بحث حول مفهوم القانون الدولي الانساني

 

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

وزارة الــدفــاع الــوطــنـــــي

الناحية العسكرية الثانية

المدرسة العليا للإدارة العسكرية

 

 

محـــــاضـــــــــــــرات

في

 

قانون النزاعات المسلحة

للطلبة  الضباط السنة الأولى ماستر

 

 

 

من إعداد :

الأستاذ : الدكتور طيبي محمد بلهاشمي الأمين

أستاذ محاضر بكلية الحقوق والعلوم السياسية

جامعة وهران 2 محمد بن أحمد

 

 

 

 

                              السنة الجامعية 2017-2018

 

 

مقدمة:

 

 

 قانون النزاعات المسلحة يعرف أيضا بقانون الحرب أو بالقانون الدولي الإنساني، لبيان ظهوره وتطّره مع ذكر مكوناته ومبادئه الرئيسة. كل فرد من القوات المسلّحة، أيا كانت رتبته، عليه مسؤولية شخصية في الانصياع إلى قانون النزاعات المسلّحة وضمان انصياع الآخرين له، واتخاذ الإجراءات في حالة انتهاكه. إذا خالفت القواعد، قد يمكن محاكمتك، وليس فقط أمام محاكم بلدك، ولن تستطيع التذرع بتنفيذ الأوامر العليا في دفاعك. تعد الانتهاكات الخطيرة لقانون النزاعات المسلّحة جرائم حرب يمكن محاكمة مرتكبيها أمام المحاكم الوطنية أو الدولية، كالمحاكم الخاصة التي أنشئت للتحقيق في انتهاكات القانون في يوغوسلافيا السابقة ورواندا، والمحكمة الجنائية الدولية. 


كذلك على القادة ضمان حصول الأفراد الخاضعين لقيادتهم على التدريب في ما يتصل بقواعد قانون النزاعات المسلّحة، وإصدار أوامر قانونية وغير مبهمة لهم، وتحمل المسؤولية في ما يتصل بالقرارات الصعبة، وضمان تنفيذ مهماتهم بصورة قانونية، والإبلاغ عن الانتهاكات التي يقوم بها أفراد العدو أو القوات الحليفة، بما فيها قواتهم، إلى السلطات العسكرية الأعلى.


إضافة إلى ذلك، يمكن مساءلة القادة في ظل القانون الجنائي إذا كانوا على علم، أو كان عليهم معرفة، وجود نية لدى الخاضعين لهم لارتكاب جرائم حرب، وفشلوا في منعهم من القيام بذلك، أو كانوا على علم، أو كان عليهم معرفة، أن الخاضعين لهم قد ارتكبوا جرائم حرب وفشلوا في معاقبتهم أو في الإبلاغ عن المخالفين.

 

من جهة أخرى تتعهد الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف بأن تحترم هذه الاتفاقيات وتكفل احترامها في جميع الأحوال. كذلك تتعهد بضمان نشر نصوص الاتفاقيات على أوسع نطاق ممكن، وخصوصًا في القوات المسلّحة. يكون طرف النزاع الذي ينتهك نصوص قانون النزاعات المسلّحة عرضة لدفع التعويضات إذا اقتضت الحالة ذلك، كما يكون مسؤولا عن كل الأفعال التي ترتكبها قواته المسلّحة.

 

الهدف من تدريس قانون النزاعات المسلحة :

 

تكمن هذه الأهمية، ويستوجب العلم بقانون النزاعات المسلّحة والانصياع له. لإن احترام القانون والانصياع له يؤكدان الحرفية الحقيقية لأفراد القوات المسلّحة وتعزيز الروح المعنوية والنظام، كذلك ضمان دعم السكان المدنيين في الدولة وفي مسرح العمليات، بالإضافة إلى ترجيح المعاملة بالمثل.

 

فعلى سبيل المثال، اعتماد هذه المعاملة بالنسبة للجرحى والمرضى وأسرى الحرب، وتحسين احتمالات العودة إلى سلام دائم، حيث تؤدي المرارة المترسبة نتيجة للسلوك غير الإنساني أو الوحشي أثناء النزاع إلى إبطاء أي عملية سلام أو لمّ شمل المجتمع، وأيضا ضمان تركيز المجهودات العسكرية على هزيمة العدو وليس على عمليات غير ضرورية وغير مثمرة.

من أجل كل تلك الأسباب، فإن المعرفة بقانون النزاعات المسلّحة والانصياع له إنما يعبران عن وعي عسكري عملي جيد.

ولد قانون النزاعات المسلحة في ميدان القتال، ولقد صقلته التجارب العسكرية وأعطته تدريجيا قالبه الحالي. كما سترون، فهو مشبع بتقاليد وعادات كل الثقافات، ويحتوي على قواعد عملية ولوائح معينة للسلوك التي يمكن لجميع الأفراد العسكريين- وبالتأكيد ينبغي عليهم- فهمها. أحد مبادئ الحرب هو بساطة العمل.

إن قانون النزاعات المسلّحة كما ستكتشفون هو أيضًا بسيط وواضح،
ولأن القانون قد نتج عن خبرات حربية، فقد تم تصميمه ليطبق في زمن النزاعات المسلحة. وهو لا يتعارض ومبادئ الحرب في أي نطاق، مثل المحافظة على قوة الدفع، وتركيز الجهد، والمفاجأة... إلخ.

 ما يقوم به القانون هو إخبار المحاربين وقادتهم بأن هناك حدا أدنى للمعايير الخاصة بالسلوك أثناء النزاعات، والذي إذا تم التزامه بحكمة ومهنية، فسوف يؤدي إلى التقليل من معاناة ضحايا القتال. قد يكون هناك اعتزاز وكرامة وطنية في القتال من أجل بلدك. بالقدر نفسه، يجب أن يكون من المهنية والفخر الشخصي، إظهار الإنسانية والتعاطف تجاه الخصم المهزوم أو المدنيين الأبرياء الذين وقعوا في قبضتك وسط المعركة.

 

يفسر قانون النزاعات المسلّحة كيفية القيام بهذا. ولمزيد من الدقة، تم وضع القانون للحدّ من استخدام العنف، وذلك عن طريق تأمين الحماية، في أثناء النزاع، للأشخاص الذين لا يشاركون، أو الذين توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية، واقتصار استخدام العنف على ما هو ضروري لتحقيق الأغراض العسكرية.

 

نشأة  وتطور قانون النزاعات المسلحة:

 

لم تكن بداية القانون الدولي الإنساني بالشكل الذي نعرفه اليوم، فلم توضع قواعد دولية للحد من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية إلا منذ 150 عام تقريبا. إلا أنه كما لم يوجد  مُجتمع على مَرِّ التاريخ بدون قواعد خاصة به، كذلك لم توجد حرب بدون قواعد خاصة بها أياًكانت درجة وضوحها  ، تغطي اندلاع الأعمال العدائية وانتهاءها وكيفية إدارتها.

 

  ففي البداية كانت القواعد غير مكتوبة، قائمة على الأعراف التي تنظم النزاعات المسلحة، ثم ظهرت بالتدريج معاهدات ثنائية لتبادل الأسرى بدرجات مختلفة من التفضيل، كما كانت هناك أيضاً لوائح تصدرها الدول لقواتها كـ “ليبر كود Lieber Code”. وهكذا كان القانون الساري حينذاك على النزاعات المسلحة محدوداً سواء من حيث الزمان أو المكان، بمعنى أنه كان يسري على معركة واحدة أو نزاع بعينه. كما كانت هذه القواعد تختلف باختلاف الزمان والمكان والمعنويات والحضارة.

 

ولعل من أقدم القوانين والشرائع التي نظمت الحرب، تلك التي وضعها السامريون قبل ألفي عام قبل الميلاد “شرائع حمورابي” وأقروا فيه ضرورات إعلان الحرب، والتحكيم بين الخصوم، وحصانة للمفاوضين، ومعاهدات الصلح.كما قدمت الحضارة المصرية (الأعمال السبعة للرحمة الحقيقية) كتعاليم إلهية تلتزم بها الجيوش. ناهيك عن كثير من النصوص القديمة كالمهابهاراته والكتاب المقدس والقرآن الكريم وغيرها، التي وضعت قواعد معينة تدعوا إلى احترام الخصم.

 

يعتبر كتاب “الوقاية” الذي كُتب قرب نهاية القرن الثالث عشر في ذروة فترة الحكم العربي للأندلس، مدونة حقيقية لقواعد الحرب.وفي مطلع القرن الثامن عشر وبداية عصر النهضة في أوربا، بدأت معها نهضة في الفكر الإنساني الأوربي، فبدأت الأصوات الرافضة لنظرية الحرب العادلة والحرب الشاملة، فاستنكر العديد من المفكرين هذه الحروب ولعل أبرزهم الفقيه مونتيسكيو Montesquieu الذي أوضح بأنه يجب على الأمم تبادل أكبر قدر من الخير أثناء السلم وأقل قدر من الشر زمن الحرب واعتبر بأن القتل الذي يلي المعارك محل استنكار من جميع الأمم.

 

كما عبر الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau في نظريته ”العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسي” إلى ضرورة التفرقة بين المقاتل والمسالم، وإيجاد تعريفات واضحة للضرورة العسكرية معبراً “إن الحرب ليست علاقة بين إنسان وإنسان، وإنما علاقة بين دولة ودولة، والأفراد ليسوا أعداء إلا بصفة عرضية، لا كأفراد أو مواطنين ولكن كجنود، وعداؤهم ليس على أساس أنهم أشخاصا وطبيعة هذه الخلافات لا يمكن أن تشكل علاقة حقيقية..

 

إن نهاية الحرب تكون بتحطيم الدولة المعادية، مع الحق في قتل المدافعيم عنها ما دامت الأسلحة في أيديهم، غير أنه بمجرد إلقاء الأسلحة واستسلامهم، منهين بذلك كونهم أعداء أو أدوات للعداء. فإنهم يعودون من جديد ليصبحوا بشراً لا يحق لأي إنسان الاعتداء على حياتهم…”.

 

ظلت الأمور تسير على ما عليه حتى صدور كتاب تذكار سولفيرينو عام 1863 – والذي كان نقطة مفصلية لتدوين قواعد القانون الدولي الإنساني، وذلك لما قدم كاتبه هنري دونان فيه من فكرتين إنسانيتين ثوريتين في ذاك الوقت للتخفيف من ويل الحرب – ، حيث عُقدت لجنة خاصة تتألف من الجنرال ديفور Guillaume-Henri Dufour، وغوستاف مونييه Gustave Moynier، والطبيبين تيودور مونوي Théodore Maunoir و لويس أبيا Louis Appia، وهنري دونان Henry Dunant بالإضافة إلى ممثلو 16 بلدا آخر، لتنظيم مؤتمر في جنيف لمناقشة مقترحات هنري دونان بناءاً على أحداث معركة سولفيرينو.

 أوصى هذا المؤتمر بإنشاء “جمعيات وطنية للإغاثة” وطلب إلى الحكومات أن تمنح الحماية والمساندة لهذه الجمعيات، كما أعرب المؤتمر علاوة على ذلك عن أمله في أن تعلن الدول المحاربة منذ وقت السلم، حياد المعازل الصحية والمستشفيات الميدانية أي لايجوز مهاجمتها، وأن تمتد هذه الحماية لتشمل الموظفين الصحيين بالجيوش والمساعدين الطوعيين والجرحى أنفسهم، وأن تختار الحكومات علامة مميزة مشتركة للأشخاص والأعيان الذين يمنحون الحماية.

الأمر الذي كان نواة لتشكيل معاهدة جنيف عام 1864، التي كانت بمثابة تدوين وتعزيز للقوانين والأعراف القديمة، الجزئية والمبعثرة، التي كانت تنظم الحرب وتحمي الجرحى والأشخاص الذين يقومون برعايتهم وذلك في معاهدة متعددة الأطراف.

 

مفهوم قانون النزاعات المسلحة /القانون الدولي الإنساني


قانون النزاعات المسلّحة هو فرع من القانون الدولي، وهو القانون الذي وافقت الدول على التزامه في تعاملاتها مع الدول الأخرى، كما أنه ينطبق على سير الأعمال العدائية داخل الدولة. لذلك فهو حيوي بالنسبة لمهنة القتال، لا يمكنكم تطبيقه أو التخلي عنه بقدر ما يتناسب ذلك مع مصالحكم. على سبيل المثال، إنّ اتفاقيات جنيف المؤرخة في العام
1949، تمثل جوهر قانون النزاعات المسلّحة وقد تم قبولها من قبل كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقريبا.

 

لذلك فإن القانون هو ببساطة قانون دولتكم. فانتم ملزمون بهذا القانون بصفتكم أفرادا في القوات المسلحة في دولتكم وبصفتكم حماة دولتكم وقوانينها، ومن واجبكم معرفة نصوص القانون وضمان احترامها وطاعتها.

 وتعرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر القانون الدولي الإنساني بأنه: مجموعة القواعد التي تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية. كما يُعْرَفْ القانون الدولي الإنساني أيضا باسم قانون الحرب، أو قانون النزاعات المسلحة.

كيف ظهر هذا القانون وما هي مكوناته الرئيسة؟


حتى في الأزمنة القديمة، كانت الحرب تشن بما يتفق والممارسات والاتفاقيات التي صممت لحماية المشاركين فيها. وبالرغم من أنّ تلك الأعراف القديمة قد تمّ تبنّيها بشكل رئيس لأغراض عملية أو تكتيكية أو اقتصادية، فقد كان لها مردود انساني إيجابي. فعلى سبيل المثال، إن أحد الأعراف القديمة جدا، وهو حظر تسميم الآبار، والذي كان سائدا في القانون الأفريقي التقليدي، شكّل قاعدة عملية تفيد كلا الطرفين، فقد تحتاج أنت نفسك إلى الماء في يوم من الأيام.

 

على نحو مماثل، كان محظورا قتل أسرى الحرب لضمان توافر العبيد في المستقبل أو طلب فدية أكثر من أجل الإبقاء على حياة المقاتلين السابقين كالتفاتة نبيلة. هذه الأعراف أو ممارسات أخرى مماثلة لها تواجدت في ثقافات ومناطق وحضارات متباينة تباين آسيا وأفريقيا وأمريكا (ما قبل كولومبس) وأوروبا.


ضمت الملحمة الهندية ماهابهاراتا 400 ق.م وقوانين مانو، قوانين ونصوصا حظرت قتل العدو الذي استسلم، وحرمت استخدام وسائل معينة في القتال، مثل السهام المسمومة أو الحارقة، ونصت على حماية ممتلكات العدو وأسرى الحرب.

 

 

 

كما أقر الإسلام أيضا المتطلبات الإنسانية الأساسية. فقد وضع الرسول الكريم محمد (ص)، الذي كان هو نفسه قائدًا عسكريا، قواعد صارمة لإدارة القتال تتضمن احترام المحاربين المهزومين والنساء والأطفال والممتلكات. كذلك اشترط الخليفة أبو بكر (632 م)، أول الخلفاء الراشدين، على قادته ألا تلطخ دماء النساء والأطفال والشيوخ انتصارهم، وألا يدمروا نخلة وألا يحرقوا المنازل والحقول وألا يقطعوا أي أشجار مثمرة وألا يذبحوا أي أسراب من الطير أو قطعان من الماشية، إلا ما هو ضروري لطعامهم. كما تضمنت البوشيدو، وهي لائحة الشرف لفرق المحاربين في اليابان في العصور الوسطى، قاعدة تطبيق الإنسانية، حتى في أثناء المعركة ومع أسرى الحرب.

 

مصادر قانون النزاعات المسلّحة


يتكون قانون النزاعات المسلّحة من القانون الدولي العرفي وقانون المعاهدات:


 
• القانون الدولي العرفي:


يقوم قانون النزاعات المسلحة بوضوح على أعرافنا وتقاليدنا وخبراتنا في النزاعات المسلّحة خلال العصور. ومن الأمثلة الجيدة، الحظر العالمي للتسميم كشكل من أشكال أعمال الحرب، والذي يعود إلى أزمنة قديمة عندما كان العسكريون من كلا الجانبين يأمرون بعدم تسميم الآبار، لمصلحتهم، بنفس القدر الذي هو لمصلحة السكان المدنيين(فهم قد يحتاجون إلى المياه في يوم ما).

وعبر السنوات، تحولت الأعراف والتقاليد والخبرات إلى قانون ثابت، هو بالتحديد القانون الدولي العرفي وقانون المعاهدات. وكلاهما ملزم قانونًا. يتكرس القانون الدولي العرفي من المعاملات العامة والثابتة التي تقوم الدول بتطبيقها انطلاقًا من الشعور بالالتزام الاخلاقي والقانوني تجاهها.

قانون المعاهدات:


1- قانون جنيف:

يهدف هذا الفرع من القانون إلى حماية ضحايا النزاع الواقعين تحت سلطة الأعداء ( المدنيون)، وكذلك المقاتلين إذا تعرضوا للإصابة أو تم أخذهم كأسرى حرب. تستهدف اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 1949 هذه المواقف تماما، فهي تحمي الجرحى والمرضى في البر وفي البحار وأسرى الحرب والمدنيين.

 

2- قانون لاهاي:


هذا القانون عملي جدا للجنود، فهو يهدف إلى وضع قواعد إدارة العمليات وكيفية القيام بالأعمال القتالية وذلك بذكر، على سبيل المثال، ما يمكنكم أن تقوموا بمهاجمته والكيفية التي ينبغي عليكم الهجوم بها. وهو يعطي القواعد التي تحد من الآثار المدمرة للقتال، والتي تتعدى ما هو ضروري حقا لتحقيق الأهداف أو المهمات العسكرية.

 

- تطوّر قانون المعاهدات:


حتى يمكن حماية المدنيين من آثار القتال، كانت هناك حاجة إلى قواعد لا تحميهم فقط من العدو، ولكن أيضا تتعلق بالطرق التي ينبغي القتال بها. ومع ظهور القانون، فقد تم السعي إلى مجاراة التغيرات في أعمال الحرب وتلبية كلا المطلبين. هذا ما يحققه البروتوكولان الإضافيان لاتفاقيات جنيف المؤرخان عام
1977، فهما كثيرًا ما يجمعا ويحدثا عناصر قانوني لاهاي وجنيف.

 

 

انطباق قانون النزاعات المسلحة:


يطبّق قانون النزاعات المسلّحة حتى ولو لم يكن هناك إعلان رسمي بالحرب. وهو يطبّق على نوعين مختلفين تمامًا من المواقف. الأول النزاعات المسلّحة الدولية، مثال، حرب الخليج، حرب جزر فوكلاند / مالفيناس، والثاني هو النزاعات المسلّحة غير الدولية، مثال، سريلانكا، إقليم الشيشان.


قبل تعريف تلك التعبيرات، يستحق الأمر ذكر السبب الذي من أجله نشير الآن إلى النزاع وليس إلى الحرب. الإجابة واضحة تماما. في ظل ميثاق الأمم المتحدة للعام
1945، والذي تم تبنيه بعد أهوال الحرب العالمية الثانية، فإنه من المحظور استخدام إحدى الدول للقوة ضد دولة أخرى (المادة 2). قد تلجأ الدول إلى استخدام القوة في ممارسة الحق الفردي أو الجماعي المتأصل للدفاع عن النفس (المادة 51) أو كجزء من العقوبات العسكرية التي صرح بها مجلس الأمن (المواد 43-48). منذ ذلك الحين، تجنبت الدول إعلان الحرب.

 

 تبنّت اتفاقيات جنيف المؤرخة في العام 1949، عن عمد، تعبيرا أكثر عمومية هو «النزاع المسلح»، ليشمل المجال الكامل للمواقف، ولتفادي الجدل القانوني الخاص بالتعريف المحدد للحرب.

إن الدول اليوم أقل ميلا إلى الحديث عن الحرب أو الاعتراف بوجود حالة حرب، ولكن كما نعرف جميعا، هناك بالتأكيد نزاعات مسلّحة. ينشأ النزاع المسلح متى كان هناك قتال بين دول أو عنف مسلّح ممتد بين السلطات الحكومية وجماعات مسلحة منظمة أو فقط بين جماعات مسلحة منظمة.



 

 

ينشأ النزاع المسلح الدولي عندما تستخدم إحدى الدول القوات المسلّحة ضد دولة أو دول أخرى. هذا التعبير ينطبق أيضًا على حالات الاحتلال العسكري الكامل أو الجزئي، حتى وإن لم يلق الاحتلال أي مقاومة مسلحة.

 

لم يعد يأخذ في الحسبان الآن ما إذا كانت الدول المعنية تعد نفسها في حالة حرب مع بعضها البعض أو كيفية وصفها للنزاع. ويعد النزاع المسلّح الدولي منتهيا بمجرد توقف الأعمال العدوانية أو زوال احتلال المناطق. بيد أن أسرى الحرب الذين ما يزالون تحت سيطرة الأطراف، يظلون تحت حماية القانون إلى أن يتم إطلاق سراحهم.

 

بينما تحدث النزاعات المسلحة غير الدولية، والتي تعرف أيضا بالنزاعات المسلحة الداخلية، داخل حدود الدولة ولا تشمل القوات المسلّحة لأي دولة أخرى، أحد الأمثلة هو استخدام القوات المسلّحة للدولة ضد المنشقين أو الثوار أو جماعات العصيان. شيء آخر هو القتال بين جماعتين أو أكثر من الجماعات المسلّحة داخل الدولة، ولكن ليس بالضرورة تورّط القوات الحكومية في القتال.

 

من المستويات الأدنى من العنف الداخلي نجد على سبيل المثال، الاضطرابات الداخلية والتوترات التي تشمل المظاهرات وأعمال الشغب العنيفة - لا يشملها قانون النزاعات المسلحة.

 

 

 

 

 

 

المبادئ الأساسية لقانون النزاعات المسلحة


إن للعمليات الحربية مبادئ في الهجوم والدفاع والانسحاب، الخ، فكذلك يحتوي قانون النزاعات المسلّحة على مجموعة من المبادئ المحددة بوضوح. تلك المبادئ عملية وتعكس حقيقة النزاعات، والأهم من كل ذلك أنها لا تتضمن أي شيء ليس باستطاعة الجندي المحترف تطبيقه في المعركة.

 

تلك المبادئ تحقق توازنًا بين الضرورة الإنسانية والضرورات العسكرية، وتسري في جميع الأوقات وفي كل الأماكن وتحت كل الظروف. أنت لست حرا لتفعل ما تريده. فمن الأهمية القصوى بالنسبة إليكم، كقادة أو ضباط أركان، أن تعرفوا وأن تفهموا تلك المبادئ.

 

ولا بد من أخذها في الاعتبار كأمور روتينية في أي تقدير أو تخطيط عسكري، وبالتأكيد في التدريبات التي تقومون بها. كذلك لابد أن يفهمها الجنود الذين هم تحت إمرتكم. ستجدون المبادئ الآتية في نصوص قانون النزاعات المسلحة.

 

الضرورة العسكرية:


هذا المبدأ يتضمنه التمهيد الخاص بإعلان سان بطرسبرغ للعام
1868، والذي يقر بأن «الهدف الشرعي الوحيد الذي يمكن للدول السعي لتحقيقه أثناء الحرب هو إضعاف القوة العسكرية للعدو»، وأنه «من أجل هذا الغرض، يكفي إفقاد أكبر عدد ممكن من الرجال لقدراتهم».

 

 ونحن بالطبع علينا اليوم أن نضيف كلمة « النساء». هذا المبدأ عملي تماما، فهو يقبل واقع المعركة ويجيز في جميع الأحوال القوة المعقولة الضرورية والشرعية والتي يمكن تبريرها عملياتيًا في أثناء القتال لإجبار العدو على الاستسلام. أمّا النشاطات التي تتضح عدم ضرورتها عسكريًا، فهي محظورة.


- يحمي مبدأ الضرورة العسكرية القادة الجيدين ويسمح لهم بتحقيق مهماتهم. إذا كانت هناك ضرورة لعمل ما - فلا بأس، عليكم بأدائه. يجب التأكيد فقط أنه في إطار القانون وأنه ينصاع إلى المبادئ الأخرى لا سيما مبدأي التمييز والتناسب.

 

لا-  ينبغي أبدا استخدام الضرورة العسكرية كعذر للإهمال أو لعدم الاكتراث أو للتخطيط أو للقيادة السيئة. إنّ الضرورات العسكرية قد تم دمجها في القانون ولا يمكن التذرع بها لتبرير انتهاك القانون.

 

التمييز:


ينبغي عليكم دائما التمييز بوضوح بين المقاتلين وغير المقاتلين. بالطبع يمكن مهاجمة المقاتلين ما لم يكونوا قد توقفوا عن المشاركة في القتال. يتمتع المدنيون بالحماية من الهجوم، ولكنهم يفقدون تلك الحماية متى قاموا بدور مباشر في الأعمال العدوانية، وطوال فترة مشاركتهم فيها.

 

 وعلى نحو مماثل، عليكم دائمًا التمييز بين الأهداف العسكرية والتي يمكن مهاجمتها، والأعيان المدنية التي ينبغي احترامها. تشمل كلمة أعيان، كل أنواع الأعيان الثابتة أو المنقولة، سواء كانت عامة أو خاصة.

 

 

التناسب:


ينبغي عند مهاجمة الأهداف العسكرية تجنب إصابة المدنيين والأعيان المدنية بأضرار عارضة أو جانبية إلى أقصى حد ممكن. يجب ألا تكون الأضرار العارضة شديدة بالقياس إلى الميزة العسكرية المباشرة والملموسة التي تتوقعونها من عملياتكم. إنّ المبالغة في استخدام القوة انتهاك شديد لقانون النزاعات المسلحة. يتطلب تجنب انتهاك هذا المبدأ التفكير والجهد.

 

يمكن للتخطيط وعمليات الاستخبارات السيئة والإهمال في عمل الأركان والقيادة والسيطرة، أن تؤدي بسهولة إلى تدمير مدن أو قرى بأكملها، بما فيها المستشفيات والمراكز الدينية والسكان المدنيين. إن التخطيط الجيد وقواعد الاشتباك الواضحة هما مطلوبان كي نعمل في ظل القانون، وكلاهما في النهاية هما مجرد نتيجتين من نتائج التدريب الجيد والحرفية في أي قوة عسكرية. من الحكمة ألا تضيعوا أرواحكم ووقتكم وذخائركم في عمليات غير متناسبة.

 

القيود:


لا تتمتع الأطراف المعنية في أي نزاع مسلح بحق مطلق في اختيار أساليب القتال ووسائله، أي أن القانون الدولي الإنساني يقيد كيفية استخدام الأسلحة والتكتيكات العسكرية، فالأسلحة والتكتيكات التي من طبيعتها إحداث الإصابات المفرطة أو الآلام التي لا مبرر لها هي محظورة.

 

الغرض من هذا المبدأ هو حظر الأسلحة التي تسبب المعاناة أو الإصابة بشكل أكبر مما هو ضروري لوضع محاربي العدو خارج المعركة. وينطبق هذا على سبيل المثال على الأسلحة التي تم تصميمها لإحداث إصابات يستحيل علاجها أو التي ينتج عنها ميتة قاسية وبطيئة. وتذكروا أن مجرد تخرجكم من كلية عسكرية لا يعطيكم الحق في التصرف كما يحلو لكم في ميدان القتال. هناك قيود وينبغي عليكم معرفتها بالضبط.

 

حسن النية:


حسن النوايا بين الأعداء هو مبدأ عرفي في الأعمال الحربية. ينبغي على العسكريين إظهار حسن النوايا في تفسيرهم لقانون النزاعات المسلّحة. لذلك ينبغي مراعاة حسن النوايا في المفاوضات بين الأعداء ومع المنظمات الإنسانية.

 

المعاملة الإنسانية وعدم التمييز:


ينبغي معاملة كل الأفراد بطريقة إنسانية من دون تمييز بناء على الجنس أو الجنسية أو العرق أو الدين أو المعتقدات السياسية. وينبغي تحديد أوضاع أولئك الذين توقفوا عن المشاركة في القتال، مثل المحاربين الذين استسلموا والأطقم الجوية التي قفزت بالمظلات من الطائرات التي تم إسقاطها، والجرحى والمرضى والناجين من السفن الغارقة، وأسرى الحرب وغيرهم من الموقوفين والمحتجزين، ومعاملتهم معاملة إنسانية.

 
ولد قانون النزاعات المسلحة في ميدان القتال، وهو يهدف إلى تقديم الحماية لضحايا النزاعات وإرساء قواعد إدارة العمليات العسكرية والقواعد العملية الجيدة التي تلتزمون أنتم قانونًا الانصياع إليها كأفراد في مهنة حمل السلاح. جدير بالذكر أنّ هذا القانون، قد وجد لمساعدتكم القدر نفسه لمساعدة ضحايا النزاعات المسلّحة إذا ما تم تنفيذه بطريقة صحيحة.


جدير بالإشارة أيضًا أن هناك تعاونًا وثيقًا بين الجيش اللبناني واللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال نشر وإدماج القانون الدولي الإنساني.

أحمد زكريا-قانون النزاعات المسلّحة -العدد 372 - حزيران 2016 -المندوب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر لدى القوات المسلّحة – مجلة الجيش-لبنان

 

طبق قواعد القانون الدولي الإنساني حسب حالات النزاعات المسلحة لذا لا باس أن نتوقف عند مفهوم وتصنيف هذه النزاعات:

 

أولا: مفهوم وتصنيف النزاعات المسلحة

النزاع المسلح مصطلح حل محل مصطلح الحرب، على اعتبار أن الحرب من حيث المبدأ محظورة، وبالرجوع إلى مختلف اتفاقيات القانون الدولي الإنساني وكذا اتفاقيات لاهاي، نجد أنه على الرغم من استعمال هذا المصطلح إلا أنها لم تضع له أي تعريف.

وبالرجوع إلى أحكام القضاء الدولي، لاسيما المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقا، وفي حكمها في قضية “تاديتش” قضت بأن اللجوء إلى القوة المسلحة بين الدول، أو العنف المسلح المتطاول بين السلطات الحكومية والجماعات المسلحة المنظمة، أو فيما بين هذه الجماعات داخل الدولة يعد نزاعا مسلحا.

غير أن هذه الصياغة لا تتناول كل النزاعات المسلحة دولية كانت أو غير دولية، لذا سنتوسع في مفهوم النزاع المسلح الدولي وغير الدولي كالآتي:

 

 

 

1 – مفهوم النزاع المسلح

يختلف النزاع المسلح الدولي عن النزاع المسلح غير الدولي كما ستبينه الفقرات التالية:

أ – النزاع المسلح الدولي:

لقد ورد في التعليق الرسمي للجنة الدولية للصليب الأحمر على اتفاقيات جنيف عند تحديد النزاع المسلح الذي يتسم بطابع دولي، بأنه هو “كل خلاف ناشئ بين دولتين من  شأنه أن يفضي إلى تدخل من جانب أفراد القوات المسلحة”، حتى وإن أنكر أحد الأطراف وجود حالة الحرب، كما لا يهم مدة بقاء النزاع أو عدد ضحياه.

ويذهب بعض الفقهاء إلى أنه يعتبر نزاعا مسلحا دوليا في حالة اللجوء إلى العنف المسلح بين دولتين أو أكثر، سواء كان ذلك بإعلان سابق للحرب أو بدونه، ويفرض على الأطراف المتحاربة تطبيق القانون الدولي الإنساني، سواء اعترفت بقيام النزاع أو لم تعترف به،

وهذا ما عبر عنه البعض أيضا بقولهم أن النزاع المسلح الدولي هو تدخل القوة المسلحة لدولة ضد دولة أخرى، سواء أكان التدخل مشروعا، أم غير مشروعا، وسواء أعلنت الحرب رسميا، أم لم تعلن.

لقد اقتصرت اتفاقية لاهاي الأولى المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لسنة 1899،أطراف النزاع المسلح الدولي في:

- الجيوش النظامية التابعة لأحد الأطراف المتحاربة: وهي الجيوش التابعة لدول ذات سيادة، سواء كانت دولا بسيطة أو دولا اتحادية.

- مجموع الميلشيات والمتطوعين: بشرط أن يكون على رأس هذه المجموعة مسؤول عن عناصره، أن يكون لديها أيضا شارة تميزها، كما يشترط حمل السلاح، والتقيد أثناء العمليات القتالية بقواعد وأعراف الحرب.

- سكان الأقاليم غير المحتلة، والتي تحمل السلاح عفويا عند اقتراب العدو لمواجهته، ودون أن يكون لديها مسبقا الوقت الكافي لتنظم ذاتها وفقا للشروط المنصوص عليها بالنسبة للميلشيات، لكن بشرط أن تحترم قوانين الحرب وأعرافها.

ثم جاءت المادة 13 من اتفاقية جنيف الأولى لتضيف إلى الفئات المذكورة أعلاه الفئات التالية:

- أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة أو لسلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة؛

- الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، ومتعهدي التموين، وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين، شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها؛

- أفراد الأطقم الملاحية، بمن فيهم القادة والملاحون ومساعدوهم في السفن التجارية وأطقم الطائرات المدنية التابعة لأطراف النزاع، الذين لا ينتفعون بمعاملة أفضل بمقتضى أي أحكام أخرى من القانون الدولي.

 ولقد خفف البرتوكول الملحق الأول لاتفاقيات جنيف الأربعة (المادة 140 فقرة 3) الشروط الواجب توافرها في الجماعات المسلحة المقاتلة بما في ذلك أعضاء المقاومة المسلحة، ليفرض عليهم فقط أن يميّزوا أنفسهم عن المدنيين، وإن لم يكن ذلك في الاستطاعة فلابد من حمل السلاح علنا.

 

ب – النزاع المسلح غير الدولي

تعتبر المادة 03 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة من أهم المواد على الإطلاق في حقل معالجة النزاعات المسلحة غير الدولية، حتى أن البعض يطلق عليها تسمية “المعاهدة المصغرة“، وقد حاولت بيان هذا النوع من النزاعات التي ليس لها طابع دولي، من خلال وضع مجموعة من المعايير التي يمكن أن يتحدد من خلالها مفهوم النزاع المسلح من بينها:

- أن يكون التعرف إلى أطراف النزاع ممكنا، أي يجب أن تتمتع هذه الأطراف بحد أدنى من التنظيم والهيكلة وبتسلسل في القيادة.

- أن يصل النزاع المسلح إلى مستوى أدنى من الحدة، إذ يفترض في العادة أن تلجأ الأطراف إلى قواتها المسلحة أو تستخدم الوسائل العسكرية، حيث تشكل المدة التي تستمر خلالها أعمال العنف عنصرا إضافيا قد يؤخذ في الحسبان.

ولقد أكدت محكمة العدل الدولية سنة 1986، على أن أحكام المادة 03 المشتركة ترجمة حقيقية للقانون الدولي العرفي، وتمثل المعيار الأدنى الذي ينبغي للأطراف المشاركة أن لا تحيد عنه في أي نوع من النزاع.

وبالرجوع إلى المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف نجد فيها ما يلي: “يسري هذا الملحق “البروتوكول” الذي يطور ويكمل المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف …على جميع المنازعات المسلحة … والتي تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى وتمارس تحت قيادة مسؤولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة، وتستطيع تنفيذ هذا الملحق “البروتوكول”.

وتجد الإشارة هنا إلى أن البروتوكول الإضافي الثاني جاء كي ينطبق على حالات محددة من النزاعات المسلحة غير الدولية، وذهب في تعزيز الحماية إلى أبعد من المعايير الواردة في المادة 03 المشتركة، غير أنه لا يسري هذا البروتوكول إلا إذا صادقت الدولة عليه، وهو يطبق فقط في النزاعات المسلحة بين القوات المسلحة لدولة ما وقوات منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى، يشترط فيها أن تمارس أعمالها تحت قيادة مسؤولة على جزء من إقليم الدولة ولها من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة، وتستطيع تنفيذ هذا الملحق.

اما فيما يخص أطراف النزاع المسلح غير الدولي فهي حكومات الدول التي يعتبر إقليمها مصرحا للنزاع المسلح، والجماعات المسلحة التي تتميز بتنظيم عال ولها القدرة على السيطرة الفعلية على جزء من إقليم هذه الدولة، وبلغت قوتها حدا معتبرا، لها القدرة على تطبيق البروتوكول واحترامه.

 

2- تصنيف القانون الدولي الإنساني للنزاعات المسلحة

لتصنيف النزاعات المسلحة أهمية بالغة لاسيما فيما يخص تحديد حقوق والتزامات الأطراف المتنازعة، وكذا قواعد القانون الدولي الإنساني واجب التطبيق.  

ويقسم القانون الدولي الإنساني النزاعات المسلحة إلى أربعة أصناف، حيث تتفاوت القواعد والصكوك المنطبقة على كل منها على النحو التالي:

- النزاع المسلح الدولي: وتطبق عليه اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977، وقواعد لاهاي ومبادئ قانونية أخرى.

- النزاع المسلح الدولي الذي يعد بمثابة حرب للتحرير الوطني: ويحدده البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 ويطبق عليه.

- النزاع المسلح غير الدولي: الذي يخضع لتنظيم المادة 03 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة، وبعض المبادئ العرفية.

- النزاع المسلح غير الدولي: الذي ينظمه البروتوكول الإضافي الثاني لسنة 1977 ويعرفه تعريفا ضيقا.

غير أنه يوجد اتجاه كبير اليوم يرفض فكرة تصنيف النزاعات المسلحة، على اعتبار أنه تقسيم اصطناعي وغير مطلوب ويصعب تبريره، ذلك أنه يبطل الغرض الإنساني لقانون الحرب، وهذا الاتجاه ليس بالجديد، بل نجد أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد قدمت في سنة 1948 تقريرا يوصي بأن تطبق اتفاقيات جنيف في جميع حالات النزاع المسلح، حتى النزاع المسلح غير الدولي وبخاصة في حالات الحروب الأهلية أو المنازعات الاستعمارية أو الحروب “الدينية”.

وفي عام 1971 أوصت هذه اللجنة في المشروع الذي قدمته للخبراء الحكوميين، باقتراح آخر يستهدف وجوب تطبيق مجمل قواعد القانون الدولي الإنساني على الحروب الأهلية عند تدخل قوات أجنبية.

وعلى الرغم من الأمل الذي صاحب المؤتمر الدبلوماسي عند صياغة البروتوكول الاختياري الثاني، حيث كان يتصور صدور وثيقة أكثر شمولا، إلا أن عدم وجود اتفاق سياسي في الأيام الأخيرة لانعقاد المؤتمر سنة 1977 حال دون الوصول إلى مثل هذه الوثيقة.

ومن بين أبرز أسباب انتقاد تصنيف النزاعات المسلحة، هو تحيز تاريخي في القانون الدولي الإنساني تجاه قواعد الحروب التي تنشب بين الدول، حيث أنه اتفاقيات جنيف ببروتوكولاتها تضم حوالي 600 مادة، لا نجد منها سوى المادة الثالثة المشتركة و 28 مادة من البرتوكول الإضافي الثاني فقط التي تطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية، يضاف إلى ذلك أن قانون لاهاي المتعلق بوسائل وأساليب القتال وإدارة الجيوش في ميدان المعركة لا ينطبق إلا على النزاعات المسلحة الدولية.

أبعد من ذلك فإنه لا يوجد في المادة الثالثة المشتركة والمواد الـ 28 المشار إليها أي شرط يمنح المقاتلين في الجماعات المسلحة صفة “أسرى الحرب” في المنازعات المسلحة غير الدولية.

كما أجمعت أغلبية الدراسات القانونية المعاصرة بأن هناك تقارب بين هذين الصنفين من المنازعات المسلحة، ذلك أن القانون الدولي العرفي قد تطور إلى درجة أن أصبحت الفجوة بين الصنفين أقل بروزا، وبسبب هذا التقارب فقد تعالت النداءات في السنوات الأخيرة مطالبة بإزالة التمييز القانوني بين النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

 ما زاد من دعم هذه المطالبات هو الارتباك الدولي بشأن القانون الواجب التطبيق على ما يسمى بالنزاعات عبر الوطنية التي تضم كيانات من غير الدول، فيبدو أن هناك منطقة وسطى بين النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وهو ما يعرف بالنزاع المسلح عبر الوطني، ففيه من الحالات ما لا تخضع لأي من نوعي النزاعات المسلحة، ذلك أن هذه الكيانات أو الجماعات المسلحة تعمل خارج حدود دولة واحدة.

عبر أنطونيو كاسيس رئيس المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة أن تقاربا قد حدث بين كياني القانون الدولي، مما أسفر عن أن المنازعات الداخلية أصبحت تخضع الآن وبشكل كبير لحكم القواعد والمبادئ التي لم تكن تطبق تقليديا إلا على المنازعات الدولية.

 

 كما نجد أنه لا محل الآن لمثل هذا التصنيف الذي يفقد القانون الدولي الإنساني أهم خصائصه، ألا وهي الطابع الإنساني، ويبعده عن أهم أهدافه، ألا وهو حماية الأفراد والأعيان أثناء النزاعات المسلحة.

 يجب أن ينظر دائما إلى الإنسان على أنه محور الحماية في هذه النزاعات، خاصة وأن الفرد أصبح يحتل مكانة متميزة في الكثير من أركان القانون الدولي، وخصوصا مجال حقوق الإنسان، الذي يتقاطع مع القانون الدولي الإنساني في حماية الحد الأدنى من حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة.

وكذا المكانة التي أصبح يحتلها في نظام المحكمة الجنائية الدولية، وأمام العديد من المنظمات الدولية وفي بنود الاتفاقيات الدولية.ومع ذلك فإن هناك معارضة قوية لفكرة أن القواعد المنطبقة في المنازعات المسلحة بصنفيها يمكن أن تنسجم في قانون واحد.

 

ثانيا: نطاق تطبيق  قانون النزاعات المسلحة

من البديهي أن الدول ملزمة صراحة بتطبيق المعاهدات الدولية التي تكون طرفا فيها، بما فيها معاهدات القانون الدولي الإنساني. ولقد وضعت أول اتفاقيات القانون الدولي الإنساني؛ اتفاقية لاهاي الأولى المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لسنة 1899، ضوابط للحروب الدولية المعلنة والمتمثلة في ضرورة أن تبدأ بإخطار سابق لا لبس فيه للدولة الموجه لها الإعلان أو الإنذار النهائي، كما يجب إبلاغ قيام الحرب دون تأخير إلى الدول المحايدة، وبهذا الشكل فقط تطبق القواعد المتعلقة بالعمليات الحربية المنصوص عليها في الاتفاقية.

 

 

غير أن اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، وسعت من مجال تطبيق قواعد الحرب لتشمل النزاع المسلح إلى جانب الحرب المعلنة، كما أضافت المادة الثانية من اتفاقيات جنيفسريان هذه الاتفاقيات حالات الحروب المعلنة والاشتباكات المسلحة أيا كانت حتى وإن كان أحد الأطراف فيها لا يعترف بقيام حالة الحرب.

وهذا من أجل قطع الطريق أمام كل طرف يتمسك بهذه الذريعة من أجل عدم بدأ سريان هذه الاتفاقيات، وبالتالي فتح المجال لسريان هذه الاتفاقيات عند حصول أي من الأعمال العدائية.

 وبهذا لم يصبح القانون الدولي الإنساني مقتصرا على الحروب المعلنة وبمعناها التقليدي الذي كان واردا في اتفاقيات لاهاي؛ بل أصبح يشمل كل أنواع النزاعات المسلحة الدولية، سواء كانت الأطراف المتحاربة أطرافا في الاتفاقيات أم لا.

 ثم توسع مفهوم النزاع المسلح مرة أخرى ليشمل الاحتلال سواء كان كليا أو جزئيا سواء كانت هناك مقاومة أو لم تكن، وفقا للفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقيات جنيف الأربعة دائما. كما وسعت المادة 03 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة نطاقها المادي لتقرر بأنمسؤولية تطبيق أحكامها لا تقع فقط على الحكومات فحسب، بل تمتد لتشمل كل الفاعلين غير الحكوميين المشتركين في النزاع.

ثم جاء البروتوكوليين المكملين لسنة 1977 ليوسعا مرة أخرى من مفهوم النزاع ليشمل هذه المرة كافة النزاعات المسلحة سواء كانت دولية أو غير دولية، فحدد البروتوكول الإضافي الأول أن النزاعات المسلحة الدولية تشمل النزاعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، وذلك عند ممارستها لحقها في تقرير المصير، مثلما ينص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة، وكذا الإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقا لميثاق الأمم المتحدة.

وبالرجوع إلى المادة الأولى فقرة ثانية من البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف نجد أن هذا البروتوكول “لا يسري على حالات الاضطرابات والتوتر الداخلية مثل الشغب وأعمال العنف العرضية وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة التي لا تعد منازعات مسلحة”.

والملاحظ أن هذه الحالات قد عددت على سبيل المثال لا الحصر، فهي كل ما يعتبر من قبيل أعمال العنف المعزولة والمتفرقة، التي تخضع في الأصل للقانون الوطني وفقا لظروف كل بلد وتشريعاته، لأنها لم تحقق الحد الأدنى المطلوب من الحدة أو التنظيم.

مع ملاحظة أنه يصعب في الكثير من الأحيان الفصل بين هذه الحالات التي لا يشملها القانون الدولي الإنساني والنزاعات المسلحة غير الدولية المشمولة به، ومع ذلك فهناك مطالبات بتطبيق حد أدنى من قواعد القانون الدولي الإنساني في موجات العنف الداخلي.

ولقد استمر عجز تطبيق هذا القانون في حال نشوب النزاعات المسلحة غير الدولية لفترات طويلة، ما دفع بالمجتمع الدولي بالاعتراف لأول مرة بقائمة من الجرائم التي يمكن أن ترتكب في هذا النوع من النزاعات وذلك باعتماد اتفاقية متعددة الأطراف هي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي تم تبنيه عام 1998 (نظام روما)، كما سنرى.

 

 

 

 

ثالثا: آليات تطبيق قواعد قانون النزاعات المسلحة

يعتبر القانون الدولي الإنساني قائمًا بذاته من حيث تحصينه بآلية تنفيذ متكاملة تشمل الوقائي والزجري على حد السواء، ولو طبقت قواعده بحزم وحسن لما وقعت انتهاكات صارخة للقواعد الإنسانية في النزاعات المسلحة.رغم ذلك تتسع الهوة بين أحكام القانون الإنساني وواقع النزاعات المعاصرة وتطبيقه والذي يواجه صعوبات في تنفيذ أحكامه لأسباب عديدة، قد تحكمها مصالح أطراف النزاع أو التقصير دوليًا في متابعة ومعاقبة مرتكبي الجرائم.

وهذا ما جعل واضعي اتفاقيات جنيف يفكرون باتجاه دعم تنفيذ القواعد الإنسانية،حيث تقع المسؤولية الأولي لتطبيق هذه الاتفاقيات على عاتق الدول الأطراف في مواثيق القانون الدولي الإنساني عمومًا وعلى الأطراف المتنازعة خصوصًا، بالإضافة إلى دور الأطراف المتعاقدة في تنفيذ القانون الدولي الإنسان.

وهناك قنوات أخرى من واجبها المساهمة في احترام هذا القانون والمتمثلة في نظام الدول الحامية واللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة الدولية لتقصى الحقائق والمحاكم الدولية، نتوسع فيها كالآتي: 

 

1-     الأطراف المتعاقدة: آليات وقائية

 

تلتزم جميع الدول المتعاقدة في اتفاقيات القانون الدولي الإنساني بالعمل على احترامها، ويبدأ الإعداد لذلك زمن السلم من خلال آليات وقائية متمثلة في نشر قواعده على نطاق أوسع والتعريف به، وإعداد ناشطين مؤهلين وتعيين مستشارين قانونيين في القوات المسلحة، نتوسع فيها كالآتي:

أ‌-    الالتزام بنشر قواعد القانون الدولي الإنساني والتعريف به:

إن الجهل بأحكام قواعد القانون الدولي الإنساني يؤدي إلى انتهاكات جسيمة تترتب عليها معاناة إنسانية وخسائر في الأرواح البشرية والممتلكات يمكن تفاديها أو الحد منها إذا ما كان هناك علم مسبق بأحكام هذا القانون، كما لن يتسنى للضحايا أن يتمسكوا بحقوقهم التي نص عليها هذا القانون   وأن يطالبوا بها ما لم يكن لديهم العلم والدراية الكاملة بأحكامه.

ولضمان حصولهم على هذه الحقوق، لابد أن يلم أيضا المسؤولون عن العمليات العسكرية بأحكامه، وتأكيداً لذلك نصت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 في المواد المشتركة (أرقام 47، 48، 127، 144) على أن تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تنشر نص هذه الاتفاقيات على أوسع نطاق ممكن في بلدانها، في وقت السلم كما في وقت الحرب، وتتعهد بصفة خاصة بإدراج دراستها ضمن برامج التعليم العسكري، والمدني إذا أمكن، بحيث تصبح المبادئ التي تتضمنها معروفة لجميع السكان، وعلى الأخص للقوات المسلحة، وأفراد الخدمات الطبية والدينية.

كما نصت المادة 83 فقرة أولى من البروتوكول الإضافي الأول على نفس الالتزام: “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بالقيام في زمن السلم وكذا أثناء النزاع المسلح بنشر نصوص الاتفاقيات ونص هذا الملحق “البروتوكول” على أوسع نطاق ممكن في بلادها، وبإدراج دراستها بصفة خاصة ضمن التعليم العسكري، وتشجيع السكان المدنيين على دراستها حتى تصبح هذه المواثيق معروفة للقوات المسلحة وللسكان المدنيين”.

وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكثر من مناسبة على ضرورة نهوض الدول بالتزاماتها بنشر القانون الدولي الإنساني في زمن النزاعات المسلحة، كما أبرزت المؤتمرات الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر مراراً أهمية نشر القانون الدولي الإنساني، وطالبت الدول بتنفيذ التزاماتها في هذا المجال.

وبذلك يتضح لنا بجلاء أن نشر هذا القانون والتعريف به يعد من أهم الآليات التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية وأكدتها مجموعة من القرارات الدولية بهدف الوقاية من وقوع الانتهاكات الجسيمة وللوصول إلى تحقيق التطبيق الأمثل لأحكام القانون الدولي الإنساني على الأصعدة الوطنية.

ب‌-   إعداد ناشطين مؤهلين بهدف تسهيل تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني:

نصت المادة السادسة فقرة أولى من البروتوكول الإضافي الأول على دعوة الأطراف السامية المتعاقدة إلى أن تسعى في زمن السلم أيضاً لإعداد عاملين مؤهلين بغية تسهيل تطبيق الاتفاقيات وهذا الملحق (أي البروتوكول الأول).

وتنفيذاً لذلك يجب أن ترسل الأطراف المتعاقدة التي قامت بإعداد عاملين مؤهلين قوائم بأسمائهم إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تضعها تحت تصرف الأطراف المتعاقدة الأخرى، من أجل الاستعانة بخدماتهم على نطاق واسع ليس فقط من جانب سلطات دولهم بل ومن جانب أطراف متعاقدة أخرى.

ج- تعيين مستشارين قانونيين في القوات المسلحة:

تنص المادة (82) من البروتوكول الإضافي الأول على أن “تعمل الأطراف السامية المتعاقدة دوماً، ويعمل أطراف النزاع أثناء النزاع المسلح على تأمين توفر المستشارين القانونيين، عند الاقتضاء، لتقديم المشورة للقادة العسكريين على المستوى المناسب، بشأن تطبيق الاتفاقيات وهذا البروتوكول، وبشأن التعليمات المناسبة التي تعطى للقوات المسلحة فيما يتعلق بهذا الموضوع.

وتهدف هذه الآلية إلى توفير رأي استشاري للقادة العسكريين حول مدى مطابقة أوامر القتال التي يصدرونها والعمليات العسكرية التي يقومون بها مع أحكام القانون الدولي الإنساني، الأمر الذي قد يساهم على نحو كبير في منع صدور أوامر لعمليات عسكرية تخالف القانون، كما تهدف إلى تزويد أفراد القوات المسلحة بالمعلومات القانونية اللازمة التي قد تمنعهم من ارتكاب انتهاكات لهذا القانون، من خلال تكليف المستشار القانوني بإعداد البرامج التدريبية والكتيبات العسكرية التي تحتوي على تلك المعلومات.

وتختلف طريقة الدول في تطبيق هذه الآلية بحسب الظروف الاقتصادية لكل منها، فالدول التي لا تتوافر لديها الإمكانيات اللازمة لتعيين مستشارين قانونيين متخصصين، تلجأ إلى تكوين القادة العسكريين لديها تكوينا قانونيا متخصصا في مجال القانون الدولي الإنساني،

 بحيث يتيح لهم هذا التكوين تقويم الموقف القانوني عند إصدار أوامر القتال أو العمليات العسكرية، في حين تقوم الدول التي تتوفر لديها الإمكانيات بتعيين مستشارين قانونيين متخصصين للقوات المسلحة تتبعهم للقادة لضمان عدم الإخلال بوجوب الحفاظ على الأسرار والمعلومات العسكرية. 

  2- نظام الدولة الحامية:

طبًقا للقانون الدولي الإنساني فإن الدولة الحامية هي الطرف المتعاقد المحايد الذي يتفق طرفا النزاع على تعيينه لرعاية مصالح أحدهما لدى الآخر، وإذا لم يتوصل الطرفان إلى ذلك يمكن لهما اللجوء إلى “بديل” يتمثل في “هيئة إنسانية محايدة”  مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما جاء في اتفاقيات جنيف، وذلك دون المساس بالمهام المنوطة بهذه اللجنة بمقتضى وضعها الخاص سواء وجدت الدول الحامية أو لم توجد.

ونظرا إلى استنكاف الدول المحايدة عن تمثيل طرف متحارب لدى خصمه وفًقا لمقتضيات القواعد الإنسانية، وامتناع الأطراف المتحاربة عن الاستنجاد ببديل، وجدت اللجنة الدولية لصليب الأحمر نفسها عمليًا تقوم بأعباء الدولة الحامية.

 

3- اللجنة الدولية للصليب الأحمر:

نصت اتفاقيات جنيف على دور اللجنة الدولية صراحة باعتبار علاقتها بتطوير القانون الدولي الإنساني منذ ظهوره ومتابعة تطبيقه قديمة، فاللجنة الدولية للصليب الأحمر هي لجنة غير حكومية معنية بتطبيق واحترام ونشر الوعي بمبادئ القانون الدولي الإنساني.

 نشأت هذه اللجنة عام  1863 ويتسع عملها الآن على مستوى العالم أجمع، ويتمثل الوضع القانوني للجنة الدولية للصليب الأحمر في كونها منظمة غير حكومية مستقلة محايدة وغير متحيزة أسندت إليها الدول مهمة حماية ومساعدة ضحايا النزاع المسلح من خلال اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977.

وتلعب اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولجانها الوطنية دورًا بالغ الأهمية في العمل على احترام القانون الدولي الإنساني ووقف انتهاكاته والتوعية بأحكامه بين مختلف الفئات المعنية. وعليه فإن علاقة هذه اللجنة منذ وجودها وثيقة مع القانون الدولي الإنساني .

وينص النظام الأساسي لحركة الصليب والهلال الأحمر الدولية على أن المهمة الأساسية التي تتبناها هي العمل على “تطبيق القانون الدولي الإنساني بأمانة”، ومساعدة الضحايا المدنيين والعسكريين في النزاعات المسلحة والاضطرابات الداخلية على أساس من الحياد وعدم التحيز.

وتعترف اتفاقيات جنيف الأربعة بالمهام الملقاة على حركة الصليب الأحمر من خلال المواد 3–9-10 المشتركة وبموجب المادة (81) من البروتوكول الإضافي الأول، والمادة(18)  من البروتوكول الإضافي الثاني.

وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمهام المساعدة والحماية للأشخاص المشمولين بحماية القانون الدولي الإنساني عن طريق الاتصال الدائم بأطراف النزاع، والعمل على لفت نظر السلطات المختصة عند حدوث أية انتهاكات كما تقوم بدور وقائي لتفادى وقوع الانتهاكات.

وفي سبيل تحقيق مهامها تقوم اللجنة بزيارة أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين والبحث عن المفقودين ونقل الرسائل وتوفير الغذاء والمياه والمساعدة الطبية للمدنيين المحرومين من هذه الضروريات الأساسية وغير ذلك من وسائل المراقبة والمساعدة والإغاثة.

ويسمح النظام الأساسي للجنة بتلقي الشكاوى حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني وتقوم اللجنة بالمساعي اللازمة لدى السلطات المعنية بشكل سري. ويمكن لهذه المساعي أن تأخذ طابع العلنية بشروط معينة أهمها تكرار الانتهاك وعدم استجابة الدولة التي تمارس انتهاكًا بصورة متعمدة لمبادرتها.

  وفي وقت السلم تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بخدمات تهدف إلى نشر الوعي بأحكام القانون الدولي الإنساني من خلال المنشورات المتخصصة والندوات العلمية والبرامج التعليمية والتدريبية والإعلامية وبرامج التعاون مع الجمعيات الوطنية للهلال الأحمر والصليب الأحمر وكافة المؤسسات والجهات المعنية.

  4- اللجنة الدولية لتقصي الحقائق:

تعتبر اللجنة الدولية لتقصي الحقائق الأداة التي يطبق من خلالها القانون الدولي الإنساني والتي أوجدها المؤتمر الدبلوماسي في العام 1974  ، والتي أقرت بموجب البرتوكول الإضافي الأول الذي أضاف هيئة جديدة إلى آلية تنفيذ القانون الدولي الإنساني وهي اللجنة الدولية لتقصى الحقائق،

وإذا كان إطار عملها محددا فيما يتعلق بالنزاعات الدولية، إلا أن أعضاء هذه اللجنة أقروا إمكانية قيامها بأعمال التحقيق في النزاعات الداخلية إذا وافق أطراف النزاع على  ذلك. وقد دخل عمل اللجنة رسميا إلى حيز التنفيذ منذ عام 1992، أي عام واحد بعد موافقة عشرين دولة على اختصاصها.

 وتنص المادة (90) من البروتوكول الأول على كيفية تشكيل هذه اللجنة،  حيث يناط بهذه اللجنة القيام بمهام هي:

أ. التحقيق في أي واقعة يفترض أنها تشكل انتهاكا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني؛

ب. تسيير العودة للتقيد بأحكام القانون الدولي الإنساني من خلال مساعيها الحميدة، ويكون للجنة هذا الاختصاص إذا أعلنت الدول الأطراف قبولها مهام اللجنة.

ت. يمكن للجنة في حالات معينة فتح تحقيق بناء على طلب أحد أطراف النزاع شريطة قبول الدولة الأخرى المعنية. وتسلم اللجنة تقاريرها السرية إلى الدولة التي أوكلت إليها هذه  المهمة.

وكون أن عملية التحقيق بكاملها تخضع لموافقة الأطراف المتحاربة،فهذا يشكل أحد أهم الأسباب فشل هذه اللجنة، إضافة إلى أن واقع النزاع المسلح لا يلاءم إمكانية إجراء تحقيق بطلب من الخصم، ولهذا ليمكن لهذه الوسيلة من وسائل فض النزاعات الأثر الملموس في الحد من النزاعات المسلحة وما ينتج عنها من انتهاكات

 

 

 

 

5- الآليات القضائية: المحاكم الدولية

تضمنت مواثيق القانون الدولي الإنساني وسائل وإجراءات تتطلبها المسئولية المترتبة على انتهاكات القانون الإنساني، حيث تطبق القاعدة العامة للمسئولية المتبعة في القانون الدولي العام على انتهاك القانون الدولي الإنساني أي أن الطرف الذي يخل أحكامه يتحمل عاقبة ذلك، وبالتالي جاء النص على جبر الضرر والتعويض.

 وأقرت اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 وكذلك اتفاقيات جنيف وبروتوكولها الأول مبدأ المسئولية فنصت على أنه “لا يعفي أي طرف متعاقد نفسه أو طرفا متعاقدا آخر من المسئوليات التي تقع عليه أو على طرف متعاقد آخر بسبب الانتهاكات الجسيمة”.واصطلاحا لانتهاكات الجسيمة هو مرادف لجرائم الحرب. وقد جاء بيانها على سبيل الحصر في الاتفاقيات الأربع والبروتوكول الأول.

وطبقا لنص المادة (146) من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة (87) من البروتوكول الإضافي الأول، تتعهد الأطراف المتعاقدة باتخاذ الإجراءات القانونية والعملية لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب أيا كانت جنسيتهم على أساس مبدأ المحاكمة والتسليم، وما تقوم به مختلف السلطات الوطنية في هذا المجال لا يمنع من الملاحقة القضائية الدولية.

وقد تمثلت بعض تطبيقاتها في محاكمتي نورمبرغ وطوكيو إثر الحرب العالمية الثانية، ومحكمتي يوغوسلافيا السابقة ورواندا وهما محكمتان دوليتان مؤقتان وتقتصر صلاحية كل منهما على إطار محدد خاص بهما وشكلتا بقرار من مجلس الأمن لملاحقة جرائم الحرب التي ارتكبت على أراضي البلدين.

 

 

 ولا شك أن النزاعات المسلحة التي أفضت إلى تشكيلهما عجلت كذلك من إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي كانت موضوع مشاريع وجدل طويل منذ أواخر القرن الماضي.

ويقضي النظام الأساسي لمحكمة روما الصادر عام 1998 لمحاكمة مجرمي الحرب والجرائم ضد الإنسانية ويدخل فيها بطبيعة الحال انتهاكات القانون الدولي الإنساني، كون أن المحكمة الجنائية الدولية قد أنشأت بموجب هذه المعاهدة.

للمحكمة الجنائية الدولية وفق المادة (05) من نظامها الأساسي صلاحيات كاملة لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أيا كانوا، ومن أية جنسية وبأي موقع ومسئولية، ما دامت الأفعال التي ارتكبوها لاحقة على نفاذ الاتفاقية، كما اعتبرت الأفعال المرتكبة لا تتقادم وتلزم تسليم مرتكبيها.

التحكم في التسلح ونزع السلاح:

 

كانت أول الجهود للحد من التسليح على الصعيد الدولي في اتفاقيات لاهاي عامي 1899  و1907، والتي فشلت في هدفها الأساسي. على الرغم من أن العديد من المحللين المعاصرين (والمادة 231 من معاهدة فرساي) قد ألقوا باللوم والذنب في اندلاع الحرب العالمية الأولى على ألمانيا. إلا أن المؤرخين بدأوا الكتابة في ثلاثينيات القرن العشرين في التأكيد على أن السبب كان سباق التسلح الذي سبق عام 1914.

إضافة إلى أن جميع القوى الكبرى باستثناء الولايات المتحدة قد التزمت بنزع السلاح وفقًا لمعاهدة فرساي وميثاق عصبة الأمم. كما كانت هناك جهود من منظمات دولية غير حكومية لتعزيز نزع السلاح في العشرينيات وبداية الثلاثينيات.

بين عامي 1932-1934 تم عقد مؤتمر نزع السلاح العالمي أو مؤتمر نزع السلاح في جنيف هو محاولة من جانب الدول الأعضاء في عصبة الأمم، مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لتفعيل أيديولوجية نزع السلاح. عقد المؤتمر في جنيف، بين عامي 1932 و1934، ولكنه في الواقع استمر حتى عام 1937.

بعد صدمة أزمة الصواريخ الكوبية (خليج الخنازير) التي وقعت عام 1962، حاولت قوى العالم النووية الحد من خطر الحرب النووية ، عبر سلسلة من المعاهدات أهمها: معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية عام 1963، التي حظرت إجراء تجارب الأسلحة النووية في الجو وفي الفضاء الخارجي وتحت سطح الماء.

ومعاهدة حظر الانتشار النووي عام 1968، بشأن حظر نشر الأسلحة النووية، وحثت على نزع السلاح النووي وضمان حقوق الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية ووقع عليها 189 دولة، وهي تخضع للمراجعة كل 5 سنوات، وتصادف مايو المقبل.

أما اتفاقية إجراءات الحوادث للعام 1971، فتطالب القوى العالمية بالإعلام الفوري فيما بينها عن وقوع أي حادث نووي لتجنب نشوب حرب غير مقصودة.

محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية الأولى “سالت 1” عام 1972، وهي اتفاقية مؤقتة مدتها 5 سنوات بشأن الأسلحة الهجومية. وبموجبها، وافق الاتحاد السوفييتي (سابقاً) والولايات المتحدة على تجميد عدد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والباليستية التي تطلق من غواصات لدى الجانبين

معاهدة الحد من المنظومات المضادة للقذائف الباليستية 1972، وتنص على الحد من نشر نظم الدفاع الصاروخية المضادة للصواريخ النووية. وانسحبت الولايات المتحدة من المعاهدة في2001.

 محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية الثانية “سالت 2” 1979، التي وضعت حدوداً بشأن وسائل إيصال الأسلحة النووية الاستراتيجية عند 2400 لكل من أميركا والاتحاد السوفييتي. ولم تصادق الولايات المتحدة على المحادثات.

 

معاهدة القذائف متوسطة المدى والأقصر مدى عام 1987، طالبت بتدمير الصواريخ النووية والتقليدية التي يصل مداها إلى ما بين 500 إلى 5500 كيلومتر، وحظرت نشر المزيد منها في أوروبا، مثل صواريخ “بيرشينج 2” الأميركية و “إس إس-20” السوفييتية.

أما معاهدة الخفض والحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت 1) عام 1991، فتنص على الخفض بنسبة 30% من عدد الصواريخ بعيدة المدى، والتي يزيد مداها عن 5 آلاف كيلومتر. كما حدت الاتفاقية من عدد الرؤوس الحربية الموجودة في الدول المستقلة (آنذاك)، عن الاتحاد السوفييتي السابق، والولايات المتحدة بعدد 6 آلاف رأس حربي، و1600 صاروخ بالستي، وانتهى أجلها في 5 ديسمبر الماضي.

 معاهدة زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها “ستارت 2”، عام 1993، وهو اتفاق بين روسيا وأميركا لم يدخل حيز التنفيذ. ونصت الاتفاقية على مزيد من الخفض في الرؤوس الحربية لتصل إلى 3 آلاف رأس، وحظر ناقلات عائدة ذات رؤوس متعددة.

معاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية عام 2002 (معاهدة موسكو)، وبموجبها وافقت واشنطن وموسكو على خفض الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية لديهما إلى ما بين 1700 و2200 رأس.

 

 

من مفهوم  الأمن الجماعي إلى الأمن الإنساني:

 

جاءت أولى إرهاصات فكرة تحقيق الأمن للدول بشكل جماعي مع معاهدة وستفالياالتي عقدت في عام 1648، إذ وضعت هذه المعاهدة القواعد والأسس لتحقيق الأمن للدول الأعضاء في المجتمع الدولي على أساس جماعي، ومن ثم اتخذت العلاقات الدولية بعدها توجها نحو التعاون والمشاركة بدلاً من السيطرة والإخضاع، ومن أهم القواعد التي أرستها المعاهدة في هذا السياق: 


- اجتماع الدول للتشاور وحل مشاكلها على أساس المصلحة المشتركة.

- إقرار المساواة بين الدول.

- إرساء العلاقات بين الدول على أساس ثابت بإقامة سفارات دائمة لديها.
- اعتماد فكرة التوازن الدولي كأساس للحفاظ على السلم وردع المعتدي.
- إقرار فكرة سيادة الدولة في الداخل وتجاه الدول الخارجية.

 
ومع ما يراه البعض من أن أفكار الأمن الجماعي تبلورت من خلال عدة صيغ لتنظيم المجتمع الدولي في أعقاب الحروب الأوروبية بدءاً من معاهدة "وستفاليا" العام 1648، مرورا بمعاهدة "أوتراخت" العام 1713، وصولاً إلى معاهدة "فيينا" العام 1815، عقب هزيمة نابليون بونابرت، إلا أنه يمكن الدفع بأن دعوات تأسيس نظام دولي للأمن الجماعي جاءت قبل قرنين من الزمن على يد الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، عندما اقترح إنشاء فديرالية تضم دول العالم، حيث تتكتل غالبية الدول الأعضاء لمعاقبة أية دولة تعتدي على دولة أخرى.

 

 

 

 

 وهذا يعني أن الدول الأعضاء في منظومة الأمن الجماعي ستتعاون مع بعضها البعض ضد أية دولة تسعى لتحقيق مصالح ضيقة تضر بمصالح الجماعة الدولية ككل. ومن ثم يقوم نظام الأمن الجماعي من الناحية النظرية على فكرة محورية قوامها عدم السماح بالإخلال بالوضع القائم في النظام الدولي بطريقة غير مشروعة، وذلك من خلال تكوين قوة دولية متفوقة تتمكن من إحباط العدوان أو ردعه.

 

ومنذ بدايات القرن العشرين، استقر في العلاقات الدولية وجود مفهوم "الأمن الجماعي"، ويقصد به في هذا الصدد: العمل الجماعي من أجل المحافظة على السلم والأمن الدوليين من خلال أجهزة تعمل على تحقيق هذا الهدف. وعلى الرغم من تعدد التعريفات التي تتناول هذا المفهوم واختلافها فيما بينها، فمن الممكن تحديد مجموعة من النقاط الأساسية التي تلتقي حولها غالبية هذه التعريفات ومن ثم فهي تشكل الملامح الأساسية للمفهوم، أو بعبارة أخرى العناصر اللازم توافرها في نظام الأمن الجماعي لكي يكون مثاليا.

 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه العناصر تعد بالنسبة لغالبية الفقهاء وحدة متكاملة أو مترابطة بحيث إذا غاب أي منها يفسد النظام ككل ويصبح عديم الفعالية، وهذه العناصر هي:

 

1-تحريم استخدام القوة في العلاقات بين الدول ويأتي هذا العنصر استنادا إلى القناعة بأن الحد من استخدام القوة المسلحة أو العسكرية في العلاقات الدولية عبر تجريم ذلك الاستخدام، سوف يؤدي إلى التقليل من الحروب.

 

2- الضمان الجماعي للأمن: تستوجب "جماعية" ضمان الأمن في إطار نظام ما للأمن الجماعي أن تقدم كل الدول الأعضاء في هذا النظام المساعدة إلى الدولة أو الدول التي تتعرض للهجوم.

 

3-استخدام القوة كرادع وكعقاب في الوقت ذاته: ويقصد بذلك أنه إذا ما تم تطبيق العنصرين السابقين فمن المفترض تحقيق الردع نظرياً على الأقل، بحيث لن تتجه أي دولة للمخاطرة بالاعتداء على إحدى الدول الأعضاء في نظام الأمن الجماعي وإلا سيكون عليها مواجهة كل الدول الأعضاء في هذا النظام.

 

4-تلقائية العمل الجماعي: ويقصد بذلك وجوب يجب أن تتسم الضمانات الجماعية للأمن في إطار نظام الأمن الجماعي بالتلقائية والإطلاق، بمعنى ضرورة أن تنطلق وتتمدد آلية الأمن الجماعي بشكل تلقائي عند الحاجة إليها. بحيث تكون استجابة هذه الآلية للتهديدات الأمنية لأي من أعضاء النظام سريعة أو بالأحرى فورية ونزيهة.

 

5-أولوية عضوية نظام الأمن الجماعي على ما عداها من تحالفات:يجب أن يكون نظام الأمن الجماعي فوق أي تحالفات أخرى أو خاصة بين أعضائه؛ فهو لا يعترف بوجود أصدقاء أَو خصوم في إطار هذا النظام.

 

6-التوافق على معنى الاعتداء أو العدوان: يفترض هذا العنصر أن تقبل كل الدول الأعضاء في نظام الأمن الجماعي بتعريف موحد لمفهوم الاعتداء أو "العدوان"، بحيث يمكن بموجب هذا التعريف تحديد الأعمال العدائية فور حدوثها.

 

7-ديمومة وعمومية النظام:يجب أن يتسم نظام الأمن الجماعي بأن يكون دائما، مجردا وعاما ومناسبا، وذلك حتى يمكنه أن يتحول إلى مؤسسة لحماية الأمن الدولي ضد كل الأخطار المحتملة ضد كل الأعضاء فيه.

يمكن القول أن نظام الأمن الجماعي يواجه في الوقت الحاضر مجموعة من التهديدات تتجاوز حدود المعنى التقليدي للعدوان الذي تمارسه الدول. ويمكن إجمال هذه التهديدات ستة فئات، هي: النزاع بين الدول ، الفقر والأمراض المعدية والأخطار البيئية، العنف الداخلي، بما في ذلك الحروب الأهلية، الإبادة الجماعية، التطهير العرقي، وفشل أو انهيار الدول ،أسلحة الدمار الشامل، ويتضمن ذلك الأسلحة الإشعاعية والبيولوجية والكيميائية، فضلا عن الأسلحة النووية ، الإرهاب و الجريمة المنظمة العالمية

 

وقد ترتب على ذلك الحاجة إلى بلورة مفهوم جديد أوسع نطاقا من مفهوم الأمن الجماعي هو "الأمن الإنساني"، وهو مفهوم يتخذ من الفرد وحدته الأساسية في التحليل انطلاقًا من أن أمن الدولة رغم أهميته لم يعد ضامنًا أو كفيلا بتحقيق أمن الأفراد، والأكثر من ذلك إنه فى أحيان كثيرة تفقد الدولة الشرعية فتتحول ضد أمن مواطنيها.

 

 ومن هذا المنطلق، جاء بروز مفهوم الأمن الإنساني في محاولة لإدماج الشق أو البعد الفردي ضمن مفهوم الأمن، وذلك من خلال التركيز على تحقيق أمن الأفراد داخل وعبر الحدود بدلا من التركيز على أمن الحدود ذاته،

 

 وتجدر الإشارة إلى أن بداية الجدل حول مفهوم الأمن الإنساني إلى عام 1994، وذلك مع صدور تقرير التنمية البشرية لهذا العام، إذ طرح التقرير مفهوم الأمن الإنساني Human Security باعتباره أحد أولويات الأجندة الأمنية في القرن الحادي والعشرين، إذ يشمل حماية الأفراد من كل ما يهدد أمنهم.

 

 

كما ظهر المفهوم بشكل أكثر تفصيلا في دراسة ضمن تقرير التنمية البشرية لعام 1999 بعنوان:"عولمة ذات وجه إنساني" حيث حدد سبعة عناصر تشكل المخاطر التي تهدد الأمن الإنساني في عصر العولمة وهي: عدم الاستقرار المالي، وغياب الأمن الوظيفي، وغياب الأمن الصحي، وغياب الأمن الثقافي، وغياب الأمن الشخصي، وغياب الأمن البيئي، وغياب الأمن السياسي والمجتمعي.

 

 

دور الامم المتحدة في حل النزاعات الدولية:

 

إن الصلة بين مبدأ حل المنازعات الدولية حلا سلميا ومنع الحرب وحفظ السلام الدولي ، هي صلة قوية ومتلازمة ، فلا يمكن أن نتصور استتباب الأمن والسلم في المجتمع الدولي دون ضمان حل الخلافات التي تنشب بوسائل بعيدا عن استخدام القوة ، وأن من أولى مقاصد الأمم المتحدة التي وردت في المادة الأولى من الميثاق هي تحقيق السلم والأمن الدوليين ،

 

 ولتحقيق هذه الغاية فإن المنظمة تتذرع بالوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية وفقا لمبادئ العدل والقانون.كما أن الميثاق يوجب على الدول اللجوء إلى الوسائل السلمية في حل المنازعات الدولية التي من شأنها أن تهدد السلم والأمن الدوليين ، ومما يؤكد الأهمية الكبيرة التي يوليها الميثاق لهدف المحافظة على الأمن والسلم الدوليين هو ورود هذه العبارة أكثر من إحدى وثلاثين مرة في الميثاق.

 

 على الرغم من أن الميثاق ليس أول وثيقة دولية تدعو إلى تسوية المنازعات بطريقة سلمية ، إذ سبق وأن دعت إلى ذلك اتفاقية لاهاي 1907 عندما نصت المادة الأولى من تلك الاتفاقية على أنه (بغية تجنب اللجوء إلى القوة قدر الإمكان في العلاقات بين الدول ، تتعهد ببذل أقصى جهودها لضمان الحل السلمي للخلافات الدولية.  كما أكدت على ذلك المعاهدة المعقودة في باريس عام 1928 والتي عرفت باسم ميثاق (بريان – كيلوج) والتي نصت على أن يتعهد أطراف المعاهدة بعدم تسوية أي خلاف أو نزاع بينهم بغير الطرق السلمية دون اعتبار لطبيعة الخلاف أو النزاع أو مصدره .

 

 ما يميز ميثاق الأمم المتحدة عن غيره من المواثيق في هذا الجانب أنه يحرم مجرد التهديد باللجوء إلى الحرب والأعمال التي لا تبلغ مرتبتها ، ولا يقتصر فقط على تحريم استعمال القوة واللجوء إلى الحرب ، كما أن الميثاق يمنح مجلس الأمن الدولي الذي هو إحدى هيئات المنظمة الدولية سلطات واسعة لتسوية المنازعات وتحديد التزامات الأعضاء تجاه ذلك.

 

 لقد خصص فصل كامل في ميثاق الأمم المتحدة لبيان كيفية حل المنازعات بين الدول بالطرق السلمية وسنتناول في هذا المبحث دور الجهازين الرئيسيين في الأمم المتحدة ونعني بهما (الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي) في تسوية المنازعات الدولية.

 

 

1-  دور مجلس الأمن الدولي في تسوية المنازعات الدولية

 

يتمتع مجلس الأمن الدولي من بين أجهزة الأمم المتحدة وبموجب الميثاق بسلطات على قدر كبير من الأهمية نتيجة اضطلاعه بتحقيق الهدف الأساسي الذي أنشئت من اجله المنظمة الدولية، والمتمثل بحفظ الأمن والسلم الدوليين ، والمنازعات الدولية شانها شأن المسائل الدولية الأخرى ، إحدى العوامل التي من الممكن أن تزعزع الأمن والسلم في العالم ، إذا لم تتم تسويتها بطرق سلمية ضمانا لعدم تفاقمها واحتمالات تحولها إلى حروب وما تجره من ويلات ومآسي ،

 

  لقد تضمن الفصل السادس من الميثاق النصوص التي تتعلق باختصاصات المجلس وسلطاته فيما يتعلق بالحل السلمي للمنازعات ، فإذا ما وجد المجلس نزاعا من شأنه أن يعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر فإنه يطلب من أطراف النزاع العمل على حله بطريق المفاوضات المباشرة والتحقيق …الخ ، فأطراف النزاع هي الأدرى بطبيعته ومن ثم هي الأدرى بوسائل تسويته ، ولا يحق للمجلس أن يفرض على الدول المتنازعة طريقة معينة لتسوية منازعاتها ،

 

إن القول أن وظيفة مجلس الأمن الدولي أن يعنى بأمر أي نزاع من الممكن أن يعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر لا يعني أن المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) لا تعير أهمية للمنازعات القليلة الأهمية أو الهيمنة للخطر ، بل أن ما يفهم مما ورد في الفصل السادس من أحكام ، هو ترك الفرصة وإتاحتها لأطراف النزاع لحله بما يرونه من الوسائل المناسبة ، وذلك تطبيقا لما التزم به الأعضاء من الفقرة الثالثة من المادة الثانية من الميثاق.

 

والسؤال الذي يرد هو متى يعد النزاع الدولي مهددا للأمن والسلم الدوليين ؟

 

 الحقيقة أن الميثاق لم يحدد الضوابط التي من خلالها يمكن الحكم على النزاع بأنه يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين ، فالمسألة مسالة تقدير ليس إلا ، وقد جرى العمل في مجلس الأمن الدولي على الاعتماد على ادعاءات الأطراف ، بل الاكتفاء بإدعاء أحدهما ، وليس من الضروري أن يكون النزاع بين دولتين متكافئتين من حيث القوة .

 

 

لكي يصدق عليه القول أنه يشكل خطرا أو تهديدا للأمن والسلم الدوليين ، كما قد يعتقد البعض على اعتبار أنه في حالة عدم وجود تكافؤ في موازين القوى بين الأطراف المتنازعة فالسلم والأمن لا يكونان مهددان ، لأن الطرف القوي يكون في موقف يستطيع من خلاله أن يملي موقفه على الطرف الضعيف الذي يقف عاجزا عن أن يحارب الطرف القوي ،

 

 ومجلس الأمن يمارس اختصاصه فيما يتعلق بالمنازعات الدولية على مرحلتين ، ففي المرحلة الأولى يقوم المجلس بكل ما من شأنه التأكد من أن النزاع يشكل تهديدا أو خطرا على الأمن والسلم الدوليين ، وتتطلب هذه المسألة دراسة عميقة ودقيقة ، أما المرحلة الثانية فتستند على ما خوله الميثاق للمجلس في المادة الرابعة والثلاثون من سلطات بفحص النزاع وما إذا كان استمراره يشكل خطرا وتهديدا للأمن والسلم الدوليين ، وقد تتطلب هذه المهمة تشكيل لجان للتحقيق أو التوفيق.


   إن القول أن مجلس الأمن الدولي يتمتع بسلطة تقديرية عند نظره المنازعات لا يلغي أبدا الشروط الواجب توافرها في النزاع لكي تنطبق عليه صفة النزاع الدولي ، وتتمثل هذه الشروط كما سبق وأن ذكرناها في الفصل الأول ، بوجود ادعاءات متناقضة بين الأطراف وأن تكون هذه الادعاءات متمثلة بالاختلاف حول مسألة معينة من الواقع أو القانون وأن تكون الادعاءات مستمرة عند عرض النزاع على المجلس ، وأن يكون من شأن استمرار هذا النزاع تعريض الأمن والسلم الدوليين للخطر ، ولا يشترط اللجوء إلى المجلس عن طريق أحد الأطراف (أطراف النزاع) مع انه الحالة الأكثر شيوعا ، بل أنه قد تطلب أطرافا غيرهم من مجلس الأمن الدولي النظر في النزاع .

 

 

 والأمثلة على ذلك عديدة ، منها اجتماع مجلس الأمن عام 1980 للنظر في النزاع المسلح بين العراق وإيران بعد أن طلبت ذلك كل من المكسيك والنرويج وهما ليستا طرفاً في النزاع .

 

إن اللجوء إلى مجلس الأمن قد يكون أحيانا إلزاميا وذلك عندما تفشل الوسائل السلمية التي وردت في المادة (33) من الميثاق في حل النزاع ، أو عندما تجمع الدول الأطراف في النزاع على طلب عرضه على المجلس ، كما أن الدول غير الأعضاء في المنظمة الدولية بإمكانها اللجوء إلى مجلس الأمن في حالة إذا كانت طرفا في نزاع معين شرط ان تعلن سلفا قبولها بالتزامات التسوية التي وردت في الميثاق ، وعندئذ يصبح وضع هذه الدولة مشابها لوضع الدول الأعضاء .

 

 ولقد خول الميثاق المجلس نوعين من الاختصاصات فالأول وقائي ويمثل التدخل بصورة غير مباشرة وذلك بهدف كبح جماح النزاع والحيلولة دون تفاقمه ، أما الثاني فيسمح للمجلس باتخاذ إجراءات القمع بعد أن يستنفذ الوسائل السلمية وفي هذه الحالة يعد التدخل علاجيا أو تأديبي.

 

 

2-  دور الجمعية العامة في تسوية المنازعات الدولية

 

تساهم الجمعية العامة في حفظ السلم والأمن الدوليين ، غير أن هذه المساهمة تختلف في طريقتها عن مساهمة مجلس الأمن الدولي ، لقد أعطى الميثاق في المادة العاشرة منه للجمعية العامة سلطات بالقول (للجمعية العامة أن تناقش أي مسألة أو أمر يدخل في هذا الميثاق) ..

 

 

 

 ويفهم من نص المادة المذكورة أنه يحق للجمعية العامة أن تناقش أي نزاع دولي متى ما كان يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين وأن على الجمعية العامة أن تتخذ كل التدابير اللازمة لتطويق هذا النزاع ريثما تعرضه الأطراف على محكمة العدل الدولية.

 

 وتأكيدا للدور الذي تضطلع به الجمعية العامة في حل المنازعات الدولية عاد الميثاق وأكد في الفقرة الثانية من المادة الحادية عشر على أن (للجمعية العامة أن تناقش أي مسألة تكون لها صلة بحفظ السلم والأمن الدولي يرفعها إليها أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو دولة ليست من أعضائها)،

 

 تصدر الجمعية قراراتها في المسائل المهمة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت، وطبقا للمادة الرابعة عشر من الميثاق فللجمعية العامة أن توصي باتخاذ التدابير اللازمة لتسوية أي موقف مهما كان منشؤه قد يعكر صفو العلاقات الودية بين الأمم ويدخل في ذلك المواقف الناشئة عن انتهاك أحكام الميثاق الموضحة لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.

 

لقد أوجب إعلان مانيلا للأمم المتحدة الصادر عام 1982 والخاص بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية ، أوجب على الدول أن تفي بكل التزاماتها الواردة في الميثاق وأن تضع التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة موضع التطبيق.

 

وتجد الإشارة إلى أن نصوص الميثاق المتعلقة بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية قد أوجبت على أطراف النزاع البحث عن كل السبل الكفيلة لحله ، فالمادة (33) من الميثاق نصت على أنه (يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلام الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريقة التحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجئوا إلى الوكالات الدولية والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي تقع عليها اختيارها.

 

وعلى الرغم من أن الميثاق قد أعطى للجمعية العامة الحق للنظر في المنازعات وتقديم التوصيات اللازمة ، فإنه وتجنبا للازدواجية وتعارض القرارات بين الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي ، أستثنى من ذلك النزاعات التي تكون معروضة أمام مجلس الأمن ، فلا يحق للجمعية العامة النظر فيها ما لم يطلب منها المجلس ذلك ،

 

وقد أوكل إلى الأمين العام أخطار الجمعية العامة حول المسألة التي تكون محل نظر من مجلس الأمن أو فراغه منها، ومع ذلك فإننا نجد أن الجمعية العامة قد قامت في بعض الأحيان بالنظر في مسائل حتى بعد قيام مجلس الأمن بالنظر فيها.

 

فيما يتعلق باختصاصات الجمعية العامة تفسيرا يخولها (في حالة فشل مجلس الأمن الدولي) القيام بالأعمال التي من شأنها حفظ الأمن والسلم الدولي، وقد أصدرت الجمعية العامة قرارا برقم 377 عام 1950 تضمن العديد من المبادئ ، في مقدمتها التأكيد على التزام أعضاء الأمم المتحدة بحل منازعاتهم بالطرق السلمية وأن يسهم الأعضاء الدائميون في مجلس الأمن الدولي (من خلال امتناعهم عن استخدام حق الفيتو) في مساعدة مجلس الأمن على أيجاد الحلول اللازمة للمنازعات .

 وأعطى الحق للجمعية العامة بأن تباشر النظر في أية مسألة يعجز مجلس الأمن الدولي عن التوصل إلى إصدار قرار بشأنها بسبب لجوء أحد أعضائه إلى استخدام حق النقض (Veto) ،

 

 

 

وقد اصطلح على تسمية هذا القرار بـ (الاتحاد من اجل السلام) .وقد طبق هذا القرار ومنذ صدوره على العديد من الحالات نذكر منها على سبيل المثال العدوان الثلاثي على مصر 1956، والنزاع بين الهند وباكستان عام 1971، ففي كلتا الحالتين حلت الجمعية العامة محل مجلس الأمن الدولي بسبب عجز الأخير وتقاعسه عن عقد اجتماع أو اتخاذ قرار مناسب. 

 

3-  حل النزاعات الدولية على المستوى الإفريقي:

 

بدأت تتنامى لدى الدول الإفريقية فكرة الاتحاد والتجمع، وذلك بهدف حماية استقلالها الوليد من ناحية، وخلق تعاون فيما بينها من ناحية أخرى، وهكذا نبتت فكرة التجمعات والمنظمات الإفريقية، والتي بدأت في صورٍ مختلفة، وكانت معظمها متعثّرة ومحصورة في نطاقات ضيقة؛ متخذة أشكال اتحادات تعاهدية بين دولٍ متجاورة جغرافيا.

ثم أخذت الدائرة تتسع شيئاً فشيئاً عن طريق تكوين تكتلات تضمّ عدداً أكبر من الدول الإفريقية، إلى أن قامت (منظمة الوحدة الإفريقية)، والتي أدت أدوارا مختلفة في مجال إرساء دعائم السّلْم والأمن داخل القارة الإفريقية؛ حيث اتجهت نحو التسوية السلمية للمنازعات التي دارت داخل القارة، مع احترام حدود الدول الموروثة عند استقلالها،

 

 وفي هذا الإطار أنشأت منظمة الوحدة الإفريقية جهاز آلية فضّ المنازعات في 1993م، وذلك بهدف حلّ النزاعات الإفريقية بوسائل إفريقية تحدّ من التدخل الأجنبي في شؤون القارة الإفريقية، وسوّغت ذلك المسلك بأنّ التدخل الخارجي يزيد من المشكلات الإفريقية، ويزيدها تفاقما، كما حدث في الصومال – قوات يونيصوم.

لقد تجسدت الأدوار العملية لمنظمة الوحدة الإفريقية في عمليات حفظ السلم والأمن بالقارة من خلال حثها للأطراف المتنازعة على التسوية القضائية أمام محكمة العدل الدولية، كما حدث في النزاع الحدودي بين كل من نيجيريا والكاميرون، والذي أحيل لمحكمة العدل الدولية في 1994 بناء على توصية المنظمة،

 

 كذلك شجعت السنغال وغينيا بيساو على تسوية نزاعهما الحدودي البحري أمام محكمة العدل الدولية في 1991 – 1995، وأيضا النزاع الحدودي الليبي التشادي؛ حيث ساهمت في تهدئة الأوضاع بين الدولتين، وتعاونت مع الأمم المتحدة في تنفيذ القرارات الصادرة بحلّ ذلك النزاع ومراقبته

 

تم إنشاء الاتحاد الإفريقي في ماي 2001 وريثا للوحدة الإفريقية. استمر في القيام بمهام المنظمة الإفريقية نفسها، والهادفة للحد من المنازعات الإفريقية سلميا؛ فتمّ إنشاء مجلس السلم والأمن الإفريقي بوصفه جهازاً تابعاً للاتحاد ومسؤولا عن تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء، بالإضافة إلى التعاون المشترك مع الأمم المتحدة وأذرعها، بجانب التكتلات والتجمعات الإفريقية.

وانطلاقا من تلك المهام؛ فقد تدخل الاتحاد الإفريقي عبر مجلس السّلْم والأمن الإفريقي في تسوية الصراع في توجو 2005، وذلك بالتعاون والتنسيق الكامل مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الإيكواس.

أيضاً تدخل الاتحاد الإفريقي في موريتانيا عام 2005 بعد حدوث الانقلاب العسكري، وتواصل مع الأطراف الموريتانية عبر مفوضية السّلْم والأمن الإفريقي، والتي نجحت في وضع خارطة طريق لإحداث التحول الديمقراطي بالبلاد؛ بموافقة القوى السياسية الموريتانية كافة.

 

 

أيضا تدخل الاتحاد الإفريقي عسكريا في جزر القمر في العام 2008، عن طريق إرسال قوات عسكرية لوضع حدٍّ للصراع حول السلطة ومحاولات انفصال جزيرة أنجوان، وقد نجح الاتحاد الإفريقي في مسعاه من خلال التدخل العسكري المسنود بتسوية سياسية بمساعدة فرنسية.

أما في الصومال؛ فقد تعددت مبادرات الاتحاد الإفريقي وأخذت أشكالاً مختلفة، تراوحت ما بين الدعم السياسي للحكومة الصومالية، وإرسال قوات عسكرية لحفظ السلام في العام 2007، فضلاً عن التعاون مع قوات المهام المشتركة للقرن الإفريقي (الأفريكوم) التابعة للولايات المتحدة الأمريكية.

ويبدو دور الاتحاد الإفريقي في تحقيق السلم والأمن في إفريقيا أكثر وضوحا وشمولا في دارفور بغرب السودان منذ العام 2004، وحتى الوقت الراهن، والذي يتم في إطار شراكة كاملة مع مجلس الأمن الدولي، فقد تدخل الاتحاد الإفريقي في دارفور بوسائل وأدوات متعددة ومتداخلة؛ بدءاً من المبادرات الرامية لحلّ الأزمة بصورة سلمية، وصولا إلى مرحلة وضع قوة عسكريّة دائمة لحفظ السلام (اليونميد) بالسودان.

وبجانب الاتحاد الإفريقي، هناك تجمعات وتكتلات اقتصادية داخل القارة الإفريقية سبقت في قيامها الاتحاد الإفريقي، وقد عملت على إيجاد فرص تكاملية لاقتصاديات الدول المنضوية تحت مظلتها، بالإضافة إلى محاولات هذه التكتلات لانتهاج سياسات تساعد على تحقيق الأمن والاستقرار داخل منظومتها؛ فعلى سبيل المثال نجد

 

1-التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا (الإيكواس – Ecowas) قد حقق نجاحا نسبيا في مواجهة الحروب الأهلية داخل الإقليم، كما حدث في توغو 2005، فضلا عن ذلك فإن الإيكواس أنشأت قوة عسكرية مشتركة (إيكوموج )، تساعد في تحقيق الاستقرار الأمني لدولها.

 

2 الهيئة غير الحكومية للتنمية (الإيقاد) بصفتها واحدة من التكتلات التي تعمل على الارتقاء بالاستراتيجيات التنموية في بلدانها من ناحية، والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار داخل دولها من ناحية أخرى.وقد أدت (الإيقاد) أدوارا فاعلة في تسوية النزاعات المسلحة في كلٍّ من السودان عبر مبادراتها المتعددة، ورعايتها لمفاوضات السلام، والتي أفضت إلى اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) 2005، أيضاً تدخلها الواضح وجهودها المضنية من أجل الوصول للسلام في دولة جنوب السودان في الوقت الحالي،

3-تجمع (دول الساحل والصحراء) قد أضاف أهدافاً جديدة لميثاقه تتعلق بحماية الأمن وحفظ السلام، وإنشاء آليات يُناط بها تحقيق هذه الأهداف.

 

عمليات حفظ السلام وأساسها القانوني

 

يخول ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين. ويمكن للمجلس، من أجل الاضطلاع بهذه المسؤولية، أن ينشئ عملية لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة. ويتم نشر عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام على أساس ولايات صادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتتفاوت مهام تلك العمليات من حالة إلى أخرى، رهنا بطبيعة النزاع والتحديات المحددة التي يمثل وقد غدت عمليات حفظ السلام، وإن لم يُنص على ذلك صراحة في الميثاق، من الأدوات الرئيسية التي تستخدمها الأمم المتحدة لتحقيق هذا الغرض.

 

 

ويخول الميثاق لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مسؤولية رئيسية عن حفظ السلم والأمن الدوليين. ويجوز للمجلس، من أجل اضطلاعه بهذه المسؤولية، أن يتخذ طائفة من التدابير، بما فيها إنشاء عملية لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة.

الفصل السادس يتناول“حل المنازعات حلا سلميا”. وقد ارتبطت عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام تقليديا بذلك الفصل. غير أنه لا بد لمجلس الأمن أن يرجع إلى فصل محدد من الميثاق عند اتخاذ قرار يأذن بنشر عملية حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، ولم يحتكم قط إلى الفصل السادس.

الفصل السابع يتناول الأحكام ذات الصلة بـ“ما يُتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان". وفي السنوات الأخيرة، اعتمد المجلس ممارسة الاحتكام إلى الفصل السابع من الميثاق عندما أذن بنشر عمليات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة إلى بيئات متقلبة بعد انتهاء الصراع، حيث تكون الدولة غير قادرة على حفظ الأمن والنظام العام.

إن احتكام مجلس الأمن إلى الفصل السابع في هذه الحالات، بالإضافة إلى كونه بياناً للأساس القانوني لتصرفه، يمكن النظر إليه أيضاً كبيان للتصميم السياسي الثابت وكوسيلة لتذكير أطراف النزاع وعضوية الأمم المتحدة الأوسع نطاقاً، بالتزامها بإنفاذ قرارات مجلس الأمن.

الفصل الثامن من الميثاق ينص على إشراك الترتيبات والوكالات الإقليمية في صون السلم والأمن الدوليين، شريطة أن تكون هذه الأنشطة متفقة مع المقاصد والمبادئ المتضمنة في الفصل الأول من الميثاق.

 

ولايات عمليات حفظ السلام

يتم نشر عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام على أساس ولايات صادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدةوعلى مر السنين توسعت طائفة المهام الموكلة إلى عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام توسعاً ملحوظا استجابة لأنماط النزاع المتغيرة ولمعالجة الأخطار التي تهدد السلام والأمن الدوليين على أفضل نحو.

وعلى الرغم من أن كل عملية من عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام تختلف عن الأخرى، هناك درجة كبيرة من التساوق في أنواع المهام المسندة بتكليف من مجلس الأمن. وقد يُطلب من عمليات حفظ السلام، رهنا بولايتها، ما يلي:

  • الانتشار لمنع نشوب نزاع أو امتداده عبر الحدود؛
  • تحقيق الاستقرار في حالات النزاع بعد وقف إطلاق النار، لتهيئة بيئة للأطراف للتوصل إلى اتفاق سلام دائم؛
  • المساعدة في تنفيذ اتفاقات السلام الشاملة؛
  • قيادة الدول والأقاليم خلال مرحلة الانتقال إلى حكم مستقر، استنادا إلى المبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد والتنمية الاقتصادية.

ورهنا بالمجموعة المحددة من التحديات التي يواجهونها،كثيرا ما يُكلف حفظة السلام التابعون للأمم المتحدة بالقيام بدور حفاز في الأنشطة التالية التي هي في الأساس أنشطة بناء سلام:

  • نزع سلاح المحاربين السابقين وتسريحهم وإعادة دمجهم؛
  • الإجراءات المتعلقة بالألغام؛
  • إصلاح قطاع الأمن وغير ذلك من الأنشطة ذات الصلة بسيادة القانون؛
  • حماية وتعزيز حقوق الإنسان؛
  • المساعدة الانتخابية؛
  • تقديم الدعم لاستعادة سلطة الدولة وبسطها؛
  • تعزيز الانتعاش والتنمية الاجتماعيين والاقتصاديين

وتعكس ولايات مجلس الأمن أيضا عددا من المهام المواضيعية الشاملة التي تسند عادة إلى عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام على أساس قرارات مجلس الأمن التاريخية التالية:

  • قرار مجلس الأمن 1325 /2000  بشأن المرأة والسلام والأمن؛
  • قرار مجلس الأمن 1612 /2005  بشأن الأطفال والصراعات المسلحة؛
  • قرار مجلس الأمن 1674 /2006 . بشأن حماية المدنيين في الصراعات المسلحة.

 

التسوية السلمية للنزاعات الدولية.

و يقصد بالتسوية السلمية للنزاعات الدولية هو حل تلك النزاعات القائمة دون اللجوء الى أساليب العنف و القوة , و تتعدد وسائل التسوية السلمية و فيما يلى عرض لأهم تلك الوسائل .

 

أ) الوسائل السياسية و الدبلوماسية :

و تعد الوسائل السياسية و الدبلوماسية من أهم الأساليب السلمية لتسوية النزاعات الدولية وهى تتمثل فى " المفاوضات – المساعى الحميدة – الوساطة – التحقيق – التوفيق ".

 

 

 

 

1-المفاوضات :

و هى طريقة دبلوماسية لفض النزاع سلمياً حيث تقوم على تبادل الرأى و الأفكار بين الدولتين المتنازعتين بنية الوصول الى حل النزاع القائم ، و تتعدد طرق المفاوضات و منها المفاوضات المباشرة بين الطراف المعنية و عادة ما يقوم بها الدبلوماسيون و تتمثل فى " تبادل الآراء بين المتفاوضين شفهيا أو في مذكرات مكتوبة أو كلاهما معا ،

و هناك مفاوضات غير مباشرة و تتمثل في " قيام طرف ثالث بدور الوسيط بين الدول المعنية فى النزاع " – كالدور التى تلعبه الدول العربية في حل القضية الفلسطينية – و قد تتم المفاوضات عن طريق مؤتمر دولى يجمع بين الطراف المتنازعة لتسويةالنزاع القائم بينهم .

 

2-المساعى الحميدة :

 

و هى طريقة متعارف عليها دولياً لحل النزاعات و يقوم بها الطرف الثالث حيث يعمل على تقريب وجهات نظر الأطراف المتنازعة حيث تعمل على فتح قنوات الإتصال بين الدول المعنية لحل النزاع سلمياً ويعد الهدف الأسمى للمساعى الحميدة هو تفادى قيام نزاع مسلح بين الدول المعنية.

 

    3 -الوساطة :

وهي نشاط ودى تبذله دولة أو منظمة دولية بهدف حل النزاع القائم بين الدول المعنية عن طريق تقديم حلول وسط أو تقديم مقترحات من أجل التقريب بين وجهات النظر و يجب أن تتمتع دولة الطرف الثالث بثقة الدول المعنية .

 

 

4 -التحقيق :

هى الوسيلة التى يلجأ اليها الأطراف المعنية لإخضاع بعض الصعوبات القائمة بينهم داخل النزاع و يتم فيها إحالة النزاع وقت نشوبه إلى لجنة تحقيق تتقصى الحقائق دون إعلان المسؤولية و دون إلزام طرفى النزاع بالنتيجة التى تتوصل اليها، و تعد هذه الطريقة هى من ابتكار " مؤتمر لاهاى الأول عام 1899 " .

 

5-التوفيق :

 

يقصد بالتوفيق أن تتولى لجنة دولية الاتصال بين الدول المتنازعة وإبداء مقترحات حول النزاع المراد تسويته ، و للدول المعنية الحق الكامل ومطلق الحرية في قبول تلك المقترحات أو رفضها و يعتبر التوفيق كوسيلة لحل النزاعات سلميا وسيلة حديثة نسبيا ، كما يمثل طريقة وسيطة بين التحكيم و القضاء الدولى .

 

 

ب) الوسائل القانونية :

 

 تعد الوسائل القانونية لتسوية النزاعات الدولية هى محاولة جعل الإجراءات القضائية تشكل أساس تسوية النزاعات الدولية ، و من هنا فإن النزاعات ذات الصفة القانونية البحتة هى وحدها التى تحل قضائيا ، و يعد اللجوء إلى الطرق القانونية من أسس العدل الدولى و ذلك لعدم تكافؤ أطراف النزاع ويترتب على ذلك أن تفرض الدولة القوية تسوية معينة في صالحها ، و تتمثل الوسائل القانونية في التحكيم و القضاء الدولى .

 

 

 

 

1-التحكيم :

 

 إحدى الوسائل القانونية لتسوية النزاعات الدولية ، حيث عرفه البعض على أنه " وسيلة لحسم النزاع بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولى وذلك بواسطة حكم صادر عن محكم أو مجموعة محكمين يختارون من قبل الدول المتنازعة " ، ويعد التحكيم من أفضل الوسائل السلمية لحل النزاعات إذ أن الحكم الذى تقررهاللجنة الحاكمة لا بد و أن تعمل به كل من الدول المتنازعة على خلاف الوساطة و التوفيق فحكمهما اختيارى أى لا يلتزم أى من الطرفين بهذا الحكم .

 

 ولكن لجوء الدول المتنازعة إلى التحكيم الدولى هو أمر اختيارى للدول المتنازعة و لكن حين يتم الاتفاق بينهم على التحكيم الدولى يصبح كل من الأطراف المتنازعة مجبر على الالتزام بقرار المحكم و العمل به ، كما يعد التحكيم الدولى من أهم المسائل التى اهتم بها " مؤتمر لاهاى الأول عام 1899 و مؤتمر لاهاى الثانى عام 1907 " .

 

و هناك نوعان من محاكم التحكيم الدولى أولاهم محاكم التحكيم المؤقته و هى " محاكم يتم إنشاؤها لحل النزاع ثم تنفض عقب حل النزاع مباشرة " ، و ثانيهم محاكم التحكيم الدائمة و هى " محاكم لا يشترط وجودها على وجود نزاع قائم " .

 

 

 

 

 

 

2-القضاء الدولى  : ( محكمة العدل الدولية)

 

يعد القضاء الدولى من أهم الطرق القانونية لحل النزاع سلميا , حيث يعرفه البعض على أنه " وسيلة لحسم نزاع قائم بين شخصين أو أكثر من رجال القانون الدولى بواسطة حكم قانونى يصدر عن هيئة دائمة ، تضم قضاة مستقلين تم اختيارهم مسبقا" .

و كما نرى فإن اللجوء إلى القضاء الدولى أمرا اختياريا و لكن حالة لجوء الدول المتنازعة إليه يتحتم عليهم جبريا العمل بحكم المحكمة الدولية ، كما أن تلك الأحكام تبنى على أساس القانون الدولى . و هنا قد يعتقد البعض أنه لا فرق بين التحكيم و القضاء الدولى ، حيث أنهما يتفقان في أن كل منهما محض اختيار الدول المتنازعة مع اجبار الدول المعنية على الالتزام جبريا بحكم كل منهما ،

 

لكن يختلف القضاء الدولى عن التحكيم الدولى في أن محكمة القضاء الدولى تكون قائمة بالفعل قبل نشوب أى نزاع، و تتميز بالاستمرار على عكس محاكم التحكيم الدولى و التى تنفض عقب تسوية النزاع القائم . كما أن قضاة محكمة القضاء الدولى يتم تعينهم مسبقا و لا دخل للدول المعنية في اختيارهم مما يميزهم بالحياد و الاستقلالية على عكس محاكم التحكيم الدولى .

 

محكمة العدل الدولية: International Court of Justice (ICJ) هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمةالأمم المتحدةويقع مقرها في لاهاي بهولندا. وهي الجهاز الوحيد من بين الأجهزة الستة للأمم المتحدة الذي لايقع في نيويورك. تأسست عام 1945، وبدأت أعمالها في العام اللاحق، وحلت محل المحكمة الدائمة للعدالة الدولية

لمحكمة العدل الدولية نشاط قضائي واسع، فتفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، كما تمارس وظيفة استشارية من خلال اصدار الفتاوى للجهات التي تحال إليها من هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة

وتعد الأحكام الصادرة عن المحكمة قليلة نسبياً، لكنها شهدت بعض النشاط ابتداء من مطلع الثمانينيات، وقد سحبت الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بالسلطة القضائية الإلزامية لهذه المحكمة، مما يعني بأنها تلتزم بما تقبله من قرارات المحكمة وتتحلل مما لا تقبله منها.

تتألف المحكمة من 15 قاضياً، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، لمدة 9 سنوات، ويمكن إعادة انتخاب الأعضاء. يتم انتخاب ثلث الأعضاء كل ثلاث سنوات. ولا يسمح بتواجد قاضيين يحملان نفس الجنسية، وفي حال توفي أحد القضاة الأعضاء، يتم إعادة انتخاب قاض بديل يحمل نفس جنسية المتوفي فيشغل كرسيه حتى نهاية فترته.

 

يشترط في القضاة وبحسب النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ان يكونو مستقلين ينتخبون من الأشخاص ذوي الصفات الخلقية العالية الحائزين في بلادهم للمؤهلات المطلوبة للتعيين في أرفع المناصب القضائية، أو من المشرعين المشهود لهم بالكفاية في القانون الدولي وكل هذا بغض النظر عن جنسيتهم.

 

 يمكن عزل القاضي عن كرسيه فقط بموجب تصويت سري يجريه أعضاء المحكمة. وقد شككت الولايات المتحدة بنزاهة القضاة إبان قضية نيكاراغوا، عندما ادعت أنها تمتنع عن تقديم أدلة حساسة بسبب وجود قضاة في المحكمة ينتمون إلى دول الكتلة الشرقية.

يجوز للقضاة أن يقدموا حكم مشتركاً أو أحكاما مستقلة حسب آراء كل منهم. وتؤخذ القرارات وتقدم الاستشارات وفق نظام الأغلبية، وفي حال تساوي الأصوات، يعتبر صوت رئيس المحكمة مرجحاً. تسمى غالبًا المحكمة العالمية وهي أعلى وكالة قضائية في هيئة الأمم المتحدة. وهي توفر وسائل سلمية لحل النزاعات القانونية الدولية.

 

 وتعالج فقط القضايا التي تتقدم بها دول أو منظمات دولية معينة وتستند قراراتها على مبادئ القانون الدولي ولا تقبل الاستئناف. وتستمع المحكمة إلى عدد قليل نسبيًا من القضايا. ولكن كثيرًا من النزاعات بين الحكومات تسوى في محاكم دولية أخرى، أو محاكم قومية مستندة إلى القانون الدولي. لا تمثُل أية دولة أمام المحكمة، ما لم تكن راغبة في ذلك.

 وتجدر الإشارة إلى ضرورة التمييز ما بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.

 

المحكمة الجنائية الدولية

 

 تأسست المحكمة الجنائية الدولية سنة 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء.

 تعمل هذه المحكمة على إتمام الأجهزة القضائية الموجودة، فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا، فهي بذلك تمثل المآل الأخير.

 

 

 

 فالمسؤولية الأولية تتجه إلى الدول نفسها، كما تقتصر قدرة المحكمة على النظر في الجرائم المرتكبة بعد 1يوليو 2002، تاريخ إنشائها، عندما دخل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ.

وهي منظمة دولية دائمة، تسعى إلى وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقوبة – وهي ثقافة قد يكون فيها تقديم شخص ما إلى العدالة لقتله شخصا واحدا أسهل من تقديمه لها لقتله مئة ألف شخص مثلاً، فالمحكمة الجنائية الدولية هي أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية، وبزمن غير محدد، لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الفظائع بحق الإنسانية وجرائم إبادة الجنس البشري.

 

بلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة 121 دولة حتى 1 يوليو 2012 "الذكرى السنوية العاشرة لتأسيس المحكمة"، وقد تعرضت المحكمة لانتقادات من عدد من الدول منها الصين والهند وأمريكا وروسيا، وهي من الدول التي تمتنع عن التوقيع على ميثاق المحكمة.

تعد المحكمة الجنائية هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة، من حيث الموظفين والتمويل، وقد تم وضع اتفاق بين المنظمتين يحكم طريقة تعاطيهما مع بعضهما من الناحية القانونية.وقد فتحت المحكمة الجنائية تحقيقات في أربع قضايا أوغندة الشمالية وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى ودارفور. كما أنها أصدرت 9 مذكرات اعتقال وتحتجز اثنين مشبه بهما ينتظران المحاكمة.

يقع المقر الرئيس للمحكمة في هولاندا لكنها قادرة على تنفيذ إجراءاتها في أي مكان. وقد يخلط البعض ما بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية والتي تدعى اختصاراً في بعض الأحيان المحكمة الدولية (وهي ذراع تابع للأمم المتحدة يهدف لحل النزاعات بين الدول)، لذلك لابد من التنويه إلى أنهما نظامان قضائيان منفصلان.

طبقا للمادة 5 من اتفاقية 1998 تنظر المحكمة في 4 جرائم وهي:

 

- يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وللمحكمة بموجب هذا النظام اﻷساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية:

 

1-جريمة اﻹبادة الجماعية:

 أي فعل من اﻷفعال التالية يرتكب بقصد إهﻼك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهﻼءا آليا أو جزئيا، قتل أفراد الجماعة. إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة و إخضاع الجماعة عمدا ﻷحوال معيشية يقصد بها إهﻼئها  الفعلي آليا أو جزئيا.فرض تدابير تستهدف منع اﻹنجاب داخل الجماعة، وكذا  نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.

2-الجرائم ضد اﻹنسانية:

متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم القتل العمد،اﻻسترقاق،إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد اﻷساسية للقانون الدولي،ﻻغتصاب، أو اﻻستعباد الجنسي، أو اﻹكراه على البغاء، الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان ﻷسباب.

3-جرائم الحرب:

كون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، وﻻ سيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم،

لغرض هذا النظام اﻷساسي، تعني جرائم الحرب،اﻻنتهاكات الجسيمة ﻻتفاقيات جنيف المؤرخة 12 / آب أغسطس 1949، أي أي فعل من اﻷفعال التالية ضد اﻷشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة،اﻻنتهاكآت الخطيرة اﻷخرى للقوانين واﻷعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة، في النطاق الثابت للقانون الدولي..

4-جريمة العدوان

اتفقت الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية حول ما يمثل جريمة العدوان، والتي كانت مثار خلاف حول تعريفها بين الدول لأكثر من 10 سنوات.  واتفقت الدول الأعضاء على تعديل ميثاق روما، المؤسس للمحكمة، لتعريف جريمة العدوان على أنها "التخطيط والإعداد والبدء أو التنفيذ من شخص في وضع يمكنه من السيطرة أو توجيه الإجراء السياسي أو العسكري للدولة، لفعل عدواني والذي بطبيعته وحجمه وخطورته يمثل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة"

 

 بموجب القرار المعتمد في نهاية مؤتمر مراجعة ميثاق روما، فإن حصار الموانئ أو سواحل دولة من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى بالإضافة إلى غزو أو اعتداء قوات دولة لأراضي دولة أخرى جميعها تعتبر أعمال عدوان بموجب الميثاق. ووافقت الدول على أن للمحكمة صلاحية النظر في جريمة العدوان، ولكن فقط في تلك المرتكبة بعد عام من مصادقة 30 دولة على الميثاق المعدل. ولن يحدث هذا قبل عام 2017، عندما تلتقي الدول مرة أخرى لمراجعة التعديل.

كما أشار القرار إلى أنه إذا ما أراد المدعي العام بالمضي قدما في التحقيق في بعض القضايا المحتملة، فيمكن تحويل الأمر إلى مجلس الأمن، وعندما يؤكد المجلس وقوع جريمة عدوان، فإن المدعي العام سيواصل التحقيق .وتضم المحكمة في عضويتها حاليا 111 دولة، بينما وقعت 37 دولة أخرى على الميثاق لكنها لم تصادق عليه، إلا أن بعض الدول القوية مثل الصين والهند والولايات المتحدة وروسيا لم تنضم للمحكمة

 

المحاكم الدولية الخاصة:

 

وجدت المحاكم الدولية منذ نشأة النظام الدولي الحديث بغرض تسوية المنازعات ما بين الدول وفي بعض الأحيان ما بين جهات دولية فاعلة أخرى. غير أن عقد محاكمات نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية هو الذي أفضى بشكل رئيسي إلى إنشاء محاكم خاصة تنظر في القضايا الجنائية المرفوعة ضد الأفراد فيما يتعلق بالجرائم الدولية الأساسية، أي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

أُنشئت أولى المحاكم الجنائية الدولية  بعد محاكمات طوكيو ونورمبرغ في تسعينات القرن الماضي للرد على الفظائع التي ارتكبت خلال النزاع في يوغوسلافيا السابقة وعلىأعمال القتل الجماعي في رواندا. وأنشأ مجلس الأمن كلاً من المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) والمحكمة الدولية المماثلة لها لرواندا (ICTR)

تشارك الأمم المتحدة في العديد من المحاكم المنشأة لتحقيق العدالة لضحايا الجرائم الدولية. وأنشأ مجلس الأمن محكمتين مخصصتين، المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. كما تشارك الأمم المتحدة بأشكال مختلفة في المحكمة الخاصة لسيراليون، والدوائر الاستثنائية في المحاكم الكمبودية، وغيرها.

وفي حين تظل العدالة الانتقالية وسيادة القانون تتسمان بالأهمية بالنسبة للأمم المتحدة، فمن المرجح أن تتناول المحكمة الجنائية الدولية معظم الحالات التي تنشأ مستقبلا. وهناك العديد من المصادر الثانوية للمعلومات التي يمكن أن تدعم البحث في مختلف جوانب عمل المحاكم.

محكمة نورمبرغ  للنظر في الجرائم التي ارتكبها كبار مجرمي الحرب الألمان  يؤخذ عليه أنه لم يسمح باشتراك دول الحلفاء الصغرى واقتصر فقط على الدول الكبرى ، كما أنه لم يسمح بمساهمة دول محايدةوفي حالة مرض القاضي يحل محله نائبه ، وفي هذا مخالفة لمبدأ شفوية المحاكمة الذي يعد من المبادىء الجوهرية والذي يفيد حضور هيئة المحكمة كل جلسات المحاكمة

محكمة طوكيو شارك فيها كل من الولايات المتحدة ، الصين ، بريطانيا ، الإتحاد السوفياتي لمحاكمة مُجرمي الحرب الكِبار في الشرق الأقصىوقد أغفل تقرير طوكيو الجرائم ضد الإنسانية وقيل عن هذه المحكمة أنها ليست إلا محاكمة منكسر من قِبل منتصر عليه ، وأنه كثيراً من المبادىء قد انتهِكت أثناء الدعوى 

 

المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة

الاسم الرسمي المحكمة الدولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني التي ارتكبت في إقليم يوغوسلافيا السابقة منذ عام 1991انشئت بموجب قرار مجلس الأمن 827 (1993) المؤرخ 25 مايو 1993يوجد مقرها في لاهاي، هولندا

 

المحكمة الجنائية الدولية لرواندا

  الاسم الرسمي هو المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن أعمال الإبادة الجماعية وغير ذلك من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني التي ارتكبت في إقليم رواندا والمواطنين الروانديين المسؤولين عن أعمال الإبادة الجماعية وغيرها من الانتهاكات المماثلة المرتكبة في أراضي الدول المجاورة بين 1 كانون الثاني/يناير و 31 كانون الأول/ديسمبر 1994 ،أنشئت بموجب قرار مجلس الأمن 955 (1994) المؤرخ 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 ، يوجد مقرها في أروشا، جمهورية تنزانيا المتحدة ، وفي 31 ديسمبر أنهت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (المحكمة الدولية) انعقادها رسميا.

المحكمة الخاصة بلبنان

 

يجوز رد القضاة سنداً للمادة 28/ 2 التي تجيز الإسترشاد بالقانون اللبناني عند غياب النص والمادة 20 حتى 30 من قانون أ.م.م. تجيز ذلكيلاحظ أن النيابة العامة لا تعتبر جزءاً متمماً للمحكمة إذ يكون انعقادها صحيحاً بالقضاة الأربعة . بعكس النظام اللاتيني الذي يجعل من النيابة العامة جزءاً متمما للمحكمة بحيث لا يكون انعقادها صحيحاً إلا بحضورها وتجلس على القوس بجوار أعضاء هيئة المحكمة .

 

تنفرد ببعض الخصائص وأهمها أنها محكمة شبه دولية " Semi-international "  إنشاءها تمّ لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن التفجير الذي وقع في 14/2/2005 وأسفر عن مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وآخرين . وهذا الإنشاء صدر عن مجلس الأمن بموجب القرار 1757 في 30/5/2007 وبموجب الفصل السابع وجاء القرار في ثلاثة أجزاء : مضمون قرار الإنشاء ، والإتفاقية المُبرمة بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة (وإن من إيجابيات هذه المحكمة أنها ستكشف عن العديد من الحقائق إذ قتل في هذا البلد ما يفوق 145 ألف وجرح ما يقارب 180 ألف جريح وهناك 17 ألف مفقود في فترة الحرب الأهلية بين 1975 و 1990 كما ترافق مع إغتيال الرئيس الحريري في 14/2/2005 إغتيال العديد من المواطنين وقادة الرأي ونواب ووزارء في ظل وجود القوات السورية في لبنان 

 

ليست هناك تعليقات