كتاب ملحمة عيد الغدير ومؤلفها الشاعر بولس سلامة

 إضاءة على ملحمة عيد الغدير ومؤلفها الشاعر بولس سلامة 

ملحمة عيد الغدير ومؤلفها الشاعر بولس سلامة


وبمناسبة عيد الغدير في الثامن عشر من ذو الحجة والتي مرت على المسلمين منذ يومين نقدم هذه الإضاءة 

 ولد الشاعر في بكاسين قضاء جزين جنوب لبنان سنة 1902 ودرس في عدة مدارس، وبعد ذلك درس الحقوق في الجامعة اليسوعية ثم عمل قاضياً فترة من حياته. أُصيب بمرض أقعده الفراش قرابة أربعين عاماً أُجريت له خلالها أكثر من عشرين عملية جراحية، وتوفي عام 1979.  

قبل الخوض بالإضاءة على هذا العمل الأدبي  الملحمي نضيء على مناسبة عيد الغدير :

في ال18 ذو الحجة ترك الله ورسوله لنا الحجة البالغة نحن معاشر المسلمين :

وهي التبليغ بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال تعالى : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ  وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) المائدة. 

وهو أي الرسول الذي قال اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ...وعلى رأس هذا البيت علي بن أبي طالب 

في هذا اليوم جمعت الدوحات ونصب منبر لرسول الله وصعد عليه مع صهره وابن عمه وأخيه ونفسه وخاطب المسلمين (وهنا الكلام للمؤمنين من المسلمين لأنه حتما هنالك من المسلمين ليسوا بمؤمنين وبالفعل هناك من آمن بكلام رسول الله وآخرين لم يؤمنوا ).

وقال :لهم من أولى من المؤمنين من أنفسهم قالوا أنت يا رسول الله و كررها وكان الجواب أنت يارسول الله وهنا رفع بيد علي بن أبي طالب .

و سأنقل الرواية و الكلام كما ورد في مسند أحمد بن حنبل في جزءه الرابع : "حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عثمان ثنا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذا بيد علي رضي الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" "قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة". وبعدها نزلت على قلب رسول الله آخر من آيات الذكر الحكيم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] .

وبالفعل بدأ المسلمين بتهنئة علي بن أبي طالب عليه السلام ومن أول المهنئين عمر ابن الخطاب وانه أصبح مولي كل مؤمن ومؤمنة  واماما للمسلمين وأصبح هذا اليوم عيدا للمسلمين المؤمنين بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وامامته على المؤمنين أولا والمسلمين ثانيا .  

هذا العمل الأدبي أول ملحمة شعرية عربية تتناول أهم نواحي التاريخ الاسلامي وبخاصة الهاشميين العلويين وما يتعلق بهم من الجاهلية الى آخر دولة بني امية 

يعد الشاعر اللبناني بولس سلامة من أشهر الشعراء الذين وقفوا جزءاً مهماً من شعرهم على ذكر أهل البيت عليهم السلام ، فتنوعت قصائده فيهم متضمنة عدة أبواب من الشعر من مديح ورثاء وغيرهما . ومعظم هذه القصائد تضمنها ديوانه "عيد الغدير" الذي اصطلح النقاد والباحثون على إطلاق إسم الملحمة عليه 

ويشير الشاعر في تصديره لهذه الملحمة إلى أنه نظمها استجابة لاقتراح الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين في العام 1947 وأنهاها سنة 1948. 

وإذا كان العنوان يوحي باقتصار الملحمة على حديث الغدير فالأمر ليس كذلك " فليس  حديث الغدير ( سوى فصل من هذا الكتاب الذي مداره أهل البيت  في أهم ما يتصل بهم من الجاهلية الى مأساة كربلاء" .

ولما عزم الشاعر على نظم هذه الملحمة إنصرف إلى درس المراجع التاريخية، ويقول أنه قلما اعتمد مؤرخي الشيعة بل الثقات من مؤرخي السنّة قطعاً للظن والشبهات، مع تقيده بالتاريخ جهد الإستطاعة. 

ويضيف أنه لزمه ستة أشهر لتأليف هذا الكتاب منها ثلاثة لدرس الموضوع وهذه الملحمة منظومة في أكثر من ثلاثة آلاف بيت من البحر الخفيف موزعة على سبعة وأربعين فصلاً أو قصيدة، يبدأها الشاعر بقصيدة عنوانها "صلاة" يشير فيها إلى معاناته من المرض ومنتهياً بمديح الإمام علي عليه السلام فيقول:‏

يا مليك الحياة أنزل عليّا‏             عزمةً منك تبعث الشعر حيا‏

واهبَ النور والندى للروابي‏‏‏         أولني من جمال وجهك شيئا

إن حظي من الحياة سرير‏            صار مني فلم يعد خشيبا 

يا إلهي سدد خُطايَ فإني‏‏             قد تمرست بالضلالة غيا‏

هات يا شعر من عيونك واهتف      باسم من أشبعَ السباسب ريا‏

باسم زين العصور بعد نبيٍ‏‏           نوّر الشرق كوكباً هاشميا‏

خيرِ مَن جلَّل الميادين غاراً‏          وانطوى زاهداً ومات أبيا‏

كان رب الكلام من بعد طه‏‏           وأخاه وصهره والوصيا‏

يا سماء اشهدي ويا أرض قرّي     ‏‏واخشعي انني أردت عليا 

وفي القصيدة التالية يأخذ الشاعر في الحديث عن وضع الناس في الجاهلية وعبادتهم للأصنام وشربهم للخمر وممارستهم لأنواع المنكر. وفي القصائد التالية يتحدث عن قريش وهاشم وعبد المطلب وصلاة الاستسقاء التي اقامها الأخير حين أجدب الناس، ثم يذكر ميلاد الرسول (ص) وحماية عمه أبي طالب له وبعثته الشريفة وبعد أن يفرغ الشاعر من ذلك يصف مولد الإمام علي (ع) داخل الكعبة ، وبزوغ فجر الإسلام على يدي رسول اللَّه (ص) وهجرته إلى المدينة ثم لحاق الإمام به بعد مبيته في فراشه (ص) ثم تتوالى قصائد أو فصول الملحمة مع ذكر أهم المحطات في تاريخ الإسلام من ذكر الغزوات المتعددة مروراً بيوم الغدير الذي نصب فيه الرسول ( ص)  الإمام علياً (ع) خليفة له على المسلمين. 

يقول : في هذه المناسبة (ولاية أمير المؤمنين في غدير خم):

عاد من حجة الوداع الخطير     ولفيف الحجيج موج بحور

بلغ العائدون بطحاء (خم)        فكأن الركبان في التنور

عرفوه غدير خم وليس          الغور الا ثمالة من غدير 

جاء جبريل قائلا : " يا نبي    الله بلغ كلام رب مجير 

ما دعاهم طه لأمر يسير         وصعيد البطحاء وهج حرور

وارتقى منبر الحدائج طه        يشهر السمع للكلام الكبير 

"أولا تشهدون ان لا اله         غير رب فرد رحيم غفور

وبأني عبد له ورسول           لم يقصر في النصح و التبشير

وبان الممات حق وان           البعث  حق لجنة أو سعير 

للبغاة الاشرار سوط عذاب      للميامين كسوة من حرير 

فاجابوا :بلى فقال الهي           أنت فاشهد لعبدك المأمور 

ايها الناس انما الله مولاكم        ومولاي ناصري ومجيري

ثم اني وليكم منذ كان الدهر طفلا حتى زوال الدهور

يا الهي من كنت مولاه حقا         فعلي مولاه غير نكير

يا الهي وال الذين يوالون ابن عمي وانصر حليف نصيري

كن عدوا لمن يعاديه واخذل       كل نكس وخاذل شرير 

ثم يذكر الشاعر ما جرى من بني أمية ضد أهل البيت ( عليهم السلام ) وواقعة كربلاء المفجعة،

هذه الطبعة منقحة و مزيدة وصادرة عن دار الأندلس في بيروت1961م 

‏ترك الشاعر بالإضافة إلى عيد الغدير عدة كتب نثرية منها (مذكرات جريح وحكاية عمر والصراع في الوجود).            رقم تصنيف الكتاب 811 / س ل ا ع



ليست هناك تعليقات