علاقة القانون بغيره من العلوم الاجتماعية

 

المبحث الثاني: علاقة القانون بغيره من العلوم الاجتماعية

     يرتبط القانون ارتباطا وثيقا بغيره من العلوم الاجتماعية الأخرى على غرار علم الاجتماع، وعلم السياسية، وعلم الاقتصاد، وعلم التاريخ، والفلسفة، يتم تفصيلها على النحو الآتي:

المطلب الأول: القانون وعلم الاجتماع

     يشتركان في محل الدراسة وهو الفرد في المجتمع، صلة القانون بعلم الاجتماع وثيقة، حيث أن علم الاجتماع يقدم خدمة جليلة للقانون أثناء دراسة الظواهر الاجتماعية المختلفة (تدني مستوى التعليم، الهجرة نحو المدن، الاختطاف، غسيل وتبييض الأموال)  عن طريق التحقيقات والإحصاءات والاستقصاءات التي يقدمها في تحليل هذه الظواهر، ثم يأتي دور القانون لإيجاد حلول لهذه المشاكل الاجتماعية.

     كما أن النظام القانوني يختلف باختلاف المجتمعات، ففي مجتمع الرق توجد قوانين لصالح ملاك العبيد، وفي المجتمع الإقطاعي تسود قوانين تكرس الإقطاعية، وفي المجتمع الرأسمالي تستهدف القوانين حماية رؤوس الأموال، وتسعى القوانين إلى رفاهية الشعوب في المجتمعات الاشتراكية، فالقانون يتأثر بالأوضاع الاجتماعية ويسعى لإيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية التي تظهر بين الحين والآخر ففي حالة زيادة عدد السكان نجد أن القانون يتجه نحو تحديد النسل، أما في حالة قلة عدد السكان فان القانون يتجه إلى تشجيع زيادة النسل.

المطلب الثاني: القانون وعلم السياسة

     هي علاقة مباشرة إلى درجة ربط القانون وعلم السياسة بتسمية واحدة هي القانون والعلوم السياسية،  وتتمثل علاقة القانون بعلم السياسة في الكيفية التي على ضوئها يتم حل المشكل السياسي وعلاج أزمة الحرية عن طريق ما يعرف بالقانون الدستوري على وجه الخصوص، والقانون العام بفروعه المختلفة بصفة عامة، فالقانون ينصرف لتحقيق أهداف النظام السياسي فيأتي تجسيدا للنظام السياسي المتبع في الدولة، فنجد القانون يجسد حكم الفرد في ظل الحكم الفردي، ويجسد حكم الأقلية في النظم الارستقراطية، ويجسد حكم الأغلبية في النظم الديمقراطية.

     إن علاقة القانون بعلم السياسة هي علاقة تأثير وتأثر، فالقانون يضع قواعد النظام السياسي فيحدد شكل الدولة وتنظيم السلطات، وتؤثر السياسة في القانون أثناء مرحلة تطبيق القانون حيث أن القاضي كثيرا ما يستوحي الأفكار السياسية السائدة في المجتمع ليأتي حكمه موافقا لتلك الأفكار.

 

المطلب الثالث: القانون وعلم الاقتصاد

     يتولى علم الاقتصاد دراسة الظواهر الاقتصادية (إنتاج، تضخم، كساد، تسويق، عجز، عرض وطلب) والقانون يتمثل دوره في إيجاد حل للمعضلات الاقتصادية، وسن القواعد القانونية الكفيلة بعلاج هذه المعضلات، وفي كثير من الأحيان  يتدخل القانون لوضع حد للجرائم الاقتصادية على غرار ظاهرتي الفساد وتبييض الأموال، كما أن القانون يتأثر بالأوضاع الاقتصادية، فتتبنى الدولة مثلا سياسة الدعم في حالة قوة اقتصادها، وتلجا إلى التقشف في حالة ضعف الاقتصاد.

المطلب الرابع: القانون وعلم التاريخ

     الدراسات التاريخية تساعد في فهم النظم القانونية بالوقوف على أصولها التاريخية وظروف نشأتها، والمشرع يستفيد من علم التاريخ ومن التجارب السابقة في الماضي والأخطاء التي وقعت فيها الأمم بالتعرف على الظروف التي تساهم في نجاح تشريع معين.

     إن أي معضلة يراد معالجتها بطريقة علمية يجب أن يتم البحث في نشأتها، وتطورها، وبالتالي فعلم التاريخ لا يقتصر على سرد مجموعة من الأحداث في المجال السياسي والقانوني بل عليه أن يعطي صورة عامة عن التطور الاجتماعي وأن يفسر الظواهر من خلال أسبابها.

هذا، ويستفيد التاريخ من القانون من التتبع وفحص تلك الأحداث من خلال الواقع القانوني الذي تترجمه التشريعات السائدة في الفترة التاريخية، فالقانون من خلال التشريع أو العرف السائد في الفترة التاريخية المعينة يقوم بالدور الوثائقي الذي يحفظ تلك الأحداث ويصور تفاصيلها.

     إن علاقة القانون بعلم التاريخ تتمثل في تفسير التاريخ السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي لحضارة معينة في مكان وزمان معينين، كما يستفيد القانون من علم التاريخ بل ويستعمله في تفسير الحركة التشريعية لفترة تاريخية معينة إلى درجة أن علم القانون يخصص أحد فروعه لدراسة التاريخ يطلق عليه تاريخ النظم القانونية الذي يدرس الشرائع القديمة وتطوراتها.

المطلب الخامس: القانون والفلسفة (فلسفة القانون)

     الفلسفة كما يرى أرسطو هي علم العموميات ومعرفة الأصول الأولى والعلل المؤدية إلى الأشياء، وقد بحث الفلاسفة علاقة الفلسفة بمختلف فروع العلم، بما فيها فلسفة القانون التي تعنى بدراسة القانون وأصوله وغاياته، وعلاقته بالسياسة والاقتصاد والأخلاق...بل وتمتد إلى دراسة القانون في جوانبه العالمية ونواحيه العامة، فهي لا تقتصر على دراسة مميزات قانون وطني معين بل تمتد إلى ما هو مشترك بين الأنظمة القانونية المختلفة، فالأصول هي فلسفة القانون، والفروع هي علم القانون، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل القانون عن الفلسفة.

 

 

ليست هناك تعليقات