مقالة قيمة الفلسفة وأهميتها

 هل الفلسفة ضرورية ؟

المشكلة

تعد الفلسفة من أقدم البحوث التي وضعها الإنسان وهي من أولى محاولاته الفكرية ولذلك فهي تعرف بأنها ذلك النمط المتميز من التفكير الذي يمارسه الفلاسفة حول القضايا الميتافيزيقية العقلية، ولكن مسألة قيمة الفلسفة وأهميتها أثارت جدلا واسعا، حيث يرى البعض أن الفلسفة لها قيمة وأهمية، وهذا ما نلاحظه عند الكثير من الفلاسفة الذين يؤكدون على ضرورتها، وبالتالي اعتبروها ضرورة فكرية ملازمة للإنسان، بينما هناك رأي آخر يناقضه يؤكد أنصاره أن الفلسفة غير ضرورية وهي مجرد ترف فكري وعالم خيالي عقيم. ومن هنا حق لنا أن نتساءل هل للفلسفة قيمة فكرية للإنسان أم أنها مجرد ترف فكري لا طائل منه؟ أو بمعنى آخر هل أصبح الإنسان في غنى عن الفلسفة في ظل التطور العلمي؟

محاولة حل المشكلة

الموقف الأول يرى أنصار الفلسفة أن للفلسفة قيمة كبرى وأهمية عظيمة للإنسان، والدليل على ذلك هو أن الفلسفة من حيث التعريف عبارة عن تفكير وتأمل، ولا يمكن أن يمارس التفكير بالطبع إلا الإنسان، وأيضا نرى هذا الإنسان ونظرا إلى كونه مفكرا فهو يميل بالفطرة إلى التساؤل عن القوانين التي تحكم وجوده ووجود الأشياء المحيطة به، فمثلا هو يتساءل عن أصله ومصيره، وطبيعة ما يحيط به من أسرار وألغاز وسيحمله تساؤله هذا إلى ممارسة التفلسف والشك في ما يراه وما يكتسبه من معارف،

6

فالفلسفة إذن سلوك فطري يولد مع الإنسان ولا ينعدم إلا بانعدامه فهي عبارة عن تساؤلات يطرحها الإنسان باستمرار. بالإضافة إلى أن الإنسان يمتلك خاصية جوهرية وهي الفضول الذي يعتبر حافزا على التفلسف، وهو مظهر من مظاهر التفكير، لهذا نجد ديكارت يقول: "إن العيش بدون تفلسف كالذي أغمض عينيه ولم يحاول أبدا فتحها". ويقول أرسطو مستهزءا: "تقولون يجب أن نتفلسف، فلنتفلسف بالفعل، تقولون لا يجب أن نتفلسف، فلنتفلسف أيضا حتى نبرهن على ذلك على كل من الضروري أن نتفلسف"، فإذا كانت خاصيتنا الجوهرية هي التفكير، وكان التفلسف مجرد تفكير استنتجنا أنه ليس في وسعنا طرح الفلسفة وإبعادها من مجال حياتنا لسبب واحد، وهو أننا دوما نفكر وعلى حد تعبير "اميرسن" "إننا نتفلسف كما نتنفس"، بالإضافة إلى هذا فتقدم العلم مرهون بوجود التفكير الفلسفي، فمهما كان تقدم العلم واسعا تبقى الفلسفة بالنسبة إليه ضرورية فهي دراسة انتقادية له في مبادئه وموضوعاته وطرقه المنهجية ونتائجه وعليه فهي تعمل على إعادة بناءه لذلك قال غوبلو : "لقد عملت الفلسفة على تلوين سائر العلوم فغذتها في حجرها حتى تكاملت وتحررت ، وبالتالي فإن للفلسفة قيمة بالنسبة للعلم والإنسان. النقد : نحن لا ننكر أن الفلسفة تنير العقل وتفتح له آفاق عديدة كما أنها تساعد الإنسان على فهم الحياة والتفاعل معها، لكنها في الوقت ذاته لا تعطينا أجوبة كافية شافية لما نطرحه من تساؤلات، بحيث نجد لكل سؤال ما لا نهاية من الأجوبة وكل جواب يولد رعة من الأسئلة لا نهاية لها. الموقف الثاني في المقابل نجد للفلسفة خصوما، وهم متعددو الاتجاهات والنزعات، فمنهم الذين انتقدوا الفلسفة في بعض أجزائها كأبي حامد الغزالي، أو انتقدوا الفلسفة كلها كبعض الفقهاء المسلمين ومنهم ابن تيمية وبن صلاح وذلك باسم أنها مناقضة للدين الجوانب، لذلك يؤثر عن ابن تيمية انه قال: "من تمنطق فقد تزندق" ، ومنهم أصحاب النزعة العلمية أمثال "أوجست كونت" و"غاستون باشلار" الذين يميلون إلى الاعتقاد بأن العلم سوف يجيب على جميع الأسئلة التي تضايق الإنسان، وسوف يحل جميع المشاكل المطروحة في محيطه، بفضل ما حققه العلماء من تطور علمي وتقدم تكنولوجي في جميع مجالات العلم، وفي نظر هؤلاء فإن الكلام عن الفلسفة اليوم يبدو غريبا نظرا لانتشار الكشوفات العلمية والمخترعات في هذا العصر، فلا حديث إلا عن غزو الفضاء، والأسلحة النفاثة غاستون باشلار " ان المعرفة التي ليست علما ليست معرفة بل "جهلا" وعليه تكون الفلسفة في نظر هؤلاء مجرد أبحاث نظرية ولا نتائج نهائية لها، وعلى هذا لا يمكن الاستفادة منها عمليا يقول وليام جيمس "الميتافيزيقا مجرد خرافة"، كما أنها مجرد تساؤلات كثيرا ما تكون متناقضة ومثيرة للشكوك والصراعات الفكرية، وأن الفيلسوف يعيش دائما منعزلاً بعيداً عن الناس وعن المجتمع، فهي عديمة الجدوى في الحياة العملية، لأنها تعبير عن شيء غامض، لا سبيل إلى فهمه، ولا جدوى من الاشتغال به ومن ثم فإن الاشتغال بها جهد ضائع، وإنهاك للفكر فيما لا طائل من ورائه، وهي معقدة وصعبة وعسيرة على الفهم ومن العبث محاولة فهمها لأنّها لا تقول كلاماً سهلاً لذلك يقول لانيو "التفلسف هو تفسير الواضح بالغامض"، وبالتالي لا ضرورة للفلسفة.

للفلسفة

النقد : لكن موقف الخصوم قد تعرض لانتقادات شديدة، فلقد انحرف هؤلاء عن الصواب لأن من يرفض الفلسفة باسم الخروج عن الدين أو الهذيان، يتحتم عليه أن يبرهن على صدق رأيه ليقنع من لا يقتنع به، وهذا تفلسف لا غنى له عنه، حتى قيل: كل نفي هو فلسفة أو تفلسف أو كما يرى أرسطو : " أن كل رفض للفلسفة يحتاج الى الفلسفة"، وإذا سلمنا بمنطق أصحاب النزعة العلمية، فهل يستطيع العلم تجاوز البحث في الطبيعة، فما عساه مثلا أن يقول في وجود الروح؟ التغليب من خلال عرضنا للموقفين يمكننا القول إن الفلسفة في كافة العصور تعتبر الأساس والدافع الذي يدفع المجتمعات نحو التقدم والحضارة ومن هنا جاءت أهميتها العظيمة التي نشدد عليها، لذلك لا ينبغي للإنسان التخلي عن الفلسفة، بل لا بد من الاهتمام والتأسيس للفكر الفلسفي الذي يعد بحق السبب الأول في تطور الأمم والمجتمعات يقول أرسطو "ان الحياة الخالية من التأمل لا

تليق بالبشر"

حل المشكلة

ومما سبق نستنتج بأن للفلسفة قيمة ليست بالهيئة، ويتمثل دورها في تفسير طبيعة الموجودات وحقيقتها ومصير الكون والإنسان، ولها أيضا دور معرفي يتمثل في العمل على تطوير العلم، وهكذا يتجلى لنا أن الفلسفة ضرورية و ا ما أفصح عنه "ديكارت" في قوله "إن الفلسفة وحدها هي التي تميزنا عن الأقوام المتوحشين والهمجيين، وحضارة أمة ) افتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف فيها ، و من ثمة كانت الفلسفة ضرورية للإنسان سواء فعلها عن قصد أو بطريقة عفوية






ليست هناك تعليقات