ملخص محاضرات مقياس القانون الإداري

 

ملخص محاضرات مقياس القانون الإداري للسنة الأولى حقوق

السداسي الأول )التنظيم الإداري(

الأستاذ: رشيد مسعودي

تم الاعتماد في انجاز هذا الملخص على المصادر التالية:

1- التعديل الدستوري لسنة 2020 .

2- محمد الصغير بعلي: القانون الإداري، دار العلوم للنشر والتوزيع،الجزائر، 2013.

3- عمار بوضياف: الوجيز في القانون الإداري، دار سور للنشر والتوزيع،الجزائر، الطبعة الرابعة، 2018.

4- ناصر لباد: الأساسي في القانون الإداري،الجزائر، الطبعة الثانية، 2011.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة:

إن تنفيذ السياسات العامة في الدولة يحتاج إلى وجود مؤسسات إدارية، بهدف تلبية الاحتياجات العامة للمواطنين، مما يدل على الأهمية البالغة التي تكتسيها الإدارة العامة لكونها أداة السلطة العامة لتنفيذ سياساتها.

وعليه ازدادت أهمية القانون الإداري بازدياد تدخل الدولة في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتطور وظيفتها.

كما أن القانون الإداري في مختلف الدول ومنها الجزائر يحظى بأهمية كبيرة باعتبار كل الأفراد في المجتمع هم في علاقة حتمية ومستمرة مع الإدارة العامة، ولا يمكن الاستغناء عن التعامل معها منذ تاريخ ميلاه وهكذا في مختلف شؤون حياته. فالإدارة هي التي تقدم له الخدمات الإدارية كمختلف الوثائق والرخص..الخ، وهذه الإدارة سواء كانت مركزية أو محلية أو مرفقية تزوده بهذه الخدمات في مختلف المجالات التي سبق ذكرها فالإدارة إذن تعد يد الدولة لتنفيذ مهامها.

ومما لا شك فيه أن تدخل الإدارة في حياة الأفراد بهدف الحفاظ على النظام العام ولجوئها أحيانا إلى تقييد حرياتهم وفقا للقانون ، يفرض وجود قواعد تنظم علاقة الأفراد بالإدارة وهذا حماية لحقوقهم وحرياتهم، وضمانا كذلك للتنفيذ السليم للقانون وحسن سير المرافق العامة، إذن فالإدارة ملزمة بالخضوع لقواعد القانون في كل تصرفاتها وعلاقاتها ونشاطاتها ومنازعاتها وأموالها، وهذه القواعد التي تخضع لها الإدارة تسمى القانون الإداري.

وإذا كان القانون التجاري يعد قانون التجار والأعمال التجارية ، فان القانون الإداري من الناحية العضوية هو قانون الإدارة العامة حيث يهتم بتنظيمها )إدارة مركزية وإدارة محلية(، ونشاها )المرفق العام والضبط الإداري(، وأساليبها )القرارات الإدارية والعقود الإدارية(، ووسائلها )الأموال والموظفون( ومنازعاتها.

المحور الأول: مدخل إلى القانون الإداري

أولا: تعريف القانون الإداري

قبل تعريف القانون الإداري يجدر بنا تعريف الإدارة العامة، فهده الأخيرة لها معنيين معنى عضوي ومعنى موضوعي.

1- المعنى العضوي )الشكلي(: ويقصد بها مجموعة الهياكل والهيئات القامة في إطار السلطة التنفيذية على اختلاف مستوياتها، أي الأشخاص المعنوية العامة من حيث تنظيمها كالبلديات والولايات والوزارات والمستشفيات..الخ.

2- المعنى الموضوعي )المادي/الوظيفي(: تعني الإدارة العامة هنا مجموعة الأنشطة والخدمات والوظائف التي تقوم بها هذه الأجهزة بهدف إشباع الحاجات العامة للمواطنين، مثل الخدمات الصحية والتعليم..الخ. لكن هنا يجب علينا التمييز بين الإدارة العامة والإدارة الخاصة، فالإدارة الخاصة يقصد بها أجهزة وطرق تسيير المشاريع الاقتصادية التابعة للقطاع الخاص كالشركات التجارية الخاصة، أو المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تنشئها الدولة من أجل  تنفيذ سياساتها في الميدان الصناعي والتجاري.

 وبالعودة إلى تعريف القانون الإداري يمكن القول بأن هناك مفهوما واسعا وآخر ضيقا لهذا الأخير.

أ- المفهوم الواسع للقانون الإداري: يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تسري على الإدارة العامة من حيث تنظيمها ونشاطها وأموالها ومنازعاتها.

والقانون الإداري من حيث الجانب العضوي )الهيكلي، الشكلي( موجود في كل دولة مهما اختلفت طرق تسييرها، لأن لها جهازا إداريا يخضع للقانون، لكن هذه الدول تختلف أساسا  في نوعية القواعد التي تخضع لها الإدارة، أي هل هذه الإدارة تخضع لنفس القواعد التي يخضع لها الأفراد أو تخضع لقواعد مغايرة؟.

ففي الدول التي تتبع النظام الأنجلوسكسوني مثل بريطانيا والولايات المتحدة فان نشاطات الإدارة تخضع لنفس القواعد التي تحكم نشاطات الأفراد والمؤسسات الخاصة، أي قواعد القانون الخاص )مدني، تجاري(، كما أن المنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيه تخضع للإجراءات والقواعد التي يخضع لها الأفراد، وتفصل فيها جهة قضائية واحدة يمتثل لها الأفراد والإدارة معا، إذن هناك قانون واحد وقضاء واحد يخضع له الجميع بغض النظر عن طبيعة الشخص سواء كان من أشخاص القانون الخاص أو القانون العام، وهنا في هذا النظام الأنجلوسكسوني لا يوجد قانون إداري بمفهومه الضيق أي قانون مستقل بذاته )القانون والقضاء الإداريين( على خلاف ما هو موجود في النظام اللاتيني )فرنسا والدول التي تتبع هذا النظام( والذي يقوم على  نظام ازدواجية القانون والقضاء، فالفقه الانجليزي يعتبر القانون الإداري من صور تسلط وتعسف الإدارة، وانتهاكا لمبدأي المساواة أمام القانون والفصل بين السلطات، وعليه يجب خضوع الإدارة كالأفراد لنفس القانون ونفس الجهة القضائية ضمانا لمنع تعسف الإدارة، فالنظام الأنجلوسكسوني لا يعترف بالتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص وبين القضاء العادي والقضاء الإداري. لكن ما يلاحظ  مؤخرا أن هذا النظام وبسبب ازدياد تدخل الدولة والتطور الذي عرفته المجتمعات لجأ إلى إصدار تشريعات تخول الإدارة بعض الامتيازات والسلطات، كما تم إنشاء محاكم خاصة للفصل في بعض المنازعات الإدارية رغم عدم استقلالية هذه المحاكم، مما يؤشر على اتجاهها نحو الاعتراف بفكرة القانون الإداري.

إذن القانون الإداري بمفهومة الواسع يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تسري على الإدارة العامة سواء كان مصدرها القانون الخاص أو القانون العام، ووفقا لهذا التعريف فالقانون الإداري موجود في كل الدول باعتبار أنه لا يعقل وجود دولة دون وجود إدارة عامة.

ب-المفهوم الضيق للقانون الإداري: هو مجموعة القواعد القانونية غير الألوفة والمتميزة عن قواعد القانون الخاص التي تتعلق بالإدارة العامة من حيث نشاطها وتنظيمها ومنازعاتها عندما تتصرف كسلطة عامة. والقانون الإداري بهذا المفهوم الضيق موجود في الدول التي تأخذ بنظام ازدواجية القانون والقانون وعلى رأسها فرنسا.

إن الإدارة العامة لا تخضع في كل نشاطاتها للقانون الإداري وحده، بل قد تخضع في بعض الحالات إلى القانون الخاص، فهي تخضع للقانون الإداري باعتبارها تمثل سلطة عامة وتدير مرافق عامة، وتمارس نشاطا متميزا وتهدف إلى تحقيق المصلحة العامة. فإذا افتقدت الإدارة العامة إلى هذا خضعت للقانون الخاص ولم تعد خاضعة لقواعد القانون العام المتميزة ولا لقضاء مستقل هو القضاء الإداري.

وعليه فالمفهوم الضيق للقانون الإداري يعنى أن الإدارة العامة يسري عليها القانون الإداري في المسائل التالية:

1-التنظيم الإداري: يهتم القانون الإداري بتنظيم الهيئات الإدارية والأجهزة التي تتكون منها الإدارة العامة ، سواء كانت إدارة مركزية أو لامركزية، فالإدارة المحلية مثلا تخضع للقانون رق 11-10 المؤرخ في 22 جوان 2011 المتعلق بالبلدية والقانون رقم 12/07 المؤرخ في 21 فيفري 2012 المتعلق بالولاية، إلى جانب وجود العديد من التشريعات والمراسيم التنفيذية المتعلقة مثلا بتنظيم الجامعة أو غيرها من الإدارات والمؤسسات العمومية.

2-النشاط الإداري: إذا كان التنظيم الإداري يهتم بدراسة الإدارة العامة باعتبارها ساكنة، فان النشاط الإداري يتضمن القواعد القانونية التي تحكم الإدارة العامة وهي في حالة حركة وديناميكية أثناء آدائها لوظائفها ومهامها ويتجلى النشاط الإداري في صورتين:

أ- المرفق العام: وهو المظهر الايجابي للنشاط الإداري، ويتجسد في مختلف صور تدخل الإدارة العامة ووظائفها في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، من أجل تلبية الحاجات العامة للمواطنين.

ب- الضبط الإداري: وهو المظهر السلبي للنشاط الإداري، ويتمثل في الإجراءات التي تتدخل من خلالها الإدارة العامة لتنظيم وضبط الحريات العامة للأفراد حفاظا على النظام العام للدولة، كتنظيم حركة المرور وضوابط البناء والتعمير وحماية البيئة..الخ.

3-وسائل وأساليب عمل الإدارة: وهي التي تستعملها الإدارة للقيام بنشاطها وتتمثل فيما يلي:

أ- الوسائل البشرية )نظرية الموظف العام(: والموظف العام هو العامل بالإدارة العمومية ويخضع أساسا للأمر رقم 06-03 لعام 2006، من خلال خضوعه لنظام قانوني متميز عن النظام القانوني الذي يخضع له عمال القطاع الخاص وهو القانون رقم 90-11 المتعلق بعلاقات العمل.

ب-الوسيلة المادية )نظرية الأموال العامة(: وتتمثل في الأموال العامة أو الأملاك الوطنية )القانون رقم 90-31 لسنة 1990 المتعلق بالأملاك الوطنية(، فهذه القواعد تختلف عن قواعد الملكية الخاصة التي نص عليها القانون المدني.

ج-الوسيلة القانونية: ونقصد بها الأعمال الإدارية، وهي السلطات والمكنات والقدرات التي تخولها القوانين للإدارة العامة من أجل ممارسة نشاطها الإداري، فإذا كانت بإرادتها المنفردة سميت قرارات إدارية، وإذا كانت بتوافق مع إرادتين أو أكثر سميت عقودا إدارية مثل الصفقات العمومية.

4-المنازعات الإدارية: وتشمل الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات ذات الطابع الإداري، وكذلك قواعدها الإجرائية، وتتمثل هذه القواعد في القانون العضوي رقم 98-01 المؤرخ في 30 ماي 1998 المتعلق بمجلس الدولة، والقانون رقم 98-02 المؤرخ في 30 ماي 1998 المتعلق بالمحاكم الإدارية، والقانون رقم 08-09 المؤرخ في 25 فيفري 1998 المتعلق بالإجراءات المدنية والإدارية.

يمكن تعريف القانون الإداري بأنه: " مجموعة القواعد القانونية التي تحكم السلطات الإدارية في الدولة وهي تباشر نشاطها بوصفها أشخاصا إدارية تتمتع بحقوق وامتيازات خاصة لا يتمتع بها الأشخاص والجماعات الخاصة ". فهذا القانون يسري على العلاقات ما بين الإدارات العامة، مثل علاقة البلدية بالولاية، وكذلك بين هذه الإدارات العامة والأشخاص الخاصة) الطبيعية والمعنوية (كعلاقة الإدارة العامة مع المواطن، وعلاقتها مع شركة ما، بشرط استعمال امتيازات السلطة العامة من أجل تحقيق المصلحة العامة.

طبيعة قواعد القانون الإداري: إن الإدارة العامة كما سبق الذكر لا تخضع فقط لقواعد القانون الإداري، بل تخضع إلى نوعين من القواعد:

1-قواعد القانون الإداري: وذلك عندما تستعمل الإدارة مكنات ووسائل قانونية تعرف بامتيازات السلطة العامة، وهذا بهدف تحقيق المصلحة العامة.

2-قواعد القانون الخاص: في حالة نزول الإدارة العامة إلى مستوى الأفراد الطبيعيين ، وبالتالي تخضع نشاطاتها إلى القواعد نفسها التي تسري على الأشخاص الخاصة وخضوعها لاختصاص القضاء العادي وليس القضاء الإداري للفصل في المنازعات التي تثور أثناء قيامها بهذه النشاطات.

ثانيا: نشأة القانون الإداري وتطوره:إن نشأة القانون الإداري ووجوده بمفهومه الواسع ارتبط بوجود الدولة نفسها، هذه الأخيرة من أركانها وجود سلطة وهذه السلطة هي التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فالحاكم لديه وسال وهيئات تقوم بتنفيذ سياسته في مختلف الميادين، ونقصد بها الإدارة التي تسهر على تنفيذ ذلك وفق قواعد معينة هي قواعد القانون الإداري، وهذه الأخيرة تختلف زمانا ومكانا ومن نظام ومجتمع لآخر حسب خصوصيات هذا الأخير السياسية والاقتصادية والثقافية.

وتعد نشأة القانون الإداري نتيجة لتطور تم على مدى زمن طويل، وفي هذا الصدد نشير إلى جانب من هذه القواعد في الحضارة الإسلامية وفي النظام الأنجلوسكسوني والنظام اللاتيني/الفرنسي.

1- الحضارة الإسلامية: تسري قواعد الشريعة الإسلامية على الجميع حكاما ومحكومين وفق قاعدة المساواة أمام القضاء والتكافل الاجتماعي وتغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد عند تعارضهما، وقد عرفت الحضارة الإسلامية ما يسمى بولاية أو قضاء أو ديوان المظالم، والدي يعد بمثابة قضاء إداري يتولاه الخليفة أو الحاكم وهدفه رد المظالم ومنع الظلم الذي يطال المحكومين ، بالاستعانة بأهل الخبرة من القضاة والفقهاء وعلمهم، وهذا ما كان سائدا في الدولة العباسية.

2- النظام الأنجلوسكسوني: وقد تمت الإشارة إلى هذا النظام سابقا والدي يقوم على وحدة القضاء والقانون.

3- النظام الفرنسي) اللاتيني(: إن القانون الإداري بمفهومه الضيق لم يظهر إلا في فرنسا وعقب مراحل مختلفة، وهنا يمكن تقسيم هذه المراحل إلى فترتين:

1- فترة ما قبل الثورة الفرنسية عام 1789: كان الملك في هذه الفترة يتمتع بسلطات مطلقة في إدارة الدولة، باعتباره يمثل إرادة الله، وكانت العدالة مصدرها الملك، ولا يتصور خضوعه لأي رقابة سواء كانت إدارية أو قضائية أو غيرها، وبالتالي لم تكن الإدارة تخضع في تصرفاتها لأي قيود، مما أدى إلى المساس بحقوق الإنسان لاسيما بعدما استأثرت الطبقة البرجوازية ورجال الكنيسة بالثروة وقمع حقوق وحريات المواطنين ، وفي هذه المرحلة ما قبل الثورة الفرنسية كان الملك هو الذي يوزع الاختصاصات بين المحاكم، وله الحق في نزع أي منازعة من القضاء يفصل فيها بنفسه أو يعهد بالفصل فيها إلى غيره، كما كان الملك يتمتع بسلطة واسعة في هذه الأحكام، فله صلاحية إيقافها أو العفو، إذن فالملك كان هو من يصدر الأوامر العليا والمراسيم المتعلقة بتنظيم الدولة، وهو تشريع ملزم للمواطن والإدارة معا، إذن ما يمكن قوله في هذه الفترة هو تميزها بعدم مسؤولية الدولة.

إن هذه الأسباب والظروف السياسية في فرنسا وتركيز السلطة بيد الملك حتى القرن 16 نتج عنه تحول من خلال تعيين ممثلين محليين للملك أو أعوان الملك، ولكن هؤلاء الأعوان تم مقاومتهم من طرف ما يسمى بالبرلمانات، والبرلمانات هي عبارة عن محاكم موجودة في العاصمة باريس وفي مختلف المقاطعات الفرنسية، وهي تنتمي إلى فئة النبلاء أو الطبقة البرجوازية الراقية في فرنسا، وكانت معادية لفكرة تركيز السلطة بيد الملك، وبالتالي هذه البرلمانات حاولت الحد من السلطة المطلقة للملك من خلال توليها مراقبة نشاطات الإدارة، لكن ابتداء من القرن 17 بدأ الملك يتجه إلى منع البرلمانات من الفصل في المنازعات الإدارية، وإسنادها إلى مجلس الملك.

ب- فترة ما بعد الثورة الفرنسية عام 1789: بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789 قام رجال الثورة بوضع نهاية لتدخل البرلمانات في شؤون الإدارة، ليتم بعد ذلك إلغاؤها نهائيا عام 1790، إذن في هذه المرحلة تم نزع صلاحيات الفصل في منازعات الإدارة من يد القضاء العادي، وقد تم نشوء القانون الإداري في هذه الفترة وفق المراحل التالية:

أ- مرحلة الإدارة القاضية: دامت هذه الفترة من عام 1789 إلى 1799، فالإدارة هي قاضي وطرف في نفس الوقت ) تسمى كذلك مرحلة الوزير أو مرحلة الإدارة القاضية( ، لأن الثورة ألغت مجلس الملك، وأبعدت صلاحية الفصل في المنازعات الإدارية من اختصاص المحاكم العادية، إذن الإدارة العامة هي التي تتولى بنفسها حل منازعاتها، مما يجعل منها خصما وحكما في نفس الوقت، وهو ما يتعارض مع قواعد العدالة والإنصاف. ويعود السبب في إبعاد المحاكم العادية من الفصل في منازعات الإدارة إلى اعتبار رجال الثورة بأن المحاكم قد تعرقل الإصلاحات التي تعتزم هذه الإدارة القيام بها وتضعف فعاليتها مثلما كان الحال سائدا في زمن البرلمانات، وبالتالي اعتبرت أي محاولة للفصل من طرف هذه المحاكم للمنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها جريمة تسمى جريمة الخيانة العظمى، كما منع القانون الصادر في 16-24 أوت 1790 أي وسيلة من وسائل تدخل القضاة في أعمال السلطات الإدارية، وتطبيقا لذلك فان المنازعات التي تكون الإدارة المركزية طرفا فيها تحال مباشرة على الملك، أما المنازعات التي تكون الإدارة المحلية طرفا فيها فيختص بها حكام الأقاليم.

لكن مرحلة الإدارة القاضية كرست انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات الذي يقضي برقابة القضاء على أعمال السلطة التنفيذية، وهذا ما أكده مونتسكيو في كتابه روح القوانين، تطبيقا لمبدأ المشروعية وحماية الحقوق والحريات الأساسية ومنع تعسف الإدارة إلى جانب مجانبة المنطق، إذ كيف تكون الإدارة حكما وخصما في نفس الوقت؟.

ب- مرحلة القضاء المقيد أو المحجوز: في هذه المرحلة ونظرا لزيادة المنازعات الإدارية تم إحداث أجهزة متخصصة في هذه المنازعات، حيث نصت المادة 52 من دستور السنة الثامنة على إنشاء مجلس الدولة ومجالس المحافظات، ولم تكن لقرارات مجلس الدولة في هذه المرحلة الصفة القضائية بل هي عبارة عن آراء أو مشاريع قرارات بخصوص المنازعات المعروضة عليه، بمعنى أن مجلس الدولة ومجالس المحافظات لم تكن إلا هيئات إدارية استشارية لدى الملك في المسائل ذات الطابع الإداري، وهذه القرارات وجب أن ترفع أمام القنصل العام )نابليون( باعتباره يمثل رئيس الدولة، والذي يملك صلاحية المصادقة عليها بالقبول أو رفضها، كما أن قرارات مجالس الأقاليم كانت قابلة للطعن أمام مجلس الدولة الذي يقدم رأيا فيها إلى القنصل والذي إن شاء أعطاها الصيغة التنفيذية وان شاء رفض ذلك.

إذن في هده المرحلة لا يمكن الحديث عن وجود قانون إداري لأن مجلس الدولة كان قضاء مقيدا أو معلقا على مصادقة القنصل العام )السلطة التنفيذية(، كما أنه لم يطبق أحكاما خاصة عند فصله في هذه المنازعات وإنما طبق القانون الخاص.

ج- مرحلة القضاء المفوض أو البات: بتاريخ 24 أي 1872 صدر قانون اعترف لمجلس الدولة بصلاحية الفصل في المنازعات الإدارية دون الرجوع إلى السلطة التنفيذية للمصادقة عليها، إذن في هذه المرحلة تغيرت الطبيعة القانونية لمجلس الدولة من هيئة استشارية إلى هيئة قضائية لها صلاحية إصدار أحكام باتة لها قوة الشيء المقضي فيه كباقي المحاكم القضائية الأخرى )محكمة النقض مثلا( إلى جانب احتفاظ مجلس الدولة باختصاصاته الاستشارية في المجالات التشريعية والإدارية، وبالتالي هنا أصبح مجلس الدولة بمثابة قاضي حقيقي، فلم تعد الأحكام تصدر باسم رئيس الدولة بل باسم الشعب، وهنا تم الفصل بين القضاء العادي والقضاء الإداري، كما تم إنشاء محكمة التنازع للفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري.

وقد أثبت مجلس الدولة من خلال المنازعات التي عرضت عليه كيف يوازن بين مصلحة الإدارة العامة وحقوق المواطنين، من خلال لعبه دورا إنشائيا وإبداعيا عند الفصل في المنازعات المعروضة عليه.

لقد توصل مجلس الدولة الفرنسي إلى أن تطبيق قواعد القانون المدني )القانون الخاص(  سيعرقل سير المرافق العامة وأداءه لمهامه، وسيحول دون توصله إلى قواعد ذاتية ومستقلة للقانون الإداري، مما جعله يؤسس قراراته على روح قواعد القانون العام ومبادئ العدالة وحسن سير المرافق العامة.

كما قام مجلس الدولة بتقسيم أعمال السلطة التنفيذية إلى قسمين أعمال السيادة وأعمال الإدارة العامة، فالأولى تملك فيها الإدارة حرية واسعة ولا تخضع لرقابة مجلس الدولة، أما أعمال الإدارة العامة فتخضع لرقابته، وهكذا تكرس دور مجلس الدولة كحارس للحريات العامة .

إن مجلس الدولة كما سبق القول لم يتجه إلى استعمال قواعد القانون الخاص، وإنما بصفة تدريجية قام بإنشاء قواعد قانونية تخضع لها منازعات الإدارة وهي قواعد القانون الإداري، وهذا من خلال قرار شهير هو قرار بلانكو  l'arrêt BLANCO الذي كرس استقلالية القانون الإداري من خلال دور القضاء المتجسد في مجلس الدولة، أما المشرع فكان دوره في البداية ضعيفا جدا في إنشاء قواعد القانون الداري.

قرار بلانكو الشهير: تسببت عربة تابعة لوكالة التبغ في حادث لبنت صغيرة اسمها ايجينر بلانكو أثناء نقل هذه الوكالة لمنتوجات من المصنع إلى المستودع، فقام والد الطفلة برفع دعوى مطالبا بتعويض الضرر المادي الذي لحق ابنته أمام القضاء العادي وفق لقواعد القانون المدني الفرنسي، لكن وكالة التبغ اعترضت على ذلك معتبرة بأن النزاع يتعلق بالإدارة وأن مجلس الدولة هو المختص للفصل فيه مطالبة بإيقاف النظر في الدعوى حتى تفصل محكمة التنازع في تنازع الاختصاص هذا، لكن محكمة التنازع رأت أن المسؤولية التي تتحملها الدولة بسبب الأضرار التي يتسبب فيها أعوان المرافق العامة بالأفراد لا تخضع  لقواعد القانون المدني ومبادئه التي تنظم علاقات الأفراد فيما بينهم، وأن هذه المسؤولية ليست عامة بل لها قواعد تتناسب مع مقتضيات المرافق العامة وضرورة التوفيق بين المصلحة العامة للدولة وحقوق الأفراد، وبالتالي توصلت المحكمة  إلى أن مجلس الدولة  هو المختص بالنظر في النزاع، وهكذا تم إثبات خصوصية القانون الإداري وذاتيته باعتباره يتضمن قواعد استثنائية غير مألوفة في قواعد القانون الخاص، فهذا القرار كرس المسؤولية الإدارية للدولة عن أعمال موظفيها وكرس معيارا فاصلا بين اختصاص القضاء العادي والقضاء الإداري هو معيار المرفق العام الذي من خلاله يمكن تحديد طبيعة المنازعة هل هي عادية أم إدارية، وبهذا اعترف هذا القرار للقاضي الإداري بتطبيق قواعد القانون الإداري.

ثالثا: خصائص القانون الإداري: يتميز القانون الإداري بمعناه الضيق بمجموعة من الخصائص تبرز ذاتيته المستقلة وهي:

1- القانون الإداري حديث النشأة: عند الحديث عن نشأة القانون الإداري وتطوره قلنا بأن هذا القانون ظهر من خلال محكمة التنازع ومجلس الدولة الفرنسيين، وبالتالي لا وجود لهذا القانون بمعناه الضيق قبل عام 1872، والمقصود بهذه الخاصية أنه حديث النشأة مقارنة بالقانون المدني، هذا الأخير الذي ترجع بعض قواعده إلى القانون الروماني ، أما القانون الإداري فهو حديث لم ينشأ إلا في الربع الأخير من القرن 19 في فرنسا من خلال قرار بلانكو الشهير.

ب- قانون مرن سريع التطور: فهو يتطور بسرعة نتيجة تأثره بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى التكنولوجية التي تحيط بالإدارة العامة، فهو لا يعرف الاستقرار، فما يصلح للإدارة اليوم قد لا يصلح لها مستقبلا، إذن فهذا القانون يتكيف مع وظيفة الإدارة وإشباع الحاجات العامة للمواطنين، أما قواعد القانون المدني)  القانون الخاص( مثلا فتمتاز بالثبات النسبي وحتى ولو عدلت قد تكون في فترات زمنية طويلة مقارنة بالقانون الإداري، وهذه المرونة هي التي جعلت القانون الإداري صعب التقنين.

ج- القانون الإداري غير مقنن: يقصد بالتقنين تدخل السلطة التشريعية لوضع قواعد وأحكام تتعلق بمسألة معينة أو موضوع ما في منظومة تشريعية كالتقنين المدني والتقنين التجاري وتقنين العمل والتقنين الجنائي، أما القانون الإداري فيتميز بعدم التقنين في مجموعة واحدة وذلك بسبب حداثة نشأته وسرعة تطوره وتغيره نتيجة المرونة التي تميز نشاطات الإدارة وعدم التنبؤ بجوانبها وموضوعاتها مستقبلا.

لكن هذا لا يعني عدم وجود تقنين جزئي لبعض موضوعات القانون الإداري مثل قانون الصفقات العمومية وقانون الجماعات المحلية )البلدية والولاية، قانون الجمعيات وغيرها من القوانين الأخرى( مثل:

- القانون العضوي رقم 98-01 المؤرخ في 30 ماي 1998 يتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله المعدل والمتمم.

- الأمر 06-03 المؤرخ في 15 جويلية 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية.

-  القانون 98-02 المؤرخ في 07 أفريل 1998 يتعلق بالمحاكم الإدارية.

- القانون رقم 90-30 المؤرخ في 1 ديمسبر 1990 المتضمن قانون الأملاك الوطنية.

- القانون 91-11 المؤرخ في 27 أفريل 1991 يحدد القواعد المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العمومية.

- القانون 11-10 المؤرخ في 22 جوان 2011 يتعلق بالبلدية.

- القانون 12-07 المؤرخ في 21 فيفري 2012 المتعلق بالولاية.

4- القانون الإداري قانون قضائي أساسا: يتميز القانون الإداري في فرنسا بأنه قانون قضائي أساسا، لأن نظريات القانون الإداري هي من ابتكار القضاء الإداري ممثلا في مجلس الدولة الفرنسي، حيث كان للقاضي الإداري دور بارز وسلطة وحرية في خلق قواعده والاجتهاد لحل المنازعات المعروضة عليه. وهنا يمكن التمييز بين القاضي الإداري والقاضي العادي، فالقاضي العادي دوره تطبيقي حيث يتولى تطبيق وإسقاط النصوص القانونية على القضايا المعروضة عليه حسب طبيعة النزاع، فإذا كان مدنيا طبق القانون المدني وإذا كان تجاريا طبق القانون التجاري، أما القاضي الإداري فهو قاضي اجتهاد وخلق وإنشاء وإبداع وابتكار، فهو يخلق القاعدة في حالة عدم وجود نص يطبق على النزاع المعروض عليه، كما أن القاضي الإداري يتمتع بصلاحيات أوسع من القاضي العادي من أجل إخضاع الإدارة للقانون وإعمال مبدأ المشروعية.

رابعا: مصادر القانون الإداري: يقصد بمصادر القانون الإداري الإجابة على السؤال التالي: من أين يستمد القانون قوته الإلزامية؟. وهنا يهمنا المصادر الشكلية للقانون الإداري.ورغم أن القانون الإداري هو قانون قضائي أساسا إلا أن القضاء ليس وحده مصدر هدا القانون ، بل إن التشريع كذلك يعد من مصادره، رغم أن القانون الإداري غير مقنن، كما أن العرف والمبادئ العامة للقانون لعبت دورا كبيرا في إبراز مبادئ وأحكام القانون الإداري. ويقسم بعض الفقهاء مصادر القانون إلى عدة تقسيمات من بينها: المصادر المكتوبة والمصادر غير المكتوبة، المصادر الرسمية والتفسيرية..الخ.

إلا أننا ارتأينا تناول مصادر القانون الإداري حسب تدرجها في هرم النظام القانوني وهي: التشريع، العرف، القضاء والفقه.

1-التشريع: la législation:يقصد بالتشريع كل ما يصدر عن السلطة المختصة في الدولة من قواعد عمة ومجردة ومكتوبة وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور، والتي تهدف إلى تنظيم العلاقات بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة، وهده التشريعات تتدرج حسب قوتها الإلزامية كما يلي:

أ-التشريع الأساسي )الدستور(: la constitution:يعتبر الدستور القانون الأساسي والسامي بالنسبة للنظام القانوني في الدولة، ويتضمن مجموعة القواعد والمبادئ الأساسية التي تحدد شكل نظام الحكم في الدولة والسلطات الثلاث فيها )التشريعية، التنفيذية والقضائية(، وحقوق وحريات الأفراد وواجباتهم وغيرها من المبادئ الدستورية. وتجد بعض مبادئ القانون الإداري مصدرها في نصوص الدستور، هدا الأخير يضع الأسس العامة لبناء الجهاز الإداري في الدولة، فعلى سبيل المثال يتضمن الدستور المبادئ الأساسية لتنظيم الإدارة المحلية، مثل مبدأ اللامركزية، فالمادة 17 من التعديل الدستوري لسنة 2020 نصت: " الجماعات المحلية للدولة هي البلدية والولاية. البلدية هي الجماعة الإقليمية". ونصت المادة 19 " تقوم العلاقات بين الدولة والجماعات المحلية على مبادئ اللامركزية وعدم التركيز"، كما كرس الدستور مبدأ المساواة  في الالتحاق بالوظائف العامة حيث نصت المادة 67 " يتساوى جميع المواطنين في تقلد المهام والوظائف في الدولة، باستثناء المهام والوظائف ذات الصلة بالسيادة والأمن الوطنيين". وحماية الملكية العامة )المادتين 20 و21(، ونزع الملكة من أجل المنفعة العمومية )المادة 60(، وضمانات المواطن اتجاه الإدارة كضمان عدم تعسف الإدارة وعدم تحيزها )المادة 26(، كما نص التعديل الدستوري لسنة 2020 على صلاحيات رئيس الجمهورية في المجال الإداري مثل صلاحية التعيين وإنهاء المهام)المادة 92(، كما تضمن أحكاما تتعلق بمجلس الدولة ) المادة 179/2 (.

ب- التشريع العادي) القانون la loi (: يعد القانون الإداري بمفهومه الضيق مصدرا رئيسا للقانون الإداري، فمعظم المسائل المتعلقة بالإدارة العامة وتنظيمها تحكمها قواعد صدرت في شكل قوانين صادرة عن السلطة التشريعية )البرلمان ( في العديد من المجالات التي نص عليها الدستور )المادتين 139-140(  والتي لها علاقة في بعض جوانبها بالمجال الإداري.

فعلى سبيل المثال، يتضمن القانون المدني قواعد قانونية تتعلق بالأشخاص الاعتبارية )المادة (49 وشروط نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية والحماية الخاصة بالأموال العامة من حيث عدم قابليتها للاكتساب بالتقادم والتصرف فيها، كما أن قانون العقوبات تضمن أحكاما لها علاقة بالإدارة العامة مثل الحماية الجزائية المقررة للموظف العمومي والأموال العامة من أي تجاوز أو اختلاس أو تبديد. كما توجد العديد من التشريعات التي لها علاقة بالقانون الإداري نذكر منها:

- الأمر رقم 06-03 المؤرخ في 15 جويلية 2006 يتضمن القانون الأساسي للوظيفة العمومية.

- القانون رقم 91-11 المؤرخ في 27 أفريل 1991 يحدد قواعد نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية.

- القانون رقم 90-30 المؤرخ في 10 ديسمبر 1990 المتضمن قانون الأملاك الوطنية.

- القوانين المتعلقة بتنظيم الصفقات العمومية والتي صدرت في شكل مراسيم رئاسية.

- القانون رقم 11-10 المؤرخ في 22 جوان 2011 والمتعلق بالبلدية.

- القانون رقم 12-07 المؤرخ في 21 فيفري 2012 والمتعلق بالولاية.

ج- التنظيم )التشريع الفرعي( la réglementation:تقوم الإدارة العامة تنفيذا لمهامها بإصدار العديد من القرارات الإدارية التنظيمية التي تتضمن قواعد عامة ومجردة لا تختلف عن القواعد القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية وفقا للمعيار الموضوعي )المادي( ، لكن من الجانب الشكلي )العضوي(  فهده القرارات تصدرها  الإدارة العامة )السلطة التنفيذية(، ويأخذ التنظيم عدة أشكال تبعا للسلم الإداري أو الجهة الإدارية التي أصدرته ودلك كما يلي:

- المراسيم: تعد من اختصاص ريس الجمهورية والوزير الأول وفقا للدستور، فادا صدرت عن رئيس الجمهورية تسمى مرسوما راسيا وادا صدرت عن الوزير الأول تسمى مرسوما تنفيذيا.

* المراسيم الرئاسية: تصدر عن رئيس الجمهورية مثل المرسوم الرئاسي رقم 99-20 المؤرخ في 27-10-1999 المتعلق بالتعيين في الوظائف المدنية والعسكرية للدولة، والمرسوم الرئاسي رقم 10-236 المؤرخ في 07-10-2010 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية المعدل والمتمم بالمرسوم الرئاسي رقم 15-247 المؤرخ في 16 سبتمبر 2015 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام.

 * المراسيم التنفيذية: وتصدر عن الوزير الأول مثل المراسيم المتعلقة بتنظيم القطاعات الوزارية، أو تلك التي تحدد صلاحيات واختصاصات كل وزير، والمرسوم التنفيذي رقم 89-224 المؤرخ في 05 ديسمبر 1989 المتضمن القانون الأساسي الخاص المطبق على العمال المنتمين إلى الأسلاك المشتركة للمؤسسات والإدارات العمومية المعدل والمتمم.

- القرارات: تصدر عن وزير أو أكثر)إذا صدرت عن وزيرين أو أكثر سميت قررا وزاريا مشتركا(، أو الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي أو مدير المؤسسة العمومية الإدارية، وتعد القرارات الإدارية مهمة لتنظيم النشاط الإداري، ومصدرا من مصادر المشروعية، فكما أن الإدارة ملزمة بتنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية فإنها ملزمة كذلك بهذه القرارات الإدارية، وتصدر اللوائح أو القرارات الإدارية عن السلطة التنفيذية بإرادتها المنفردة والملزمة.

والى جانب الوزراء، يصدر الوالي العديد من القرارات كتلك التي تهدف إلى المحافظة على الصحة العمومية بالولاية مثل القرارات التي اتخذت لمواجهة وباء كوفيد 19.

المعاهدات: هي اتفاق يبرم بين دولتين أو أكثر أو بين دولة ومنظمة دولية، بهدف إحداث أثر قانوني معين، ووفقا للمادة 154 من التعديل الدستوري لسنة 2020 فان المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور، تسمو على القانون، وبالتالي بعد نشرها في الجريدة الرسمية تعد ملزمة للإدارة.

2- العرف (la coutume) :يقصد بالعرف ما جرى عليه العمل من جانب الإدارة العامة في مباشرة اختصاصاتها الإدارية بشكل منتظم ومتواتر وعى وجه ملزم خلال مدة زمنية معينة، مما ينشئ قاعدة قانونية عرفية، وهدا ما أكده القضاء الإداري، وهناك عدة أقسام للعرف، فهناك العرف المدني والعرف التجاري..الخ ولكن ما يهمنا هنا هو العرف الإداري. ويقوم العرف الإداري على ركنين:

أ-الركن المادي: ويتمثل في اعتياد الإدارة العامة في تصرفاتها وأعمالها على سلوك معين بشكل متكرر ومستمر ومتواتر ومنتظم خلال مدة زمنية معينة.

ب- الركن المعنوي: وهو اعتقاد الإدارة بإلزامية هذا السلوك سواء بالنسبة لها أو بالنسبة للمتعاملين معها ليصبح بمثابة قاعدة قانونية واجبة الإتباع، وإلا تتحمل المسؤولية عن مخالفته باعتباره يمس بمبدأ المشروعية.

ويشترط لتطبيق هدا العرف سواء من جانب الإدارة أو القاضي عدم مخالفته للتشريع احتراما لمبدأ تدرج القواعد القانونية، كما يمكن للتشريع أن يعدل أو أن يلغي عرفا إداريا قاما تماشيا مع مقتضيات المصلحة العامة، وادا كانت هناك بعض قواعد القانون الإداري المكتوبة حاليا تجد جذورها في أعراف إدارية كانت سارية من قبل، فان الفقه يعتبر العرف الإداري يلعب دورا ثانويا وليس رئيسيا في الكشف عن قواعد القانون الإداري على غرار الدور الذي يلعبه في مجال القانون المدني والتجاري مثلا، وينقسم العرف إلى عرف مفسر أو مكمل أو معدل.

العرف المفسر: وهو الذي يهدف إلى إزالة غموض في نص قانوني أو تنظيمي، دون أن يضيف حكما جديدا لهدا النص.

العرف المكمل: ويأتي لتنظيم موضوع سكت المشرع أو المنظم عنه، تكملة لهدا النقص.

العرف المعدل: سواء من خلال إضافة جزئية للتشريع لم ترد في النص، أو من خلال الحذف، من خلال هجر الإدارة لنص تشريعي مدة طويلة تولد من خلالها شعور لدى الإدارة والأفراد بعدم إلزامية هذا النص.

التمييز بين العرف المدني والعرف الإداري:

* من حيث الجهة المنشئة )سلطة الإنشاء(: الإدارة هي من تنشئ العرف الإداري، بينما العرف المدني ينشئه الأفراد.

* من حيث موضوع القاعدة: موضوع العرف الإداري هو المصلحة العامة، بينما العرف المدني موضوعه المصلحة الخاصة للأفراد.

3-القضاء  (la jurisprudence):سبق القول أن القضاء الإداري نشأ تاريخيا على يد القضاء الفرنسي، الذي كان له دور كبير في إنشاء وتطوير مبادئه ) المسؤولية الإدارية، العقود الإدارية، المرفق العام، المال العام..الخ(، ويقصد بالقضاء الإداري مجموعة المبادئ أو القواعد التي تصدرها جهات القضاء الإداري، والتي يتم استنباطها من النصوص القانونية السارية المفعول أو يتم إنشاؤها من طرف هذه المحاكم وفقا للمبادئ العامة للقانون، حيث عادة ما يضطر القاضي الإداري إلى إنشاء قواعد قانونية إدارية تلزم الإدارة والمواطن.

ولقد سبق القول بأن خاصية عدم التقنين فسحت المجال أمام القاضي الإداري لكي يبدع في خلق قواعد القانون الإداري خلافا للقاضي المدني الذي مهمته فقط تطبيق القانون على الوقائع المعروضة عليه، فالقاضي الإداري دوره إنشائي فهو ملزم في حالة عدم وجود نص في التشريع  وعدم وجود عرف قائم بالبحث عن حل للنزاع.

4-المبادئ العامة للقانون: هي مجموعة القواعد القانونية التي ترسخت في ضمير الأمة وتكرست بموجب اجتهادات القضاء ) مجلس الدولة الفرنسي(، حيث ساهم هذا الأخير في اكتشافها واستنباطها، وقد اختلف الفقه في تحديد الأساس أو القوة الإلزامية لهذه المبادئ بين من يرى أساسها هي القواعد المكتوبة في الدساتير والمواثيق كمبدأ المساواة أمام القضاء أو الالتحاق بالوظيفة العامة، ورأي آخر يرى أساسها في مبادئ القانون الطبيعي ، ورأي ثالث  يرى أساسها في العرف، ورأي رابع يرى أساسها في المبادئ العامة للقانون وقوتها الإلزامية في القضاء الإداري.

5- الفقه  (la Doctrine): ويقصد به استنباط المبادئ والقواعد القانونية بالطرق العلمية من طرف الفقهاء أي رجال القانون من خلال آرائهم ) محامين، قضاة، أساتذة...الخ(. ويعد الفقه مصدرا استئناسيا وليس رسميا للقانون الإداري ، فهو غير ملزم  للقاضي بل هو مصدر تفسيري يساهم في إرشاد كل من المشرع والقاضي من خلال تصدي رجال الفقه بالشرح والتعليق على أحكام القضاء وإيجاد حل للإشكاليات القانونية المطروحة.

خامسا: علاقة القانون الإداري بغيره من القوانين الأخرى

1- علاقة القانون الإداري بالقانون الدستوري: كل من القانون الإداري والقانون الدستوري يعدان فرعان من القانون العام، وكلاهما يتناول السلطة التنفيذية من جانب معين، ففيما يركز القانون الدستوري على السلطة التنفيذية كجهة حكومية وسلطة دستورية،فان القانون الإداري يركز عليها كجهة إدارية، ويتناول الدستور صلاحيات السلطة التنفيذية ومؤسساتها العليا، بينما القانون الإداري يتناول نشاطها، ولهدا القال الأستاذ برتملي أن " الدستور يبين كيف شيدت الآلة الحكومية، أما القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة  وكيف تقوم كل قطعة منها بوظيفتها". وبينما ينص القانون الدستوري على المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الدولة  وحقوق وحريات المواطنين ، فان القانون الإداري هو الذي يضع هذه المبادئ حيز التنفيذ ويحدد شروط إنفاذها، فالقانون الدستوري ادن يتضمن عناوين وموضوعات القانون الإداري.

ولقد تضمن التعديل الدستوري لسنة 2020 العديد من القواعد ذات العلاقة المباشرة بالقانون الإداري، ومن بينها المادة 17 التي نصت على الجماعات المحلية في الدولة وهي البلدية والولاية، والمادة 19 التي اعتبرت المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية ومكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية، والمادة 20 التي صنفت الملكية العامة ضمن ملك المجموعة الوطنية بما تحتويه من ثروات باطنية وموارد طبيعية وحية، ونصت المادة 22 على الأملاك الوطنية، كما نصت المادة 26 على أن الإدارة في خدمة المواطن، وأن القانون يضمن عدم تحيزها، وتضمنت المادة 27 المبادئ لتي يقوم عليها المرفق العام وهي الاستمرارية والتكيف وضمان الحد الأدنى من الخدمة والإنصاف، ونصت المادة 36 على الجنسية، أما المادة 60 فنصت على أن الملكية الخاصة مضمونة ولا يمكن نزعها إلا في إطار القانون وبتعويض عادل ومنصف. إلى جانب العديد من المواد التي تكلمت عن هيئات القضاء الإداري وسلطات رئيس الجمهورية والوزير الأول وهي كلها له علاقة بالقانون الإداري.

2- علاقة القانون الإداري بالقانون المدني: تعد قواعد القانون المدني الشريعة العامة للقوانين، فهي تحكم وتنظم الروابط والعلاقات بين الأفراد  في جانبها المالي كالبيع والإيجار والرهن وغيرها...الخ، كما يعد أقدم القوانين، ويعد قانون المساواة والتوازن، فهو يضع جميع أطراف العلاقة في مرتبة واحدة.

أما القانون الإداري فيضع الإدارة في مركز متميز يجعلها تحوز سلطات وصلاحيات استثنائية اتجاه الأفراد، فهي تصدر قرارات إدارية منفردة دون مشاركة الغير لها في اتخاذها، والإدارة في تعاقداتها لا تحكمها قاعدة العقد شريعة المتعاقدين المطبقة في القانون المدني، فلها أن تعدل العقد الإداري بصورة منفردة باعتبارها سلطة عامة، وأن توقع الجزاء المالي  على المتعاقد معها دون اللجوء إلى القضاء ، كما لها الحق في فسخ العقد كذلك، وتملك الإدارة وسيلة التنفيذ الجبري اتجاه المتعاقد معها في حالة الإخلال بتنفيذ بنود العقد، وهذه القواعد لا توجد في القانون المدني، بل هي قواعد استثنائية معروفة فقط في القانون الإداري، كما أن مسؤولية الإدارة عن أعمالها وأعمال موظفيها هي مسؤولية إدارية متميزة عن قواعد القانون المدني.

ورغم ذلك، هناك علاقة تربط بين القانونين، فالقانون المدني مثلا هو من نص في المادة 49 منه على الشخصية الاعتبارية والقانونية للمؤسسات الإدارية كالولاية والبلدية والدولة حتى تستطيع القيام بنشاطاتها، فلها ذمة مالية مستقلة وأهلية التعاقد والتقاضي ونائب يعبر عن إرادتها وفق المادة 50 منه، كما أن المادة 689 كفلت حماية مدنية للأموال العامة، فلا يجوز حجزها أو التصرف فيها أو امتلاكها بالتقادم، وهو ما يشكل ضمانة لاستمرارية خدمات المرفق العام والمحافظة على الأموال العامة، وتضمنت المادة129 منه أحكام المسؤولية في مجال الوظيف العمومي، حيث نصت على عدم مسؤولية الموظف عن الأفعال التي أضرت بالغير إذا  ثبت أنه قام بها تنفيذا لأوامر صدرت إليه من مسؤوليه. كما تضمنت المادة 677 حكما ينص على أن الإدارة في بعض الحالات وضمن شروط معينة وإجراءات محددة يمكنها نزع الملكية العقارية مقابل تعويض عادل ومنصف.

3- علاقة القانون الإداري بالقانون الجنائي: نص القانون الجنائي على عقوبات تطال كل من أهان قاضيا أو موظفا عموميا أو أحد رجال القوة العمومية بالقول أو بالفعل أو التهديد أثناء تأدية وظيفتهم أو بمناسبة تأديتها، وشدد العقوبات في حال كان الاعتداء بالقوة أو العنف،كما نص القانون الجنائي على جريمة العصيان باعتبارها تشكل هجوما على الموظف أو ممثلي السلطة العمومية عندما يقومون بتنفيذ الأوامر والقوانين واللوائح، وعاقب على جرائم التزوير في المحررات العمومية أو الرسمية مشددا العقوبة إذا كانت من طرف موظف عمومي، كما يعاقب على إفشاء أسرار الوظيفة  وسرقة المال العام والاختلاس وجرام الفساد بصفة عامة.

4-علاقة القانون الإداري بقانون الإجراءات المدنية والإدارية: تنظم قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية الدعوى أمام القضاء من حيث شروطها وقواعد الاختصاص النوعي والإقليمي وإجراءاتها وأدلة الإثبات وإصدار الأحكام وتنفيذها وطرق الطعن فيها. وعادة ما تكون الإدارة طرفا مدعى عليه في الدعوى، وبالتالي فهي تخضع لقانون الإجراءات المدنية والإدارية رقم 08-09 المؤرخ في 25 فيفري 2008، حيث نصت المادتان 800 و801 مثل على قواعد الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية والمواد 803-806 على قواعد الاختصاص الإقليمي، وقانون الإجراءات المدنية والإدارية هو من يحدد سلطة القاضي الإداري وإجراءات المنازعة الإدارية وإصدار الأحكام فيها في المادة الإدارية وطرق الطعن فيها، وهو ما يبن العلاقة بين القانونين.

5- علاقة القانون الإداري بالقانون المالي: يتناول القانون المالي جوانب النشاط المالي للدولة والمالية العامة لها سواء تعلق الأمر بالنفقات العامة أو الإيرادات العامة أو الميزانية العامة بهدف إشباع الحاجات  العامة للمواطنين. وهنا تكمن العلاقة بين القانونين، فمختلف الأجهزة الإدارية سواء كانت مركزية كالوزارات أو محلية كالبلدية والولاية أو مرفقية كالمؤسسة العمومية الإدارية تحتاج إلى نفقات عامة لمزاولة نشاطها وتحمل أعباء السلطة العامة وإشباع الحاجات العامة، ولهدا نجد مختلف الوزراء يقفون كل سنة أمام البرلمان من أجل مناقشة اعتماداتهم المالية ، ويكمن كذلك جانب من العلاقة بين القانونين في الإيرادات العامة ومنازعات الضرائب والجمارك وتنظيم الخزينة العمومية.

سادسا: أسس القانون الإداري:أن تحديد أساس القانون الإداري يعد ذا أهمية كبيرة، تكمن فيما يلي:

- تحديد القواعد القانونية الواجبة التطبيق على الإدارة العامة لدى ممارسة سلطاتها وصلاحياتها) القانون الواجب التطبيق(.

- تحديد الجهة القضائية صاحبة الاختصاص بالفصل في المنازعات الإدارية، خاصة بالنسبة للدول التي تتبنى ازدواجية القضاء كفرنسا ومصر والمغرب والجزائر وغيرها من الدول، وتوزيع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري ) القضاء المختص(، خاصة وأن قواعد الاختصاص النوعي تعد من النظام العام ولا يجوز مخالفتها.

ولقد اختلف الفقه الإداري في تحديد أساس القانون الإداري، وظهر هنا معياران هما معيار السلطة العامة ومعيار المرفق العام إلى جانب معيار المصلحة العامة.

1- معيار السلطة العامة (la puissance publique):يعد الفقيه موريس هوريو(Maurice Hauriou) والفقيه برتملي من أنصار هذا المعيار، حيث ينطلق من أن الدولة إرادتها تسموا على إرادة الأفراد، وبالتالي فهي تستعمل أساليب السلطة العامة مثل نزع ملكية الأفراد أو غلق الطرق والمحلات أو تنظيم حركة المرور وتقييد حريات الأشخاص، فالإدارة في أعمالها هذه تخضع لمبادئ وأحكام القانون الإداري، كما أن منازعاتها يختص بالفصل فيها القاضي الإداري. وأعمال السلطة العامة تسمى كذلك أعمال الإدارة (Actes d’autorité)، أما عندما تنزل الإدارة إلى مرتبة الأفراد العاديين وتباشر أعمالا مدنية أو أعمال الإدارة العادية أو أعمال التسيير(Actes de gestion) فهي تخضع للقانون العادي ، إذن فهذا المعيار يميز بين نوعين من الأعمال أعمال السلطة العامة وأعمال التسيير، وأعمال السلطة العمة هي فقط من تخضع للقانون الإداري والقضاء الإداري. ويحدد الفقيه برتملي أعمال السلطة العامة بأنها " التصرفات التي تأتيها الإدارة بموجب سلطة الأمر والقيادة، والتي تخرجها  من نطاق القانون العام) المشترك( ، حيث لا يستطيع الأفراد  القيام بمثل هذه الأعمال ) مثلا لا يستطيع الأفراد  اتخاذ قرار حظر التجول بل هو سلطة فقط للإدارة العامة(، ومن أمثلة أعمال التسيير التي تخضع فيها الإدارة العامة للقانون العادي والقضاء العادي  تنازل البلدية عن أملاكها الخاصة أو شراؤها  لقطعة أرض بالتراضي  من أحد الأفراد دون اللجوء إلى إجراء نزع الملكية  من أجل المنفعة العامة ) نزع الملكية يعد من أعمال السلطة العامة(

نقد معيار السلطة العامة: من أهم ما وجه لهذا المعيار من انتقادات هو صعوبة التمييز بين أعمال السلطة وأعمال التسيير.

2-معيار المرفق العام(le service public): قاد مدرسة المرفق العام الفقيه الفرنسي ليون دوجيDuguit  وجيزJeze وبوناردBonnard ، في بداية القرن العشرين؛ حيث ينفون تمتع الدولة بالشخصية المعنوية التي تجعلها تتمتع بالسلطة والسيادة مثلما يذهب أنصار معيار السلطة العامة، بل إن الدولة مجموعة مرافق عامة مهمتها خدمة المجتمع وإشباع حاجات أفراده وتحقيق المصلحة العمة، وعليه ففكرة المرفق العام هي من تحدد اختصاص القانون الإداري والقضاء الإداري.

ويقصد بالمرفق العام مجموع الهيئات والمؤسسات الإدارية العامة أو التنظيم ) وفقا للمعيار العضوي أو الشكلي(، حيث يتولى القيام بكل نشاط من أجل إشباع الحاجات العامة للمواطنين) المعيار الموضوعي أو المادي( كالدفاع والصحة والتعليم.

ووفقا لأصحاب هذا المعيار فان أساس القانون الإداري هو نظرية المرفق العام ، فالأشخاص الدين يعملون في المرفق العام هم موظفون عموميون يخضعون لقانون الوظيف العمومي وليس لقانون علاقات العمل الفردية، وعقود المرافق العامة هي عقود إدارية  تتميز عن العقود الخاصة أو المدنية، وأمواله هي أموال عامة لا تخضع لقواعد الملكية الخاصة  ومنازعاتها هي منازعات إدارية  يختص بها القضاء الإداري وليس القضاء العادي. وتبعا لذلك فان القانون الإداري هو قانون المرافق العامة.

أزمة فكرة المرفق العام: لقد رأينا سابقا بأن حكم بلانكو الشهير الصادر عن محكمة التنازع الفرنسية في 08 فيفري 1873 هو تاريخ نشأة معيار المرفق العام. غير أن هناك العديد من الأسباب والعوامل التي ساهمت في ظهور أزمة المرفق العام كمعيار وأساس للقانون الإداري ومن بينها:

أ- اتساع نشاط تدخل الإدارة العامة ) السلطة العامة( في المجالات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية، حيث لم يعد عملها مقتصرا على المرافق العامة الإدارية مثلما كان الحال عليه عند صدور قرار بلانكو، وبالتالي لم يعد إخضاع الإدارة للقانون الإداري كافيا خاصة بعد إنشاء المؤسسات العمومية الصناعية والتجارية EPIC التي تتولي تسيير مرافق عمومية ذات طابع صناعي وتجاري، حيث نشأت هذه المرافق بعد ويلات الحرب العالمية الأولى  التي فرضت مزيدا من تدخل الإدارة، فلم تعد المرافق إدارية فقط بل اقتصادية وتجارية واجتماعية كذلك ، وعليه فمن غير المعقول تطبيق نفس الأحكام عليها جميعا.

والمرافق العامة ذات الطابع الاقتصادي تخضع لنوعين من القواعد، فهي تخضع أساسا  لأحكام القانون الخاص  وعمالها يخضعون لقانون العمل  وليس لقانون الوظيف العمومي، كما أنها تخضع لقواعد القانون الإداري في علاقتها مع الوصاية) الجهة الإدارية أو الوزارة الوصية عليها التي تتبعها(.

ب- تزايد مساهمة الخواص في إدارة وتسيير المرافق العامة ) سواء الأفراد أو الشركات(، من خلال إتباع أسلوب الامتياز أو الالتزام، مثل تولي الأفراد إدارة وتسيير مرفق النقل العمومي أو مرفق النظافة العمومية أو مرفق السباحة ...الخ.

وعليه فان فكرة المرفق العام أصبحت عاجزة لوحدها لكي تكون أساسا ومعيارا للقانون الإداري ) قضاء وقانونا(.

ج-معيار المصلحة العامة:يقوم هذا المعيار على أساس أن المرافق العامة سواء كانت إدارية أو اقتصادية فان هدفها واحد هو تحقيق المصلحة العامة، وهذا ما يراه الفقيه مارسيل فالين، إلا أن هذا المعيار تعرض للانتقاد بسبب صعوبة تحديد فكرة المصلحة العامة باعتبارها فكرة مرنة ومطلقة.

وأمام صعوبة الأخذ بمعيار واحد للقانون الإداري اتجه الفقه الفرنسي إلى الأخذ بمعيار مركب في تحديد أساس القانون الإداري أي تكامل المعايير جميعا وهو ما أخد به مجلس الدولة الجزائري في معظم قراراته.

المحور الثاني: التنظيم الإداري

يقوم التنظيم الإداري على أساسين:

- الأساس القانوني: ويتمثل في نظرية الشخصية المعنوية، كسند لتوزيع الاختصاصات الموكلة للأجهزة الإدارية.

- الأساس الفني/التقني: ويتمثل في طرق التنظيم الإداري وهي المركزية الإدارية واللامركزية التي من خلالها يتم توزيع النشاط الإداري بين مختلف الأجهزة الإدارية.

أولا: الأساس القانوني) نظرية الشخصية المعنوية(

1-تعريف الشخصية المعنوية وأهميتها: هي مجموعة من الأشخاص أو الأموال تتحد وتتكاتف وتتعاون من أجل تحقيق غرض معين وهدف مشروع ويعترف لها بالشخصية القانونية. إذن فإضفاء هذه الشخصية القانونية عليها نظرا لخصوصية أهدافها ومصالحها كالدولة والبلدية والولاية والجمعيات والشركات التجارية وغيرها، ويقصد بالشخصية القانونية القدرة أو المكنة على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات.

أهمية الشخصية المعنوية: إن الإدارة العامة هي في النهاية مجموعة أشخاص معنوية عامة تضمن ديمومة الدولة، وهذه الشخصية المعنوية هي التي تضمن استمرارها في إشباع الحاجات العامة للأفراد، كما تعد وسيلة لتوزيع الاختصاصات بين مختلف الأجهزة الإدارية إقليميا ومرفقيا، وتحديد العلاقات وتقسيم المهام بينها. والأعوان أو الأشخاص الطبيعيون يقومون بهده الوظائف باسم الشخص المعنوي ولحسابه، فالوالي يتصرف باسم الولاية ورئيس البلدية باس البلدية..الخ، واذا كانت هناك هيئات إدارية لا تتمتع بالشخصية المعنوية كالدائرة مثلا فإنها تكون دوما تابعة لشخص معنوي وهو الولاية في مثل هذه الحالة، كما أن هذه الشخصية المعنوية هي التي تعطي للمؤسسة الإدارية الاستقلال القانوني للقيام بنشاطها وما يترتب عليه من حقوق والتزامات أو مسؤوليات.

وقد اختلف الفقه بشأن الشخصية المعنوية، بين رأي يراها افتراضية لأنها على تحوز على إرادة حقيقية بخلاف الشخص الطبيعي، ورأي ثان يرى الشخصية المعنوية حقيقة موجودة ، فهي تؤدي إلى نشوء إرادات مشتركة منفصلة عن إرادات المؤسسين لها، بينما رأي ثالث ينكر فكرة الشخصية المعنوية من الأساس باعتبار الشخص المعنوي لا أساس له في الواقع.

لكن رغم هذا الاختلاف الفقهي إلا أن القيمة القانونية للشخصية المعنوية تظل قائمة لا يمكن إنكارها لاسيما بعد النص الصريح عليه من طرف القانون المدني في المادة 49 منه.

2- أنواع الأشخاص المعنوية العامة: ينقسم الشخص المعنوي إلى شخص معنوي عام وشخص معنوي خاص )الشركات والجمعيات مثلا(، أما الأشخاص المعنوية العامة فتنقسم إلى شخص معنوي عام إقليمي وشخص معنوي عام مرفقي، هذا ونصت المادة 49 من القانون المدني على ما يلي:

" الأشخاص الاعتبارية هي:

- الدولة، الولاية، البلدية.

- المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري.

- الشركات المدنية والتجارية.

- الوقف.

- كل مجموعة من أشخاص وأموال يمنحها القانون شخصية قانونية ".

وبالتالي فان المشرع الجزائري من خلال نص المادة49 تبنى صراحة نظرية الشخصية المعنوية لما لها من قيمة وـأثر قانوني، وهذا التعداد للأشخاص المعنوية في نص المادة جاء على سبيل المثال وليس الحصر.

أ-الأشخاص المعنوية العامة الإقليمية: وهي التي تمارس اختصاصاتها وصلاحياتها في حيز إقليمي معين وفقا للاختصاص الإقليمي لها وهي:

- الدولة: وهي الشخص المعنوي العام الأم وتمارس اختصاصاتها على كافة أرجاء الدولة، ويقصد بالدولة هنا المعنى الضيق لها في القانون الإداري ، أي السلطات المركزية في الدولة.

- الولاية: وتمارس صلاحياتها في نطاق جغرافي معين، وهي تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال القانوني، ويحكمها القانون رقم 12-07 المؤرخ في 21 فيفري 2012 المتضمن قانون الولاية.

- البلدية: وهي الشخص المعنوي الإقليمي القاعدي في الإدارة الجزائرية، وهذا ما نص عليه التعديل الدستوري لسنة 2020 السالف الذكر، وتخضع البلدية للقانون رقم 11-10 المؤرخ في 22 جوان 2011 المتعلق بالبلدية. ويتم إنشاء كل من البلدية والولاية بقانون صادر عن السلطة التشريعية.

ب-الأشخاص المعنوية العامة المرفقية )المصلحية(: ويرتكز وجودها على الاختصاص المرفقي أي التدخل في نشاط معين والتكفل به، وفقا لمبدأ التخصص مثل الجامعة )التعليم العالي(، والمستشفى )العلاج(. الخ.  وكمثال على ذلك نصت المادة 153 من قانون البلدية على أنه " يمكن البلدية أن تنشئ مؤسسات عمومية بلدية تتمتع بالشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة من أجل تسيير مصالحها".

فالبلدية تستطيع مثلا إنشاء مؤسسة عمومية لجمع النفايات، أو تسيير المسبح البلدي، أو مرفق النقل البلدي..الخ، وهذا من أجل زيادة فاعلية نشاطها.

3- أركان الشخص المعنوي:

أ- مجموعة من الأشخاص )أفراد( كالجمعيات أو الأموال )أشياء( كشركات المساهمة أو هما معا مثل البلدية )أفراد وأموال ( .

ب- له غرض مشروع )مبدأ المشروعية(.

ج- الاعتراف من طرف السلطة المختصة وبموجب الوسيلة القانونية المناسبة، فالبلدية والولاية يتم إنشاؤهما بموجب قانون صادر عن البرلمان، والجمعيات تنشأ بعد توافر شروط اعتمادها طبقا للقانون رقم 12-06 المؤرخ في 12 جانفي 2012 المتعلق بالجمعيات.

4- النتائج المترتبة على الشخصية المعنوية) المادة 50 من القانون المدني(:

أ-ذمة مالية مستقلة: patrimoine فالولاية أو البلدية  أو المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري لها ذمة مالية مستقلة عن الدولة، فهي تعد ضامنة لديونها وتتحمل الالتزامات الناتجة عن نشاطاتها.

ب- الأهلية Capacité : سواء كانت أهلية وجوب أو أهلية أداء، وهذه الأهلية تكون في حدود صلاحياتها ولا يمكن تجاوزها وإلا كانت مشوبة بعيب عدم المشروعية، والشخص المعنوي له حق التقاضي والتعاقد، فله حق رفع دعوى أمام القضاء  وإبرام العقود والصفقات.

ت- موطن Domicile : وهو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارتها، ويعد الموطن مهما في تحديد الاختصاص القضائي  والإقليمي، وينص كل من قانوني البلدية والولاية على أن كلاهما لديه اسم وإقليم ومقر رئيسي.

ث- نائب يعبر عنه: وهو الشخص الطبيعي الذي يمثله ويبرم العقود باسمه، فالوالي يعد نائبا عن الولاية ورئيس المجلس الشعبي البلدي عن البلدية، ومدير المستشفى عن المستشفى...الخ.

5- نهاية الشخص المعنوي: ينتهي الشخص المعنوي بانتهاء المدة التي أنشئ من أجلها إذا كان مؤقتا أو بتحقق الغرض الذي أنشئ من أجله، كما ينتهي بالحل والإلغاء. والحل إما أن يكون اتفاقيا أي بإرادة المؤسسين له كالجمعيات، أو إداريا كقرار البلدية حل مؤسسة عمومية بلدية، أو قضائيا بتدخل من القضاء، أو من طرف المشرع بموجب القانون كأن يتم إلغاء بلدية أو ولاية بموجب قانون يعيد النظر في التقسيم الإقليمي للبلاد مثلا.

وعندما ينتهي الشخص المعنوي فان شخصيته المعنوية تبقى قامة الى غية تصفية كل ديونه، ودخول حقوقه إلى الجهة التي أنشأته.

ثانيا: الأساس الفني ) المركزية واللامركزية(

1- المركزية الإدارية:

أ- تعريفها: يقصد بها قصر الوظيفة الإدارية في الدولة على ممثلي الحكومة في العاصمة وهم الوزراء دون مشاركة من جهات أخرى، فهي تقوم على توحيد الإدارة  وجعلها تنبثق من مصدر واحد مقره العاصمة.

كما تعني جمع الوظيفة الإدارية بيد شخص معنوي عام واحد هو الدولة، حيث تتولى وتسيطر على النشاط الإداري، وان تعددت الهيئات والأفراد القائمين به، وفق نظام السلطة الرئاسية.

إذن فالمركزية تقوم على توحيد كل سلطات اتخاذ القرار بيد سلطة مركزية تتمثل في رئيس الدولة والوزير الأول والوزراء والهيئات الوطنية الأخرى.

ب-أركان المركزية الإدارية:

* تركز الوظيفة الإدارية بين أيدي الإدارة المركزية )الوزراء(، حيث تشرف هذه الإدارة على معاونيها على اختلاف مستوياتهم سواء في العاصمة أو في بقية الأقاليم ويكونون خاضعين لها.

* السلطة الرئاسية le pouvoir hiérarchique: وهي الركن الأساسي في المركزية الإدارية، ويقصد بها مجموعة الاختصاصات التي يتمتع بها كل رئيس في مواجهة مرؤوسيه من خلال رابطة التبعية والخضوع  وفق نظام التدرج أو التسلسل الإداري )السلم الإداري(.  والسلطة الرئاسية ليست امتيازا أو حقا مطلقا للرئيس الإداري بل هي اختصاص يمنحه القانون من أجل تحقيق المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام، إذن فهي علاقة قانونية بين العاملين في الإدارة العامة، تخول الرئيس سلطات معينة اتجاه المرؤوس سواء  بالنسبة لشخصه أو أعماله أثناء ممارسة النشاط الإداري، وقد كرس الأمر رقم 06-03 المؤرخ في 15 جويلية 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية مبدأ السلطة السلمية كآلية من آليات التنظيم الإداري في المواد 24،40،47 و48 منه. والسلطة الرئاسية لا تحتاج إلى نص لممارستها.

مظاهر السلطة الرئاسية:

* سلطة الرئيس اتجاه شخص المرؤوس: يملك الرئيس صلاحيات وسلطات اتجاه مركز المرؤوس الشخصي، بدءا من التعيين وترقيته ونقله وتأديبه، ويملك المرؤوس الحق في الطعن في قرارات الرئيس إداريا وقضائيا إذا ما ثبت إساءة استعمال سلطته، لأنها ليست سلطة مطلقة بل تمارس وفق الإجراءات والقواعد القانونية.

* سلطة الرئيس اتجاه أعمال المرؤوس: يمكن للرئيس مراقبة أعمال المرؤوس سواء كانت رقابة سابقة )التوجيه( قبل آداء مهامه، أو رقابة لاحقة )التعقيب( بعد آداء هده المهام.

-رقابة التوجيه: وتكون من خلال إصدار أوامر وتعليمات شفوية أو كتابية تبين للمرؤوس طريقة آداء عمله، وادا كان المرؤوس ملزما بإطاعة الأوامر المشروعة للرئيس، فان التساؤل يطرح بالنسبة للأوامر المخالفة للقانون؟

وهنا ظهرت ثلاثة آراء فقهية وتتمثل فيما يلي:

- الرأي الأول: تزعمه الفقيه ديجي ويرى بأن المرؤوس ليس ملزما بأوامر الرئيس غير المشروعة، بل هو ملزم فقط بتطبيق القانون تحقيقا لمبدأ المشروعية، وبالتالي إذا طبق المرؤوس هذه الأوامر غير المشروعة يعد قد ارتكب خطأ شخصيا ويتحمل المسؤولية.

- الرأي الثاني: تزعمه الفقيه هوريو، ويرى بأن الأوامر غير المشروعة ملزمة للمرؤوس وعليه تنفيذها، مع عدم اعتبار ذلك خطأ شخصيا بل خطأ مرفقيا أو مصلحيا يرتب المسؤولية الإدارية ويكون المرؤوس هنا محميا.

- الرأي الثالث: ويرى أن المرؤوس عليه تنبيه رئيسه إلى أن أوامره مخالفة للقانون، فإذا أصر الرئيس على تنفيذها وجب على المرؤوس تنفيذها مع تحمل الرئيس للمسؤولية وحده.

موقف المشرع الجزائري: نصت المادة 129 من القانون المدني" لا يكون الموظفون والأعوان العموميون مسؤولين شخصيا عن أفعالهم التي أضرت بالغير إذا قاموا بها تنفيذا لأوامر صدرت إليهم من رئيس، متى كانت إطاعة هذه الأوامر واجبة عليهم". وعليه فان هذه المادة  استبعدت الخطأ الشخصي واعتمدت الخطأ المرفقي أو المصلحي.

- رقابة التعقيب )الرقابة اللاحقة(: بعد قيام المرؤوس بعمله، يمكن للرئيس أن يتخذ عدة إجراءات أو سلطات اتجاهه وهي: التصديق، التعديل، الإلغاء والحلول.

* التصديق: وهو إجازة وإقرار عمل المرؤوس وبالتالي نفاذه قانونا، سواء كان التصديق صريحا من خلال صدور قرار يجيز العمل، أو كان تصديقا ضمنيا من خلال سكوت الرئيس عن التعبير صراحة عن إرادته خلال مدة زمنية معينة مما يدل على إقراره ضمنيا، بحيث أن انقضاء هذه المدة يجعل القرار منتجا لآثاره.

*التعديل: يستطيع الرئيس إدخال تعديلات وتغييرات على عمل المرؤوس سواء بالزيادة أو النقصان، حتى يكون متوافقا مع القانون )مبدأ المشروعية(، ومستجيبا للعمل الإداري وتحقيق مقتضبات المصلحة العامة )مبدأ الملاءمة(.

* الإلغاء: وهنا يضع الرئيس حدا للآثار والنتائج المترتبة على عمل المرؤوس مستقبلا، أي بأثر فوري، مع ترك آثارها الماضية قائمة، احتراما لمبدأ عدم جواز المساس بالحقوق المكتسبة. هذا ويمكن للرئيس الإلغاء الإداري للقرارات الإدارية سواء كانت مشروعة)مبدأ الملاءمة( أو غير مشروعة )مبدأ المشروعية(، أما الإلغاء القضائي فيقتصر على القرارات غير المشروعة فقط مثلما يذهب إليه الفقه.

فإذا كانت قرارات وأعمال المرؤوس عدم مشروعيتها جسيمة، كأن تكون قد صدرت من شخص غير مختص فهنا يكون القرار منعدما، ولا يرتب أي أثر انطلاقا من قاعدة أن القرار الإداري المنعدم لا يتحصن أبدا ويستطيع الرئيس إلغاءه في أي وقت.

-الفرق بين الإلغاء والسحب: يقصد بالسحب إنهاء الآثار القانونية للتصرفات الإدارية  وإعدامها بأثر رجعي والقضاء على آثارها في الماضي والمستقبل، أما الإلغاء فأثره فوري ويمس المستقبل فقط. والسحب يمس القرارات غير المشروعة باعتبارها لا تولد حقا ولا تنشئ مركزا قانونيا مكتسبا كأن يصدر القرار مخالفا لنص صريح في القانون أو التنظيم أو من شخص غير مختص، ولابد أن تمارس سلطة السحب خلال فترة زمنية معينة وإلا تحصن القرار ضد السحب، والمدة المقررة هنا هي التي يقررها القانون للطعن في القرار الإداري  وهي أربعة أشهر.

*الحلول: ويكون في حالة تقاعس المرؤوس عن آداء مهامه، فيتولى الريس بنفسه القيام بها ضمانا لاستمرارية الخدمات العامة وحسن سير المرفق العام باطراد وانتظام، فممارسة سلطة الحلول تتطلب شرطين هما:

- ضرورة اصدر أمر إلى المرؤوس للقيام بالعمل.

- إصرار المرؤوس على الامتناع عن التنفيذ.

ج-أشكال )صور( المركزية الإدارية:

* التركيز الإداري )المركزية المطلقة، المكثفة، الكاملة، الوحشية، الوزارية(: وهنا تكون السلطة الإدارية في جزئياتها وعمومياتها كلها في يد الوزراء في العاصمة، أما ممثلوهم في الأقاليم فهم مجرد منفذين لها وعليهم الرجوع إلى الوزير في كل صغيرة وكبيرة تخص شؤون الإقليم، مما يؤثر سلبا على الأفراد وخدمات المرفق العام. إلا أن التركيز الإداري المطلق لم يعد موجودا في الواقع لأنه غير فعال، وللتخفيف منه تم الاتجاه نحو نظام عدم التركيز الإداري.

* عدم التركيز الإداري )المركزية النسبية، المخففة، الاوزارية، البسيطة (: ظهر بسبب مساوئ التركيز الإداري واتساع النشاط الإداري وتدخل الدولة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية لتلبية الحاجات العامة للمواطنين من خلال تفويض ممثلين عنها في الأقاليم لتولي نشاطات إدارية دون أن تكون مستقلة عن السلطة المركزية قانونيا، فالوالي المنتدب ووالي العاصمة والمدير التنفيذي الولائي كمدير التجارة أو مدير الصحة ورئيس الدارة يعملون باسم الدولة )السلطة المركزية( وهم يمثلون أجهزة عدم التركيز الإداري لأنهم يتخذون القرارات باسم الوزراء في العديد من الملفات، ونظام عدد التركيز يخفف العبء عن الوزراء خاصة فيما يتعلق بالشؤون المحلية، كما أنه يساهم  في محاربة البيروقراطية.

يركز عدم التركيز الإداري على فكرة التفويض la délégation لضمان نجاعة العمل الإداري، حيث تفوض السلطات المركزية بعض صلاحياتها واختصاصاتها لكبار الموظفين في الأقاليم أو المحافظات أو الولايات مثل الوالي دون منحهم الاستقلال القانوني ،أي تفويض الاختصاص لهم ، وقد يكون هناك تفويض في الإمضاء كذلك.

شروط التفويض:

- أن يستند إلى نص قانوني تشريعي أو تنظيمي ينص عليه صراحة.

- تحكم التفويض قاعدة " لا تفويض في التفويض"، إذ لا يجوز للمفوض أن يقوم بدوره بالتفويض فيما فوض إليه إلى الغير.

- يكون التفويض في الاختصاص جزئيا فلا يمكن لصاحب الاختصاص أن يفوض كل سلطاته للمفوض إليه وإلا اعتبر متخليا عن مهامه.

- تبقى مسؤولية المفوض قائمة إلى جانب مسؤولية المفوض له.

4- مزايا وعيوب المركزية الإدارية:

* المزايا )الايجابيات( :

- من الناحية السياسية: تؤدي إلى تقوية نفوذ السلطة المركزية وهيمنتها على مختلف الأقاليم ، والحفاظ على الوحدة الوطنية للدولة.

- من الناحية الإدارية: تحقيق المساواة والعدالة بين الأفراد المتعاملين مع الإدارة وتوحيد المعاملات والإجراءات الإدارية مما يؤدي إلى القضاء على البيروقراطية وزيادة نجاعة العمل الإداري.

- من الناحية المالية:تقلل المركزية من الإنفاق العام وبالتالي الحفاظ على المال العام للدولة.

* العيوب )السلبيات( :

- من الناحية السياسية: إن بسط سلطة الإدارة المركزية يؤدي إلى حرمان الأجهزة المنتخبة  والجمهور من المشاركة في صنع القرار المحلي، وتقوية الدكتاتورية والحد من مبدأ الديمقراطية الإدارية.

- من الناحية الإدارية: بطء الإجراءات الإدارية وتعقدها وكثرة الملفات بسبب تركيزها في يد جهة واحدة مما يؤدي إلى انتشار البيروقراطية بمفهومها السلبي وتجاهل الانشغالات المحلية للأقاليم.

ثانيا: اللامركزية الإدارية

1- تعريفها: تعرف بأنها " توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين هيئات محلية  أو مصلحية مستقلة، بحيث تكون هده الهيئات في ممارستها لوظيفتها الإدارية تحت إشراف ورقابة الحكومة المركزية". كما تعرف بأنها " النظام الإداري الذي يقوم على توزيع السلطات والوظائف الإدارية بين الإدارة المركزية وهيئات ووحدات إدارية أخرى إقليمية أو مصلحية مستقلة قانونيا عن الإدارة المركزية بمقتضى تمتعها بالشخصية المعنوية، مع بقاها خاضعة لقدر معين من رقابة تلك الإدارة".

2- أركناها:

أ- الاعتراف بوجود شؤون ومصالح محلية)إقليمية( متميزة عن المصالح الوطنية)المركزية(: ويعبر عن ذلك من خلال التضامن بين احتياجات وانشغالات سكان إقليم أو ولاية معينة من الدولة تختلف عن الاحتياجات والمصالح  الوطنية المشتركة بين جميع مواطني الدولة، فالأولى تتكفل بها الإدارة المحلية اللامركزية والثانية تتكفل بها الإدارة المركزية. والمصالح المحلية واختصاصها يحدده قانون صادر عن السلطة التشريعية وهو ما يشكل ضمانة لحمايتها من تدخل الإدارة المركزية واحتمال التضييق عليها بموجب قرارات إدارية ، مثلا من خلال قانون البلدية رقم 11-10 السالف الذكر وقانون الولاية 12-07 السابق.

ب- إنشاء أجهزة محلية منتخبة ومستقلة تتولى تسيير هده المصالح الإقليمية المحلية: من خلال تمتعها بالشخصية المعنوية والاستقلال القانوني مثلما تم شرحه سابقا. وهدا الاستقلال القانوني هو جوهر الفرق بين اللامركزية الإداريةDécentralisation  و عدم التركيز الإداري Déconcentration  الذي يعد شكلا من أشكال المركزية الإدارية.

فعدم التركيز يستند على مبدأ التفويض في الاختصاص نظرا لارتباط المفوض مع المفوض إليه بعلاقة السلطة الراسية، دون أي استقلال قانوني، أما اللامركزية فتقوم على تحويل ونقل السلطات والاختصاصات إلى الأجهزة اللامركزية بنص القانون.

الانتخاب: وهو شرط لقيام النظام اللامركزي، بديمقراطية تكرس الاستقلال القانوني خاصة في اللامركزية الإقليمية، رغم أن التعيين يعتمد في صورة اللامركزية المرفقية حيث عادة ما يتم تعيين كفاءات لتسيير هياكلها كما هو الشأن بالنسبة للمؤسسات العامة.

ج- الخضوع للرقابة الإدارية )الوصاية( : وتتجلى مظاهرها فيما يلي:

- الرقابة على الهيئات اللامركزية نفسها: حيث يمكن للإدارة المركزية )سلطة الوصاية(  إيقاف أو حل أجهزة الإدارة اللامركزية طبقا للشروط والإجراءات القانونية دون المساس بشخصيتها المعنوية، فالإيقاف يكون لمدة زمنية معينة أي مؤقتا لاعتبارات تستند إلى مبدأ المشروعية أو الملاءمة، أما الحل فيؤدي إلى الإنهاء الدائم للهيئة اللامركزية كالمجلس الشعبي البلدي المنتخب، وهو إجراء خطير لأنه يمس بمبدأ الاختيار الشعبي والديمقراطي ولهدا أحاطه المشرع بشروط معينة وهدا ما نص عليه قانوني البلدية والولاية السالفين الذكر.

- الرقابة على الأشخاص: سواء كانوا معيين أو منتخبين في الإدارة اللامركزية، حيث تستطيع الإدارة المركزية توقيف عضو منتخب لمدة محددة عن القيام بمهامه أو إقالته لتوليه مهاما إدارية أخرى أو عزله بسبب إدانة قضائية مسته.

- الرقابة على الأعمال: ونميز بين:

* الرقابة السابقة )التوجيه(: لا يمكن للإدارة المركزية توجيه أوامر وتعليمات للإدارة اللامركزية لأن دلك يمس استقلالها القانوني وشخصيتها المعنوية.

* الرقابة اللاحقة )سلطة التعقيب(: وهنا لا تملك الإدارة المركزية إلا  أن تصدق أو أن تلغي أعمال الإدارة اللامركزية دون تعديلها.فقراراتها ومداولاتها يجب اطلاع الإدارة الوصية عليها قبل تنفيذها لمراقبة مدى مشروعيتها وملاءمتها ومن ثم التصديق عليها أو إلغائها وفق ما يحدده القانون من شروط وإجراءات من أجل ضمان استقلاليتها وحتى في حالة تصديق الإدارة المركزية عليها تبقى الإدارة اللامركزية متحملة المسؤولية عن نتائج قراراتها، وفي المقابل يمكن للإدارة اللامركزية في حالة إلغاء قراراتها أن تطعن إداريا أو قضائيا في هذه الحالة.

تملك الإدارة المركزية كذلك سلطة الحلول في حالات محددة مكان الإدارة المحلية في القيام بأعمال هي من اختصاصاتها وصلاحياتها، وفق شروط محددة، فلا حلول إلا إذا ألزم القانون الجهة اللامركزية بالقيام بعمل معين مثل النفقات الإلزامية )راجع المادة 183 من قانون البلدية(، وتقاعست الإدارة اللامركزية أو امتنعت عن القيام بهذا العمل رغم اعذارها.

الفرق بين الرقابة الوصائية والسلطة الرئاسية:

- القاعدة العامة أنه لا وصاية إلا بنص، بينما السلطة الرئاسية ممارستها مفترضة في النظام المركزي، فالوالي لا يمارس الوصاية على البلدية إلا وفق قانون البلدية، أما اتجاه ريس الدائرة فيتمتع بصلاحيات واسعة باعتباره مرؤوسا له.

- الهيئات اللامركزية لها أهلية وحق التقاضي لتمتعها بالشخصية المعنوية، فيمكنها الطعن قضايا في قرارات السلطة الوصية، أما المرؤوس طبقا للسلطة الرئاسية فلا يمكنه الطعن قضائيا والاعتراض على قرارات الرئيس لانعدام الصفة والمصلحة.

- من حيث المسؤولية: تبقى مسؤولية الرئيس قائمة إلى جانب المرؤوس، أما في الإدارة اللامركزية فهي من تتحمل وحدها مسؤولية أعمالها وتصرفاتها.

3- أشكال اللامركزية الإدارية:

أ-اللامركزية الإقليمية: وتستند إلى الاختصاص الإقليمي، حيث تباشر هيئاتها الاختصاص ضمن نطاق جغرافي معين كالبلدية والولاية.

ب-اللامركزية المرفقية: وتتمثل في منح مرفق معين كالتعليم أو الصحة أو النظافة الشخصية المعنوية والاستقلال عن السلطة المركزية للقيام بنشاطاته مثل المؤسسات العامة، فهي ترتكز على الاختصاص الموضوعي أو الوظيفي، وتختلف اللامركزية المرفقية عن الإقليمية في كون الأولى تعتمد على التعيين )يقوم بتسييرها عادة كفاءات وخبراء كالجامعة أو المستشفى ( أما الثانية فمنتخبة، لكن يبقى تعزيز دورها مرتبطا بتزويدها بسلطات واختصاصات فعلية لاتخاذ القرار وتوفير الإمكانيات اللازمة والضمانات القانونية لدعم استقلالها.

كما أن الرقابة الإدارية في اللامركزية الإقليمية لها طابع سياسي، وفي اللامركزية المرفقية لها طابع فني أو تقني.

4- ايجابيات وسلبيات اللامركزية الإدارية:

أ-الايجابيات:

- سياسيا: تعد اللامركزية فضاء لممارسة الحريات العامة والمواطنة والديمقراطية فلا ديمقراطية بدون لامركزية.

-إداريا: تخفف العبء عن الإدارة المركزية، من خلال تحويل المهام إلى الهيئات اللامركزية وتحسين الوظيفة الإدارية لأن من يتولى تسيير الإدارة اللامركزية أفراد لهم اطلاع مباشر على مشاكلهم ومصالحهم، وبالتالي تلبية احتياجات مواطنيهم. كما تساهم في تبسيط الإجراءات الإدارية وتقريب الإدارة من المواطن.

- اجتماعيا: تحقيق العدل والمساواة من خلال التوزيع العادل للعائدات كالضرائب مثلا.

- اقتصاديا: فهي تستند إلى مركزية التخطيط ولامركزية التنفيذ  فالإدارة اللامركزية هي من تتولى التنفيذ.

ب-السلبيات:

- سياسيا: قد تؤدي اللامركزية إلى المساس بوحدة الدولة وقوة الإدارة اللامركزية جراء تفضيل المصالح المحلية على المصالح الوطنية وزرع الجهوية.

-إداريا: إن أسلوب انتخاب الهيئات اللامركزية قد يؤدي إلى تولى أشخاص لا يملكون الخبرة والكفاءة للمسؤولية  مما قد ينجم عنه عدم فعالية وكفاءة الإدارة اللامركزية.

الفرق بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية:

- اللامركزية الإدارية توجد في كل الدول البسيطة كالجزائر وفرنسا أو المركبة كالولايات المتحدة ، أما اللامركزية السياسية فتوجد في الدول المركبة فقط.

- تستمد الوحدات أو الولايات في اللامركزية السياسية صلاحياتها واختصاصاتها من الدستور،أما في اللامركزية الإدارية فتستمده من القانون الصادر عن السلطة التشريعية )قانون البلدية مثلا( .

- تتمحور اختصاصات الوحدات اللامركزية الإدارية على جزء من الوظيفة الإدارية في الدولة، كالتعليم أو الصحة مثلا، أما في اللامركزية السياسية أو الفدرالية فكل دويلة أو ولاية من دول الاتحاد تمارس وظائف إدارية تنفيذية، إلى جانب وظائف تشريعية وقضائية، حيث لها حكومتها وبرلمانها وقضاؤها الخاص بها.

                                       ثالثا: التنظيم الإداري الجزائري

كما هو الحال في الكثير من الدول، فان تنظيم الإدارة العامة الجزائرية  يقوم على أجهزة إدارية مركزية وأخرى لامركزية.

الإدارة المركزية في الجزائر: تتمثل الإدارة المركزية في الجزائر في المؤسسات الإدارية التالية: رئاسة الجمهورية، الحكومة، السلطات الإدارية المستقلة والمؤسسات الوطنية الاستشارية.

رئاسة الجمهورية: تعد رئاسة الجمهورية أهم ركن في الإدارة المركزية في الجزائر، وقد حدد المرسوم الرئاسي رقم 01-197 المؤرخ في 22/07/2007 صلاحياتها وتنظيمها.

تعيين وإنهاء مهام رئيس الجمهورية: نصت المادة 87 من التعديل الدستوري لسنة 2020 على الشروط الموضوعية والشكلية لمن يريد الترشح لرئاسة الجمهورية، حيث يشترط في المترشح لرئاسة الجمهورية أن:

- يتمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية فقط، ويثبت الجنسية الجزائرية الأصلية للأب والأم.

- لا يكون قد تجنس بجنسية أجنبية.               

- يدين بالإسلام.

- يبلغ س الأربعين كاملة يوم إيداع طلب الترشح.

- يتمتع بكامل حقوقه المدنية)كحق التملك( والسياسية)كحق الانتخاب والترشح(.

- يثبت أن زوجه يتمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية فقط

- يثبت إقامة دائمة بالجزائر دون سواها لمدة عشر سنوات على الأقل  قبل إيداع الترشح.

- يثبت مشاركته في ثرة أول نوفمبر 1954 إذا كان مولودا قبل يوليو 1942.

- يثبت تأديته الخدمة الوطنية أو المبرر القانوني لعدم تأديتها.

- يثبت عدم تورط أبويه في أعمال ضد ثورة أول نوفمبر 1954 إذا كان مولودا بعد يوليو 1942.

- يقدم التصريح العلني بممتلكاته العقارية والمنقولة داخل الوطن وخارجه.

كما نص القانون العضوي رقم 12-01 المؤرخ في 12 جانفي 2012 المتضمن نظام الانتخابات على ذلك.

وينتخب ريس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري. ويتم الفوز في الانتخاب بالحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين المعبر عنها)المدة 84( .

ومدة العهدة الراسية خمس سنوات. ولا يمكن لأحد ممارسة أكثر من عهدتين متتاليتين أو منفصلتين، وفي حالة انقطاع العهدة الرئاسية بسبب استقالة رئيس الجمهورية الجارية عهدته أو لأي سبب كان، تعد عهدة كاملة )المادة 88( .

انتهاء مهام رئيس الجمهورية: تنتهي مهام ريس الجمهورية بانتهاء مدة انتخابه)خمس سنوات(  أو بوفاته أو استقالته.

وقد تكون الاستقالة حكمية أو وجوبية بقوة القانون عند حصول مانع يتمثل في مرض خطير مزمن أو تكون استقالة إرادية.

ففي حالة وجود مانع نص الدستور على مجموعة من الإجراءات والآثار التي تنظم هذه الحالة، حيث نصت  المادة 94: إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، تجتمع المحكمة الدستورية بقوة القانون وبدون أجل، وبعد أن تتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة ، تقترح بأغلبية ثلاثة أرباع 3/4 أعضائها على البرلمان التصريح بثبوت المانع.

يعلن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي 2/3 أعضائه، ويكلف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقضاها خمسة وأربعون يوما، رئيس مجلس الأمة الذي يمارس صلاحياته مع مراعاة أحكام المادة 96 من الدستور.

في حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين يوما ، يعلن الشغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السابقتين وطبقا لأحكام الفقرات الآتية من هده المادة.

في حالة استقالة ريس الجمهورية أو وفاته، تجتمع المحكمة الدستورية وجوبا وتثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية، وتبلغ شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي يجتمع وجوبا.

يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون يوما تنظم خلالها انتخابات رئاسية. وفي حالة استحالة إجرائها يمكن تمديد هذا الأجل لمدة لا تتجاوز تسعين يوما، بعد أخد رأي المحكمة الدستورية.

لا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.

إذا اقترنت استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمة، لأي سبب كان، تجتمع المحكمة الدستورية وجوبا، وتثبت بأغلبية ثلاثة أرباع أعضائها3/4 الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية وحصول المانع لرئيس مجلس الأمة. وفي هذه الحالة يتولى رئيس المحكمة الدستورية مهام رئيس الدولة، ويضطلع رئيس الدولة المعين حسب الشروط المبينة أعلاه بمهمة رئيس الدولة طبقا للشروط المحددة في الفقرات السابقة وفي المادة 96 من الدستور. ولا يمكنه أن يترشح لرئاسة الجمهورية.

كما نصت المادة 96 أنه لا يمكن أن تقال أو تعدل الحكومة القائمة إبان حصول المانع لرئيس الجمهورية أو وفاته أو استقالته حتى يشرع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه.

يستقيل الوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة، وجوبا إذا ترشح لرئاسة الجمهورية، ويمارس وظيفة الوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة حينئذ أحد أعضاء الحكومة الذي يعينه رئيس الدولة.

صلاحيات وسلطات رئيس الجمهورية: نصت المادة 84 من التعديل الدستوري لسنة 2020:" يجسد رئيس الجمهورية، رئيس الدولة وحدة الأمة، ويسهر في كل الظروف على وحدة التراب الوطني والسيادة الوطنية.

يحمي الدستور ويسهر على احترامه.

يجسد الدولة داخل البلاد وخارجها".

ويملك ريس الجمهورية سلطة التعيين  والسلطة التنظيمية والحفاظ على أمن الدولة.

- يضطلع رئيس الجمهورية بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، بالسلطات والصلاحيات التالية:)المادة 88(

-  هو القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية، ويتولى وزارة الدفاع الوطني.

- يقرر إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي 2/3 أعضاء كل غرفة من غرفتي البرلمان.

- يقرر السياسة الخارجية للأمة ويوجهها.

- يرأس مجلس الوزراء.

- يعين الوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة وينهي مهامه.

- يتولى السلطة التنظيمية.

- يوقع المراسيم الرئاسية

- له حق إصدار العفو وحق تخفيض العقوبات أو استبدالها.

- يمكنه أن يستشير الشعب في كل قضية ذات أهمية وطنية عن طريق الاستفتاء.

- يستدعي الهيئة الناخبة.

- يمكن أن يقرر إجراء انتخابات رئاسية مسبقة.

-يبرم المعاهدات الدولية ويصادق عليها.

- يسلم أوسمة الدولة ونياشينها وشهاداتها التشريفية.

سلطة التعيين: يعين رئيس الجمهورية في الوظائف والمهام التالية: ) المادة 92(

-  الوظائف والمهام المنصوص عليها في الدستور.

- الوظائف المدنية والعسكرية في الدولة.

- التعيينات التي تتم في مجلس الوزراء باقتراح من الوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة.

- الرئيس الأول للمحكمة العليا.

- رئيس مجلس الدولة.

- الأمين العام للحكومة.

- محافظ بنك الجزار.

-القضاة.

- مسؤولي أجهزة الأمن.

- الولاة.

- الأعضاء المسيرين لسلطات الضبط.

- سفراء الجمهورية والمبعوثين فوق العادة إلى الخارج، وينهي مهامهم.

نصت المادة 93 أن رئيس الجمهورية يمكنه أن يفوض للوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة، بعضا من صلاحياته. غير أنه لا يجوز أن يفوض رئيس الجمهورية سلطته في تعيين الوزير الأول أو رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة وكذا رؤساء المؤسسات الدستورية وأعضائها الذين لم ينص الدستور على طريقة أخرى لتعيينهم. كما لا يجوز أن يفوض سلطته في اللجوء إلى الاستفتاء وحل المجلس الشعبي الوطني وتقرير إجراء الانتخابات التشريعية قبل أوانها.

السلطة التنظيمية: يقصد بها الاختصاصات المنوطة بأجهزة السلطة التنفيذية بسن قواعد قانونية عامة ومجردة لا تختلف من الناحية الموضوعية عن التشريعات الصادرة عن السلطة التشريعية، والفرق بينهما يكمن في كون السلطة التنظيمية تقوم بها أجهزة الإدارة العامة بينهما السلطة التشريعية فهي من اختصاص البرلمان أصلا. وفي هذا الصدد نصت المادة 141 من الدستور:" يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون". إذن فالسلطة التنظيمية لرئيس الجمهورية واسعة وغير محددة ومستقلة حيث حددتها المادة 11 بطريقة سلبية مما يجعلها سلطة واسعة تشمل كل المجالات باستثناء مجال القانون الذي يعد من اختصاص السلطة التشريعية حسب المادة 10 من الدستور.

ورئيس الجمهورية  يوقع مراسيم رئاسية بخلاف الوزير الأول الذي يوقع مراسيم تنفيذية.

الحفاظ على أمن الدولة: وهده الصلاحية تتمثل في مجموعة التدابير والإجراءات المتخذة في مجال الضبط الإداري العام والوطني، ففي حالة  وجود تهديد للأمن والاستقرار الوطنيين يمكن لرئيس الجمهورية  درء هدا الخطر من خلال عدة وسائل قانونية مثل إعلان حالة  الطوارئ والحصار ) المادة 97 (،أو الحالة الاستثنائية ) المادة 98 (أو حالة الحرب) المادة 100 ( .

الحكومة: تقوم السلطة التنفيذية  في الجزائر على مؤسستين هما رئيس الجمهورية والوزير الأول )رئيس الحكومة سابقا( ويختص ريس الجمهورية حصريا بتعيين الوزير الأول كما يمارس رقابة على تصرفاته باعتباره ينفذ برنامج رئيس الجمهورية من خلال إعداد مخطط الحكومة. ولا تعد المراسيم التنفيذية التي يصدرها الوزير الأول نافذة إلا بعد موافقة رئيس الجمهورية عليها، والحكومة تتكون من الوزير الأول وأعضاء الحكومة أو الوزراء.

الوزير الأول: التعيين وإنهاء المهام: يعين رئيس الجمهورية الوزير الأول بموجب مرسوم رئاسي ، ولم يحدد الدستور أية شروط لتولي هذا المنصب خلافا لمنصب رئيس الجمهورية. ونصت المادة 103 من التعديل الدستوري لسنة 2020 " يقود الحكومة وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية.

يقود الحكومة رئيس حكومة، في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية.

تتكون الحكومة من الوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة، ومن الوزراء الذين يشكلونها".

كما نصت المدة 104" يعين رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة بناء على اقتراح من الوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة".

والوزير الأول يقوم بإعداد مخطط عمل لتطبيق برنامج الرئيس بعد عرضه على مجلس الوزراء) المادة 105 (، ويقدم الوزير الأول مخطط عمل الحكومة إلى المجلس الشعبي الوطني للموافقة عليه بعد المناقشة العامة له ) المادة 106 (، كما يقدمه لمجلس الأمة كذلك لمناقشته.

وتنتهي مهام الوزير الأول بالوفاة والإقالة أو الاستقالة، فالرئيس يمكنه إقالة الوزير الأول بموجب مرسوم رئاسي وفقا لقاعدة توازي الأشكال دون استشارة أي طرف كان فله السلطة التقديرية في ذلك، أما الاستقالة فقد تكون إرادية) المادة 113(، وقد تكون حكمية وذلك في الحالات التالية:

- حالة عدم موافقة المجلس الشعبي الوطني على مخطط عمل الحكومة، وبالتالي يقوم رئيس الجمهورية بتعيين وزير أول جديد) المادة107 (.

- حالة ترشح الوزير الأول لرئاسة الجمهورية، ويترتب عن ذلك تعيين أحد أعضاء الحكومة لممارسة وظيفة وزير أول.

- في حالة عدم موافقة المجلس الشعبي الوطني على لائحة الثقة التي طلبها الوزير الأول ) المادة111/6 (.

ويترتب عن انتهاء مهام الوزير الأول سواء بالإقالة أو الاستقالة انتهاء مهام كل أعضاء حكومته.

الصلاحيات والسلطات: تنص المادة 112 من الدستور:" يمارس الوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة ، زيادة على السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، الصلاحيات التالية:

- يوجه وينسق ويراقب عمل الحكومة.

- يوزع الصلاحيات بين أعضاء الحكومة مع احترام الأحكام الدستورية.

- يقوم بتطبيق القوانين والتنظيمات.

- يرأس اجتماعات الحكومة.

- يوقع المراسيم التنفيذية.

- يعين في الوظائف المدنية للدولة التي لا تندرج ضمن سلطة التعيين لرئيس الجمهورية أو تلك التي يفوضها له هذا الأخير.

- يسهر على حسن سير الإدارة العمومية والمرافق العمومية".

والى جانب أعمال السيادة التي يباشرها الوزير الأول  في علاقته مع السلطة التشريعية كتقديم مخطط عمل الحكومة وتحضير مشاريع القوانين ومناقشته فانه بتمتع بصلاحيات إدارية تتمثل في سلطة التعيين والسلطة التنظيمية.فسلطة التعيين تتم بمراسيم تنفيذية بعد موافقة رئيس الجمهورية عليها، أما السلطة التنظيمية فتتجسد في المراسيم التنفيذية التي يصدرها الوزير الأول تنفيذا لمخطط عمل الحكومة، حيث نصت المادة 141/2 من الدستور" يندرج تطبيق القوانين في المجال التنظيمي الذي يعود للوزير الأول أو لرئيس الحكومة، حسب الحالة. والوزير الأول يختص دستوريا بتنفيذ القوانين الصادرة عن البرلمان.

 

 

 

 

     

ليست هناك تعليقات