومية تتميز القاعدة القانونية عن الحكم القضائي والشروط الواردة في العقود المدنية والتجارية، ذلك أن القاعدة القانونية هي خطاب موجه للأشخاص دون تحديد أو ذكر أسمائهم، أما الحكم القضائي فلا يخص إلا أطراف الخصومة، والشروط الواردة في العقود المدنية والتجارية لا تخص إلا أطراف العقد.

أما التجريد فيقصد به أن القاعدة القانونية عند صياغتها لم توضع لتطبق على شخص معين ، أو واقعة معينة، فمثلا في القانون الجنائي تنص المادة 350 من قانون العقوبات على أن :"كل من اختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات..." فهذه القاعدة تنطبق على كل مختلس سواء كان رجلا أو امرأة، عاملا أو بطالا، غنيا أو فقيرا.

     إن الهدف من إضفاء صفتي العمومية والتجريد على القاعدة القانونية هو تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع، وضمان الحقوق والحريات وصيانتها.

ثالثا: القاعدة القانونية قاعدة ملزمة: حتى يحفظ المشرع الهيبة للقاعدة القانونية يجب أن تكون ملزمة، ووجه الالتزام هو اقترانها بجزاء يردع الأشخاص المخالفين لها، وبدون الجزاء تظل القاعدة القانونية مجرد أحرف ميتة لا يضمن لها التطبيق.

     ويشترط في الجزاء المترتب على مخالفة القاعدة القانونية أن يكون ماديا يمس الشخص المخالف أو ماله، وأن توقعه سلطة عامة وليس الفرد من تلقاء نفسه، وأن يكون حال الوقوع يوقع مباشرة على الشخص المخالف، إذ ينبغي أن يظهر الأثر المترتب على خرق القاعدة.

     تختلف صور الجزاء باختلاف الزمان والمكان، واختلاف فروع القانون وطبيعة قواعده، فالجزاء الجنائي يتخذ شكل العقوبة الجزائية كالسجن، الحبس، أو الغرامة، والجزاء المدني يتخذ شكل فسخ العقد أو إبطاله أو بطلانه أو التعويض، والجزاء الإداري يتخذ شكل العقوبة التأديبية في صورة النقل، التنزيل في الرتبة، توقيف الراتب، تجميد الترقية إذا أخل الموظف بواجباته، أو الإلغاء إذا أصدرت الإدارة قرار غير مشروع، أو التعويض إذا ألحقت الإدارة ضررا بالغير.

المطلب الثالث: وظائف القانون

     تتمثل وظيفة القانون في تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد، والتوفيق بين المصالح الفردية والمصلحة العامة للمجتمع من خلال تحقيق الأمن والاستقرار والعدل، وتحقيق أهداف النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فالقانون يعبر عن نظام سياسي معين يحدد طبيعة العلاقة بين السلطات، فقد يكون برلمانيا أو رئاسيا أو ديمقراطيا، أو ملكيا أو جمهوريا، كما أن القانون يحدد طبيعة النظام الاقتصادي الذي قد يكون نظام رأسمالي أو اشتراكي.

 

ليست هناك تعليقات